الجمعة, مارس 29, 2024
Homeابحاثهَسن هَويري أنقذَ الأمير بدرخان وكسر شوكة محمد رواندوزي : الباحث خديدا...

هَسن هَويري أنقذَ الأمير بدرخان وكسر شوكة محمد رواندوزي : الباحث خديدا شيخ خلف

لا يخفى بأن لأبناء الديانة الأيزيدية تاريخاً زاخراً بالمفاخر والمآثر وحافلاً بأسماء لامعة من القادة والزعماء العسكريين والقامات الاِجتماعية والسياسية وأبرزهم جَعفَر داسني وأيزيدي ميرزا وجانگیر أغا وميرزا آقونسي و درويشي عبدي وحمو شرو وداؤد الداؤد وهَسن هَويري أولئك الذين تركوا بصمات دامغة في نفوس ابناء جلدتهم وعلى صفحات تاريخهم ذا الجذور الموغلة في اعماق ارض ميزوبوتاميا خصوصا والشرق الاوسط عموما والذين تَحلٌوا بالشَجاعة والاِدارة وقوة النَفس وكانت الشهامة والشرف شريعتهم في سلوكهم متَخطين مَصاعب ومَشقات الحياة ومواجَهة المَخاطر بالايمان والتجلد وعدَم ألاِستسلام للاعداء مهما كلف الأمر ،
أضحى من الضروري أن نلقي الأضواء على أحد الرجالات الايزيدية البارزة و الذائعة السيط من الذين نذروا أرواحهم في سبيل ديانة وقضية أبناء جلدتهم
ألا وهو ( هَسَن شرف الهَويري ) صاحب المَواقف النبيلة و الجَديرة الذي يَستَحق المَدح والثَناء والاِفتخار لِما أبداه وأنجزه من أعمالٍ ومواقفٍ نبيلة وعطاءاتٍ مخلدة ومشرفة كتبت بماء الذهب على صَفحات التأريخ الكوردستاني والأيزداني ، ويعد فارساً لا يشق له غبار عزَ مثيله وقلَ نظيره .
وللتعرف على كنية الفارس الباسل هَسني هويري اِستندنا الى ثَمة مصادر وحقائق تاريخية موثقة بأيدي المقربين منه ، وأبرزهم أحد مقربين وأحد أحفاد اخيه
(دهام محو ابراهيم محمود برو محمود عيسى ) وفضلا عن الاٍستعانة ببحوث وكتابات الباحث ابو آزاد شيخاني وپير خدر سليمان وخليل جندي و داؤد مراد وكل ما نشرَ ودُوٌنَ من سطور على صَفحات التَواصل الاِجتماعي بحق هذا البطل الايزيدي الشامخ بالإضافة إلى تفاصيل أغنيتهِ التأريخية الخاصة بهِ والتي تتغزل بشجاعتهِ وخصالهِ العالية ومواجهاتهِ العسكرية ومواقفهِ الاِنسانية المشَرفة وبالإضافة حزنهِ على فلذةِ كبده ولده العزيز يوسف رحمه الله ،
وبهذا الخصوص أكد لنا دَهام لنا قائِلاً أنَ سلَفنا المكَنى بلقب هَسَني شرف أبو عَبدو ودولمز والذي أسمه الحقيقي ( هَسن بن شَرف بن عيسى الهَويري ) السليل النَسب والحَسب وذو المَجد والشهرة وأحد أعيان ووِجهاء الاِيزيدية وزَعيم عَشيرة الهَويرية المَشهورة بعزِها وكرمِها وسخيها وشجاعتِها وعاداتها العشائرية الأصيلة ، وكذلك يعد قائداَ عسكرياً ماهراً لمَجموعة مقاتلة من أبناء جلدته من الهويرين والرشكانيين والماسكين ،
اِذ كانَ اِنساناً رائعاً حتى لو ما تكلَمَ كان له هَيبتَه و حضوره وكبرياؤه الراقي بين الأقوام المحيطة بهِ ،
ويضيف قائلاً اِختلفَ المؤرخون في ولادتهِ المحصورة بين السنین 1780–1790م أي في النصف الأخير من القرن السابع عشر , حيث رأى النور في منطقة سلوپيا الواقعة في مثلث الحدود التركية العراقية السورية ،
وكما أضاف الاخ دهام أن نَسَبه يعود إلى سلالة جدهِ الكبير ( مَحمود عيسى ) الذي لمعَ أسمه بينَ رجالات وفرسان الشيخ مند پاشا بن الشيخ فخرالدين بن أيزدين أمير 1230م والذي تولى اِمارة حلب ولقٍبَ بپاشا حلَب ويعد شيخ طريقة الهويرين أينما كانوا ، ومن الطريف والكلام المتداول بين أبناء الهويرية لازالوا يقسمون ويحلفون (بشيخ مندي محمود عيسى ) أي يقسمون بالشيخ مند صاحب محمود عيسى أو المنسوب اِليه .
وأردفَ دهام قائلاً تَربى وتَرعرعَ هَسن هَويري في كنفِ عائلةٍ مسالمة ومسامحة كريمة ذات مكانة عالية بين المجتمع الأيزيدي وذات حالة مَيسورة معتمَدة في مَعيشتِها الحياتية على تَربية الأغنام والمَواشي والزراعة والتِرحال في ظلِ الأجواء المناسبة الى المناطق المشجعة للرعي والزراعة والعيش الرغيد بتحكم المناخ والعشب ،
ويذكر ان هَسَن تولى اِدارة شؤؤن أبناء عَشيرته الهَويرية بعدَ وفاة والدهِ شَرف عيسى الذي منحَهُ الثقة وعلمهُ الحب و الوَفاء والصراحة بقَول الحقيقة وكان يصطحبَهُ الى مَجالس ومضايف الرجال والأعيان الكبار منذ رَيعان شبابهِ ويعَلمهُ على أطباع الرجال وفنون الفروسية والحربية ومواجهة ألأعداء ،
وبلا شك عاش وشهد على حقبة من أشد حقب التاريخ مآثراً وحوادثاً وماساةً هي حملة الأمير الرواندوزي ( ميرى كورا ) على أبناء الديانة الايزيدية وأمراء بهدينان .
لهذا نراه عندما كَبِرَ وذاعَ سيطَهُ في المنطقة حَسَدًهُ الكبار والصغار وتزايدَ عليه العَديد من الشيوخ والأغوات المحيطين به وأدى ذلك الى تأليب وتَحريض بعضهم عليه بغية الخلاص منه و تصفيته بحيلةٍ وأخرى ،
ويجدر ذكر المثل الذي مفادهُ ( كلما اِرتفع المرء تكاثفت حوله الغيوم والمحن وذو النفوس الدنيئة يجدون اللذة في متابعة العظماء والبحث عن أخطائهم )
وأمضى دهام هويري في حديثهٍ عن سَلفهِ هسَن أنه في أحد الأيام دعاهُ أيزدين شير بَك مع شقيقه الأصغر اللذان يُعِدانِ من أولاد شقيق بدرخان بك بوتاني الى جلسةٍ اِجتماعية بحجة التحكيم بينهما أمام القوم بعد تَدبير مَكيدةٍ له للاٍطاحة بهِ وتصفيتهِ تماماً ، واِختبار ذكائه وشخصيتهِ فيما إذا كان ضعيفا سهلاً سَينالوا منه .
ومن جانبه عَزى دَهام أسباب هذا المكر المدبر للإطاحة بهَسن الى تقربهِ من الأمير بدرخان بَك ومواقفه النبيلة وثقتهِ العالية بهِ ويَمضي قائلاُ إن أيزدين شير اِبن شقيق بدرخان يعد أحد ألد خصوم ومنافسي عَمهِ بدرخان بك الذي تولى إمارة بوتان . ولكن في الحقيقة أن هَسن هويري لم يكن بسيطاً وسهلاً للاستسلام بل كان من أطباعهِ الهدوء والصبر ولا يمنح الثقة العمياء لأحد وكما لا يطلق رأيه اِلا عن تَبصرٍ ورؤيةٍ ثاقبة بل كان يراجع نفسهِ مرات عديدة مع أخذ الحيطة والحذر حتى يتخذ قراراً نهائياً في أطلاق جوابه الأخير في كل موقف هام ،
فنراه في هذا الموقف الحرج يتأخر في اِتخاذ القَرار في تلبية الدَعوةٍ ومن الأفضل والأرجح ان يستعين ويستشير بقريبه الحكيم ذا الحكمة والدَهاء و السَباق في حَل الأزمات والمواقف الحَرجة بأحد أقربائه ، فاِستعان به واِستصحَبة الى الجَلسةِ التي دعيَ إليها وتوجهانِ معاً إلى المضيف بحَذرٍ وتحفظٍ كبيرين ،
وهناك تم أِستقبالهم بحفاوة وبأبتسامة كاذبة وكلمات خادعة ورائحة الخداع والخيانة تفوح منهم وبَعدَ التَداول بالمَوضوع الهام والوقوف عند محطةٍ حَرجة ألا وهيَ توجيه السؤال المحرِج من قبل أيزدين شير بك المختلفَ مع أخيه و وسؤاله المدبر الذي يبادر من ورائه الفتنة والخديعة حسب اِتفاق الاثنين معاً وبشهادة رجال عشيرتهما ، ربَما قد تكون الإجابة تطيح بحياة هَسن و يذهب بها ضَحية حقدهم الدفين وحَسدهِم على مواقفهِ الإنسانية السامية وعلى حب واِحترام الناس له وخصوصا موقفه المخلص والصادق مع بدرخان بك كان السبب الرئيسي في التحريض على تصفيته ، كان السؤال الموجه لهسن هويري ( هل الخنزير حيوان لبون أي يلد أم بياض يعني يبيض ؟ )
سؤال محير اِستوقف هَسن وقريبه عنده ووضعه في موقف محرج جدا ، ولكن سرعان ما اِسترسل وَلَد عمهِ الحكيم إشارةً من عينه لهَسن مؤشراً بها بخروجه الى باب القَصر من اجل التفكير والتدبير بالامر والحل الصائب وليشرح له المكيدة وما وراء ذلك السؤال ،
فطلب هَسن من الحضور أن يسنحوا له بفرصة التفكير والاستشارة بقريبه الحكيم بالخروج و بفرصة التفكير لأبداء الاِجابة الصحيحة والمقنعة ،
فعندما خرج هَسن مع قريبه الحكيم خارج الجلسة حيث اعلمهُ الآخر بالخديعة المدٌبَرة له والمَكيدة المصطنعة ضده مؤكِداً عليه التحفظ والتحذر كثيراً وألاٌ سَيودع في قفص الاِتهام أمام الحضور ويحكم عليه بالقصاص ويذهب بها ، فأكدَ له بقولهِ اِذا أجبت بأن الخنزير بَيٌاض سيغضب أحدهم ويفرح الآخر واذا أجبتَ بأن الخنزير لبٌون سيَغضب الآخر ويفرح الأول وفي الحالتين سيغضب الراهن الخاسر بسبب خجلهِ واِحراجهِ بل تكذيبهِ وشعورهِ بالنقص والاِهانة المصطنعة امام القوم بالتالي سيَثير غضبَه منكَ حتماً وسينتقم بالتأكيد وتكون أنت ضحية الاِجابة أمام الزَعيمين الاِثنين المتفقين سراً ،
وهذا يعد مَربط الفرس بعَينهِ والحاضرون في الجلسة جَميعهم شاهدون عليكَ في تكذيب أحد كبار قومهم وبالأساس هي خدعة كارتونية دُبرت من أجل النيل والخلاص منكَ وتصفيتكَ جسدياً ،
ففي هذه الأثناء اِختار حكيمه جواباً شافياً وافياً علهُ يبرئ الزعيم هَسن هويري ويخلصه من الموت عارضاً عليه الجواب المنقذ لحياته بأن يقول للحضور ( أن الخنزير حيوان مَزاجي يجوز في بعض الأحيان يلد وربما في الأحيان الأخرى يَبيض ) اي بمقدورهِ أن يَلد وبمقدوره أن يبيض حتى لا يضر الاثنين بل يفرحهم .
فعندما عادَ هَسن ورَفيقه الحكيم الى جَلستهِم الأخيرة المصيرية التي يَسودَها الصَمت والحَذر والتَرقب الشَديد ، والجميع يشدوا أبصارهم الى هسن هويري ويتهيأ الحاضرون لأستماع بما ينطق به هَسن ،
وهنا لا يعلم الحضور بان هَسن سيفاجئهم بجوابه الحكيمي والعقلاني الذي يصدق الاثنين ولا يكذِب أي منهما وينقذ هسَن من القتل المحتوم أجاب ( أن الخنزير حيوان مزاجي يمكن يبيض ويمكن يلد) مكررا الجواب أكثر من مرة ، حيث تفاجأ الجميع بالجواب الشافي الذي أنقذَ حياة هَسن من المكيدة المدبرة
فعَلى أثر ذلك اِنتهى المشهد الكارتوني وتصالحَ الزعيمين أيزدين شير بك مع شقيقه أمام الحضور ولم يَبقى لهما أيةِ حجةٍ اِلا أن يَثنوا على هَسن تثميناً لجهدهِ وحكمتهِ ويخلعوهُ بعباءةِ الشيوخ والأغاوات ، وهكذا اٍرتقى هسن بمواقفة الحكيمة الذي يرضى الجميع دائما بها ، وبعد هذا الموقف الذي أنقذ هسن من موت محتوم لم ينتهي مسلسل المكيدات والخدعات المدبرة من هؤلاء الحاقدين الحاسدين هسَن أغا على مواقفهِ وعطاءاتهِ وشجاعتهِ الفائقة ،
حيث بينَ فترةٍ واخرى نَراه يتعرض الى كَمينٍ من خلال قطاع الطرق والرعاة بدعم وتحريض من الأغاوات والكبار وبحكم الفتاوى المقيتة ولكن كان ينقذ نفسَهُ بنفسهِ وبحكمتهِ وأيمانهِ بالله وملائكتهِ وشيخ طريقتهِ الشيخ مند الشمساني وفي كل مرةٍ يخيب ظن أعدائه و منافسيهِ في إنقاذ روحهِ من فخ مدبر وموقف هالك ويتجاوز المصاعب والمشاق بثقة عالية وقوة عزيمتهِ الفائقة ،
ولكن بكل أسى وأسف عَميقين لعبَ القدر أخيراً بتمكن أعداءه النيل منه بقتل ولده ( يوسف ) بخديعةٍ وأخرى أوقعتهُ في فخ مقيت وبيد أحد المغرورين في المنطقة المدعو شمک عمر دَلي ،
كما أضاف الاخ دهام لقد مَضى هسن ببذل جلَ جهدهِ في النيل من أعدائهِ ومغرضيهِ محاولاً الثأر لولدهِ العزيز بكل إرادتهِ وحنكتهِ غيرَ أن الفرصة لم تَسنح له الى أن شاء القدر و قاد غرور القاتل شمك عمر دَلي الى التجرؤ ثانيةً على أبناء العشيرة الهويرية بمبادرة سرقة اموالهم وحصنهم ولكن عيون أبناء المنطقة الساهرة وهممهم العالية كشفت سر المتعدين وأعان الله اصحاب الحق من الحراس الساهرين أن ينقضوا على اللصوص الثلاثة وليلقوا ألقبض عليهم داخل فناء احد منازلهم ، وبعد تجريد اللصوص من اسلحتهم وشد وثاقهم وتوقيفهم في باحة ساحة القرية والبَت معهم وأسباب وخلفيات حقيقة التجاوز على حرمة المنطقة ، وخلال البت والتحقيق بادرَ أحدهم فجاة بالصراخ اِنه سيفيدهم بخبرٍ هام علَه يحمل حقيقة تخصهم ولها صلة بقاتل ولد الأغا هَسن بشرط عدم التعدي عليه واِخلاء سبيله ، وبعد المشاورة قطع الرجال الهويرين العَهد على أنفسهم بعدم قتلهِ اذا اعترف على حقيقة وشخصية القاتل وثبت براءته ، حيث اِعترف اللص بشخصية القاتل الحاضر الذي يتوسطهم وبحوزته الخنجر الذي طعن به يوسف الفقيد حتى موته ،
في هذه الأثناء تم الاتصال بهَسَن هويري والد المَجني عليه يوسف ليطلع على الحقيقة ، وبعد تم البت والتحقيق مع الجاني ( شمك) أحد اللصوص الثلاثة وبعد اِعترافهِ بتفاصيل الجريمة وكشف غطاء السر عن عن الهدف والسبب والخنجر الذي لازال يحمله ،
وبعد حسرات عميقة خرجت من صدر هسن والد يوسف المغدور حكم عليهم بتصفية القاتل شمك بنفس الطريقة التي اتبعها في تعذيب وقتل ولده يوسف ، وعلى ضوء اعترافات الجاني كيف كان يطعن يوسف بعد كل استنشاق دخان سيجارته ونفس عميق ، في نفس الطريقة تم قتل شمك وتصفيته حتى خرجت روحه من قالبه . وتم إخلاء سبيل اللصين الآخرين .
يذكر دهام أن مضيف جَدنا هسَن كان لا يخلى من المارين والشاكين والمشتكين وكل مغلوب على أمرهِ من أبناء جلدته ومنطقتهِ من كانوا يلتفون حَوله ويستفيئوا بظل خيمتهِ ليلَ نهار بغيةَ مشاورتهِ والاِتفاق معه على الشاردة والواردة وحَل معضلاتهم وتصفية أمورهم ، وبالرغم من أن كان متميزاً بالدهاء والحنكة والشجاعة الفائقة كان متواضعاً ومرحاً أيضا ويَستميل القلوب ويَستهويها ويَستقطب كل من يجالسه ويشاركه في اي امر كان .
ولا يخفى أن البطل هسَن عاشَ و شَهِد على حقبةٍ من أشد حقب التاريخ مآساةً ومعاناةً و حوادثاً ومآثراً متعددة أبرزها الحَملات العسكرية التي شنَها الأمير الأعور محمد رواندزي عام ١٨٣٢- ١٨٣٨ التي اِنتفض فيها بتحالفهِ مع نفرِ من عشيرة المزورية من سكان بهدينان وبالاِضافة الى عددٍ من أبناء السوران والگوران من سكان رواندوز وقنديل وحرير و بدعمٍ عسكري ومادي مِن قِبل الصَفويين وسيٌما والي كَرمنشاه الجائر الذي جهزَ له أحدث الأسلحة التي كانت بحوزة الصَفويين وجيش قِوامه ١٠٠ الف مقاتل على خلفية النَيل من العثمانين والاِنتقام من أعوانهِم وحلفائهم واِستعادة اِمارة السوران واضعاً اِياه في صدارة الاِنتقام ألأمراء الايزيدين الذين توَلوا حكم الولايَتين داسن وسوران بأشرافٍ عثماني مباشر وبدعمٍ مادي وعسكري ولوجستي ،
وفی ظل هذه الأحداث التاريخية الخطيرة و المرحلة القاسية وواقع البلد الممزق بين الصفويين والعثمانيين وأعوانهم واِشتداد التنافس والتَناحر والصِراع والتشَتت بين الأطراف المتناحِرة ، شَهدت المنطقة أكسَح وأشرس الحَملات المدَمِرة والاِبادات الجماعية و أغرب أشكال الحرق والتخريب والتدمير مع أقسى أنواع التعذيب والقتل والنحر والاِنتقام والسَبي والاغتصاب الوحشي وناهيك عن اِستباحة الديار المقدسة والمزارات والمراقد الدينية بأطوَر وأفتَك الأسلحة وسيٌما المدافع الصفوية (الطوب) ،
ويذكر أن جيش الرواندوزي تغلبَ على الكتائب الأيزيدية المعتمَدة على الأسلحة الشخصية والعثمانية الخفيفة والقديمة وبغياب مشاة القوات العثمانية أو الحكومية لم يجد رادعاً يكبح جَماحَهُ ولاِ جهةٍ صادقة تَبدي الدَعم للقوات المنهارة ولرفع معنوياتها الهابطة ،
بلا شك ان الرواندوزي بطريقة وحشية همجية وأخرى عاث في أرض المنطقة الفساد والدمار و أذاق أبناء الديانة ألايزيدية خلالِها أقسى أشكال الاِضطهاد والمَجازر والملاحقة عن طريق فتاوي التكفير التي أصدرها الملالي المتشددين والمفتيين المسلمين بحق الايزيدين الابرياء وعلى رأسهِم المفتي ملا يحيا المزوري .
أذ تحولت المنطقة الى مسلخ تقطيع البشر بسواطير الحقد والجهل والزوابع الطائفية المقيتة بالاضافة الى ما شهدته من التهجير والخطف والسبي والتدمير والقتل العشوائي ،
أما بالنسبة للعثمانيين المتحايلين وضعوا حلفائهم الايزيدين هدفا للأعداء وساتراً أمامهم مع غض النظر عن ما يدور حولهم في العراق عموما و الموصل خصوصا وعن الدوائر التي تدور عليهم .
بلا شك وفي ظل هذه المرحلة الحرجة والقاسية التي اِنكسرت خلالها شوكة الايزيدين الداسنيين وتخلي العثمانين عنهم وبعد اٍستنفار كل ما بأيديهم من العدة والعدد ولم يفلت من يدهِم إلا الفار والمستعصي بالجبال والكهوف والملاجئ البعيدة عن الأنظار ،
والجدير بالاشارة الى أن جيوش الرواندوزي اِنطلقت في أكثر من خط عسكري هجومي واِنتشرت في المنطقة ولم تفلت من قبضتهم لا جبال مقلوب ولا بعشيقة ولاعين الصفرة ولا عقرة حيث أذاقو سكانها الأمرين ، وبذلك غدت مياه النهرين (گومل وخازر ) حمراءاً لِما اِمتزجت بها دماء عشرات الألوف من المقاتلين والأبرياء العزل من الكبار والصغار ،
وبعد أيام معدودة من تصفيةِ المنطقة تماماً توجهَ الرواندوزي إلى الفلول المنفلتة من قبضتهِ والتي ضاقت بهم السبل ماضٍ في ملاحقتهم وايصال الاذى في كل ما تقع عينيه عليه وتصل اليه يده الملطخة بالدماء ، ومدينة الموصل التي دخلها المغلوبين على امرهم كدخلاء على أعيان ووجهاء المواصلة وواليهم المتواطئ مع الرواندوزي والمتفق معه بحصة من الغنائم والممتلكات وبدافع من حاشيتهِ وأعيان المدينة بغض نظر العثمانين وعلى هذا المنوال والتكتيك السري بينهم تمكن جيش الرواندزي من اقتحام مكان تجمع الايزيدين والذين يعدون بعشرات الالاف والاقدام على قَطع الجسر القديم عليهم واِولادتهم عن بكرة أبيهم وسبي النساء والفتيات العزل وسَلب كل مابحوزتهِم من أموال وممتلكات عزيزة وباهضة الثمن ،
وبعد تصفية مدينة الموصل واخلائها من الفلول الايزيدية المتشتتة قام بأصدار نداء عسكري مشؤؤم موجهاً مقاتليهِ بمعية الملالي والمفتيين الذين أباحوا اِبادة الايزيدين الى اِكتساح واٍقتحام جميع القرى الايزيدية وغزوها والعبث فيها ،
حيث تم خلالها إبادة اكثر من نصف أبنائها وناهيك عن تَدمير الديار المقدسة والمزارات والمنازل ونبش المراقد والمقابر الأيزيدية ،
كما تجدر الاشارة هنا الى اِن الأمير الرواندزي لم يبقى بيدهِ اِلا أن يتوجهَ الى اِمارات بهدينان لمعاقبةِ أمراء وأبناء العمادية ودهوك بالإضافة إلى اِسقاط الاِمارتين داسن والشيخان وتصفية كل العالقين في المناطق الحدودية والجبال الوَعرة و المستعصية وكان من بين أعصاها وقتئذٍ قصبة ديربون وخابور والقرى الهويرية المحيطة بها ، وأما سلوپيا التركية التي أضحت بؤرة لتجتمع فيها أبناء القرى الأيزيدية المغلوبة على أمرها والمنتشرة حول سواحل نهر دجلة وسهولهِ بعد الاِستقرار في المنطقة الحدودية ،
بعد وصول جيش الرواندوزي خَييم مقاتليه على روابي المنطقة وسهولها وتلالها المواجهة للحدود المثلثة والأمير الأعور اِختار المناطق الاِستراتيجية فيها ناصباً خيمتهُ الشخصية على تلِ ديربون الشهير بعد فرش سيطرتهِ على المنطقة برمتها متحدياً وملاحقاً جميع الفلول الايزيدية المتَبقية والعالِقة في الحدود التركية العراقية السورية ،
فاجتمعت مقاتليه وانتشرت في السهول والوديان كالذئاب المسعورة في ظلمة الليل ،
…….. وعلى غِرار ذلك نهضَ الفرسان الأيزيدين من غفوة جراحاتهم بقيادة الفارس الشهم المنتَخي لأبناء جلدته ( هَسن هويري ) الذي اِستطاع لملمة جراحاتهم ورفع معنوياتهم مؤكدا لهم على رفض الهزيمة وواقع النكسة والاِستعداد للمضي و الثأر من الشهداء المغدورين برغم الجراحات الثقيلة والعميقة التي قَيٌدت أقدامهم والحزن الذي طَغى على قلوبهم والصَرخات التي أبحت أصواتهم ،
وبعد تحصين وتأمين أماكن وملاجئ عائلاتهم وأطفالهم وحرائرِهم باِبعادِهنَ عن ساحة المواجهة وعن أية خطورة كانت ، وبعد بسط السكينة والاطمئنان و مع غروب الشمس تهيأ الفرسان الايزيدين الابطال بعد التوكل على الله وطاؤوس ملك وتقبيل المقدسات حاملين أمتعتهم وزادهم للذود عن الارض والعرض والعقيدة متوجهين صوب ساحة القتال زحفاً على البطون صوب الجبل وبالقرب من ينبوع الماء الرئيسي متحفظين من أية حركة تكشف امرهم وتحسس أعدائهم بقدومهم مختارين اِياهم وقت الليل المتأخر لاِبداء التَحدي والمواجهة المَصيرية بقيادة زعيمهم هَسن ابو عبدو في مواجهة أعتى أعاصير الشر وأعلى قلاع التطرف والتكفير الأعمى ،
ويذكر بان تنفيذ كل الخطط والتحركات كان في الخفاء والليل ومحَصنينَ أنفسهِم في موقعٍ أستراتيجي يقابل التلة التي تَعتليها خَيمات الرواندوزي الخاصة وقواد جَيشه المدجج بأفتك الأسلحة المنتشرة في المنطقة ،
ولا يخفى على الجميع بان القائد هَسن هو أحد أبناء هذه المنطقة التي تربى و ترعرع فيها ، بل يدرك كل شبر فيها وكل ما يحيط بها وكل مادار ويدور عليها وهو أدرى من أعدائه الغرباء في تاريخها وجغرافيتها وطبيعتها .
