السبت, يونيو 14, 2025
Homeاراءهل سيكون لإعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ نفسه ونزع سلاحه...

هل سيكون لإعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ نفسه ونزع سلاحه تأثير على وضع الايزيدية في سنجار؟ وهل يمكن الاستفادة منه؟:د.خليل جندي

رأي مطروح للنقاش..

منذ نشر تصريحات الرئيس التركي أردوغان، ودولت باهجلي، رئيس حزب الحركة القومية التركية وأحد اقطاب الدولة العميقة عن وجود مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني، وأنا اتابع الكثير من التحليلات والمقابلات والآراء حول هذا الحدث، أغلبها تذهب باتجاه أن ذلك سيترك تأثيراً على سياسة ووضع دول الشرق الأوسط، خاصة تركيا، سوريا، العراق وغيرها. وقد اعتبر دولت باهجلي “هذا الإعلان خطوة تاريخية ستتركُ آثاراً كبيرة”.

فعلاً إعلان حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ نفسه وإلقاء السلاح يُعدّ تطوراً مهمًا في المشهد السياسي والأمني في منطقة سنجار، ذات الأغلبية الإيزيدية، وتطوراً لافتًا في المشهد الإقليمي، خاصةً بالنسبة للإيزيديين في سنجار. فمنذ اجتياح تنظيم داعش للمنطقة عام 2014، لعب هذا الحزب دورًا محوريًا في الدفاع عن الإيزيديين، مما أكسبه تعاطفًا واسعًا داخل المجتمع الإيزيدي.

هنالك احتمالين، الأول: أن يسهم إعلان هذا الحزب عن حلّ نفسه، وانسحاب أنصاره من سنجار في تقليل التوترات مع تركيا. ويمهد الطريق لتنفيذ الاتفاقية الموقعة بين بغداد وأربيل، المسمى بـ “اتفاقية سنجار” والتي تهدف إلى إعادة الاستقرار والإدارة المشتركة في سنجار. وقد يعزز عودة النازحين إلى ديارهم. الاحتمال الثاني: قد يؤدي انسحاب الحزب وفصيل (يبشه) إلى فراغ أمني، ويؤثر على الفصائل المحلية ويُضعف الدفاعات المحلية للإيزيديين. وقد يُشعر بعض الإيزيديين بالقلق من الاعتماد على قوات أخرى، نظرًا لتجارب سابقة.

وقد يفتح هذا الحدث الباب أمام عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل سنجار، مع الأخذ بنظر الاعتبار العوامل الإقليمية والمحلية المعقدة. السيناريو الأول: العودة لتحريك تنفيذ “اتفاقية سنجار” الموقعة بين الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان في أكتوبر 2020، من خلال إنشاء إدارة أمنية ومدنية مشتركة. السيناريو الثاني: سعي حكومة إقليم كردستان إلى استعادة نفوذها في سنجار، خاصةً بعد انسحاب قواتها في أعقاب استفتاء الاستقلال عام 2017. إلاّ أن هذا الاحتمال قد يلاقي مقاومة من بعض الفصائل المحلية الإيزيدية التي ترفض ذلك، وتريد علاقات مع فصائل أخرى. السيناريو الثالث: الذي ينادي به بعض الايزيديين ألا وهو الحكم المحلي، وتشكيل إدارة محلية مستقلة تُعنى بشؤونهم وتُعزز من أمنهم واستقرارهم. هذا السيناريو قد يتطلب موافقة ودعمًا من الحكومة المركزية والمجتمع الدولي لضمان نجاحه. لكن، تبقى المسألة معقدة بسبب تضارب المصالح الإقليمية، خاصةً مع تركيا وإيران، اللتين ترفضان أي مشروع يهدد وحدة العراق. السيناريو الرابع، الذي يبدو أقل احتمالًا نظرًا للتعقيدات الجغرافية والسياسية، وهو ربط منطقة سنجار بالإدارة الذاتية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) شرق الفرات. هذا السيناريو سيكون صعباً، وبعيد المنال نظراً لمعارضة الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق، وربما أطراف إقليمية.

هل يمكننا قراءة المشهد على ضوء مشروع الشرق الأوسط الكبير؟ ذلك المشروع الذي يهدف إلى إعادة هيكلة المنطقة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، بما يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، والذي يقوم المشروع على إعادة رسم الحدود الوطنية وتفكيك الدول المركزية لصالح كيانات محلية أو فيدرالية.

هنا، مرة أخرى تدفع تنفيذ “اتفاقية سنجار” بين بغداد وأربيل إلى الساحة، إذا علمنا أنها تتماشى إلى حد ما مع فكرة تفكيك الدولة المركزية العراقية لصالح إدارة محلية في سنجار، تحت تأثير إقليم كردستان. وأن مشروع الشرق الأوسط الكبير يدعم الحكم الذاتي أو الفيدرالية كوسيلة لتخفيف التوترات العرقية والطائفية.

لكن: تبقى الإدارة تحت إشراف الحكومة المركزية، مما لا يحقق الهدف الكامل للمشروع المتمثل في خلق كيان مستقل تمامًا.

أما إذا أخذنا بعودة سنجار إلى سيطرة حكومة إقليم كردستان، فان ذلك يعزز رؤية توسيع النفوذ الكردي ضمن العراق، ويُمكّن إقليم كردستان من بسط سيطرته على المناطق المتنازع عليها. وهذا يتلاءم، على ما يبدو، مع مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يسعى لتقوية الأقليات العرقية وتشكيل كيانات جديدة، وهذا يتماشى مع دعم كردستان مستقلة أو شبه مستقلة، ليُشكل في المستقبل نواةً لتأسيس كيان كردي أكبر يمتد عبر الحدود العراقية-السورية-التركية.

يجب ألا يغيب عن بالنا ضعف الدعم الدولي، الذي ينظر إلى الإيزيديين كمجموعة مضطهدة تحتاج إلى الحماية، لكن ليس بالضرورة ككيان سياسي مستقل، إذ أن واقع المجتمع الإيزيدي يلعب دورًا محوريًا في تحديد إمكانية إقامة إدارة محلية مستقلة، الذي يُحلم وينادي به البعض، يبدو للوهلة الأولى متماشياً مع فكرة إنشاء كيانات إثنية محلية مستقلة أو شبه مستقلة، ويعكس رؤية التجزئة العرقية والدينية بدلًا من الدول القومية الكبيرة، إلاّ أنه سيبقى في إطار السيادة العراقية، مما لا يتطابق كليًا مع فكرة الشرق الأوسط الكبير التي تدعم قيام كيانات جديدة، كما أنه سيلاقي اعتراضاً من حكومة إقليم كردستان، والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يعتبر سنجار جزء من الإقليم، استنادًا إلى المادة 140 من الدستور العراقي، والتي تتعلق بالمناطق المتنازع عليها. ويسعى الإقليم إلى تأمين عمق استراتيجي غربًا نحو الحدود السورية، مما يجعل سنجار مهمة جغرافيًا. وبذلك يمتلك الحزب علاقات قوية مع الولايات المتحدة ودول إقليمية، مما يعزز موقفه الإقليمي والدولي.

أن ضعف العامل الذاتي والانقسام الداخلي للمجتمع الايزيدي بين العشائرية والدينية والسياسية، يجعل من الصعب التوصل إلى إجماع على قيادة موحدة، وأن هذه الانقسامات تخلق بيئة غير مستقرة، وتُضعف أي مشروع لإقامة إدارة محلية. هذا فضلاً عن غياب الوعي السياسي، وضعف النخبة المثقفة، على الرغم من بروز شخصيات ثقافية وفكرية، إلا أن المجتمع ما زال يفتقر إلى قيادة نخبوية موحدة يمكنها توجيه الرأي العام وتقديم رؤى واضحة. ويتطلب ذلك تعزيز الوحدة الداخلية، ورفع الوعي السياسي والإداري، وإشراك جميع الأطراف في عملية اتخاذ القرار، والعمل على كسب الدعم الدولي.

وإذا كان السيناريو الرابع الذي أشرنا اليه في أعلاه، أي التحالفات عبر الحدود بين المكونات العرقية المتشابه، يُمَثل شكلًا من التعاون العابر للحدود الوطنية، ويتماشى مع تفكيك الدول المركزية، لكنه يبقى معقدًا بسبب التدخل التركي والإيراني والمعارضة الإقليمية.

ان الظروف المستجدة بإعلان حزب العمال الكردستاني عن حلّ نفسه، ونزع سلاحه، نزع عن تركيا المبرر الرئيسي لاستمرار العمليات العسكرية في سنجار، حيث لم يعد هناك وجود رسمي معلن لمقاتلي الحزب. يُفترض أن يؤدي ذلك إلى تحسن الأوضاع الأمنية في سنجار، مما يعزز فرص إقامة إدارة محلية خالية من الصراعات، بحيث تصبح عودة النازحين أكثر جدية إذا زالت التهديدات الأمنية، ويحتمل ان تطالب الأمم المتحدة بدور أكبر في دعم استقرار المنطقة بعد حل الحزب، بالتالي يمكن أن تسعى بغداد وأربيل لاستثمار هذا الوضع لاستعادة الثقة الشعبية في سنجار.

يسعى الحزب الديمقراطي الكردستاني (PDK) إلى تكريس النفوذ الإداري والعسكري عبر وجود البيشمركة وقوات مرتبطة بالإقليم. ويستثمر في كسب دعم المجتمع الإيزيدي من خلال تقديم الخدمات وإعادة الإعمار، ولكن يواجه مقاومة محلية بسبب انعدام الثقة منذ انسحاب البيشمركة عام 2014. أما الحكومة المركزية في بغداد تنظر إلى سنجار على أنها جزء من السيادة الوطنية العراقية، خاصةً بعد دحر داعش عام 2017، وتخشى من أن يُساهم ضم سنجار لإقليم كردستان في تعزيز النزعات الانفصالية. لذا ستدفع الحكومة في بغداد باتجاه تنفيذ اتفاقية سنجار (2020)، التي تنص على إدارة مشتركة بين بغداد وأربيل، بعد خروج الجماعات المسلحة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وتعتمد على قوات الجيش والحشد الشعبي لضمان سيطرتها الميدانية.

وإذا لم تنجح الخطة أعلاه، ولم تتوصل حكومة بغداد وحكومة الإقليم إلى اتفاق مرضي، ربما يتصدر سيناريو جديد المشهد ألا وهو: إدارة مشتركة بين بغداد وأربيل برعاية دولية، وتطبيق اتفاقية سنجار بشكل فعلي، مع إشراف دولي يضمن التوازن بين الطرفين، وإنشاء مجلس محلي يضم ممثلين عن الحكومة المركزية، إقليم كردستان، والإيزيديين. إذ يجب على بغداد وأربيل تقديم تنازلات سياسية تضمن مشاركة الإيزيديين في إدارة شؤونهم، مع التركيز على إعادة الإعمار وضمان عودة النازحين. كما يجب على المجتمع الدولي أن يلعب دورًا نشطًا في ضمان عدم استخدام سنجار كساحة صراع بين القوى الإقليمية.

الورقة معدة للنقاش والاغناء…

مدينة Bovenden في 16/أيار/2025

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular