يوافق الثامن من آذار من كل عام اليوم العالمي للمرأة، لكن كم امرأة احتفلت به وابتسمت بصدق؟ في العراق، لم يعد هذا اليوم مجرد مناسبة، بل أصبح مرآة تعكس المأساة التي تعيشها المرأة، خاصة المرأة الإيزيدية التي عانت من جرائم لا يمكن وصفها إلا بالإبادة الجماعية ، ذلك ان مأساة لا يزال جرحٌ لم يندمل ولم يتعافى مجتمعها منه.
لا يزال الألم محفورًا في قلب كل من ينظر إلى المرأة كأم وأخت وزوجة وابنة، فكيف يُمكنه الاحتفال بعيد المرأة ، بينما هناك بعد غزوة الدواعش لقضاء سنجار يوم 2014/8/3 آلاف النساء الإيزيديات اللواتي اختُطفن، وعُذّبن، وبيعن في أسواق النخاسة، وتعرضن لأبشع أنواع الانتهاكات على يد تنظيم داعش الإرهابي؟
إنها مأساة تتجاوز حدود الألم، لتصبح وصمة عار في جبين الإنسانية. لقد امتدت هذه المأساة لتشمل العديد من النساء العراقيات على الهوية الدينية ، لكنها تظل أكثر وضوحًا في قصص النساء الإيزيديات اللاتي تعرضن للسبي والاختطاف والقتل والتشريد. فقد تم بيعن بأبخس الأثمان في أسواق التخلف والهمجية الداعشية ، تحت رايات تطرفهم التي دنست كل معاني الإنسانية.
أنها جريمة إبادة لم يعرف التاريخ الحديث لها مثيلًا، جريمة تُجسد أبشع صور الكفر، والشر، والنفاق، وانهيار القيم، وانحطاط الإنسانية. وكيف لا ، و لا تزال أكثر من 2000 امرأة وفتاة إيزيدية في الأسر، بين مخالب التنظيم الإرهابي، يعانين في صمت ، ومع كل ذلك، لم تتحول مأساتهن إلى قضية عالمية تستحق الانتصار لهن والبحث عنهن بجدية ، وليس بمجرد خطابات إعلامية في مناسبة او غير مناسبة ، تستغل قضيتهن كفرصة للمزايدات الإعلامية والانتخابية والوطنية والأمر المنفعة الشخصية المادية.
أليس من المفترض أن يكون كل شريف حرًّا في هذا الوطن مناصرًا لقضيتهن؟ أليس من المخجل أن تتحول احتفالات المرأة إلى مجرد شعارات جوفاء ، بينما هناك نساء عراقيات ما زلن حبيسات الكوابيس التي لم تنتهِ منذ سنوات؟
لنحصي اليوم ، كم من امراة عراقية اتشحت بالسواد، بعد أن شبعت من الألم والنحيب وويلات الحروب. و كم من امراة عراقية أصبحت محاصرة حتى داخل منزلها، بل في طريقة تفكيرها ، وكأنها كائنٌ بلا حرية، بلا حقوق، مجرد تابع يُقاد بعقلية التطرف الذي لم يكتفِ بإسكات صوتها، بل قتل روحها، ليترك بهذا أثرًا أعمق من الرصاصة، امتد ليشمل عائلتها ومجتمعها بأكمله.
فهل بعد هذا يحق ان نحتفل اليوم بعيد المرأة؟
أم نبكي على يوم وجع المرأة الإيزيدية الضائعة، المسبية، المباعة، المنتهكة، التي اختطفت وسببت و رُملت، ويُتّمت، وسُلبت منها كرامتها وحريتها؟
مضت سنوات على مأساة الإبادة الإيزيدية، لكن المجتمع الدولي لا يزال عاجزًا عن تقديم العون الحقيقي لهم ، والا فأين هي حقوق الإنسان التي يتغنون بها؟ أين هي الأصوات التي انتفضت لمآسٍ أقلّ قسوة ، وكأن المرأة الإيزيدية ليست بإمرأة وليست ابنة هذا العالم ، وكأن صرخاتها في الاسر لا تصل او لا يريدوا ان تصل إلى الآذان ، كي لا تشغلهم عن مهماتهم الاهم منها او كي لا توقضهم من احلام يقضتهم.
لقد انتُهك شرف العفيفات، وسُفكت دماء الرجال والأبرياء، وسُلبت ممتلكاتهم يوم الثالث من آب من عام 2014 ، بينما العالم اكتفى وقتها بالمشاهدة عبر شاشات التلفاز او الهواتف النقالة. يوم لم يحتل فيه الدواعش مناطق سكن الايزيديين فحسب بل استباح الأعراض ونهب الأموال وقتل الأبرياء وتاجر في سوق نخاسته بالنساء والاطفال. ترك الدواعش وقتها مايدعونها بقضاياهم المصيرية التي ادعوا زيفًا أنهم يقاتلون لأجلها، وركّزوا على انتهاك حرمات النساء الايزيديات في سنجار، مدّعين أن اسرها و سببها جهاد ،
لكن الحقيقه التي لا يمكن طمسها هي أن هؤلاء الإرهابيين ومن انظم لهم وشاركهم الجرم في سنجار وغير سنجار ، ا لم يكونوا سوى حثالات بشرية ، استغلوا الدين زيفا ليبرروا نزواتهم الحيوانية، وجرائمهم التي يندى لها الجبين.
تحررت الأراضي التي دنسها داعش عام 2017 ، لكن جراح الضحايا والسبايا لم تندمل بعد ، اذ لا يزال أكثر من 2000 امرأة ومثلهم من الاطفال إلايزيدين من سنجار مجهولي المصير كما اشرت سابقا ، وكأنهم اختفوا في العدم. ولكن المؤسف انه لا يزال هناك من يتقاعس عن تحريرهن ويتغاضى عن محاسبة المجرمين ولا يزال هناك ايضا من يبحث عن فرصة لإقرار قوانين تعفيهم من جرائمهم وتقيدها باسم مجهول ، بل يمكن القول إن هناك من يتستر عليهم ليستمر إرهابهم في الظل ، والا ماذا يفهم من انهن لا زلنا في الاسر مع اطفالهن في المجهول مكانا و زمانا ، رغم مضيء قرابة 11عاما على اسرهن ، ورغم مضيء ثمان سنوات على تحرير ارض سنجار وغير سنجار.
في هذا اليوم، تحتفل النساء حول العالم بحقوقهن وإنجازاتهن، بينما لا تزال المرأة الإيزيدية ترزح تحت وطأة الذكرى الأليمة. ربما مثل بصيص أمل تكريم الناجيات منهن مثل نادية مراد، التي نالت جائزة نوبل للسلام، لكن هذا التكريم لا يعيد إليهن ما فُقد، ولا يمسح دموع الأمهات الثكالى، ولا ينهي معاناة بقية المختطفات.
طوبى للمراة الايزيديه المختطفة لانها عملت الكثير وهي في أسرها للخلاص من اوباش التطرف الداعشي فاقدمت على الانتحار او المغامرة بالهروب مرات ومرات لتستشهد تحت وطىء تعذيبها جسدا وروحا ، او عملت المستحيل سرا بالتواصل مع بقايا اقربائها لاعداد وسيله للخلاص . وكم من مئات منهن استشهدوا مجهولين في صحاري واوكار التخلف الداعشي .
ولكن سيبقون جميعهن في عيون الشرفاء شرف ما بعده شرف ، وعفيفات ما من بعدهن معنى للعفة ، وما تكريم ناديه مراد وغيرها بعدة جوائز عالمية ومنها جائزه نوبل إلا دليل على هذا. فالجوائز او الاوسمة التي منحت لناديه ، او غيرها من المختطفات المحررات ، منحت باسمكن جميعا ، و كرموا بها بمعنى تكريمكم جميعا ، وبنفس الوقت مثل ذلك الاهتمام بكن اهانة ما بعدها اهانه لكل شرير مسكم بسوء بتعامله معكن بتطرفه الاسود ام بيده السوداء.
لن يكون عيد المرآة عيدًا حقيقيًا، ما دامت هناك امرأة واحدة في الأسر والسبي المشبن ، وما دامت العدالة لا تزال مؤجلة.