المقدمة
مع العدد الخامس من مجلة الشمس.. نكون قد تجاوزنا البدايات.. بدايات الانطلاق.. وانتقلنا بجهودكم ودعمكم لمحطة جديدة في رحاب العلم والمعرفة والثقافة والابداع.. هي محطة تزيدنا إصراراً وفخراً وثقة تؤكد بأننا.. نسير في الطريق والاتجاه الصحيح.. ومع هذا السير.. وفي هذه المحطة.. تتوسع الرؤية.. لنختار بتمعن.. ما يكشف لنا ولكم ضياء الشمس.. المزيد من أوجه الاستغلال البشعة.. سنتوقف عندها باهتمام لنزيح عنها القناع.. ونضعها امامكم عارية مفضوحة.. عبر ملفات ووثائق.. تمّ اختيارها بدقة.. من بين الكثير من الكتابات المهمة في هذا المجال..
لتشكل محوراً رئيسياً من صفحات العدد الخامس المميز.. تبدأ بمختارات ونماذج من أطعمة مسمومة.. وأدوية مغشوشة.. ومياه ملوثة.. هي من أوليات حياتنا.. التي يعبث بها من يتحكم بعالمنا.. ويديره بأيادي قذرة.. ليسبب لنا المزيد من الأمراض والمشاكل والعلل النفسية.. وما يرافقها من صعوبات في الحصول على فرص العمل والغلاء المستشري في كافة بلدان العالم..
كما ستكتشفون مع بقية ملفات وفصول عددنا.. حيث افردنا ملفاً كاملاً لمجموعة (بلدرْ بيرغ) التي تتحكم بالعالم وتديره..
وهذا ليس غائباً عن اذهاننا ولا نغفله.. لكن نضعه في ملف بين صفحات عددنا.. لكي يكتشف الجيل الجديد من أبنائنا.. اوجه العلاقة والربط بين نتائج الحروب المدمرة.. والعنف السائد في عصرنا.. الموجه لتخريب حياة الناس وتدمير بلدانهم واستغلال ثرواتهم من جهة.. لكي تزداد أرباح البعض الآخر من مستغليهم.. من الفساد واللصوص وسراق وحرامية العصر من جهة ثانية..
وهذا هو الوجه المعلن.. وليس الخفي.. في السياسة السائدة في عالمنا.. التي ما زالت ترتكز لمنطق القوة في العلاقات الدولية.. وتشهد تواصلا للتدخلات العسكرية.. ابتداءً من اساطيل أميركا.. التي مازالت تسعى للتشبث والانفراد بقيادة العالم.. المرتكز على القطب الأوحد.. منذ أكثر من ثلاث عقود من الزمن.. وبات ينحو.. تحت ضغط التحولات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية.. نحو تعدد الأقطاب..
وبين بقية أوجه وأشكال الاستغلال المقنعة والمستورة.. المغلفة برياء الرأسمالية وبريقها الكاذب.. التي لا تقل بشاعة عنها.. وتخفي وراءه جشعاً لا حدود له.. في عصر بات ينتج المزيد من الأرباح المتراكمة.. ويفرز طبقة من (المليارديرية).. الذين يزداد عددهم في كل يوم.. بفعل تراكم رأس المال.. سيفرز من بينهم أول (تريليونر) في العالم.. بعد اقل من نصف عقد من الزمن القادم..
هي أشكال ومظاهر للاستغلال.. تستكمل طبيعة العلاقة بين الجوهر والمظهر.. كما يقول الفلاسفة.. تساهم في ذات الاتجاه.. لتدمير حياتنا وتحويلها الى جحيم لا يطاق.. عبر وسائل لا تخلو من التخطيط والبرمجة والغش والعبث بمستلزمات وضرورات حاجاتنا للحياة والصحة ـ من غذاء ودواء وماء وكساء وسكن ـ باتت هي الأخرى ملوثة ومحملة بالمزيد من أسرار وشحنات الموت.. الذي أخذ ينتشر بيننا ويفتك بنا ونعاني منه.. في كل يوم.. لا بل في كل ساعة..
تمثل بقائمة طويلة من الادوية المغشوشة.. الخالية من المفعول.. التي بيعت كميات منها بمبلغ 20 مليار دولار لبلدان الشرق الأوسط فقط.. بما فيها ادوية السرطان.. التي أصبحت تسوق وتحمل اغلفة وماركات تصنيع مزورة.. ناهيك عن طبيعة الأطعمة والأغذية.. التي بتنا نتناولها.. وليس لنا خيار آخر.. بعد انْ استحكمت بنا هذه الفئات الجشعة.. وأصبحت تقدم لنا عبر منتوجاتها.. المزيد من السموم القاتلة.. لكي تواصل هي حصد المزيد من الأرباح.. من عذاباتنا ومعاناتنا.. وبتنا نحن البشر.. كفئران التجارب.. محاطين بهالة من المتابعين لأقفاصها “غير المرئية”.. هي اقفاص بحجم دول كبيرة.. تعيش فيها شعوب وقبائل متقاتلة.. تتطاحن وتعاني من الخراب والدمار والتهجير.. واستمرار العنف المنفلت.. يجري تغطيتها ونقلها عبر وسائل إعلامية كـ “ملابسات” ونزاعات محلية ـ داخلية بين البشر.. مشفوعة بأكاذيب إعلامية عن السلام والأمن وحقوق الانسان.. والحرص الدولي على حل المنازعات بين المتخاصمين.. في نطاق مؤسسات عالمية متهرئة وعاجزة.. في المقدمة منها هيئة الأمم المتحدة ومجلس الامن والجامعة العربية.. التي أصبحت هياكل وتسميات مشلولة تفتقد للإرادة.. لا تستطيع انْ تفعل أي شيء جدي.. لتتجاوز الدور المرسوم لها.. وباتت هي الأخرى.. تعاني من العلل.. وتحتاج للتغيير والتجديد.. والبحث عن البديل الأفضل الملائم لعصرنا.. الذي يشهد تحولات خطيرة وسريعة.. تتطلب مواكبتها واستكشاف معالمها والتقليل من تأثيرها السلبي..
وفقاً لإرادة الشعوب.. التي تسعى للانعتاق والتحرر من جور الاستغلال.. بكافة صوره واشكاله القديمة والجديدة.. في هذا العصر.. الذي ما زال فيه الأحرار من البشر قادرين على التمسك بخياراتهم.. وفرض ارادتهم عند مواجهتهم للأشرار والعابثين بحياتهم.. والمقامرين بمستقبلهم ومستقبل أبنائهم..
من الساعين للاستحواذ على كل ما في الطبيعة من خيرات وامكانيات.. الذين يتعاملون مع البشر والشعوب كعبيد وأتباع لهم.. وتزداد خطورتهم من خلال تواجدهم في البلدان الصناعية.. التي تلعب دوراً مهماً ومؤثراً في قيادة وتشكيل العالم..
الذي اخذ يتداول مفاهيم التحرر وحقوق الانسان وقيم الديمقراطية.. بعد الحرب العالمية الثانية.. وفسح مجالاً لـ اللاجئين والمضطهدين منهم.. للانتقال والعيش في عدد من البلدان الاوربية.. التي صنفت ببلدان الرفاه الاجتماعي..
لكنها هي الأخرى باتت تعاني اليوم من حجم التحولات الاقتصادية السريعة ومشاكل ومعضلات بنيوية يصعب إيجاد الحلول لها.. وما يرافقها من تحولات فكرية وسياسية.. ما زالت تفرز اتجاهات يمينية ـ عنصرية متطرفة.. تؤسس لاتجاهات فاشية ونازية جديدة.. أصبحت تقترب من إمكانية استلام السلطة في عدد كبير من البلدان الاوربية وفي المقدمة منها إيطاليا وألمانيا وفرنسا والنمسا واليونان وبلغاريا وهنغاريا الخ..
هي اتجاهات عنصرية خطيرة.. تترافق مع كم هائل من الفساد الشامل.. الذي تحول لظاهرة عالمية.. وبات لا يكتفي بكميات الربح العادية.. ويسعى للربح السريع واللامحدود.. ولنْ يكتفي بالحروب والمتاجرة بالسلاح.. وتوجه بشكل سافر وبلا خجل.. وفقاً لمخططاته الجديدة وبرامجه الصناعية ـ التكنولوجية.. للعبث ببقية صفحات حياتنا.. من خلال المتاجرة اللاعقلانية بالغذاء والدواء والصحة والملابس.. حتى لو تطلب غشها ودمج السموم القاتلة فيها.. وهناك بينهم من لا يكتفي بهذا أيضا.. وأخذ يطرح مفاهيم ما بعد الانسان..
وهو ما يحصل امامنا.. في هذا العصر.. الذي يدار بأيادي قذرة.. وضعت نصب عينيها الربح.. ومن ثم الربح والربح فقط.. حتى لو تطلب الامر تواصلاً للحروب الفتاكة بأشكالها الجديدة.. وتلويث البيئة.. ودمج السموم بالغذاء والمياه..
إضافة الى المخلفات الصناعية القاتلة.. التي باتت تشكل جزءً من رضاعة أول جرعة حليب من ثدي امهاتنا.. محتوية على جزيئات من البلاستيك.. كما ستقرأون للأسف.. في ملف هذا العدد.. عن حليب الأمهات.. وفقاً للتقارير العلمية.. ونتائج تحليل المختبرات في إيطاليا.. وعدد اخر من البلدان في العالم..
ولكي نربط الاحداث والنتائج بمسبباتها وعللها.. وضعنا ملفاً وبحثاً كاملا.. للزميل صباح كنجي تناول فيه ثلاث مظاهر تجمع بين.. (فساد السلطة ونمو الظاهرة الدينية المتطرفة والاحتلال التركي) لمناطق شاسعة في اقليم كردستان..
اما بقية ملفات العدد فهي مواصلة لذات الجهود في مجال الثقافة الإبداعية الرصينة.. ستجدون معلومات عن الشاعر زينل الصوفي من تلعفر.. للفنان والخطاط مصطفى محمود.. ومسرحيات من فصل واحد للزميل رياض ممدوح جمال.. وحوار مهم مع الكاتب سلام إبراهيم.. بالإضافة الى الصور واللوحات التي تمّ اختيارها لتشكل دعماً واغناءً فنياً لمحتوى العدد.. الذي نأمل.. وفقاً لرؤية أرثر شوبنهاور (يظن كل فرد.. أن حدود مجال رؤيته.. هي حدود العالم).. أن يروق لكم..
مع اعتزازنا..
ـــــــــــــــــــــــــــ
هيئة تحرير مجلة الشمس
30 /8/ 2024
شكرا لجهودكم المبذولة أستاذ صباح .. دمتم