الإثنين, فبراير 10, 2025
Homeمقالاتحين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر! : يوسف ابو الفوز

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر! : يوسف ابو الفوز

يوسف أبو الفوز

صدر للكاتب الروائي السوري، المبدع حنا مينا (1924– 2018)، الذي يعتبر كاتب الكفاح والتفاؤل الانسانيين، في بيروت، عن دار الآداب للنشر والتوزيع، عام 1978، كتاب بعنوان (ناظم حكمت: السجنالمرأة.. الحياة ) ، يورد فيه حكاية طريفة عن الشاعر الشيوعي والثائر التركي المناضل ناظم حكمت (1902 – 1963)، الذي كرس شعره وحياته لأجل حب وطنه والناس ومبادئه الثورية، فعانى الكثير بسبب ذلك،  فدخل مختلف السجون لمدة تتجاوز إثني عشر عاماوتعرض للنفي الطويل. يقول حنا مينا، ان ناظم حكمت كان يستغل كل مناسبة لعرض أفكاره الثورية وتمريرها، ليس فقط في شعره ومسرحياته، أيضا حين اشتغل مترجما لنصوص الأفلام الأجنبية التي يقوم بإدائها ممثلي الدبلجة الى اللغة التركية، فالأفلام عادة تكون أفلام رعاة بقر، بحبكات ثأر وانتقام ومغامرات ومطاردات، لكن القائمين على الرقابة، لاحظوا ان راعي البقر، بترجمات ناظم حكمت، عندما يسقط صاحبه عن حصانه يصيح به:

ــ انهض، لا تتردد للمطالبة بحقك!

أو حين ينشب شجار بين رعاة بقر في البار، يشجع أحدهمصاحبه بالقول:

ـ العار للجبناء، لا تخف، اضرب وكافح الظلم والظالمين.

وبعد شهور تم طرد ناظم حكمت من عمله، اذ لم تعد الأفلام التي يترجمها أفلام تسلية بقدر ما أصبحت بابا لتسريب عبارات ثورية وتحريضية، وكأنه يترجم أفلاما عن كومونة باريس.

ما الذي ذكرني بذلك؟

اعتدت عادة، لمعالجة الارق حين يداهمني كابوس ويجبرني على ترك النوم، ان اختار فيلما سينمائيا، من أفلام الحركة والمغامرات، اشاهد جزءا منه حتى يعادوني النعاس من الجديد. هكذا قبل أيام، اخترت فيلما، بعنوان (المحترفون) من كلاسيكيات أفلام رعاة البقر (الويسترن) من انتاج عام 1966، عثرت عليه على منصة نتفليكس، دفعني لاختياره وجود جمهرة من الأسماء الذهبية من نجوم الشاشة، الذين اغرمنا بأفلامهم أيام صبانا وأول شبابنا،إذ وجدتهم يشتركون في هذا الفيلم مرة واحدة.

قصة الفيلم، مقتبسة عن رواية (بغل للمركيزا) تأليف فرانكأوروركي، نشرت عام 1964،ونشرت من جديد بعد صدور الفيلم ونجاحه بعنوان(المحترفون). تبدو حبكة القصة بسيطة. تدور احداث الفيلم حوالي عام 1917، على مقربة من الحدود الامريكية المكسيكية، في السنوات الأخيرة من الثورة المكسيكية، حين يلجأ غرانت (يلعب دوره رالف بيلامي) الرجل الغني وصاحب المزارع في تكساس، لاستئجار أربعة رجال مغامرين، خبراء في اختصاصاتهم، لأجل انقاذ زوجته ماريا (لعبت دورها الفاتنة كلوديا كاردينالي) المختطفة، من قبل الزعيم الثوري المكسيكي ئيسوس رازا (لعبه دوره جاك بلانس) الذي يطالب بفدية لاطلاقسراحها. ورغم ان بعض المحترفين الأربعة، له ماض ما مع الثائر رازا، قرروا تنفيذ المهمة أمام اغراء المكافأة المالية التي عرضت عليهم، ولهذا خاطروا بدخول الأراضي المكسيكية. اول الاربعة هو هنريريكوفردان (الممثل لي مارفن) متخصصفي الأسلحة، وثم بيل دولورث (الممثل بيرت لانكستر) خبيرمتفجرات، ومعه هانز إهرينجارد (الممثل روبرت رايان) خبيرالخيول، وأيضا جيك شارب (الممثل وودي ستوردي) وهومستكشف من هنود الأباتشي، ماهر في استخدام القوسوالسهم. يتبين للمشاهد لاحقا ان فاردان ودولورث، سبق وقاتلامع رازا تحت قيادة بانشو فيا (1878ـــ 1923) الثوري المكسيكي الشهير، الذي عرف بروبن هود المكسيك، رفيق القائد الاشهر إيمليانو زاباتا (1879ــ 1919)، وكلا البطلين ماتا اغتيالا على يد منافسيهم من الجنرالات الطامحين للسلطة وانقلبوا على مسار الثورة. يكشف لنا الفيلم ان (المحترفين) يكنون تقديرًاكبيرًا لرازا كمقاتل، لكنهم وكمحترفين مستأجرين، ليس لديهمتردد في تنفيذ المهمة لأجل قبض المكافأة المغرية.

في الأراضي المكسيكية يشهد (المحترفون) هجوما لرازا ورجاله على قطار حكومي ويستولون عليه، فيتبعون القطار الى معسكرالثوار، ويقومون بمراقبته. يتسلل (المحترفون) الى معسكر الثوار ويشهدون ان ماريا على وشك ممارسة الجنس مع رازا برغبتها وبدون أي اكراه، فيفهمون انهم خدعوا بشكل ما، ومع ذلكيخطفونها بعد اشتباك سريع مع سكان المعسكر، وفيه يستعرضون مهاراتهم في الرمي والقفز واللكم وثم الهروب مع غنيمتهم نحو الأراضي الامريكية، الى وديان وجبال يحتمون بها من الثائر رازا ومجموعة من رجاله يطاردونهم لاستعادة ماريا، التي تكشف للمحترفين الاربعة بانه تم تزويجها بصفقة بيع بين ابيها والثري غرانت وانها تعشق رازا منذ طفولتها وانها هربت اليه لكونه حب حياتها وتريد العيش معه بإرادتها، وطلب الفدية كان حيلة للحصول على أموال لتمويل الثورة، فيقع (المحترفون)في حيرة، فهم لا ينقذون زوجة مختطفة، بل عشيقة هاربة من زوجها. في الوديان الوعرة، يشتبك (المحترفون) مع رازا ورجاله وينجحون في جرحه وأسره، والوصول به وماريا الى الحدود، عند نقطة اللقاء مع الزوج الثري الذي بدا مسرورا، وحاول قتل رازا فمنعوه بالقوة، بل وفي تحول دراماتيكي في موقفهم، وضعواالثائر رازا الجريح في عربة مع ماريا وطلبوا منهما العودة الى المكسيك وفرطوا بالمكافأة، ثم تبعوهما عابرين الحدود الى المكسيك.

التغير في موقف (المحترفون) جاءا تدريجيا، بعد حوارات جرت بينهم خلال اعتصامهم بصخور الوادي ومراقبتهم معسكر الثوار واستذكار علاقتهم مع رازا والثورة المكسيكية، وحديثهم عن معنى الثورة. لفت انتباهي عمق الحوارات التي تجري بين رعاة البقر المغامرون، فهي لا تتناسب مع فيلم مقدر له ان يكون فيلم حركة ومغامرات، نرى فيه لي مارفن الذي عودنا ان لا ينحني امام الرصاص المتطاير حوله، ونتحمس لقفزات برت لانكسترالبهلوانية التي يجيدها، اذ كان لاعب سيرك قبل امتهانه التمثيل، ووجدت ان ناظم حكمت يطل ملوحا لي بين الحوارات، بل ويغمز بعينه، فطار النوم من عيني تماما:

ــ ماتوا بشجاعة من اجل ما آمنوا به ...

ــ الثورة؟

ــ عندما يتوقف إطلاق النار ويدفن الموتى ويتولى السياسيون زمام الأمور كل ذلك سيؤدي الى شيء واحد ... قضية خاسرة.

ــ اذن انت تريد الكمال او لا شيء.

وفي مكان آخر:

ــ ان الثورة مثل علاقة حب عظيمة في البداية تكون كالإلهة... قضية مقدسة، لكن كل علاقة حب لها عدو رهيب .

ــ الزمن؟

ــ فنراها كما هي، فتبدو الثورة لنا ليس كالإلهة، بل كالعاهرة، لم تكن ابدا نقية أو مقدسة أو كاملة.

أو :

ـ بدون حب … بدون قضية، نحن لا شيء!

أيضا:

ــ نبقى بسبب ايماننا ونغادر بسبب زوال الوهم. نعود لأننا قد ضللنا ونموت لأننا ملتزمون.

وكان عليّ للخلاص من الحيرة البحث عن اسم كاتب الفيلم ومخرجه لافهم وجود هذه الحوارات.