و بعد التكبير والتدبير والمشورة فيما بينهم أدركوا بأن الافضل ان يتخذوا نبع الماء مأواهم وورقة ضغطهم وأن يقطعوا الطرق على مقاتلي الروادوزي وخيولهم واِمداداتهم قبل بدء المعرگة
، فَتوجه نفر منهم الى الرحى السبعة المنتشرة في المنطقة فغيروا مجاري مياهها مع مياه الينابيع التي تحيط بكل جوانب الاعداء وتحصرهم في بقعة موحِلة لتقطع طريق مقاتليهم وخيولهم وتعثر مسيرتهم ،
و بعد التامين وأخذ الحذر مكث فرسان الهويرين المنخرطين في أماكن منتشرة مقابل الخيمة الرئيسية للرواندوزي واضعينَ أكفانهم على رِقابهم وأرواحهم على كفوفهم رابطينَ أرجلهم بوثاقات في ساحة الوَغى تمنعهم من الفرار و التراجع ناذرينَ أنفسهٍم في سبيل النيل من الأعداء والثأر لآلاف الشهداء المغدورين من أبناء جلدتهم وشَرف الحرائر المستباح ،
وفي هذه الأثناء والرواندوزي يُعيد العِدة والعدَد ويتهيأ للهجوم على فرسان الهويرين ، ويلقي نظرات فاحصة من خلال نواظير ليلية لمتابعة فرسانه وخشية من الفرسان الايزيدين والمضي في إقناع مقاتليه بالمكان المحصن ولكن تبين ان بعض مقاتليه لم يهدا لهم بال عَبٌروا عن قلقهِم وخشيتهم من اي التفاف ، ولم يستطيب لهم الاجواء والاماكن المتلاصقة بأقدام الجبل ، والرواندوزي يؤكد ويفرض قراره و يقسم بمقدساته بعدم التزعزع من هنا حتى ان تسقط خيمته على راسه ، فصمت فرسانه بقدرهم من الطلبات والاقتراحات دون حيال ذلك ودون قناعة صادقة ، وفي الوقت الذي تسير الخطى نحو أخذ الحذر والتخطيط للهجوم وتحديد ساعة الصفر للهجوم ، اِنتهز أحد فرسانه اليائسين حسب ما رواه دهام والذي قاده ضميره لأخبار هسن وجماعته عن الحقيقة والنيل من محمد رواندوزي ،
ويذكر الباحث ابو ازاد أن المخبر كان من بين الأسرى الايزيدين الذي امسكه الروادوزي في طريق الشيخان – دهوك ولهذا السبب فرَ من بين مقاتلي الرواندوزي والتحق بابناء جلدته وتعليمهم بحقائق ووقائع العدو وكذلك اضاف ان الرواندزي اعفى عنه ولن يقتله بسبب السفه على ريعان شبابه وجماله البهي و منحه الثقة ليتعايش معه ومع مقاتليه اسوة باقربائة مع التحفظ منه ، و الامر المهم اِنقلب الآخر عليهم بعد أن سنحت له الفرصة بالإنفلات منهم متوجهاً إلى الأرض المحرمة القريبة الفاصلة بين الرواندوزي و الأيزيدين زاحفاً مختفياً عن أعين الرواندوزي ومقاتليهِ منادياً بصوت شحيح ومقطع على فرسان هَسن هويري طالباً اللقاء بهم معرفَا أياه بنفسهِ وبهويتهٍ الايزيدية هذا حسب ما رواه أبو ازاد ،
وبعدَ البَت والتحقيق معه والدخول في صفوفهم ليفيدهم بمعلومات او خططٍ تقلل من الخطورة أو حزم النصر المؤزر على اصحاب الشر الذين اِنتشلتهم الزوابع الطائفية المقيتة من وراء جبال بعيدة ،
وتَجدر الإشارة إلى أن الأسير المخبر أفادَهم بمعلومات سرية مهمة أبرزها كَشف الغطاء والسر عن مَحل اِختباء ومكوث الأمير الرواندزي في الخًيمة الكبيرة المقابلة التي تَعتلي التلة الكبيرة المقابلة لهم والتي يعتليها علَم وهلال برونزي ، وأعلمهم بساعة الصفر التي اِتفق عليها العدو وشرح مفصل عن وَضع فرسانهِ واِبداء ضَجرهِم ويأسهم بهذهِ الواقعة وهذه المواجهة الحاسمة والاجواء القاسية التي يشعرون بخطورتها على حياتهم بالاضافة الى اعتراف الاعداء بقوة و عزيمة الهويرين ومدى اِقدامهم الصادق على المواجهة المصيرية والثار من شهدائهم ، وكما أرعبهم بما سمعوه عن زعيم القوم هسن الهويري وما يتحلى به من شجاعة وبسالة وعزيمة عالية وقوية وذو سيط ذأئع في المنطقة ،
وكما أخبرهم بوضع الرواندوزي مع مقاتليه الذين اقترحوا عليه مغادرة هذه المنطقة بالذات والتي لا تستطيب لهم ، مختارين اِياهم مكان آخر غير هذا المكان اكثر اماناَ وستراتيجيةً ولكن أصرار الرواندوزي وتشبثه برأيه وقراره الخاص وبالمكان المختار عازما وقاسما بمقدساته لن يتحرك من المكان حتى ان تقع خيمته على رأسه ، هذا ما جعلهم أن يتشبثوا بهذه التلة المكشوفة الغير المفائلة لهم .
ومن هذا المنطلق اِتفق ألجميع مع الزعيم هسن أن يصوٌبوا خَيمة الرواندوزي قبل ساعة صفرهِم محدداً اِياه الأبعاد الدقيقة لعمود الخيمة والهلال الذي يعتليها باِطلاق النار من سلاحٍ بعيد المدى والرَمي على الهدف عَلهُ يجتاز خَيمة الامير الأعور لأهباط معنوياته وإثارة القلق والخوف في نفوس الاعداء وليتحقق ما قسم به الرواندوزي بأن لا يغادر المنطقة الى ان تتكسر اعمدة الخيمة على رأسه، حيث بادر فرسان هسن هويري الأشاوس بالرمي على خَيمة الرواندوزي مصَوبينَ اِياها بدقة مع أسقاط أعمدتها وتطاير هلالها في الفضاء مع بزوغ أول اشراقة صباحية للشمس وتحقيق الهدف متمكنينَ من اِثارة الرعب في النفوس ، ويذكر ان الحدث وقع بعد تغيير مَجرى نَبع الماء والرحى وتوجيهها على عدة فروع لِاحاطتها بساحات القتال التي اخذت مجراها بأكثر من اتجاه ،
وبهذه الخطة و هذه الطريقة العسكرية الفنية الجادة تم قطع الطريق على سَير الأعداء وخيولهم وتم محاصرتهم والنيل منهم ،
بلا شك نفذت هذه الخطط والاجراءات التي فوتت الفرص على الاعداء قبل مبادرة العدو بأي تحركٍ عسكري وهجومي وقبل بدء ساعة الصفر وبهذا الامر أضحى الفرسان الهويرين سباقين في الإغارة على الأعداء . وجرى عكس ماكان الاعداء يصبون اليه في ساعة الصفر .
والجدير بالاشارة الى ان الدوائر الدائرة على الأعداء كانت متزامنة مع خرير الماء وانتشاره حولهم من كل صوب ومع الرمي المتواصل وصيحات وصَولات الفرسان وصَهيل الخيول التي هزت الجبال وأهَبطت معنويات الرواندوزي ومقاتليه واِنكسرت شوكتهم وخابت آمالهم وأقلعتهم عن المنطقة ،
و هذه الفاجعة التي حلَت بهم أرغمتهم على ترك هذه المواضع متوجهينَ صوب أقدام التلال خائبين فاريين صوب مدينة العمادية مرة أخرى وصدى أصواتهم المشتتة ترتفع ، وغياب يعم الجنبات ورايات تتطاير و تتكسر تحت أقدام خيولهم ، و فرسان هسن الهويري يبلون بلاءاً حسناً ماضين بملاحقة فلول الخائبين واٍتباع خطواتٍهم حتى اجتازوا العمادية ثم منطقة القايدية والى عمق منطقة الشيخان فقد أذاقوهم علقم الهزيمة مخلفا وراءهم مئات القتلى .
وعند حلول الفَجر والتأكد من فِرار واٍنكسار العدو
، وبتحَفظٍ وتحَذرٍ كبيرين عادَ الايزيدين بفخر واِعتزاز وراء قائدهم وزعيمهم المنتصر هسن شرف الهويري الى مواطنهم وقراهم منتشرين في كل جوانب المنطقة و تم تَحصين القرى بالحراسات والترقبات الأمنية .
وهذه المواقف عدت صدمة للرواندزي ألأعور وأعوانه و تلقينه درسا تاريخيا لاينساه الأجيال القادمة ،
وبعد انكسار شوكته وخيبة املهِ توجهَ بمقاتليه الى جبل سنجار الشامخ ارض التحدي والمقاومة لينفث سمومه في أجساد أيزيدين أخرين وينتقم لخيبة أمله وانتكاس رايته مع هسن الهويري ، حيث حدثت اشتباكات عنيفة بينه وبين فرسان جبل سنجار في عدة قرى و راح ضحيتها المئات من الاثنين ويذكر ان خططه العسكرية فشلت أيضا بعد ما أبدى المقاتلين الشنگالين الابطال بمعنوياتهم العالية وعزيمتهم القوية ، والدوائر التي دارت عليه واهبطت معنويات الرواندزي هي الاخرى ، وبعد تلك الخيبة والانكسار و والفشل قاده غضبه الى التعدي والفتك بالأهالي العزل وحرائرهم وأطفالهم الأبرياء ، وبعد عودته إلى سهل نينوى (منطقة الزرزايين ) عبر عن غضبه وانتقامه أخذ القرار الحازم باِستيطان المناطق الأيزيدية الممتدة من جبل مقلوب غرباً الى منطقة الكلك جنوباً وعقرة شمالاً من قبل فرسانهٍ وأعوانهِ غالبيتهم من أبناء عشيرة الگوران القادمين من رواندوز وقنديل وحرير وعرب المنطقة وكما استوطن المزورين في المواطن الايزيدية التي تحيط بمعبد لالش ،
والغاية منها هو النيل منهم ومن مواطنهم واملاكهم واِبعاد خطرهم ليغدوا حزاماً أمنا يفصله عن الأيزيدين ليومنا هذا .
………. ومن جانب آخر يشهد لهَسن هَويري موقفاً مشرفاً مع الزعيم الكوردي ( بدرخان عبدالله خان ) أمير ولاية جزيرة بوتان (١٨٠٢ -١٨٦٨ م ) بالرغم من ما قام به بتوسيع ولايته على حساب أبناء الديانة الايزيدية وكلفهم ضحايا جمة في الأرواح والمعدات ، ولكن الايزيدي يبقى اِنسانيا ومسامحاً ويزرع الخير السلام ويستنير الارض بالضياء و الانوار ليطرد الظلام الدامس ليحل محلة البياض الناصع ويغسل الدم بالماء ولينبت السلام والحرية التي يعطي القرابين على مذبحها .
فهنا نرى كيف خاطر هسن هويري بحياته وضحى في سبيل الحفاظ على حياة بدرخان وإيصاله الى بر الامان بعد ما دارت عليه الدوائر من كل حدب وندب بعد قيامهِ بانتفاضة شعبية وعصيانٍ جاد عن الحكومة وتحديهِ السلطات العثمانية بالمواجهة العسكرية ،
هذا بعدما اِلتحق الآف المقاتلين الكورد بصفوفهِ اشتدت مقاومته ومضى رافعاً لواء العصيان والمواجهات الشَرسة بوجه ملاحقيه من العثمانين ،
وأما بعد مرورهِ بأزمةٍ شديدة وتدبير الحيلة والخديعة له والتنسيق مع أبن عمه يزدان شير لمواجهتهِ وكسر شوكتهِ وبعد ما تم نفيه مرتين الى اسطنبول وكريت اُصدرَ الحكم عليه بالقاء القبض وتصفيتة من قبل السلطات التركية العثمانية على خلفيات سياسية و انقلابهِ لاكثر من مرة على الدولة والتحريض على تاسيس دولة كوردية مستقلة ورفع عصيانه ضد الدولة في قلعته المحصنة رافضاً دفع الاكراد للخدمة الالزامية في صفوف الجيش العثماني ، وحينذاك كان هسن هويري أحد قواد الأفواج العسكرية العثمانية المشكَلة من أبناء العشائر الكوردية والأرمنية والأيزيدية ،
وعندما تم نفيه الى جزيرة گريت وفرض الاِقامة الجَبرية عليه وتنفيذ حكم الاعدام غيابياً عليه عام ١٨٤٧ م وبعد تحذير سلطات الجيش لهَسن هَويري بعدم مخالطة بدرخان والتقرب منه أو اِخبارهِ بالحكم المنفذ ضده أو أية محاولة لإنقاذه فسيكون مصيره هو الاخر الموت المحتوم ،
ولكن بعد سناح الفرصة للهويري اِتخذ خطوات جريئة وهَرعَ مسرعاً إلى الأمير بدرخان وتم اِخباره بالحيلة المدبرة والملاحقة له مخاطراً بحياتهِ ومصيرهٍ المحتوم ، كما فكر في كيفية اِنقاذهِ باِجتياز الحدود والأماكن الخطيرة ، فأصطحبه الى منزلٍ من سكان المنطقة والبسه زَيي اِمراة فقيرة وسارا معاً مخاطرانِ بحياتهِما ومصيرهمِا حتى اِجتازا الحواجز العسكرية والحدود وإلى أن أوصله الى كوردستان سالماً غانما وبعدها توجها الى الحدود السورية وأدخله الحدود وسلمه بأيدي أمينة من أبناء الديانة الايزيدية القاطنين على الحدود السورية العراقية .
والجدير بالذكر أن الأمير بدرخان اكمل مسيرته السياسية والثقافية بعد ذلك واِجتمعت حوله الشخصيات الثقافية والاِجتماعية الراقية من كورد سوريا وبقي هناك حتى وافته المنية عام ١٨٦٨ وتم تشييع جثمانه بموكب رهيب ووارى الثرى في مدينة دمشق العاصمة .
وانطلاقاً من هذه المواقف والاخرى ذاع سيط هَسن هويري عسكرياً واِجتماعياً بين أوساط الكورد المسلمين و الايزيدين ووصل الى السلطات العثمانية المنتشرة في أغلب دول المنطقة لمعايشته ومشاركاته العديدة في الحوادث والمآثر التي شهدتها هذه المرحلة الحساسة من محطات حياته المهمة وبالإضافة إلى تقربه من القادة والمسؤولين الحكوميين والعسكريين كان سبباً مهما في كسبه السمعة الطيبة والشهرة العالية ،
وتجدر الإشارة إلى أن تاريخ وفاته اِختلف عليه الباحثون والمؤرخون ولكن الاغلبية تحصرها بين ١٨٦٥ – ١٨٦٠م . ومن جانب اخر امضى دهام محو في وصفه وصفه لحالته الصحية المتدهورة وهو على سكرات الموت كيف كان يلوح بيده ويحركها تظهر للناظرين الجالسين حوله من وجهاء ورجالات قومه بحركات غريبة كانه في حالة مواجهة مع خصومهِ وعندما اِستفاق عاد الى وعيه قليلا أخبر الحاضرين بانه كان في حالة صِدامٍ ومواجهة مع أعدائه متفائلاً متفاخراً بانه أوصلهم الى بوابة قلعة العمادية وتوقف الزحف عند هذه المحطة التي تمناها ان تستمر وتشفي غليل أبناء جلدته المغلوبين على امرهم وتحقق امله في سحق المعتدين ،
والحاضرون أضحوا في حالة أسى وآسف على رجولتهِ وشجاعتهِ وفكرهِ النَير الذي لم يَهتز وعقلهُ السليم بعده لم يخرف ويتخلف بل كان طبيعياً جدا في حديثهِ وحركاتهِ حتى ما وافته المنية وعمره يناهز التسعين ،
وبعد ان ترجل الفارس الشهم عن جوادهِ وانتشر الخبر المفجع بين سكان المنطقة مسرعا أجتمع عليه الناس
و تم تشييعهٍ بموكب رهيب من قبل أبناء جلدته وعشيرته وأكراد ومسيحي المنطقة ومن ثم وارى الثرى في مقبرة أهلهِ وابناء عمومته في قرية ديربون العراقية الكوردستانية ،
رحل الفقيد بصمتٍ قاتلٍ تاركاً بصمات دامغة في النفوس وعلى صفحات تاريخ ابناء جلدته كما ترك في القلب ألف آه وألف أنين وغصة . تاركاً وراءه ارثاً اِنسانياً وقومياً ودينياً
و مخلفاً لأبناء جلدته تاريخاً زاخراً حافلاً بالمفاخر والمآثر وكما أشار دهام الى احفاده الأحياء من أبناء عمومته وأبرزهم حكمت سعيد وخيري غازي وحاول خمو وإسماعيل جانگير وفارس مزكال وناصر فتاح و حسن عبدال وكريم ابراهيم وجمع كبير من اولاد عمومته الذي ذكرهم بفخر واعتزاز .
لازال قبره شاخصاً ومخلداً يُزار من قبل الأيزيدين والمسيحيين والمسلمين من سكان المنطقة باستمرار ويَحضى تقديرا وتَرحماً كبيرين من قبل الجميع .
وبهذه المناسبة نتمنى من أبناء جلدتهِ وبقرارٍ رسمي من حكومة الأقليم ان يُصمَم له تِمثالاً تاريخياً ويتم نصبهُ في منطقتهِ في محط تلاقي الطرق الحدودية والشاهدة للعيان على وفائه واخلاصه وتفانيه لابناء جلدته وسكان منطقته واِعلاء كلمة الحق وتمجيداً لمواقفهِ الاِنسانية وشجاعتهِ الفائقة وتاريخه الخالد .
المجد والخلود لروح الفقيد هَسن شرف هويري ورفاق دربه والشهداء الابرار من أبناء جلدته ومثواهم الجنة بأذن الله……1/6/ 2020 ألمانيا
المصادر
1 -بحزاني نت ١٢٠ الف ضحية بيد محمد رواندوزي (دكتور خليل جندي )
-2-تاريخ العراق بين احتلالين ( عباس العزاوي )
3- حملات الأمير رواندوزي (دكتور جليل جليل )
إمارة السوران ودورها في طرد الايزيدين والسريان شمعون دنحو
4-إمارة بوتان في عهد الأمير بدرخان ( صلاح هروري )
5- تاريخ الموصل (القس سليمان الصائغ )
6-قصيدة باللغة السريانية( القس دميانوس الألقوشي)
7-ويلات الكارثة ومظالم مير كور (دكتور كاويس تفتان)
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular