الإثنين, فبراير 10, 2025
Homeمقالات"نورد ستريم 2 والحرب الروسية الأوكرانية: هل كانت الولايات المتحدة العقل المدبر؟":...

“نورد ستريم 2 والحرب الروسية الأوكرانية: هل كانت الولايات المتحدة العقل المدبر؟”: د. سعيد بير مراد

/

دبلوماسي عراقي سابق

في واحدة من المناسبات الدبلوماسية البارزة التي شهدتها العاصمة الألمانية برلين، كان لي شرف الحضور في احتفال “يوم الصداقة الألمانية-الروسية”، والذي جمع نخبة من كبار الشخصيات السياسية والدبلوماسية. في هذا الحدث، ألقى وزير الاقتصاد الألماني، بيتر ألتماير، خطابًا شدد فيه على أهمية مشروع نورد ستريم 2كدعامة أساسية لاستقرار الأمن الطاقوي في أوروبا، نظرًا للأسعار التنافسية التي يوفرها الغاز الروسي.

في خضم النقاشات حول أهمية المشروع، أثار السفير الأمريكي في ألمانيا جدلًا بتصريحاته الحادة التي لم تترك مجالًا للشك في الموقف الأمريكي. إذ قال بوضوح: هذا المشروع لن يكتمل، وإذا اكتمل، فسنعمل على وقفه، لأنه يشكل تهديدًا للأمن القومي للدول الغربية. هذه التصريحات كانت مؤشرًا واضحًا على توجهات واشنطن، التي رأت في تعزيز التعاون الطاقوي بين ألمانيا وروسيا تهديدًا مباشرًا لمصالحها الاستراتيجية.

بعد عام واحد فقط من هذه التصريحات، اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أدت إلى تحولات جذرية في المشهدين السياسي والاقتصادي الدوليين. وفي حدث غير مسبوق، تعرض خط أنابيب نورد ستريم 2 لانفجار مدمر تحت بحر البلطيق، مما أوقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا بشكل نهائي.

السؤال المطروح هنا: هل كان هذا التفجير تنفيذًا مباشرًا للتهديد الأمريكي؟ وهل كانت واشنطن بالفعل وراء الحرب الروسية الأوكرانية لضمان مصالحها الطاقوية والاستراتيجية؟

قراءة في آراء الخبراء والمحللين

عند تحليل هذا السيناريو، نجد أن العديد من الخبراء والمحللين السياسيين يعزون الحرب الروسية الأوكرانية إلى عوامل متعددة، بعضها مباشر وبعضها غير مباشر. لكن هناك إجماعًا متزايدًا بين بعض الأوساط البحثية بأن الولايات المتحدة كانت من أبرز المستفيدين من الحرب، ما يجعل احتمال تورطها، بطريقة أو بأخرى، واردًا.

1. موقف واشنطن الاستراتيجي من الغاز الروسي

يرى الخبير في شؤون الطاقة ويليام إنغدال أن الولايات المتحدة كانت تسعى منذ سنوات إلى وقف اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، لأن ذلك يمنح موسكو نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا على القارة العجوز. وقد صرّح في إحدى مقالاته أن الحرب الروسية الأوكرانية لم تكن مجرد نزاع إقليمي، بل كانت حلقة في سلسلة أوسع من السياسات الجيوسياسية التي تهدف إلى إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي، وإبقاء أوروبا تحت السيطرة الأمريكية.

2. الصراع الجيوسياسي بين روسيا والغرب

يشير المؤرخ الأمريكي جون ميرشايمر، وهو أحد أبرز المنظرين في العلاقات الدولية، إلى أن الولايات المتحدة سعت منذ فترة طويلة إلى تطويق روسيا من خلال توسيع نفوذ الناتو شرقًا، وهو ما استفز موسكو ودفعها إلى التحرك عسكريًا في أوكرانيا. ويؤكد أن السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا لم تكن تهدف إلى حماية كييف بقدر ما كانت تهدف إلى استدراج روسيا إلى حرب استنزاف طويلة.

3. المستفيد الأكبر: شركات الطاقة الأمريكية

لا يمكن إغفال حقيقة أن أكبر المستفيدين من الحرب الروسية الأوكرانية هو قطاع الطاقة الأمريكي. فمع توقف تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا، أصبحت الولايات المتحدة المورد الرئيسي للغاز الطبيعي المسال (LNG)، وارتفعت صادراتها بشكل غير مسبوق.

يقول الخبير الاقتصادي مايكل هدسون إن العقوبات الغربية على روسيا لم تكن فقط لمعاقبة موسكو، بل كانت أيضًا فرصة ذهبية للشركات الأمريكية للسيطرة على السوق الأوروبية ورفع أسعار الطاقة. ويضيف أن الارتفاع الهائل في أرباح شركات الطاقة الأمريكية بعد الحرب كان مؤشرًا واضحًا على أن هناك من كان يستعد للاستفادة من هذا السيناريو.

انعكاسات استراتيجية

إن تدمير نورد ستريم 2 لم يكن مجرد خسارة اقتصادية لروسيا وألمانيا، بل كان تحوّلًا استراتيجيًا أعاد تشكيل خريطة الطاقة العالمية. فمن ناحية، خسرت موسكو أحد أهم مشاريعها الطاقوية، ومن ناحية أخرى، وجدت ألمانيا نفسها مضطرة للاعتماد على إمدادات طاقة أكثر تكلفة وأقل استقرارًا، مما أثر على تنافسية صناعاتها.

أما الولايات المتحدة، فقد عززت من سيطرتها على أسواق الطاقة الأوروبية ودفعت بدول القارة إلى مزيد من التبعية لواشنطن، ما أضعف الاستقلالية الاستراتيجية لأوروبا، خاصة في ظل الانقسام الحاد داخل الاتحاد الأوروبي حول استمرار دعم أوكرانيا والموقف من روسيا.

هل واشنطن كانت وراء الحرب؟

في الختام، يبقى التساؤل الأساسي مطروحًا: هل كانت الولايات المتحدة وراء الحرب الروسية الأوكرانية لضمان مصالحها الطاقوية والاستراتيجية؟

بالنظر إلى التصريحات السابقة للمسؤولين الأمريكيين، والتحليل العميق للمتغيرات الجيوسياسية، والحقائق الاقتصادية التي تكشفت بعد الحرب، يمكن القول إن هناك الكثير من المؤشرات التي تدعم هذا الاحتمال. لكن في غياب أدلة قاطعة، سيظل الجدل مستمرًا.

ما هو واضح حتى الآن هو أن الحرب الروسية الأوكرانية لم تكن مجرد صراع بين دولتين، بل كانت جزءًا من لعبة دولية أوسع، حيث تصادمت المصالح بين القوى العظمى، وكانت الطاقة أحد المحاور الرئيسية لهذا الصراع. وبينما تستمر أوروبا في تحمل تداعيات هذه الأزمة، تظل الحقيقة النهائية قيد الانتظار، ربما حتى يكشف المستقبل عن أسرار جديدة لم تكن في الحسبان.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular