الجمعة, أبريل 19, 2024
Homeمقالاتد. محمود عباس انحطاط الآلهة 1/2

د. محمود عباس انحطاط الآلهة 1/2

انحطاط الآلهة

1/2

  لقد حان دور تحكيم العقل في مناقشة الإيمان، والتحرر من طغيان النقل، وتتبع ماهية الإله المتلائم مع التطور العلمي، وإنقاذ الروحانيات من الأوبئة والانحرافات الفكرية، والشرعية السياسية، وانحطاط الأبعاد الإلهية وحصرها أمام الجدليات العملية، مثل انحطاط آلهة القبائل العربية الجاهلة المصنوعة من التمر والحجر أمام أول موجة فكرية معرفية، وآلهة داعش والنصرة والفرق الإرهابية الإسلامية أمام القيم الإنسانية، رغم الفروقات الشاسعة بينهما، فالأولى كفر بها وذلت، علماً أنها لم تحث على الغزو لنشر الإيمان، ولم تكن تلك رغم وثنيتها تحض على قتل الأطفال وسبي النساء، أما الثانية حجب عن اتباعها الكفر باسم الشريعة، رغم الغزو، وقتل الأبرياء، والقيام بكل الموبقات، وأجازوا شنائع مؤمنيها بفتاوى منسوبة إلى الأولين، ولم يكفرهم أحد من حملة أحقية التكفير، حتى تلك الفرق المتنازعة على ركن الإيمان ومرتكب الكبيرة والمتخالفين على الفقه النصي تنصلت تحت منطق علم الكلام الجامد، منذ تفسيرات النص المحنط منذ قرون غابرة، والتي لم تتحرر من ربق عبودية التفسير اللغوي دون العقل، والواجب إنقاذها، لتحريرهم من مطلقهم الفكري.

   فالادعاء بأحقية التكفير أو تحجيمه، وتأويلات فرقه الثلاث، بحد ذاته تكفير بإرادة الآلهة، من حيث البعد العقلي دون النقل الفارض من التفسيرات المطلقة للنصوص أو من النصوص في حيزه اللغوي، وخداع لمدارك العامة. والذين دافعوا ورفضوا الحكم وبشكل مباشر كانوا من الفقهاء أو المدعين بالفقه، وأفتوا بعدمية كفرهم، وصنفوهم من ضمن المارقين، والمبتذلين للقيم الإلهية، أو للإله الكلي، وبرروا لهم بشكل غير مباشر، أفعالهم تحت منطق الشهادة بالشهادتين، مدركين أن شهادتهم ليست لإله الرحمن، بل لألهتم البشرية، وأعمالهم انحطاط لماهية الإله الكلي، ولقيمه وأبعاد من نصوصه المتداولة، وهو كانحطاط الجهلاء المسيحيين لإلههم في عصر الظلمات بيد الفرق المسيحية الضالة والتي مرقت ولم تذنب تحت صكوك الغفران وغيرها، المشابهة للفتاوي التي ترد التكفير عن جماعات داعش وأخواتها، وعن المجموعات أو السلطات الدينية الماضية التي غرقت في المجازر باسم الآلهة، وأقربها إلينا السلطات الإسلامية بدءاً من الغزوات العربية الجاهلة الأولى إلى داعش والنصرة وأخواتهما.

  وما يجري اليوم في شرقنا والعالم باسم الآلهة البشرية أو المصنوعة في مدارك البعض، والإرهابيون الإسلاميون يتصدرون ساحات الإجرام، تحت مبررات الحقوق المسلوبة والمعتدية عليها من قبل الغرب الكافر أو نشر الإسلام الصحيح، متناسين أن 74 مجزرة وأكثر وبفرمانات سلطات إسلامية التي جرت بحق الكرد الإيزيديين، ومثلها بحق الشعوب المسيحية والمانوية والزرادشتية والمزدكية، لم يكن للغرب حضور(ليس دفاعا عن سلطات الغرب) بل كان الحكام والأنظمة من مفرزات الفرق الإسلامية الضالة وبكل مذاهبها، وبفتاوى تزعم أنها تنفذ رغبات آلهتهم، أسندوها إلى التأويلات المستخرجة حسب رغباتهم من نصوص إلهية.

  وعلى عتبات هذه الجرائم يحضر السؤال الشكي، هل كان سيبقى الإسلام الحاضر بفرقها المارقة في أحضان شبه الجزيرة العربية بدون المجازر المتتالية على مر القرون منذ ظهوره؟ وهل كان سيتمدد بالطرق السلمية كما تمت مع الديانة المزدكية والزرادشتية والبوذية، والمانوية؟ وهل الآلهة تحتاج إلى كل هذه الدماء والإجرام لنشر أخر الديانات السماوية، رغم أن أجزاء من النص يحرم القتل؟ أم أن ما يشرع ويطبق، وبفتاوى، قوانين بشرية، وما يتم هو تأويلات وتبريرات فقهية لما يقومون به من انحطاط للقيم الإلهية؟ وهل حقا لهم وللذين لا يكفرونهم دينهم وآلهتهم، وللمسلمين الناجين إلههم؟

 الحط من ماهية الإله وتعاليمه، هذا ما عبرت عنه عمليا المنظمات التكفيرية الإسلامية (داعش والنصرة وأخواتها الإرهابية) وهي تعكس الكثير من ما وردت في النصوص المشكوكة في بعضها أو المسنودة على المنسوخة منها وتناسي الناسخة، فتعالت أصواتهم، مرددين التفسيرات السابقة الملائمة لأعمالهم، يوم حللوا قتل الإنسان في العراق على الهوية، وكفروا، بدون رادع فقهي إلاهي، عندما غزو شنكال وقتلوا شعبها الإيزيدي الآمن باسم الإله والإٍسلام، نقولها كفروا على نقيض حكم الفقهاء المدعين بمن شهد الشهادة لا يكفر، والفتوى هذه أو لنقل التأويل اللغوي للنص أو الأحاديث والمتناسي الأبعاد الروحية في الأحكام الإلهية تناقض لماهية الإله الكوني، مالك كل البشر ومصنفهم، وتناغم لمزاجية ألهتهم المخلوقة على مقاساتهم البشرية المختلة، وهو تكفير بإرادة الإله على منطق الجدليتين، القدرية والجبرية، أو أنهم يودون القول أن الآلهة أو الإله يبغي الشر كطريقة لتقويم الإنسان، وكأنهم على دراية بما يبتغيه الآلهة للبشرية وينفذون إرادته، وهذا بحد ذاته كفر وانحطاط لمدارك من لا وصف له، لمالك كونٍ نصف قطره تتجاوز 500 مليار سنة ضوئية وعدد النجوم فيه أكثر من عدد حبات الرمال الموجودة في جميع الصحاري على الأرض، حسب أخر المعلومات الفلكية، فهل يسمح مالك هذا اللامحدود الكوني لحثالة من البشر بتطبيق قوانينه حسب مزاجهم على الأخرين، ويعطى الإجازة لفقهاء من لدنهم يبررون أفعالهم بالصمت أو عدمية كفرهم، لأنهم يقولون الشهادتين، ويجب التعامل معهم بالتي هي الأحسن!؟

  لا يشك وبالمنطق الإنساني وآلهة الرحمة، أنهم بفتاويهم الدفاعية عن الفرق المنحطة والاكتفاء بتصنيفهم كفرق ضالة، رجحوا الشك في كفرهم، وتصاعد الشك إلى اليقين يوم صدرت فتاوى بعدم تكفيرهم، وبها رسخوا الجهالة بالقيم الإلهية في مفاهيم البسطاء من المسلمين، وينسخونها بمراجعهم في أذهان المسالمين منهم، صفات الإله المجرم أو المحلل للإجرام والمجازر، والسبي، الذي صنعه التكفيريون لذاتهم والذي يعطيهم الحق تحت غيمة النطق بالشهادة على قتل الناس أجمعين بينهم من المسلمين على قدر الأديان الأخرى وأكثر.

 كفر من لم يكفر داعش، وكفر من صمت على سبي نساء الإيزيديين والمسيحيين، كفر الذي لم يكفر مجازرهم منذ الفرمانات الأولى، إلى التي تمت في قريتي: سيبا شيخدري، وكرعزير، وما جرى في منطقة شنكال، وقرى المسيحيين المسالمين، وفي كل العراق وسوريا، وضمن الحسينيات والمساجد أو الأسواق العامة لتابعي المذهبين، وكفر من تمسك بالمطلق التفسيري للشهادتين، ولم يؤلها رغم كل الجرائم، وكفر من أوجد التبرير الفقهي بعدم تكفيرهم في العالم الإسلامي، وتناسوا أن الإحجام فيه كفر، وكفر من حجم على النص ولم يطوره حسب التطور الإلهي للإنسانية ومعارفه، وكفر من حجم العصمة والمبررات لفرق إسلامية أخرى أو فقهاء يؤمنون بتطوير تأويل النص، والقيام بمثلها.

 التأويلات المنزهة لبشائع الفرق الإسلامية الإرهابية بحق الإنسانية، وبلغة عربية منمقة ذات الصفات الإسلامية، وبمرادفات فقهية فلسفية تدرج تحت غطاء علم الكلام، ونعت كل من لا يستخدمها بعدم الدراية بالدين وأروقتها الفكرية والفقيه، خدع لماهية الإله الكلي، المراد للبشرية جمعاء الرحمة والسلام، وعليه لا بد من تطوير مفاهيم الدين الإسلامي وأحكام المراجع الإسلامية، والاقتناع أن الأديان ومفاهيمها ليست مطلقة كما الإله، فما كان يحدث في الماضي ويفسر أنها تلاءمت والعصر، أصبحت في حاضرنا جهالة وكفر وجرائم، علما أنه حينها أيضا كان القتل والسبي والغزوات تجاوزات بشرية ضد الماهية الإلهية، والكفر في عصرنا هو ذاته الذي كان في الماضي، والآلام الإنسانية هي ذاتها أمام الآلهة، ففي الماضي ولضحالة المعرفة كانت الرهبة سائدة من المجهول، ولكن اليوم وعلى خلفية التطور الفكري العلمي، ومنها بماهية الآلهة التي خلقها البعض للقيام بمجازرهم وللسيادة، لا بد من أن يعاد تقييم الآلهة بما توصف…

يتبع…

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

mamokurda@gmail.com

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular