الخميس, أبريل 18, 2024
Homeاراءالمشترك بين الراحلين جمعة وخليل:صباح كنجي

المشترك بين الراحلين جمعة وخليل:صباح كنجي

 

 

ما يجمع بين الراحل جمعة طيار.. الذي غادرنا بتاريخ 3/6/2021 وخليل سليمان بتي ـ أبو أزهر الذي لحق به في العاشر من حزيران..

وكلاهما من حارة واحدة في مدينة بحزاني التي شهدت ولادتهم ونشأتهم.. وتشابه لا بل تطابق أوضاعهم الاقتصادية.. وكدح الآباء والامهات وبذلهم اقصى الجهود مع ابنائهم لحثهم على مواصلة التعليم وتجاوز صعوباته بالمزيد من التضحية والصبر.. ومساعدتهم للتشبث بمقاعد الدراسة لحين التخرج.. ومن ثم الحصول على فرص التعيين ومزاولة مهنة التعليم بكبرياء وشرف انساني.. أصبح سمة من سمات ذلك الجيل الكادح الواعي لمتطلبات الحياة..

وكلاهما قدّما الكثير في مجال اختصاصه.. وأكاد اجزم ان المشتركات بينهما أكبر من خصوصية التفرد.. بالإضافة الى تمتع كل منهم بلباقة حديث يتصف بالهدوء ومنظر جذاب.. ناهيك عن وسامتهم ومظهرهم المتميز.. الذي لا يخلو من الذوق الرفيع والخبرة في اختيار الهندام.. بالرغم من جذور عائلتيهما الفلاحية..

حينما اعيد شريط الذكريات المخزون في ذاكرتي عن الراحل جمعة طيار.. يستوقني الراحل خليل سليمان بتي في ذات اللحظة.. وأنا امرق في طريقي للمدرسة من ذات الزقاق.. ويكاد انْ يكون المنظر ذاته يتكرر مع الأيام..

حيث اصادف خليل خارجاً ومتوجها بجواري في ذات الزقاق وهو يشجعنا على مواصلة السير والاهتمام بدروسنا والنجاح مع جرة إذن مشجعة او طبطبة خفيفة على الكتف للتشجيع.. وما هي الا لحظات ونكون في مواجهة جمعة طيار بقيافته الانيقة وابتسامته الدائمة.. ليخطو هو الآخر أولى خطواته متوجهاً مع بقية من تواجدوا في الزقاق جنوباً.. وهو الخيار الوحيد المفضي للساحة الكبيرة التي كانت يوما ما (تحت الزيعة ـ أي تحت القرية) وبقيت هذه التسمية لليوم كحد فاصل بين الشمال حيث سفح الجبل والجنوب حيث يمتد سهل نينوى الفسيح المزروع بأشجار الزيتون..

وفي محطة تالية من العمر.. مع نهاية السينات من القرن الماضي.. ونحن ما زلنا تلاميذ في الصفوف المنتهية من الابتدائية.. كان جمعة طيار من بين المعلمين الذين مروا علينا في فترة ما يسمى بالتطبيق قبل التخرج.. اما خليل فتم تعيينه معلماً في سنجار..

وفي فترة الحرب التي اشعلها الدكتاتور مع إيران.. كان كلاهما في بحزاني.. وعانا ما عاناه الآلاف من المعلمين من ويلات الحرب وانعكاسها على أوضاع الموظفين ـ والمعلمين من بينهم ـ حيث اضطرت هذه الشريحة للعمل الإضافي كي تدبر لقمة العيش بصعوبة لا تخلو من مخاطر.. وكانت السياقة ونقل البضائع الفرصة المتاحة لهم بحكم امتلاك كل منهم لسيارة بيك اب..

وجاءت الفرصة ـ الأصعب في ذلك الوقت العصيب ـ لكي نلتقي رغم بعدهم عن السياسة ومعرفتهم بدرجة الخطورة في حالة انكشاف امرهم.. وانا المعارض للنظام الدموي الذي يقود مفارز الأنصار في سهل نينوى وما فيه من تنظيمات نشطة للشيوعيين.. ومتطلبات التحرك السري بعيداً عن مفارز الأنصار أحياناً.. حينما كنت اضطر للحركة والانتقال نهاراً بملابس مدنية حاملا معي عدتي القتالية والمنشورات بمساعدة جمعة طيار تارة.. وتارة مع خليل..

بلا تردد او خوف انتقل من كان لآخر.. وحينما ينشأ وضع عسكري استثنائي ـ كما حدث في شباط عام 1987 حينما تقدمت جحافل الجيش والجحوش بقيادة اياد فتيح الراوي نحو أتروش.. وهاجمت مقر مراني للأنصار الشيوعيين ومقر سيدرا للحزب الديمقراطي الكردستاني في شعاب جبل كارة الشامخ..

 واستمر الهجوك ودامت المعارك لعدة أيام.. بقيت محصورا لوحدي في مكاني الخاص.. جاءني جمعة لينبهني ويقول لي في لحظات سريعة وهو يؤشر بيديه ويهمس بهدوء.. ا

ـ أبقى في مكانك.. لا تفكر بالذهاب الى مناطق الأنصار.. الوضع غير آمن الآن هناك.. والتقدم والتمشيط مستمر.. 

وأكد على المزيد من التفاصيل ـ بعد أيام ابن عمتي المعلم حسن حمو باسي ـ الذي نسب للتنسيق بين الجحوش والجيش واختاره الفريق اياد فتيح الراوي قائد الهجوم ليرافقه لغاية قلعة كانيكا..  وهو يمدح بالمعلم حسن ويشجعه على تحمل الموقف العسكري ومفاجآته..  لغاية الدخول الى القلعة الفارغة.. قلعة كانيكا.. التي كان يلجأ اليها الأنصار والبيشمركة للاستراحة.. اثناء العبور والتسلل من قمة الجبل المواجه لسلسلة جبل كارة شمالاً والمطلة على قرية شلي ومعسكر أتروش جنوباً..

حينما تفاجأ أيار فتيح الراوي بالمدون من أسماء والقاب بالفحم على جدران القلعة الداخلية..

ذكرى النصير الشيوعي سالم البعشيقي

ذكرى الأنصار الشيوعيين شفان وأبو علي لبي ومنيف غانم من بحزاني

ذكرى حجي كوجي البحزاني وطيبان البعشيقي   

بالإضافة الى غيرها من الكتابات.. التي لفتت انتباه الفريق اياد فتيح الراوي وجعلته يخاطب من يرافقه في هذه المهمة:

ـ شنو رفيق حسن.. كل اقرباؤك ويا العصاة والمخربين!!.. وبلهجة غير ودودة.. يا الله.. أتركنا وعد للخلف..

تذكرت هذه الصفحات من ذلك التاريخ الصعب.. وأنا أفجع برحيل جمعة طيار وخليل سليمان في غضون أسبوع واحد.. هو خلاصة علاقة وتاريخ جمع بين الاثنين.. ليترك خصاله الإنسانية ويمنحهما القدرة على التعامل مع أحداث معقدة وصعبة..  كما ذكرت بعض تفاصيلها دون خوف وتردد.. وهما لا يرتبطان بأي نشاط سياسي..

واقف اليوم لأتساءل عن الدوافع التي كانت تجعلهم يتخطوْن حواجز الخوف والقمع.. ويتعاملون مع شخص مثلي في تلك المرحلة الصعبة بلا مقابل..

هل كانت خصالهم الإنسانية؟

هل كان رفضهم للأوضاع والحرب؟

هل كان ذلك تعاطفاً فردياً وذاتياً معي بحكم الثقة المتبادلة والعلاقات الطيبة؟

ام انها دوافع أخرى؟ 

تستكمل الصورة حينما نعلم.. كلاهما كان لا يتردد في إيصال من يرغب في الوصول الى مناطق الأنصار وانهم ادوا الكثير من هذه المهام بصمت وشرف..

سلاما لك يا جمعة ـ أبو نواس

سلاما لك يا خليل ـ أبو أزهر

سنبقى نتذكركم.. ومن ذكراكم نستمد العون للتشبث بصلابة الموقف وكل ما له علاقة بالطيبة والنقاء والشجاعة..

شجاعة الناس الشرفاء.. الذين عاشوا وماتوا بصمت..

طوبى لجمعة 

طوبى لخليل

طوبى لنقاء الخيار والموقف الصحيح

طوبى لكل من اختار في زمن المحن طريقه للسير في الاتجاه الصحيح رغم العسف والقسوة والظلام

ـــــــــــــ

صباح كنجي

12/6/2021

RELATED ARTICLES

1 COMMENT

  1. لقد كانا مثالين في الصدق والأمانة والإخلاص في خدمة مللتهما , تغمدهما الله برحمته وأسكنهما فسيح جناته , ونقدم لأسرتيهما أحر التعازي ألهمهم الله الصر والسلوان

    حاجي علو
    من عين سفني

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular