بعد أن تعرض أبناء الديانة الإيزيدية لإبادة جماعية وحشية على يد تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، في قضاء سنجار والقرى والمجمعات المحيطة به، باتت هذه المأساة الإنسانية رمزا من رموز المعاناة العالمية، وقضية تستحق تسليط الضوء على المستويين الإنساني والسياسي. ومع ذلك، خلف ستار حقوق الإنسان والعمل الخيري، برزت وجوه انتهازية استغلت هذا الجرح النازف، محولة القضية إلى مصدر للربح والتربح.
من بين هذه الظواهر، نجد أفرادًا أسسوا جمعيات ومنظمات تحمل أسماء حقوقية بهدف جمع التبرعات والدعم المالي من جهات دولية، مستغلين آلام الضحايا ودموع الناجين لتحقيق مكاسب شخصية. اللافت للنظر أن بعض هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى مناطق الكارثة ذاتها، بينما البعض الآخر من المغتربين الإيزيديين الذين يعيشون في الخارج. ففي ألمانيا على سبيل المثال، ظهرت أسماء مثل امرأة من الإيزيديي تركيا وُصفت بأنها تمثل الضحايا لكنها في الواقع تدير شبكة لتحقيق مصالح مالية. وفي السياق ذاته، يُشار إلى رجل من إيزيديي تركيا يدير “مركزًا إيزيديًا” يُعتقد أنه يستخدم اسم القضية لتحقيق مكاسب شخصية.
الإتجار بدماء الضحايا
هذه الشخصيات لم تكتفِ بجمع الأموال بل تحولت إلى رموز إعلامية تخدم مصالحها. وتحت شعار “الدفاع عن حقوق الناجيات”، أصبح الناجون أنفسهم أدوات للترويج الإعلامي الذي يخدم الجهات الممولة، بينما لم يصل الدعم الحقيقي إلى الضحايا، أو إلى إعادة إعمار المناطق المدمرة مثل سنجار. الأسوأ من ذلك، أن بعض هؤلاء الانتهازيين لا ينتمون فقط إلى محافل بعيدة، بل هم من أبناء سنجار أنفسهم، ما يضاعف من شعور الخيانة بين صفوف المجتمع الإيزيدي الذي عانى الأمرّين.
استغلال سياسي تحت ستار العمل الحقوقي
لم يقتصر الأمر على الأفراد فقط، بل امتد إلى الجهات السياسية التي رأت في هذه القضية فرصة لتحقيق مكاسب سياسية. استُخدمت الإبادة الجماعية كأداة ضغط في المحافل الدولية، لكن بطريقة تخدم أجندات محددة. هذه الجهات أسست منظمات حقوقية بمسميات براقة تُموَّل خصيصًا للترويج لهذه الأجندات، في حين يتم تغييب أصوات الضحايا الحقيقيين ومعاناتهم على الأرض.
لماذا نثير الموضوع الآن؟
قد يتساءل البعض: لماذا يتم فتح هذا الملف اليوم؟ الجواب ببساطة لأن الأمل في أن تتوقف هذه الممارسات قد خاب. لقد استمرت هذه الانتهاكات بلا رادع، ما يجعل من الضروري إلقاء الضوء عليها. إن الاستغلال الممنهج للناجين لا يضر فقط بسمعة القضية الإيزيدية، بل يعمق جراح الضحايا ويزيد من شعورهم بالعزلة والخذلان.
ماذا بعد؟
لا يمكن أن يبقى المجتمع الايزيدي صامتًا أمام هذه الانتهاكات التي تُرتكب تحت ستار حقوق الإنسان. يجب إجراء تحقيقات شفافة لمراجعة مصادر التمويل واستخداماتها، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في استغلال هذه المأساة. كما يجب أن يتم تمكين الناجين والناجيات من التعبير عن أصواتهم دون استغلال، وتوفير الدعم الحقيقي لهم بما يعزز من استقرارهم النفسي والاجتماعي.
القضية الإيزيدية ليست سلعة تُباع وتُشترى في الأسواق الحقوقية، ولا أداة لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية. إنها مأساة إنسانية تستحق احترامًا حقيقيًا ودعمًا مخلصًا، وليس مجرد شعارات فارغة تملأ جيوب الانتهازيين.
د. سعيد بير مراد