الثلاثاء, أبريل 16, 2024
Homeاراءمن ذاكرة امراة اسمها حياة -9 - : صلاح حسن رڤو

من ذاكرة امراة اسمها حياة -9 – : صلاح حسن رڤو

قصص متفرقة لماسي كثيرة
منذ اكثر من شهرين نتلمس حرارة الجو و نتحسسُ نحن السجينات بقدوم اشهر الصيف، بعد انعدام الرطوبة في تشققات جدران السجن، وتآكل الجص الذي يتساقط ببطء من حافات و زوايا القاعة، مرت اكثر من ثمانية اشهر بطيئة على وجودنا في هذا الموقف، غادَرنا الكثير الى اماكن معلومة، وبعضها مجهولة، الا ان العامل المشترك بين كل المغادرين شحة اية اخبار جديدة عنهم، الا عن طريق القادمين من سجونٍ اخرى، وهي مصادفة لا تحدث الا نادراً. حولت الى سجننا منذ ايام ” هنار البوزانية” وطفلها الذي لا يفارق كتفها، والمتهمة بأنتماء زوجها الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني والتحاقه بالبيشمركه، ما عرفناه من هنار القادمة من سجن ابو غريب بأن الدكتورة فرح رفيقتنا السابقة في السجن، والتي كانت حبلى في شهرها الرابع قد رزقت بطفلة هناك، وكحالها عندما كانت بجوارنا مازالت الدكتورة تبكي وتونُ كل ليلة على ابنها الصغير”حمودي” الذي تركته في المنزل ليلة القبض عليها من قبل رجال الامن.
في احد الايام، ومع شكوانا المتكررة من رائحة المرحاض الذي طاف منذ يومين حتى غطى مياهه الثقيلة جزءاً كبيراً من الحمام الوحيد الذي يستخدمه هذا الجيش البائس من السجينات وصغارهن، لكنهم لم يصلحوه، الا بعد التعداد الصباحي لليوم الثالث للعطل، والذي لم يستطع الشرطي تكملة الفرز الصباحي لعدد النزلاء بسبب الراحة الكريهة التي كانت تملى فضاء القاعة التي ننام ونأكل ونستحم ونقضي حاجتنا فيها دون وجود منفذ هواء حقيقي، سوى فتحات تهوية صغيرة في اعلى جدران القاعة، بسببه ولمزاج رجال الشرطة المتقلب بين الحين والاخر بحرمان الاطفال على الاغلب من الخروج للحديقة الخلفية للسجن المسيجة، والمغلقة بالكامل، لذا ابتكرَ الاطفال لعبة التنفس والرؤية من تحت باب القاعة الكبير نسبياً، والذي يتجاوز فتحته العشرة سنتيمترات تقريباً، هذه اللعبة اصبح واقعاَ يومياً، وفضولاً قاتلاً لكسر الملل، ابطالها هم اطفالنا الذين يتنبؤن بكل جديد، لعبةٌ لمعرفة ارجل الداخلين والخارجين من والى البناية والممرات، اصبح ممكناً التمييز بين صوت الاحذية واشكالها ومشية الرجال والنساء…الخ من التفاصيل والاحتمالات التي تطرا في مخيلة المرء في ساعات الملل والانتظار القاتلة، كان وقع ” البسطال العسكري” هو الاكثر شيوعاً وسمعاً، وهذا ما لا يحتاجه الاطفال لترديده، لتكراره واعتياد الاذن على سمعه.
كانت ابنتي البكر (سيوان) ممدةٌ على بطنها طول فتحة الباب عندما لاحظت وميزت خطواتٍ غريبة وجديدة وقالت بهدوء: امراة حافية مستعجلة يسبقها حذاء اسود تلامسه دشداشة بيضاء بين خطوة واخرى، و يسبقهم “بسطالٌ عسكري” اتجهوا الى الغرفة الثانية على اليمين!.
لم تصدق اختي (نجاة ) ادعاء الشرطة لحضور والدي الى مركز شرطة الشيخان لأمر مهم، وهو القادم للتو من لندن بعد اجراء عدة عمليات لأخي (ابراهيم)، ركضت وراءهم حافية القدمين ولم تفارق والدي، حتى وصلوا الى مركز تسفيرات الموصل، وكان بحوزتهم كنزٌ لا يقدر بثمن، انه تصريحٌ رسمي باطلاق سراحنا انا واطفالي الثلاث من هذا السجن.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular