تاجــر مخـدرات مسجون يحمل سجـل جنائي غيــــــر محكـــــوم..؟
بعد خروجي من السجن عام 1992 بدأت ادقق في الطبقة السياسية والثقافية الكردية وعقليتها الانهزامية, المنخورة بصدأ فكر القوميات المحتلة للعقل الكردي ولكامل كردستان ارضا وشعبا, وتأكدت بأن الوضع لا يبشر بالخير, لان بعض معارفي واصدقائي كانوا يعرفون بأني كنت في السجن وعنما خرجت منها لم يزوروني ليهنؤوني, بل واذا احدهم كان يراني في الشارع, يتجنب السلام او الوقوف معي خشية ان يراه عنصر من المخابرات او احد جواسيسهم ويرفع فيه تقريرا بأنه يعرفني او ذو علاقة معي, تماما كما كانت تفعل عناصر بما تسمى “الاحزاب الكردية” الذين لشدة انغماسهم بالعمالة ولفقدانهم لعذريتهم منذ الصغر من قبل اجهزة الاستخبارات في بيوت الدعارة العربية, كانوا ينظرون الى شخص مثلي, بأني مجرم ومتهور لاني لم اتحول الى عبد مخنث واتبنى سياستهم, واصفق لجهلة اميين لم يقرؤوا يوما ولو كتابا في حياتهم ويسمون انفسهم بالمثقفين المناضلين ورؤساء احزاب, ويرفضون ان يكون احدا احسن منهم سواء كان شخصا او حتى تنظيما سياسيا يمارس الثورية لتحرير وطنه في جزء آخر من كردستان, – وكم كنا نضحك سويا مع القائد آپو اوسمان صبري عندما كان يقول بسخرية ” لقد اسست مع اصدقائي حزبا كردستانيا, معدنه الشرف والشهامة والكبرياء والحق والعدل والتضحية, لكن طوابير الخونة والجواسيس العميلة, خانتني وقسمت الحزب الى ما يتراوح بين العشرة والعشرون حزبا حسب عدد المخنثين الطامحين الى لقب الآغا: “رئيس الحزب الفلاني” “الامين العام الفلاني” “سكرتير الحزب الفلاني”, واصبح كل حزب عبارة عن نعامة تغطي رأسها في الرمال وتترك قفاها العارية مباحة في حماية المراهقين من اجهزة المخابرات العربية ” – وهؤلاء كانوا يتباهون خلف الابواب والنوافذ المغلقة في بيوتهم امام بعض البسطاء من الناس التابعين لهم باسلوب تعامل مشايخ الصوفية مع مريديهم بأنهم قديسون ومناضلون, ابطال وسياسيون سيجلبون للكرد حقوقهم !؟. اما على الصعيد العربي فشاهدت العقلية العربية العنصرية مازالت عقلية الغزاة المسلمين الاوائل تعتمد على استهلاك ثقافات وحضارات الشعوب التي احتلتها ارضا وشعبا ثم عرّبتها, وترفض النقد واجراء اي تغيير في الفكر والعقل العربي الذي يعتمد على الموروث الثقافي المقدس, ذات الطبيعة البدوية الصحراوية والذي ينص على الغزو والبطش والقتل والارهاب والسرقة واغتصاب الاعراض ومحو الاخر بتجريده من كافة مقوماته القومية من اجل استمرارية الحكم العربي الذي رغم تعدد التسميات الحديثة له لكنه بقي على طابع الخلافة, والخلافات : الراشدية, الاموية, العباسية والفاطمية كلها حكمت باسلوب الحكام المستبدين في السلطة, اولئك الذين ذهبوا جميعا بالقتل في صراعات ما بينهم او في سبيل ملذات الحياة, ولعل الدليل والاثبات على ما اقول هو حزب البعث العربي الاشتراكي الذي لخص كل تاريخ العرب خلال 1400 عام منذ وصول الغزاة المسلمين الاوائل الى الاراضي الكردية, حيث جسد القومية العربية وقدّمها بأنها قومية ذات طبيعة اصطدامية, سادية, أنانية, الغائية, ترفض وجود الاخر والتعايش معه بسلام, وتقبله فقط, اذا غير قوميته واصبح عروبيا اكثر من العرب في كل صفاتهم, ولعل المستعربون الماسونيون الثلاث الذين شكلوا حزب البعث العربي خير مثال على ذلك, حيث ميشيل عفلق وهو مسيحي مستعرب من بقايا الامبراطورية الرومانية من مدينة اللاذقية, زكي آرسوزي وهو مسلم علوي مستعرب, من اصول كردية من مدينة آرسوز الكردية في مقاطعة هاتاي (لواء اسكندرون), صلاح بيتار (بيطار) وهو بأصله ينتمي لعائلة الموصللي الكردية, مسلم سني مستعرب من مدينة دمشق, والثلاثة اخذوا شعارا لهم, مقولة الخليفة العنصري عمر بن الخطاب الذي قال “الاسلام تعني العروبة, والعروبة تعني الاسلام” وهو بهذا جعل من كل مسلم :عربي, اي نفى الاصول والاعراق لكل المسلمين الغير عرب, وجعل من كل عربي غير مسلم : ذميا تحت رحمة المسلمين العرب. ضمن هذه الاجواء منذ ان استلم حزب البعث الحكم في سوريا والعراق كان يعيش الشعب الكردي على اراضيه التاريخية, وانا مثلي مثل الكثيرين من شبيبة الكرد لم نكن مرتاحين للوضع, وكنا نعلم بأن اي حركة ثورية ضد النظام البعثي العنصري سيلقى الضربة المميتة, بسبب كثرة عملاء وجواسيس النظام داخل الاحزاب الكردية والذين كانوا يرون في الثوري الكردي خطرا على حياتهم المفعمة بالجهل الثقافي, والامية السياسية, والذل التربوي, وبيع الذات من اجل المنفعة الشخصية, ليكونوا صمام الأمان لنظام الاحتلال البعثي. وحينها كنت قد بنيت علاقات مع الاحزاب الكردستانية التي كانت لها مكاتب في دمشق والتي موقفها حول حقوق الشعب الكردي في سوريا لم تكن افضل من موقف الاحزاب الكردية السورية. من بين تلك الاحزاب كانت علاقتي جيدة مع الحزبين المتقاتلين على سلطة اقليم جنوبي كردستان (كردستان العراق) وممثليهما, عمر بوتاني ممثل حزب الديمقراطي الكردستاني, و دانا مجيد ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني ومعه ايضا صلاح برواري الممثل الاعلامي للحزب, وصلاح كان صديقا حميما لي منذ ان قاد القيادي سامي عبدالرحمن الانقسام في حزب البرزانيين وشكل حزب الشعب الكردستاني وحينها اصبح صلاح برواري رئيسا لجريدة الشعب (گَلْ) الناطقة باسم الحزب في دمشق, وعندما عاد سامي عبد الرحمن الى حضن البرزانيين والحزب الام, رفض صلاح ذو الافكار اليسارية بالعودة, وانضم لحزب الاتحاد الوطني. في بداية شباط عام 1993 اتصل صلاح برواري هاتفيا بي في الحسكة وطلب مني الحضور الى مكتبهم في دمشق وقال لي, ان قائد الحزب مام جلال طلباني ومعه وفد كبير سيصل الى دمشق, وحينها كان اقليم كردستان منقسما الى طلبانيستان وبرزانيستان. ذهبت وكانا في استقبالي دانا مجيد وصلاح برواري واللذان عرفاني بمام جلال طلباني والذي اعطاني ما يقارب النصف ساعة من وقته وقال لي, ان الرفيقين قالا لي بأنك مختص بقواعد اللغة الكردية ونحن نفتح لك المجال لتعليم اللغة الكردية في جامعة السليمانية ويهمنا التعليم بالاحرف اللاتينية, وبعد دردشة كلامية سياسية, قلت له انا موافق, لكن السلطات السورية ترفض اعطائي جواز السفر, فرد الرجل بكل ثقة وقال, لا يهمك انا كلمتي عند النظام السوري سارية المفعول, سأكتب اسمك على ورقة وسأختمها من علي دوبا رئيس الامن العسكري او من عبدالحليم خدام نائب الرئيس, وانت هكذا ستستخدمها كجواز سفر عند الحدود, وحينها شكرته وكامل الحضور, وقلت انا ذاهب لارتب وضعي واجهز حالي للسفر وسأخبركم عندما اكون جاهزا. مضى شهر شباط وانتظرت الحادي والعشرون من آذار للاحتفال مع اهلي في الحسكة بالعيد القومي الكردي نوروز, والذي يحتفلون به الكرد منذ عهد اجدادهم السومريون, لكن في يوم نوروز بدأت السلطات العربية العنصرية بالقبض على الكرد وزجهم في السجن بشكل مخطط له وبعدها وفي مساء 23 .3 .1993 بدأ الدخان يتصاعد من سجن الحسكة, وانا ايضا كباقي الكرد الغاضبين تواجدت امام السجن لاتابع الحدث. بعد التدقيق والتمحيص بالاعتماد على المصادر الموثوقة داخل وخارج السجن تبين الآتي: في اليوم الثالث والعشرون من آذار كان عيد الفصح للمسلمين وفتح المشرفون على السجن ابواب المهاجع على بعضها بحجة المعايدة ؟, ثم ادخلوا متعاطوا المخدرات واصحاب الجرائم في المهجع الثاني للسياسيين ؟, وتم رش المهجع من داخله بمادة بودرة بيضاء بحجة انها مبيدات للحشرات بينما هي كانت مادة شديدة الاحتراق كاليورانيوم ؟, وزعوا في نفس اليوم مادة الكاز على السجناء الذين كانوا يستخدمونها لطهي الطعام وغيرها, فاخذوها بكميات كبيرة للتخزين كونها كانوا قد قطعوها عنهم بخمسة عشرة يوم قبل حادثة الحرق ؟, زودوا عصابات المخدرات والاجرام المرتبطة معهم, بالسكاكين ومواد المخدرات للتعاطي ؟.مع بدء ظلام الليل, اعطي الامر بتنفيذ المهمة المخططة لها على مستويات عليا في النظام البعثي العروبي بعدما طوقوا السجن من ذي قبل بعساكر كثيرة كي يمنعوا المدنيين من اقتحام السجن ؟, فنفذت العصابة الامر وبدأ الحريق, ثم ارتفع الدخان المختلط باصوات السجناء الكرد من نوافذ السجن, فهرب سجان المهجع بالمفتاح كي يحرق الجميع كون غالبيتهم من القومية الكردية, الا ان شابا كرديا يدعى قهرمان علي من المهجع الثالث لاحق السجان, صعلوك صحراء الربع الخالي, فضربه واخذ منه المفتاح بالقوة ثم فتح باب المهجع الثاني لكن الوقت كان قد نفذ فرغم نجاة البعض الا ان 72 اثنان وسبعون منهم ماتوا حرقا واختناقا ومن بينهم كمال حَسو وشقيقه عبدي حَسو وتبين بالتدقيق انهما كانا السبب الحقيقي من وراء الحرق, والسبب ان صراعا حدث بين عائلة حَسو وعائلة غزالة على الاراضي بالقرب من مدينة الدرباسية وحينها هاجم السرياني سليمان غزالة, الكردي عبدي حَسو, فأضطر الاخير بالدفاع عن نفسه, وفي الاشتباك تم قتل سليمان غزاله والذي كان احد اعمدة الكنيسة الكاثوليكية في الشرق ومدعوما من الفاتيكان والمنظمة الماسونية العالمية والنظام البعثي العروبي, وهذه الاطراف الثلاثة اتحدت لاخذ الثأر, فمنهم قدم الملايين من المال الوفير بسخاء, ومنهم قدم افخاذ الشقراوات وفروج النساء, اما البعثيون العرب انبهروا, فأطاعوا الاوامر ولبوا النداء. وللتعريف بما تعرف بالطائفة السريانية المسيحية, فهي تشكلت عندما الامبراطور البيزنطي كوستنتينو وبابا الفاتيكان في روما آمنوا في مجلس نيكيا عام 325 م بأن عيسى ابن مريم هو ” الله “, فأمروا بملاحقة وقتل كل مسيحي لا يؤمن بذلك ويعتبر المسيح ” نبيا “. وعندما رفض بابا الامبراطورية الرومانية البيزنطية الشرقية, نستوريو, وبابا الكنيسة القبطية آريانوس الذي قتل فيما بعد, الوهية المسيح واعتبروه نبيا, فتم ملاحقتهما لقتلهما وحينها هرب نستوريو وجاء الى مدينة اورفا الكردية التي كان تقطنها اقلية آشورية مسيحية, ونستوريو كان شخصا كاريزميا استطاع هناك ان يجعل من قبائل كردية وآشورية اتباعا له, واصبح الخليط (الروماني, الاشوري, الكردي) يستخدم اللغة الآشورية كلغة كنسية كونها آرامية ومعتقدا بأن المسيح كان قد تكلم بها, وهكذ اصبح الخليط من اتباع نستوريو يسمون انفسهم سريان (آشوريان = آسوريان = سوريان = سريان) حسب اللفظ الاروبي والكردي للكلمات الاشورية, وتشكلت لغة السريان من الاشورية وتحت تأثير اللغتين الايطالية والكردية, ومع مرور الوقت وفي العصر الحديث اشترت الفاتيكان بالاموال كافة المسيحيين في العالم ليتبعوها واصبح السريان في منطقة الشرق, الاعين الساهرة للفاتيكان وللدول الاروبية, الذين سلكوا في عهد حزب البعث طريق قائدهم ميشيل عفلق ونادوا انفسهم بالسريان العرب واخذوا المراكز العليا في دوائر الدولة, ولعبوا دورا مهما في تجييش العنصريين العرب ضد الكرد وضربهما بالبعض, وبالرغم من انهم اقلية الاقليات في المنطقة لكنهم من خلال ادبياتهم الثقافية والسياسية يؤكدون بأنهم ورثة الاشوريين, وهم الاصحاب الحقيقيون لتلك الاراضي الممتدة من هضبة ارمينيا وحتى السعودية واليمن وبأن الكرد والعرب هما شعبان يحتلان اراضي السريان ؟, علما ان اغلبهم ذو سمات اروبية شعرهم اشقر واعينهم زرقاء ؟ والاشوريون لا يعترفون بهم ؟, وشاهدت بنفسي عنصريتهم واستعلاءهم نحو الاشوريين في مدينة الحسكة من خلال مرافقتي لاصدقائي الاشوريين, فهم لا يصلّون حتى في الكنائس الاشورية ؟ ولا يزوجون ولا يتزوجون من الاشوريين ؟. وهؤلاء السريان لعبوا دورا تجسسيا سيئا لصالح اسيادهم الاروبيين اثناء الحربين العالميتين الاولى والثانية ضد الاكثرية المسلمة في المنطقة وتلك سببت للمسحيين عامة بمواجهة المجازر من قبل الاتراك وعملائهم من المسلمين, ولعب السريان دورا سلبيا معاديا بشكل خاص للقومية الكردية عندما اراد الكرد الحصول على حقوقهم في الشمال السوري اثناء وجود الاستعمار الفرنسي, والشيء بالشيء يذكر, فذات يوم التقيت بالحاج احمد حسنات صاحب سينما عامودا الذي نقل بيته الى بيروت لبنان بعد حرق السينما عام 1960 وهناك عندما سألته عن ملابسات الحريق, اجابني ” قبل حرق السينما زارني شخصان من وجهاء السريان في مدينة عامودا بشكل غير متوقع ودققا بالنظر داخل السينما ثم بعدها جاءت الشرطة التي كانت مرعبة, تهدد الناس وتعيش على الرشاوي, ومعها اكياس الخيش ولها رائحة كيميائية كريهة مغطاة ببقايا مادة كالطحين, وارادت مني تلبيس السينما بها من الداخل بحجة حماية صحة الاطفال كونه سيعرض بأمر السلطات الحكومية فلما عن الثورة الجزائرية ودعما لها ويتطلب حضور اكبر عدد ممكن من اطفال المدينة, وبعد حرق السينما بأياد خفية, بدأت اعيد الذكريات ومغزى زيارة الشخصين السريانيين اللذين كانا دائما يذكران الكرد كباقي السريان وبأعين مملوءة بالعتب والانتقام, بأن الكرد شاركوا الحكومة التركية في قتل السريان اثناء الحرب العالمية “. وانا ايضا بدوري عندما تذكرت هذه المعلومة التي سمعتها من المصدر عن حرق سينما عامودا فربطتها مباشرة بحرق سجن الحسكة لوجود ذات المشتركات بينهما مثل: – المواد الحارقة, – السريان ودورهم المخفي والعلني, – الدور الخياني للحاكم العربي العنصري, – وحدة الهدف وهو قتل الكرد في الحالتين. بدأت اجمع كافة المعلومات واكتبها في مقالة, وحينها سألت والدي بتزويدي بمعلومات اكثر عن عائلة حَسو, كوني لا اعرفها بشكل جيد وكل ما اعرفه ان ذات مرة جاء كمال حسو من الدرباسية برفقة احد ابناء عمومة والدي, الآغا محمود سليمان من قرية تل كمبر, بزيارة سريعة لبيتنا وذهبا لقضاء اعمالهما الادارية في الدوائر الحكومية بالحسكة, ثم عندما اعادا الزيارة مرة اخرى فاقام والدي لهما وليمة, وحينها استطعت التحدث والتعرف على كمال حسو الذي كان رجلا وقورا بكل معنى الكلمة ويحب قوميته. حملت مقالتي المملوءة بالمعلومات وذهبت الى دمشق, وهناك التقيت بالقائد آپو اوسمان صبري الذي كان مريضا, فطلب مني قراءة المقالة, ثم نصحني بازالة بعض الجمل التي تمس النظام الحاكم ورأس الحكم بشكل مباشر, فغيرت على سبيل المثال جملة: (عصابات النظام البعثي اخذت رشاوى ضخمة من جهات عالمية ونفذت المحرقة بحق ابناء الشعب الكردي الاعزل) الى (عصابات مزروعة داخل النظام, اساءت للنظام واستخدمت السلطة لصالحها فأخذت رشاوى ضخمة من جهات عالمية ونفذت المحرقة بحق ابناء الشعب الكردي الاعزل) ..الخ, ثم قال لي, ” افترض دائما بانك ستقع بين ايادي مخابرات النظام, لذلك العب على الكلمات عند الكتابة بحقهم كي لا تثقل الحكم عليك, فهناك اناس بقيوا عشرت السنين في السجون من اجل كلمة واحدة قالوها او كتبوها, وانت خرجت العام الماضي من السجن واعضاء هذه الاحزاب الكردية العميلة لم يذكروا حتى اسمك في احدى بياناتهم بانك كنت سجينا, وستمضي هذه الحادثة ولن ينشروا بيانا في مقام مقالتك, لانهم ساقطون اجتماعيا وسياسيا, ولا علاقة لهم بالقومية الكردية والدفاع عنها, ففي الريف الكردي اذا تم ايذاء احدى القرى الكردية يقوم آغا القرية بجمع الناس ويدافع عنها ببسالة, بينما هؤلاء الجبناء هم عبارة عن عصابات مهمتها فقط الدفاع عن رئيس العصابة ومصالحه, ولم يتجرؤوا حتى باقامة مظاهرة سلمية في دمشق لايصال الصوت الكردي الى دول العالم من خلال سفاراتها على غرار تلك التي انتم الشبيبة الكردية المستقلة فعلتوها عام 1986 بمناسبة عيد نوروز وانطلقتم من هذا الحي واتجهتم الى القصر الجمهوري”. قَبَّلت رأس القائد آپو اوسمان وخرجت من عنده, وهو ينصحني, انتبه كن حذرا من اللبنانيين, غالبيتهم عملاء للنظام السوري, اما انا فاتجهت الى بيروت مركز صحافة الشرق والتي فيها هامش من الحرية بعكس دمشق التي فيها كل شيء مراقب بإحكام, وهناك صورت نسخا لمقالتي ووزعتها على بعض السفارات والجرائد والمجلات وبعض الاحزاب السياسية التي كنت اعرفها, واثناء العودة الى دمشق وعند حاجز الدخول حيث تدقيق البطاقات الشخصية, حجز عنصر الامن بطاقة هويتي وقال لي, انزل وتفضل معي للمكتب لانك مطلوب لتحقيق روتيني, ثم قال لسائق سيارة الاجرة, اذهب في طريقك لا تنتظر. وهناك خارج المكتب استلمني شخصان بصمت واركباني سيارة مرسيدس تحمل رقما امنيا واتجهنا الى دمشق, وهكذا مرة اخرى شاهدت نفسي في قسم الفيحاء السياسي, حيث استلمتني عصابة التحقيق ذاتها والتي كانت تعرفني من قبل, وبدأ التعذيب والتحقيق معا, وانا كنت ادافع عن نفسي واقول كل ما كتبته عبارة عن معلومات عامة, حتى صحافة السلطة في دمشق نشرتها, بينما هم كانوا يقولون لي, لماذا قلت عن مبيدات الحشرات بأنها كانت مواد سريعة الاشتعال وأن جهاز الامن في السجن ادخل المواد المخدرة لافراد العصابة التي احرقت المهجع ثم نقلهم من جناح المخدرات الى جناح السياسية واستلمت رشوى وفق خطة مسبقة لصالح قوى خارجية ومحلية, ولنفترض ما تقوله صحيح, فالسلطة ستعاقب المقصرین, ولكن انت ما دخلك بالموضوع…؟ انت تريد الاساءة الى الدولة وتشويه سمعة السلطة. وبعدها بأسبوع, بينما كنت معلقا من معصميَّ على الحائط في المدخل, مرَّ المقدم نايف ومعه رئيس القسم, اللواء سليمان حسين العيسى, فوقف بالقرب مني وقال لي, من قال لك بأن من يقف وراء حرق السجن هم الفاتيكان والماسونية وكنائس محلية ؟, هذه اختراعات خيالية كردية, عليكم ان تعلموا بأنكم انتم المجرمون, لان العصابة التي احرقت السجن كل عناصرها اكراد من اصحاب السوابق, ثم اكمل بلهجته الساحلية او العلوية ” إي بِذِمتي انتو الاكراد نِجسين وِمْشاغبين, قِرد بْحَظي كِلكِين بَدْكِين حَرِقْ “….الخ ؟, حينها شعرت بأنه الناطق الرسمي باسم الفاتيكان والماسونية وبدا لي بأنه هو ايضا حصل على حصته من الرشاوي. بعدما اكملت عشرون يوما, تم نقلي الى قسم الامن الجنائي في باب مصلى, وهناك لم اتلقى اية اهانة او ضرب, لكنهم كانوا يمارسون ضدي الحرب النفسية, ويوعدوني بأشد العقوبات, واخيرا جهزوا لي اضبارة للمحاكمة وكتبوا فيها بأني تاجر مخدرات وقد ضبطوا معي, كيلو هيرويين + كيلو كوكائين + كيلو حشيش + 10,000 حبة مخدرة, ثم اخبرني احد الضباط قائلا, علمنا بأنك العام الماضي كنت في الجناح الثاني للسياسية وهذه المرة سنرسلك الى جناح المخدرات في سجن عذرا, لتذوق مرارتها, عقوبة لك لما كتبته في مقالتك بأن عناصر الامن المشرفون على سجن الحسكة نقلوا سجناء المخدرات ووضعوهم داخل مهجع سجناء السياسية هناك ليقوموا بحرق المهجع. وذات مساء بعد قضائي عشرة ايام لدى الامن الجنائي تم نقلي الى القصر العدلي, فأستلمتني الشرطة وامضيت ليلتي على البلاط وفي الصباح وصل بعض المساجين الذين كان لديهم محاكمات, وبعد انهاء المحاكمات في منتصف النهار, ارسلوني معهم بالشاحنة الى سجن عذرا, وهناك وضعوني في قسم المخدرات كما وعدوني. استلمني احد المسؤولين وادخلني مهجعا فيه من الكرد, بدأت ادقق في كل شيء من حولي, والكل من حولي يدقق فيّ ويسألني اسئلة, وانا احاول ان اكون اخرسا واتهرب من الاجوبة قدر المستطاع لانني سجين سابق ولدي خبرة..؟. ذات يوم كنت امشي في وسط جناح المخدرات, جاءني شاب كردي وقال لي, العم چليك يريد التحدث اليك, فقلت من هذا ؟ فقال مؤشرا انظر هناك, وعندما نظرت شاهدت رجلا مسنا يقف وسط مجموعة من الناس وقد اشر لي بالذهاب اليه, فتحركنا معا وذهبنا اليه, بعد السلام وتقديم الاسماء للتعارف, قال لي, اليوم هو الاحد وانت وصلت هنا الاحد الفائت, وانا منذ اسبوع اراقبك, فأنت لا تدخن ولا تتعاطى مع احد وتتجنب حتى لا يسلم احدهم عليك, فتمشي ونظرك اما نحو السماء او نحو الارض وانا تأكدت بأنك شاب بريء لا علاقة لك بالمخدرات, كوني تاجر مخدرات وصاحب خبرة, وأنا اسمي چليك من مدينة كلس الواقعة شمال عفرين ضمن اراضي كردستان الشمالية المحتلة من قبل الاتراك, وانا لا ادخن ولا اتعاطى المخدرات لكن بسبب الجوع وعدم وجود عمل اصبحت تاجرا للمخدرات لإعاشة عائلتي, وهل لي ان اسألك الآن من انت…؟, فصارحته عن سبب سجني امام الجميع وقلت انا متأكد من وجود ابرياء مثلي في هذا الجناح ولكني لم اعد اثق بأحد في هذه الحياة, لذلك امشي وحيدا وانظر للاعلى اتأمل مشاهدة نجوم السماء عبر السقف لعلها تخبر الشمس الكردية عني, وامشي وحيدا وانظر للاسفل واخاطب البلاط تحت قدمي واعتذر منه لاني ادوسه واقول له بأنه اشرف واطهر من العرب وعروبتهم. أشر الرجل وطالبني بالصمت, ثم استأذن الجميع ومسك بيدي واخذني بعيدا عنهم, حيث احدى باحات المشي للسجناء, وقال لي, هل سمعت بعائلة الحلاق الدمشقية ؟, قلت نعم, فأكمل قائلا, لقد كان لي صديق يساري سياسي مثقف, من حزب الدكتور جمال الآتاسي المعارض لحكم حزب البعث وحافظ الاسد, واسمه عادل الحلاق, وقال لي: ( ذات يوم كنا في اجتماع حزبي سري وفجأة طرق الباب, فقامت احدى رفيقاتنا بفتح الباب, واذا بدورية الامن الجنائي, فبدأت بتفتيش الشقة واكتشفت كمية من المخدرات داخلها, فقبضت علينا وجلبتنا الى هنا جناح المخدرات واكتشفنا فيما بعد بأن رفيقتنا انضمت الى حزبنا بتخطيط من المخابرات وهي التي ادخلت المخدرات للشقة بتعاون معهم كونها كانت عميلة لهم, وهم كانوا يريدون سجننا لاننا كنا نقيم دعاية في دمشق بأن “مجد” ابن حافظ الاسد مدمن على المخدرات ولوطي, تماما كما هو “عدي” ابن صدام حسين, وتلك الحقيقة كانت تزعج العلويين كثيرا ). وانا تأكدت حينها بأنه صادق فيما يقول لأن مجد, العام الماضي بقي هنا في السجن في غرفة خاصة لفترة ستة اشهر بأمر من والده حافظ الاسد الذي قيل بأنه حاول مرار معالجته لكنه لم يفلح, اما بالنسبة لعادل الحلاق فذات يوم وبعد سنة من سجنه هنا, سحب رئيس الجناج النقيب موسى ابراهيم مسدسه وافرغ طلقة واحدة في رأسه وهو كان جالس هناك على الدرج لانه كان يكرهه ويشاكسه دائما, لذا انصحك واقول لك بأن السجناء هنا جواسيس مثرثرون, وارجوك ان لا تتطرق للسياسة ابدا وابق كما انت عليه بعيدا عن الناس, لاني اشعر بأن وضعك هنا شبيه الى حد كبير بوضع عادل الحلاق الذي تم قتله, وغالبية الشباب الكردي هنا سواء المتعاطي او المتاجر بالمخدرات كلهم عملاء رسميون عند المخابرات السورية, واعضاء المجموعة التي احرقت سجن الحسكة كلهم كانوا يتعاطون المخدرات واللواطة, وهم عملاء رسميون عند المخارات السورية, لان لهم اصدقاء هنا واكدوا لي ذلك, وحتى القاصر (17 سنة) الذي اشعل النار بالقرب من ابناء عائلة حَسو في المهجع وهو ( كامو ) كاميران محمود شريف, فهو هنا في زنزانة منفردة وقيل بأنه نال سريعا عقوبة السجن المؤبد اما اصدقاءه الخمسة الاخرون فحكموا سريعا بالاعدام لان السلطة استخدمتهم وتريد التخلص منهم باقصى سرعة لكتمان سرّ حرق السجن. شكرته على صراحته وموقفه القومي النبيل وبدأت أأخذ حذري اكثر, وخاصة عندما شاهدت وتأكدت ان المواد المخدرة كالحشيش والهرويين والحبوب تباع داخل السجن بأمر الضباط رؤساء الاجنحة الذين يتاجرون بها عن طريق جواسيسهم لتخدير الناس والاستفادة ماديا, واستفدت ايضا من حادثة اخرى عندما احتجت الى علبة دواء مضاد للالتهابات بسبب تقرح بعض الجروح في قدمي فارسلني المشرف على المهجع الى الطابق الارضي حيث المستوصف والتقيت صدفة هناك بصديق الدراسة في المرحلة الثانوية في الحسكة, فواز نازو, والذي كان مسجونا مع ابن عمه فيصل حِسو بسبب قضايا تهريب الاغنام والمواشي من تركيا, وبعد ان سلمنا على البعض ثم اخذت علبة الدواء وعدت الى مهجعي فعلمت بعدها بأن عناصر الامن ضربوه, بعدما سألوه عني وكيف يعرفني, ثم لم يحصلوا منه على الاجابات التي كانوا يتمنوها, ففهمت بأني مراقب بشكل دقيق, وفضلت البقاء وحيدا, لا اختلط مع الاخرين وتظاهرت بأني اصم وابكم, لكن وبنفس الوقت كنت استمع لنصائح بعض العارفين بالامور القانونية, فقدمت لمرات طلبي لمحكمة العدل, لاخلاء سبيلي بكفالة مالية لكوني بريء, واخيرا وافقوا على طلبي بعد سجني سبعة اشهر, شهر في زنزانة التحقيق وستة اشهر في سجن عذرا, ولفت نظري عند الخروج من السجن هذه المرة, لم يطلبوا مني توقيع اية اوراق, وكأنني دخلت اليها تهريب وخرجت منها تهريب. بعد خروجي من السجن كالعادة قصدت بيت القائد آپو اوسمان, لكنني انصدمت عندما اخبروني بأنه توفي وتم دفنه في قرية بَركڤري القريبة من قريتي, وبعد تقديم العزاء اتجهت الى مكتب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني, وهناك تحدثت بصراحة عما حدث لي, الا ان ممثل الحزب في دمشق دانا مجيد قال لي, “لقد اتفقنا بأنك لن تعادي النظام السوري مرة اخرى, وكثرة سجونك جعلتنا ان نغير رأينا”, شعرت حينها بالخجل لانني في مكان لا يليق بي وليس من مقامي, فخرجت من هناك صامتا ثم غادرت دمشق وقصدت عائلتي في الحسكة. بعد فترة استراحة فكرت بالتوجه الى لبنان من اجل العمل, الا ان والدي ارادني ان ابقى قريبا منه وأن اتزوج, ولاجل ذلك حدد رشوة ضخمة لمن يوفر لي وظيفة حكومية, وذات يوم اخبرني بأن احد عملاء السلطات وافق على الرشوة وطلب منه بأن اقدم له بطاقة هويتي وشهادة السجل الجنائي لتوظيفي في دائرة المالية, فأعطيت على الفور بطاقة هويتي وخمس وعشرون ليرة سورية ثمن طابع بريدي لاخي الاصغر وقلت له اذهب الى دائرة الامن الجنائي وقدم لي طلب الحصول على شهادة السجل الجنائي, وحسب تجربتي المسبقة بالحصول عليها, فموعد التقديم هو في منتصف النهار وبعدها بساعة سيعطوك الشهادة. حينها والدتي كانت تطبخ لنا وعند موعد الغذاء قدمت السفرة ونحن تقربنا منها ونشم رائحتها الجذابة ومنظرها القوس قزحي المملوء بالالوان لان الطبق الرئيسي هو اكلة كردية تسمى مالدومى, حيث يتبل اللحم المفروم بالتوابل والبصل والثوم والكزبرة والبقدونس والفلفل الاحمر, ثم يوضع بين اطباق الخضروات بالتسلسل: بطاطا ثم لحم, بندورة ثم لحم, بادنجان ثم لحم, كوسا ثم لحم, فليفلة ثم لحم, ثم يسكب عليها صلصة البندورة ويطبخ على نار هادئة. شمرنا سواعدنا لنبدأ, ودخل اخي الاصغر في باب الصالون وبيده ورقة بيضاء, استقام والدي على الفور ووضع نظارة القراءة واخذ الورقة وبدأ يقرأها والجميع ينظر اليه, ثم التفت اليّ وقال ضاحكا, مكتوب عليها, غير محكوم, فشرحت له بأن المحكوم في اي جرم ما, يكتب على سجله محكـــــــــــــــــــوم ويكتب تحته نوع الجرم الذي ارتكبه, بينما النظيف الذي لم يرتكب جرما في حياته يكتب على سجله الجنائي بخط عريض, غيـــــــــــــر محكــــــــــــــــــــــــــوم. وانا ووالدي كنا نمازح البعض دائما, وقلت له عندما كنت في السجن, كنت محكوما والآن انا خارج السجن فأنا غير محكوم, لذلك كتبوا غير محكوم, ومن يدري ربما اخطأوا في الكتابة واذا لم يعجبك الموقف وتريد ان تصححها لهم, فإنزع كلمة “غير” وارسلها لحافظ الاسد وحزب البعث وعصاباته, واترك ليّ كلمة “محكوم”, فضحكت والدتي وقالت لي, للتو شرحت بأن تحت كلمة المحكوم يكتب نوع الجرم, فقلت لها, بما أن تحت كلمة محكوم ابيض اللون لا كتابة فيه, فهذا يعني لي الشرف ان انال لقب (محكــــــوم ابيض) وضحكنا جميعا, بينما ترك والدي نظارته والورقة جانبا ورفع يداه ونظر من النافذة الى السماء والشمس يتوسطها, وبدأ يناجي الله ويدعو, يا الهي افضحهم وشوه سمعتهم كما ارادوا تشويه سمعة ابني, يا الهي اهدم بيتوهم واجعل ديارهم خرابا ولا تترك لهم اثرا, يا الهي عاملنا نحن الكرد بقدر ما نحن عليه فإن كنا شريرون وسيؤون فرد علينا بالمثل وان كنا خيرون وذووا قلوب بيضاء فعاملنا بالمثل…بينما انا كنت أأكل واضحك وخاطبت والدي, يا ابو الادعية, اترك الادعية للعرب المسلمين, فمنذ 1400 عام وصلوا الى مناطقنا وكل حضارتهم هي عبارة عن بعض الادعية التي نسمعها داخل الجوامع وخارجها: (( يا الهي انصر المسلمين, واهدم بيوت الكفرة الظالمين…الخ )), وهم يقصدون بالكفرة, كل من هو غير مسلم, ومع هذا, الله يرد على ادعيتهم فيرفع من شأن الكفرة الغير مسلمين بالعلم والتكنولوجيا والتقدم الحضاري لخدمة الانسانية, بينما يرفع من شأن المسلمين بالغزو والقتل والسرقة والفساد واغتصاب اعراض الناس العابدين لله, ليبقوا دائما اذلاء خانعين امام حضارة تكنولوجيا الكفرة غير المسلمين…اسمع يا ابي, فأنا كالعصفور الذي يقف على البيدر وينقي حبات القمح, قسما بالله ان لم تترك الدعاء وتأتي للسفرة, سأنقي كل قطع اللحم وسأترك لك فقط اطباق الخضروات, ضحك والدي وقال اياك ان تحتال عليّ, نعم والله اني جائع وجاء الى السفرة وبدأ يأكل, فقلت له, ارأيت كيف ان الدعاء لم يشبّع بطن الجائع, وحدها السفرة وما فيها تشبّع بطن الجائع……يتبع………
د. آلان آسمان.
– ملاحظة : دانا مجيد, اصبح يوما ما محافظا لمدينة السليمانية, الا انه طرد من وظيفة المحافظ ومن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني فيما بعد, بتهمة الاختلاس, وحاليا اصبح رئيس حركة گۆران ميراث المناضل الثوري الراحل نوشيروان مصطفى…!؟.!..؟.!..؟
– الصورة هي لسجن الحسكة وهي تحترق.