السبت, يونيو 14, 2025
Homeمقالات"المصالحة الكردية التركية: غياب الضمانات يهدد كل شيء" : يحيى هركي

“المصالحة الكردية التركية: غياب الضمانات يهدد كل شيء” : يحيى هركي

الكاتب والصحفي يحيى هركي - ألمانيا

أخجل من نفسي، نعم أخجل! كلما شاهدت زعيمًا كرديًا أو مسؤولًا أو حتى محللًا سياسيًا يتحدث بفخر عبر شاشات التلفاز عن “خطوة تاريخية” لحل حزب العمال الكردستاني (PKK) نفسه… دون أن ينبس بكلمة واحدة عن الضمانات! عن المقابل! عن ثمن أربعين عامًا من الدماء والدموع! كيف يمكن لهم أن يباركوا قرارًا بهذا الحجم، وكأنهم يصفقون لمشهدٍ ناقص، بلا عدالة، بلا حقوق، بلا كرامة ؟ ولماذا لا ترحب الحكومة التركية بقادة الحزب من الصفوف الأولى والثانية والثالثة؟ أليسوا هم أيضًا من أبناء هذا الشعب؟ أليسوا أتراكًا يحملون الجنسية التركية، بل أكثر من ذلك: لماذا يُطلب من القادة أن يغادروا إلى أوروبا، وكأنهم خطر يجب التخلص منه، بدلاً من دمجهم في المجتمع.

“اما المقابل؟ لا شيء واضح. لا حديث عن دمج سياسي…”ولا عن مصير القادة، ولا عن تكريم الشهداء، ولا عن تعويض المعوقين، ولا عن الاعتراف بمطالب الحزب في البرلمان أو المجتمع.

إذا كان قادة الأحزاب المعارضة سابقا في العراق اوسوريا اوليبيا سواءا كان كورد او عرب قد أصبحوا اليوم وزراء ونوابًا، وتم الاعتراف بضحاياهم كـ”شهداء”، وتُصرف لهم رواتب وامتيازات، فهل يُعقل أن يُعامل أبناء حزب العمال الكردستاني كمجرمين فقط لأنهم حملوا السلاح دفاعًا عن هويتهم؟ أي عدالة هذه؟

ان نزع السلاح خطوة مهمة، نعم. لكنها لا تعني شيئًا دون ضمانات دستورية، واعتراف سياسي، وإشراف دولي نزيه. لا يمكن أن نثق بتجارب تركيا السابقة، فقد خانت الكورد في أكثر من مناسبة:

معاهدة سيفر 1920: وُعد بها الكورد بدولة، ثم أُلغي كل شيء بمعاهدة لوزان.

مبادرة توركوت أوزال 1992: توقفت فجأة بعد وفاته الغامضة.

مفاوضات 2013-2015: انتهت دون أي نتائج.

ولا ننسَ أن المجتمع الدولي، من أمريكا إلى أوروبا، لم يقدم حتى اليوم أي خطة واضحة أو ضمانة حقيقية. بل يستخدمون القضية الكردية في تركيا كورقة ضغط، .أو يقايضونها بقضية أخرى لا أكثر؟
إن العدالة الانتقالية الحقيقية تبدأ بتكريم الضحايا من الطرفين، والاعتراف المتبادل، وإطلاق سراح الزعماء الكورد المعتقلين وعلى رأسهم عبد الله أوجلان. ان الضغط النفسي والجسدي في الزنازين لا يصنع سلامًا، بل يصنع خضوعًا.

إن إعلان الحزب حلّ نفسه دون إطار دولي واضح ودون إشراف جهة محايدة، يضع مستقبل الكورد في تركيا على المحك. الحكومة التركية تريد تسليم السلاح وتفكيك روابط الحزب، ليس فقط داخل البلاد، بل حتى على مستوى الدعم المالي الخارجي.

وان رجعنا قليلا الى التاريخ فنجد قضايا متشابه لكن بشروط عادلة مثلا:
الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) سلم سلاحه بعد اتفاقية الجمعة العظيمة 1998، بضمانات من بريطانيا وأيرلندا.

حركة FARC الكولومبية وقّعت اتفاق سلام عام 2016، بعد مفاوضات طويلة وضمانات من الأمم المتحدة.

متمردو نيكاراغوا (الكونترا) تم استيعابهم سياسيًا، بعد وساطة أمريكية وضمانات دولية.

كل هذه التجارب أثبتت أن نزع السلاح لا يكون بداية للسلام إلا إذا ترافق مع ضمانات واضحة، تحفظ كرامة المقاتلين وتدمجهم في الحياة السياسية.

الخلاصة أقولها بصدق:

على القيادات الكردية – في تركيا – أن تطالب بوضوح بضمانات حقيقية. لا مجاملات، لا تردد، لا خوف. لأن السلام لا يُشترى بالخضوع، بل يُبنى بالعدالة والكرامة.
وإذا فرّط الكورد بهذه الفرصة، دون المطالبة بحقوقهم، فإنهم يخاطرون بخسارة كل شيء… حتى دماء أبنائهم. إن نزع السلاح ليس هزيمة، بل قد يكون بداية جديدة، لكنه لن يكون كذلك إلا إذا ترافق مع كرامة واعتراف وضمانات دولية حقيقية.
أما أن يُطلب الاتراك من المقاتلين أن يختفوا، ومن القادة أن يُنفوا، ومن التاريخ أن يُمحى… فذلك ليس سلامًا، بل طيٌّ قسريٌّ لصفحة مؤلمة دون أن تُقرأ!
إن لم تُكرّم تضحيات المقاتلين الكورد، ويُمنح القادة السياسيون مكانتهم في الوطن، ويُعترف بالمعوقين والشهداء من الطرفين، فإن أي عملية “سلام” ستكون ناقصة، مهددة بالانهيار.والكورد، إذا لم يطالبوا اليوم بضمانات حقيقية، فلن يلوموا إلا أنفسهم حين يستيقظون ذات صباح، ليكتشفوا أن كل ما قاتلوا من أجله… قد ضاع.

كاتب وصحفي – ألمانيا

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular