الخميس, أبريل 18, 2024
Homeاراءمن ذاكرة امراة اسمها حياة -8- : صلاح حسن رڤو

من ذاكرة امراة اسمها حياة -8- : صلاح حسن رڤو

حكايات كثيرة لمأسي كبيرة
_ الى اين انتِ ذاهبة ايتها المجنونة؟!
قالها ” الرفيق ابو زينة” وهو يرى “نجاة” تلك الفتاة التي لم تتجاوز عقدها الثالث بطولها الفارع ونزقها الثوري، وافعالها والفاظها الصبيانية المعتادة تجتازه بسرعة، وتحشرُ نفسها بين الجموع وهي ترد عليه بكلام مسترسل ومحفوظ كبساطتها القروية: “هي طلقة وحدة براس ويصفى كلشي!”.
كسنجابٍ طائر قفزت تلك الفتاة لتصل بسرعة فائقة لمقدمة تلك الجماهير المحتشدة لأستقبالِ الرئيس الجديد (صدام حسين) وهو يزور قصبة الشيخان قادماً من مدينة الموصل بمناسبة احتفالات المحافظة بأعياد الربيع من كل سنة. وقف الرئيس في مسطبة عالية من احدى مدارس القضاء ليخطب بالجماهير مواعظ وحكم من اجل الصمود ضد “المندسين والمخربين” لتطلعات الدولة التي تحارب في الوقت ذاته احدى اكبر القوى الاقليمية في المنطقة.
المناطق الواقعة تحت خط عرض 36 هي محنة الدولة العراقية منذ بدء نشأتها ،فأغلبية سكان هذه المناطق يطالبون بحقوق ذاتية تحفظ لهم خصوصيتهم القومية والدينية، الا ان ساسة الدولة معظمهم لا يرون ادنى حلول لهذه المشاكل، الا بالقوة والتغيير الديموغرافي بين حين واخر، لذا تبقى كل المشاكل عالقة مع تبدل كل حكومة وحاكم جديد.
تقترب نجاة دون تردد وتصرخ: سيدي…سيدي
بأشارة من الرئيس تُجلب الشابة بواسطة حماية الرئيس الى الامام للاستماع لصوتها بشكلٍ اوضح لتبدء الحديث بلغتها العربية الرديئة كحال معظم اهالي تلك المنطقة:
_ ” سيدي انت يشتري الشعب لو يبيع؟!”
بأبتسامة لم يستطع صدام اخفائها وثقة مطلقة يرد على نجاة: طبعا نشتري.
_” سيدي والله انت يشتري …بس جماعتك يبيع!”
_تعالي بنتي …شنو قصتج؟!
_”سيدي اختي الجبيرة…بنتها الصغيرة ماتت بالسجن، وهي واولادها الثلاثة مسجونات بالموصل…كلها علمود زوجها راح للجبل ومارجع…واحنا ما يعرف عنه شي…احنا اش علينا من زوجها”!.
انتصب مسؤولي الحزب عرقاً وهم يحاولون صنع الابتسامة للرئيس عندما التفت لهم للاستفسار والتوضيح،وبعد دردشة بسيطة قال صدام: اللي مايريدنه حنا هم منريده بنتي …نسقط الجنسية عن الرجال، واختج ترجع لبيتها اذا ما عليها شيء
_ الله يخليك سيدي.
وصلتني قصة وشكوى جهاز الامن والحزب لأهلي الذين زاروا بيت والدي في نفس المساء الذي زار صدام حسين القضاء، يتراسهم” ابو زينة، وابو حمزة” في كلامهم كثيرٌ من التهديد اكثر من المعاتبة لفعلة اختي نجاة في هذا اليوم، لكن الاصعب ان والدي حينذاك لم يكن حاضراً في العراق، اذ كان مشغولاً بعلاج اخي ابراهيم الذي اصيبَ بجروحٍ بالغة في حادثة سيارة، فأضطرَ والدي بعد انتظار لأخذ اخي المصاب الى لندن من اجل المعالجة، وسمع هناك من بعض العراقيين المقيمين في بريطانيا بقصة ابنته نجاة وكلامها الجريء مع رئيس الجمهورية في تلك الزيارة الخاطفة لقصبة الشيخان.
لم تمضي سوى اشهرٍ قليلة حتى طلب القصر الجمهوري مقابلة احد اولياء امري، وجاءت البرقية المستعجلة الى مقر الحزب في الشيخان. ذهب ” بشير” اخي الصغير الى بغداد لسفر والدي وتواجد بقية اخوتي في الجيش بسبب شراسة تلك الحرب مع الجارة ايران.
قبض بشير 1000 دينارٍ عراقي من اجل عمل عزاء لأبنتي هيمان التي ماتت في السجن _ كما قالها مسؤولي القصر الجمهوري حينذاك_، ورغم خوف وتردد بشير بأخذ المبلغ والكلام بحضرة المسؤولين الكبار، قال لهم كما اوصاه العائلة: نحن لا نحتاج للمال، نحن بحاجة لعودة اختي واطفالها، فـطمئن الحاضرين اخي واخبروه : انها مسألة وقت وسيطلق سراح جميع العوائل المسجونة!

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular