ُتجّسد رواية “بيت طوفان” فكرة الوطن كذاكرة أكثر من مجرد جغرافيا، حيث يحمل البيت، رمًزا مركزًيا في
العمل، تاريًخا متراكًما من التحوالت السياسية واالجتماعية. من خالل شخصيات مثل الراوي خالد وطوفان، ينسج
ا في الرمزية، يعكس صراع الهوية واالنتماء في مواجهة التغيرات القسرية التي عصفت بالمكان.
الكاتب سرًدا غارًق
“المواصفات الفنية للكتاب:”
– “المقاس:” 14 × 21 سم
– “عدد الصفحات:” 188 صفحة
الرواية تتبع نهًجا سردًيا يعتمد على تداخل األزمنة والوقائع، حيث يسرد طوفان قصته ليس كمجرد مسيرة فردية،
بل كشريط طويل من تاريخ الوطن؛ بكل انعطافاته، وأحالمه المنطفئة، وحلقاته التي تعيد نفسها كدوامة ال تهدأ.
**محلة الوردية**، التي نشأ فيها خالد، تمثل رمًزا للوطن المثالي، حيث يسود التآلف والتعاون. ومن هنا تأتي
ا في ذات المحلة، البيت الذي كانت تقطنه عائلة يهودية قبل أن
إحدى اإلشارات العميقة عندما يشتري طوفان بيًت
تغادره إلى إسرائيل بسبب المضايقات، في انعكاس لتبّدل األوطان وتداخل المصائر.
إحدى أقوى اللحظات الرمزية تتجلى عندما يبدأ خالد بالتقرب إلى طوفان بعد سنوات من العزلة، في مرحلة تجاوز
فيها األخير المئة عام. عندما وجد خالد طوفان على وشك الموت في منزله، أنقذه واعتنى به في المستشفى، ثم
استمر برعايته حتى وفاته. لكن المفاجأة الكبرى كانت عندما اكتشف خالد قبًرا داخل غرفة طوفان، يضم رفات زوجته
إثر حرب الخليج عام .1991 وعندما استفسر خالد عن سبب دفنها هنا بداًل من مقابر
التي فارقت الحياة حسرًة
العامة، أجابه طوفان بأن هذا البيت هو مكانها الصحيح، وأنه يود أن ُيدفن بجوارها، إذ كان “بيت طوفان” تجسيًدا
لوطنه، وأراد أن يموت فيه ال خارجه. وفي النهاية، ُدفن طوفان بجوار زوجته، ولم يبع خالد المنزل رغم حاجته إلى
ا بذلك على الداللة الرمزية التي حملها البيت كجزء من الهوية الوطنية.
المال، محاف ًظ
برز بذكاء الفوارق بين المجتمعات المتقدمة ونظرتها للحياة، حيث يتجدد اإلدراك وُيساَءل التاريخ، على
الرواية ُت
عكس واقعنا، الذي يعيد السرد كما تفعل الببغاء، دون أن يخترق الجوهر أو يتساءل عن معنى ما يرّدده. وحين
ا في فراغ ممتد، ال يرى إال ظالله المتكسرة،
يستيقظ اإلنسان من هذه الدوامة، تصدمه الحقيقة، ليكتشف أنه كان عالًق
ا ليست سوى كذبة مريحة.
وأن اللحظة التي ظنها يقيًن
عندما يصل طوفان إلى هذا اإلدراك، ال يجد ملجأ سوى الغوص في ذاته، حيث يعيش اضطراًبا فكرًيا يجعل حدوده
الشخصية أكثر تداخاًل وغموًضا. ولكن بينما تتعمق عزلته، تنفجر الحرب على الوطن، وتبدأ القذائف في هدم المدن،
ويحتضر طوفان تحت وطأة الدمار، كما لو أن سقوطه يجّسد انهيار بغداد نفسها. في هذه اللحظة، ُيطوى فصٌل من
التاريخ، ويبدأ آخر ُيكتب على رماد المرحلة السابقة، ممِّهًدا لزمن جديد تتشكل فيه الهوية من بين الركام.
االسترسال في السرد رائع، واألسلوب ينبض بالحياة، مما يمنح الرواية ديناميكية تمّس القارئ فكرًيا وعاطفًيا.
الرمزية متقنة، والصور السردية تنسجم مع عمق الفكرة، مما يجعل الترجمة األدبية لألحداث وسيلة فّعالة إليصال
ا لتجربة فردية، بل شهادة على مرحلة
رؤية الكاتب بمهارة وحرفية عالية. وهكذا، تصبح الرواية ليست فقط توثيًق
ُتعيد تشكيل التاريخ.