الخميس, مارس 28, 2024
Homeاراءشؤون وشجون أيزيدية (أيزيدكي) : عزيز شمو الياس

شؤون وشجون أيزيدية (أيزيدكي) : عزيز شمو الياس

تجربة أيزيديي أرمنستان وجورجستان
أثناء محاولتي للبحث عن جذور ظهور مصطلح أو تسمية الجاليات ألايزيدية الساكنة في كل من جمهورية أرمينا وجمهورية جورجيا (جمهوريات الاتحاد الوسوفيتي – سابقا) نفسها ب(أيزيدكي) ودراسة أسباب هذا ألاختيار وشعورهم بالفخر عند تعريفهم بها بعد مرور ما يقرب قرن من الزمان على ألاستقرار والعيش هناك – في موطنهم الجديد والتعرف على الاطراف التي كانت تقف خلف بروز هذه (التسمية-الظاهرة) ومن أكثر من مصدر وجهة معينة وحسب أراء أصحاب الشأن (بمختلف التوجهات الفكرية والمنابع ألايدولوجية)، تبين لي أن كلما في الامر أنها نتيجة طبيعية وشعور ذاتي وهى مسألة رد فعل لأفعال البعض (الغير قليل) المغرض والسيء وتحصيل حاصل لمرحلة سيطر فيها أصحاب العقول العفنة لتنفيذ أجندات منهج قذر في حقبة زمنية حساسة ومهمة لتحديد مستقبل ومصير الشعوب المضطهدة مع اقتراب القرن العشرين من نهايته.
يمكنني القول أن أبرز القيم التي كانت ولا زالت تمتاز بها (الايزيدياتي) كمعتقد ديني عريق وأصيل هو الاحتفاظ بمبادئه السامية وصفاته الانسانية الخاصة حتى في أصعب الظروف وعند المنعطفات التاريخية ومع اقتراب مصير ابناء الديانة الايزيدية من الانقراض والزوال لا سيما بعد أجبارهم على الهجرة مرغمين ونزوحوا عن أوطانهم وتركوا ديارهم وكلما لديهم لينهب ويستولي عليها أقرب الناس اليهم (أخوانهم في القومية) وبذلك ولدت فكرة أو مصطلح (أيزيديكي) عند عامة أبناء الديانة الايزيدية هناك وباتوا يعرفون أنفسهم بها عند الاستفسار عن أصولهم العرقية والدينية بفخر وذلك ليميز نفسه المظلوم والبريء عن غيره الظالم والشرير، وبرأي المتواضع أنها النتيجة الطبيعية للاثار السلبية التي خلفتها حملات الابادة المنظمة والمتواصلة عليهم عبر المراحل المختلفة من التاريخ القديم والحديث ونتيجة الضعف في الشعور القومي الكوردي في المجتمع الكوردستاني والابتعاد عن روح الانتماء اليه وبالمقابل الزيادة في الشعور الديني ونمو التيار الاصولي (الديني – السياسي) الى حد التعصب الاعمى عند غالبية المكون (الكوردي المسلم) أضافة الى الممارسات اليومية السيئة عند التعامل مع الايزيديين ولا نبالغ أذ ندون هذه الحقائق التاريخية ومنها حقيقة أتهام أبناء الديانة الايزيدية بالشرك ووصل الامر الى حد ألادعاءات الباطلة وبث المعلومات المغالطة عنهم وأتهامهم بأتباع الوثنية في أعتقادهم والاشراك في وحدانية الخالق سبحانه تعالى وبذلك بثوا سموم التفرقة والشقاق بين أبناء القومية الواحدة وفي المجتمع الواحد، الامر الاخر الذي تاكدت منه حد اليقين ان لا علاقة لسياسة الدولة العليا في هاتين الجمهوريتين بهذه المسائل أي لم يكن الامر بالنسبة لهم ضمن خطة مبرمجة وأستراتيجية معدة سلفا لها بل كانت هناك أيادي خفية لبعض من الشخصيات والمسؤولين في الحكومات المحلية (بلديات الاقاليم) التي تتواجد فيها هذه الجاليات الدور البارز لظهور هذه التسمية وأنتشارها بين أبناء الجاليات الايزيدية هناك وتعريف أنفسهم ب(الايزيديكي) وعن قناعة تامة وأعتبار (الايزيدية) ديانة وقومية في الوقت ذاته، بمعنى أخر كان لبعض المسؤولين المحليين القائمين بأدارة مناطق تواجد هذه الجاليات التأثير المباشر لاثارة موضوع الانتماء الديني والقومي لادامة التفرقة ومواصلة الصراعات بين مكونات الجاليات في هاتين الدولتين خاصة بعد أنتهاج سياسة الانفتاح وتطبيق تجربة (بيروسترويكا) التي لا زالت مثيرة للجدل بقيادة الزعيم (ميخائيل غورباتشوف) رئيس الاتحاد السوفياتي الموحد أنذاك (1988-1992م) وتفتيت كيان تلك الدولة العظمى والتي كانت تعد أحدى أقوى القطبين في العالم أجمع الى مجموعة من جمهوريات ضعيفة ومتشرذمة.
يعود تواجد الايزيديين في كلا من الجمهوريات (الارمينية -أرمنستان والجورجية-كورجستان) الى السنوات التي تلت (1882 م) حيث هاجر عدد من أبناء الديانة الايزيدية على شكل افراد او جماعات وكونوا جاليات صغيرة هناك وذلك بتمركزهم والاستيطان في القرى والارياف حيث كان يعتمدون في حياتهم اليومية على تربية المواشي والعمل في الزراعة وبعد حملة ابادة الارمن (عام 1915) اثناء الحرب الكونية الاولى والتي لم تكن حملة ابادة للارمن وحدهم في الحقيقة والواقع بل كانت حملة ابادة منظمة ضد كافة الاقليات الدينية الغير مسلمة ضمن حكم الدولة العثمانية حيث حدثت عمليات هروب جماعية ومنظمة للخلاص من الموت المحقق ومن شر الانتقام على ايدي جنود وقوات الرجل المريض (الدولة العثمانية اواخر سنوات حكمها) والمرتزقة من رجال العشائر الكوردية المسلمة والتي خولتهم (ازلام الدولة العثمانية) بالقضاء على الوجود الغير أسلامي هناك وذلك باصدار فتاوي دينية تحلل لهم السلب والقتل والسبي والهجوم على البلدات ودور المدنيين المسالميين والاستيلاء على املاكهم وجميع ممتلكاتهم، بذلك أضطر الايزيديين على الهجرة حالهم حال غيرها من المكونات الغير المسلمة موطن ابائهم واجدادهم (أرض الوطن – وةلاتىَ خالتيا – في تركيا) نحو الحدود القريبة في أراض روسيا القيصرية.
بعد انتصار الثورة البلشفية عام 1917 (بقيادة الحزب الشيوعي وزعيمهم الخالد لينين) فتحت افاق جديدة لجميع الشعوب والامم المتكونة منها الجمهوريات السوفيتية ومنهم الايزيديين حيث تمتعوا بحقوق المواطنة الحرة التي عليها الواجبات تجاه البلد ونيل الحقوق وفسحت لهم فرص العمل في مختلف نواحي الحياة ودخل اولادهم المدارس والتحق عدد غير قليل منهم بالخدمة العسكرية اسوة ببقية المواطنين، وفي الثلاثينات من القرن الماضي صدرت جريدة يومية من قبل كتاب ومثقفي الجالية الايزيدية باسم (ريَيا تازة) واستمرت في الصدور لغاية السنوات الاخيرة من القرن الماضي وافتتح قسم اذاعي خاص بهم ضمن دار الاذاعة في الدولة وذلك لنشر اخبارهم وبث تراثهم من الاغاني والموسيقى وقصص ملاحمهم التاريخية الخالدة، كانت للجالية الايزيدية الدور المهم والحافل في تاريخ الجمهوريات السوفيتية منذ أوائل أنطلاقتها حيث نال العديديين من القادة والرجال الايزيديين أرفع الاوسمة العسكرية وأصبحوا رموزا وطنية خالدة للبلد لأستبسالهم ودفاعهم عن أمن الوطن وأستقلاله أمثال المقاتل البطل (جانكيرأغا) حيث شارك المقاتلين الارمن وأستشهد أثناء القتال مع مرتزقة الاذريين عند مهاجمتهم أراضي أرمينيا والشهيد (تمؤيى كؤكليان) حيث يوجد تمثاله ضمن مجموعة القادة والرجال البواسل من الشهداء المقاتلين الذين يفتخر ببطولاتهم وصولاتهم وجولاتهم ضد الاعداء والغزاة في (متحف كييف الوطني – جمهوريةأوكراين) أضافة الى العشرات من أصحاب الشهادات العليا والكفاءات المبدعة أمثال (البروفيسور عرب شامؤ-شاميلؤف) و(قناتى كوردو– كؤرديؤف) والاكاديميين (حاجي جندي واورديخان جليل) وأخرين حيث أسست على أيديهم (معهدا للاستشراق والدراسات الشرقية في مدينة لينينكراد –بطرسبورك) وذلك للبحث ودراسة جذور وأصول اللغات وتاريخ شعوب وأمم الشرق والتعقيب والتنقيب في أعراقهم وتدوين تراثهم وفلكلورهم الثري بالحكايات والقصص والاغاني التي تضم بين ثناياها أجود الصفات والقيم الانسانية.
أما القشة التي أقصمت ظهر البعير وأخلفت بعدها مصطلح (الايزيدكي) الى العلن بعدما كان شأنا داخليا بين أفراد الجالية هناك كان بعد خطوة المسؤولين في دار الاذاعة بشطر (القسم الكوردي في أذاعة أيريفان) الى قسمين حيث تحولت بالفعل (أذاعة أيريفان) بقسميها الى أذاعات شبه دينية أحداها بدات تبث أيات من القرأن الكريم عند أفتتاحها وكانت تنشر عبر اثيرها صفحات من تاريخ المسلمين والتركيز على فقرات التي جاءت بها الشريعة الاسلاميية.
والقسم الاخر خاص بأبناء الديانة الايزيدية تحت أسم (القسم الايزيدكي) وأصبح التعامل مع ابناء الديانة الايزيدية على حدة وبشكل منفصل وذلك بأعتبار (الايزيديكي) مفهوما يعبر عن (قومية وديانة مختلفة عن قومية وديانة الكورد المسلمين).
المضحك والمبكي في المسألة كانت اللغة التي تذاع وتنشر بها القسم الايزيديكي برامجه بلغة كوردية -كورمانجية- نقية وفصيحة والتي تعود جذورها الى عمق التاريخ القومي الكوردي الاصيل عكس لغة القسم الكوردي المسلم الذي كان يبث ويذيع أغلب برامجه بلغة أقرب الى اللغة العربية وذلك كونها كانت مليئة بالجمل والمقاطع المعبرة بكلمات ومصطلحات مغايرة لفظا (فونتيك) وحروفا وتعبيرا للغة الكورمانج وكانت اغلب مواضيعها تخدم تاريخ ومستقبل أبناء قومية اخرى غير أبناء قومية الكورد وخير دليل على ما أقول يمكن مراجعة صفحات الارشيف والتاريخ حيث من السهل التأكد عن صحة هذه المعلومات عند الدراسة والبحث في صفحات أرشيف كلا القسمين من الاذاعة الكوردية (القسم الكوردي والقسم الايزيدكي) في دار أذاعة يريفان ومقارنة ما كان يذاع ويبث من مواضيع وبرامج عبر تردداتهم اليومية.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular