الشعب اليزيدي مرعوب من المطالبة بحقه و استحقاقاته الوطنية في العراق!!!
بقلم وسام جوهر
السويد 2008-10-22
الماساة الكبرى التي حلت بالاقليات العراقيةعامة و اليزيدية خاصة لاتكمن في حذف المادة 50 بحد ذاتها. اي فرق سيترك حذف ممثل واحد لا يدري احدا كيف يتم اختياره
و ما هي صلاحياته و امكاناته في غابة مليئة بالوحوش لا يحركها الا غريزتها البدائية في التسلط و الغاء الاخر. الطامة الكبرى تكمن في دلالات هذا الحذف و رسالة هذا الحذف. الخطر يكمن في القرار الذي توافقت عليه الاكثريات و بالاخص الاكثريتين الشيعية و الكوردية. الاكثريات لم تستطع ان تتوافق على شيء يذكر ياستثناء دفع المشاكل امامهم الى الغد الافضل و الذي بات مجيئه شبه مستحيل. قانون النفط و الغاز ترك كما هو, مشكلة كركوك اجلت و كالعادة. محاولة من التحالف الرباعي للحفاظ على ماء الوجه كان لزاما عليه ان ياتي برسالة للراي العام لطمس الصدع الذي حل بهذا التحالف الرباعي الذي فقد الكثير من ماهيته مقارنة بايام شهر العسل الذي انهته مشكلة كركوك و خانقين و قانون النفط و الغاز.التراجيديا تكمن في ان كتل الاكثرية و بدون ادنى حد من الحياء و الخجل توافقت على حذف الحلقة المستضعفة الا وهي التمثيل المعنوي للاقليات.
تحركت الضمائر الحية في جنوب و شمال الوطن من شخصيات و كتاب و مواطنين و جهات مختلفة للتعبير عن شجبها و استيائها للعمل المشين في اقصاء الاقليات. هنا لا بد لنا كمتابع ان نسجل شكرنا للاعلام العراقي الشريف و قناة الشرقية بشكل خاص حيث كرست هذه الفضائية مساحة واسعة لهذا الموضوع. الاخوة المسيحيين كشعب يشكرون بل نحييهم على شجاعتهم في التصدي لهذا الاجراء الخاطئ و الذي استهدف توجيه الضربة القاضية الى الاقليات العراقية وان التهجير القسري للمسيحيين في مدينة الموصل الا تاكيدا للنهج العنصري الذي يهدف الى تفريغ العراق من اقلياته المختلفة. المسيحيون تظاهروا و تفاعلوا مع الحدث بصلابة و شجاعة فتحركوا و حركوا ما يرعب بغداد و اربيل على حد السواء. الامر المضحك نراه في ردود فعل القيادات العراقية و الكوردستانية اذ سارعوا جميعا الى التبرء من اتخاذ القرار المخجل محاولا ايقاع اللوم على رفيقه بشكل يذكرنا بمجموعة فضح لها امرها ويحاول كل امرء النجاة بنفسه و لا مانع ان يكون ذلك على حساب شريكه و رفيقه. رئيس اقليم كوردستان اكد على ضرورة تثبيت حقوق الاقليات و مثل ذلك فعل رئيس الجمهورية و لم يكن رئيس الوزراء العراقي اقل شانا منهم في الدفاع عن حق الاقليات كما فعل نائبه ايضا!!! عجيب امرهم جميعا! ان كانوا جميعا حريصين على الاقليات الى هذه الدرجة لا بد لنا ان نسالهم عندئذ, من صوت لصالح قرار حذف المادة 50 اذن؟؟ ئووول بئى انت !!! على قول المصريين.
اليزيديون كانوا من اكثر الخاسرين في حذف المادة 50 و رغم ذلك كان رد فعلهم شبه معدوم وذلك باستثناء بعض المقالات التي نشرت من كتاب يزيديون على صفحات الانترنيت. السؤال المشروع هو لماذا هذا الصمت. هل ان سكوت اليزيدية هي علامة رضى؟ لا اعتقد ذلك فمن يرضى باقصاءه من وجود شرعي ومن يوافق على ان تؤخذ منه هويته؟ العجيب الغريب ان ردة فعل التنظيمات اليزيدية السياسية و شبه السياسية لم تكن بالمستوى المطلوب. حامل المقعد اليزيدي الوحيد في البرلمان العراقي لم يكن بالمستوى المطلوب و المحزن وجدناه طرفا في سجالات لا تجدي و لاتنفع مع المنشقين من حركته بدلا من ان يركز الطرفان على ما يجمعهم و ايانا جميعا الا وهو مقارعة من يحاول سلبنا بهويتنا. الاخوة من اليزيدية في الاحزاب الكوردية لم يخرجوا عن السكة المعتادة و هو التاكيد على كوردية اليزيدية و على ان الضمان الوحيد لبقائهم لا يتاتى الا من خلال الحاق المناطق اليزيدية باقليم كوردستان الحاقا فوريا و غير مشروطا! و لم ينسوا بطبيعة الحال ان يحمٌلوا بغداد الخطأ على اساس المبداء المتبع لديهم بان بغداد هو سبب كل بلاء, ناسين او متناسين ان سادتهم من القيادة الكوردية هم شركاء حقيقيون في صنع القرار في بغداد و ليس بمقدور بغداد اليوم ان تصدر قرارا لا يرضي الاكراد, و ان كانت بغداد لا تصدر كل ما تبتغيه القيادات الكوردية.
ذهب البعض من الاكراد الى القول بان الغاء الكوتة لليزيدية و الشبك هو امر طبيعي لانهما جزء من الشعب الكوردي و ليسوا باقلية بالمعني الصحيح بل انهم اي اليزيدية على حد تعبير هذا البعض هم مجموعة دينية على احسن تقدير و الشبك ليسوا الا باكراد ينتمون الا المذهب الشيعي على خلاف الاكثرية السنية من الشعب الكوردي. التخبط واضح هنا اذ ناد البعض الاخر من الاكراد باعتبار الفيليين اقلية. اقلية كنت ام اكثرية... المهم هو الهوية. هوية المجموعات البشرية لا يتم اقرارها على اعتبار العدد بل على اساس اعتبارات اخرى. فهوية المجموعة البشرية تتحدد بالدرجة الاولى على اساس شعور افراد هذه المجموعة بالانتماء الطوعي و الطبيعي لهذه المجموعة دون غيرها و دون الاخذ باعتبارات سياسية معينة بل باعتبارات اجتماعية و تاريخية و دينية. لكي يتم تحديد الهوية يجب توفر العامل الموضوعي الى جانب العامل الذاتي السالف الذكر. العامل الموضوعي يوفره محيط المجموعة البشرية عندما يتم معاملة هذه المجموعة من قبل محيطها على اساس ما يميزها عن غيرها و ليس على اساس ما تشترك هذه المجموعة البشرية مع غيرها كعامل المواطنة على سبيل المثال. هذا التعامل المحيطي نراه جليا في نهج بغداد و اربيل تجاه المجموعات المختلفة كاليزيدية و الفيلية و المسيحية و الشبك مثالا لا حصرا. لو كانت السياسات المتبعة في بغداد واربيل نابعة من المواطنة بدلا من الانتماء القومي و المذهبي و الطائفي, لانتفت حاجة الاقليات الى الكوتة بعد الركون الى برامج سياسية حقيقية تهدف الى سعادة المواطن و ليس سعادة الحزب و القائد. قادة العراق الجديد مصابون بداء القومية و المذهبية اضافة الى عمى العمل السياسي الحقيقي و المبني على برامج و نظم و اليات مجربة وناجحة في انحاء اخرى من كوكبنا. عودة الى الموقف اليزيدي من الاحداث السياسية الاخيرة نجد ان البيت الاميري مقصرا في اداء الواجب وهو يعاني من مشاكل جمة. البيت الاميري بحاجة الى اعادة ترتيب الذات و الخروج بخطاب موحد يرتقي الى مستوى المسؤولية. فالامير انور ينادي بعروبة اليزيدية بعد ان تخلى على ما يبدوا من اشوريتهم كما يدعي بانه الامير الرسمي لليزيدية في العراق و العالم. سماحة الامير تحسين سعيد بك و الذي بدوره يجد نفسه الامير الواحد الاوحد لليزيديين اينما كانوا, سارع الى كوردستان ليسجل الولاء لقادة الكورد وكان حريصا هذه المرة على ارضاء الاكراد ارضاء كاملا فاصطحب معه سماحة البابا شيخ كما كان حريصا على التخلص من العقال و الزي العربي اذا جاز التعبير و بعد عقود من الزمن ادراكا منه مدى استفزاز البعض من هذا الزي و كأن الزي و الملابس هي التي تضطهد الاخرين و ليس من يختبئ تحت هذه الملابس. ان الزيارات الاميرية و الباباشيخية المتكررة لقادة الاكراد باتت تذكرنا بايام القائد الضرورة حيث كانت هذه الزيارات شكلية يراد منها اعلان العراقيين الولاء الغير المشروط للحاكم و سلطته.
الشارع المسيحي انتفض وهاج فهز اركان السلطة في بغداد التي سارعت الى ارسال قوات عسكرية لحمايتهم في الموصل. الشارع اليزيدي مستاء و محتقن و مرعوب يخاف من اي تصرف يزعج الاكراد و هم يدركون جيدا بان بغداد ابعد من ان تسعفهم. الاكراد باعوا عراقية اليزيدية نيابة عنهم مثلما استولى الكوردي عنوة على ارض اليزيدي الزراعية لاقامة مشروع تجاري عليه. الخطاب الكوردي عراقي اكثر بكثير مما هو مسموح به لليزيدي. الشعب اليزيدي يخوض مباراة مصيرية في الدقائق الاخيرة من الشوط الثاني و هو متاخر بهدف و عليه ان يلم الشمل و يجمع القوى و عليه ان يلعب كفريق و ليس كطاقات فردية تلوم بعضها البعض. على اليزيدي ان يكون ايمانه بالنجاح اكثر بكثير من خوفه من الفشل. عندها و عندها فقط يمكن له تغير النتيجة في الدقائق الاخيرة. على عاتق يزيدية المهجر واوروبا بالدرجة الاولى تقع مسؤولية تاريخية و اخلاقية كبيرة في المبادرة على ايجاد نهج بديل وواضح يعتمد عليه في تثبيت الهوية اليزيدية كمجموعة بشرية و كمكون من مكونات العراق . ان اختزال الهوية اليزيدية الى الخصوصية الدينية امر خاطئ ومرفوض. ان الظلم الواقع على اليزيدية ليس لانهم ليسوا بسنة او بشيعة بل لانهم ليسوا كغيرهم من الاكثريات بالتمام و الكمال. النخب اليزيدية لاتزال خائفة من التركيز على اهمية هذه الهوية المستقلة. هذه النخب خائفة على مصالحها الشخصية من مناصب و مكاسب مادية خجولة.
ان غياب السلطة المركزية الشبه التام من الموصل امر غير مقبول و تقصير كبير في الواجب الوطني لانها السلطة المسؤولة بالدرجة الاولى عن امن و سلامة مواطنيها دون استثناء. هذا الغياب يشكل سببا رئيسيا في تدهور الاوضاع في نينوى عموما و الانقراض التدريجي لاقليات سهل نينوى خصوصا. منذ تاسيس الدولة العراقية بما في ذلك فترة حزب البعث و نظام صدام حسين الديكتاتوري و لحين الاحتلال الامريكي لم نسمع ابدا بيزيدي قطع له عنقه في وضح النار لكونه يزيدي! و لم نسمع يوما بقس او رجل دين مسيحي خطف و اغتيل في قلب الموصل! ما هذا الذي جنيناه من الفيدرالية و الديمقراطية و التوافقية؟ بئس هكذا نظام و الى جهنم بهكذا ديمقراطية. التيار القومي الكوردي ومعه الموالين له من اليزيدية يستخدمون كامل طاقاتهم و نفوذهم و علاقاتهم المحلية و الاقليمية و الدولية من اجل الاحتفاظ بحق الوصاية التامة على الشعب اليزيدي. انهم يصرون على اختزال الهوية اليزيدية الى انتماء ديني محض لكي يختزلوا حقوقهم و استحقاقاتهم الى حق العبادة و الصوم و الصلاة و كأنهم كانوا محرومين من كل ذلك في ظل الحكومات العراقية السابقة بما في ذلك فترة البعث وصدام حسين. لايحق لاي تيار يزيدي ان ينفرد اليوم في تمثيل رغبة بل تحديد مصير هذا الشعب المغلوب على امره.
نناشد الجميع على مراجعة النفس و نكران الذات من اجل القضية و من اجل الهوية و من اجل البقاء. نقترح ان تسارع النخب من شخصيات و من منظمات يزيدية في المهجر الى عقد اجتماع طارئ للبحث في تاسيس مظلة سياسية او شبه سياسية تجمع مختلف التيارات اليزيدية الفاعلة و الناشطة و الغير المتنفذة ليشكلوا توازنا سياسيا ضروريا مع التياراليزيدي القومي الكوردي المفروض على اليزيدية بشتى طرق الترغيب و الترغيم. الجسد اليزيدي يعاني من نزيف شرياني خطير و الوقت يداهم. انه سباق مع الزمن. انه نداء الى كل الخيريين من ابناء كوردستان و العراق من اجل الحفاظ على اقليات العراق. ان نهاية الاقليات في العراق لا قدر الله لن يكون الا بداية النهاية للاكثريات.