الثلاثاء, أبريل 23, 2024
Homeاراءمن ذاكرة امراة اسمها حياة – 7– : صلاح حسن رڤو

من ذاكرة امراة اسمها حياة – 7– : صلاح حسن رڤو

قصص متفرقة لمأسي كثيرة

_متى ستسبح ايها الفأر المُـبتل؟!
_دعنا نُطوقكَ بدائرة من القماش وستنتحر قبل التفكير بالخروجِ منها؟!
_متى ننتفُ ريش طاؤوسكَ المقدس؟!
_هل نقوم بقص ذيلكَ الان، ام نؤجلهُ لحينٍ اخر؟!
العشرات من هذه النعوت المصاحبة بضحكاتٍ مجلجلةَ سمعها ( الفقير درويش) من الجنود المشاركين معه في نفس وحدته العسكرية، ورغم تحذيره وتوسله المستمر لدرجة اليأس كان السخرية منه ومن معتقده فعلاً يومياً معتاداً وطارداً للملل لأغلب المتواجدين، فشخصٌ قادمٌ من منطقة نائية ولديه لـحية كثة ولا يجيد سوى اللهجة الكورمانجية وينتمي لديانةً مغلقة شابها الكثير من اللغط والسهو والاشاعات، هذه العوامل جميعها تساعد وتطلق العنان لمخيلة الجنود القادمين من بيئة تجدُ في المختلفِ هدفاً للقذف والتشهير والسخرية، الا ان الامر لن يطول مع درويش، فخفارته معنونة هذه الليلة مع ثلاث حراسٍ اخرين، وقد تحضر هو ورسم خطته بحذر لهذه الليلة الدموية. كل جنديِ يراقب على راس ربية صغيرة غير متباعدة احداها عن الاخرى كأرخبيلٍ صغير دون ماء وهو عملٌ دوريٌ وروتيني على الاغلب.
ما ان انتصف الليل وذهب الجميع الى القاعة المخصصة للنوم، استعد صاحبنا لخطته، ونادى في سره كل الاولياء والصالحين، ونيشنَ على هدفه الاول بعد ان سحب شهيقاً مع سحبه لأقسام سلاحه الكلاشنكوف من محوره وصوبَ اطلاقته المُحكمة بأتجاه الجندي في الربية الاولى، ثم الى الربية الثانية و الثالثة، لم تأخذ المسالة اكثر من خمسة دقائق، وكأن يد القدر تساعده و تسخر مع اطلاقاته المتقنة من ارواح الحراس، الجباه تتطاير وتضرجُ بالدماء واحداً تلو الاخر، لا يملك درويش الوقت والجراة ليتأكد من مقتلهم، فأمامه مهمة لم تكتمل بعد، فها هو يتوجه لباب القاعة الخلفي القريب منه ليصرف ما لديه من ذخيرة كثيرة قد حرص على حملها هذه الليلة، ليلته او ليلة الجنود الاخيرة. الفرصة المتاحة الان لن تتكرر وقد حفظ المسافة بين اسرة الجنود والمشجب وغرف القيادة، دخل عليهم كملاك الموت وهم مفزوعين، مرعوبين من اصوات الاطلاقات القريبة التي ليس لها اي سبب سوى هذا الشبح الملتحي الواقف امامهم والتي عيونه تطلب الموت والثأر، اعتذر بعضهم وتوسل اغلبهم بصرخات عالية، وبكى اخرون، الا ان درويش لم يُمهل لأرواحهم الكثير لتخرج وتعانق كبد ذلك الليل المخيف.
بدء رحلة درويش نحو المجهول لحظتها، هرب وكانت بوصلته تشير الى الشمال وهو يعلم بأن النقاط التي كان يحرسها هي اولى نقاط الاشتباك مع قوى المعارضة العراقية والمنضوية جميعها تحت لواء ” البيشمركه”. مشى الرجل في الاخاديد الوعرة في الجبال واخذها سبيلاً في ليلة نفذ ما يشفي غليل اشهرٍ من الذل والهوان، بوسٌ واجهه لأشهر وعاناه على يد شرذمةً من رفاق السلاح اجبرهُ قانون الدولة على البقاء معهم رغم الشكاوى والوساطات والمعاناة التي تحملها “درويش الفقير” القادم من مزارع وبساتين جبل سنجار.
مع فجر الحرية لدرويش كان قد وصل لقطيع ماشية اخفى نفسه بين اغنامها واخذ نصيبه من شرب الحليب الى ان انتعش، بعد مجهودٍ بسيط وجده الراعي الذي يدرك بأن تواجد شخصاً في هذه الربوع وفي هذه الساعة ليس سوى هرباُ من بطش و ظلم النظام القائم، ارشده الراعي لبيتٍ في الطريق ليأكل ما تيسر من الطعام ويمضي رحلته فيما بعد دون توقف، وسيصل قبل المغيب لنقاط البيشمركه الاولى والتي يستقبلون هناك كل فارٍ او هاربٍ من الخدمة العسكرية.
لم تمضي سوى ايام قلائل لتواجد درويش بين البيشمركه حتى داهم رفاق البعث منزل درويش المتواضع في احد المجمعات القسرية في سنجار، وجلبوا زوجته حافية القدمين مع اطفالها الثلاثة، واقتادوها لأحد سجون الموصل لتنام في احدى زنزانات الموصل، مدونٌ اسم المراة في بطاقتها التعريفية والمولودة في قرية “ملك” في ناحية كرسي بأسم ( سيفي خلف).

RELATED ARTICLES

1 COMMENT

  1. هذه قصة الفقير شرف .. هكذا اسمى نفسه بعد الالتحاق بصفوف بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني وعانى الأمرين معهم بسبب معرفة البعض منهم بقصته مع الجنود حيث كانوا يتحاشونه لأنه اقسام بندقيته كانت جاهزة لاطلاق النار .. وأذكر فيما أذكر انه زعل من رفاقه ذات يوم وحين التقينا بهم طلب من محمد خالد بلطة السماح له ان ” ينتقل ” الى مفرزة الشيوعيين واتفقنا معهم ان يتركوه لحين ان يهدأ ويقرر العودة الطوعية لهم .. وفي فترة وجوده معنا في المفرزة كظيف مرحب به اكتشفت انه كان طالباً عند عمي ابو وائل ـ حسو كنجي ـ حينما كان معلما في قرية ملك .. ولهذا بقيت صداقتي معه وكان الفقير شرف من اشجع وايقظ الانصار ومنتبه للغاية لا يخضع للتعب .. وحاظ على هدوءه واكتسب في فترة وجوده معنا قدرة هائلة على السخرية من الأحداث وأذكر فيما اذكر اننا حينما التقينا بعد أيام بمفرزة الحزب الديمقراطي الكردستاني سأله احد اصدقاءه اشلونك فقير شرف؟ فأجابه بلا تردد بدلا من على خودي ..اي على مود الله كما هو معتاد .. الهفيا في داري .. على مود هذه الشجرة وانفجر الجميع بالضحك من هذا الجواب .. واخذوا يقولون شرف صار شيوعي..

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular