الأحد, مايو 5, 2024
Homeمقالاتمن كتاب الْجنّةُ * : الشاعر الأديب: وهيب نديم وهبة

من كتاب الْجنّةُ * : الشاعر الأديب: وهيب نديم وهبة

-10-
الْآنَ تسمو الطّبيعةُ الصّامتةُ، وتزهرُ بالْكلماتِ كيْ تنطقَ، ويتحرّكُ الصّخرُ الصّلبُ، ويسقطُ منْ قمّةِ الْجبلِ إلى الْوادي، كيْ يصرخَ في عمقِ الْفراغِ. إنَّ الْكلمةَ مجدُ تكوينِ الْأرضِ… الْإنسانُ، هذا المْخلوقُ النّاطقُ، لوْ نطقَ بالْحقِّ بالْكلمةِ الطّيّبةِ، وزرعَ الْأرضَ بالثّمرةِ الطّيّبةِ وجعلَ الْآتينَ، لا يُبصرونَ، إلّا الْبوّابةَ الصّفراءَ، الّتي ارتسمَتْ، على شكلِ الطّبيعةِ: زاويةٌ منَ الصّخرِ، ونقطةٌ منَ الْبحرِ، وسرُّ سحرِ الشّجرِ الّذي لا يموتُ: الْكلمةُ الطّيّبةُ.
لهذا، أعودُ إلى الْبوّابةِ الصّفراءِ، كلّما سقطَ خيالُ المْخيّلةِ على النّاطقِ.

-11-
ليكنْ خلاصُ النّفسِ بالْأحمرِ. لا شيءَ يطهّرُ الْجسدَ، سوى الدّمِ، ولا شيءَ يفسدُهُ كالدّمِ. لا شيءَ معقّدٌ مثلُ جريانِ الدّماءِ في الْعروقِ. لا شيءَ معي، كيْ أسيرَ إلى الْبوّابةِ الْحمراءِ، وكلُّ شيءٍ معي. أنا الْإنسانُ تمامًا كالدّمِ. هذِهِ الْبوّابةُ الْواقفةُ في أرضِ الْجنانِ، لا تفتحُ أبوابَها، إلّا حينَ يشتدُّ ظلمُ الْإنسانِ. يستبدُّ… يستعمرُ، يسرقُ أرضَ الْغيرِ، وخيراتِ الآخرِ.
تُفتحُ الْجهةُ الْيمنى، تخرجُ النّارُ تحرقُ تحصدُ الظّالمينَ، أوْ تبدّلُ حالَ الصّابرينَ.

لهذا، عليْكَ أنْ تصبرَ قليلًا، كيْ أعطيَكَ رسمَ الْمكانِ وشكلَ الْبوّابةِ الْحمراءِ.

-12-
… وعندَ النّهرِ، تركَ النّسرُ ريشةَ الْعشبِ. بها يُكتبُ الكلامُ، على شفاهِ الطّيبينَ. فيخرجُ الْكلامُ كأسرابِ الْيمامِ منْ مناهلِ الْبلاغةِ، والكلامُ الْيابسُ كالْعشبِ الْيبابِ، لا يصلحُ إلّا للْحرقِ. وعندما تشكّلَ الْكلامُ – الْحكمةُ – تزيّنَ الْإنسانُ بأعلى مرتبةٍ بينَ المْخلوقاتِ، مرتبةِ الْعقلِ. كأنّكَ الْآنَ تسيرُ في شراييني. أعرفُكَ منْذُ عرفْتُ النّطقَ، وعرفْتُ أنَّ الْعقلَ جوهرٌ، وما دونَ الْعقلِ مصنّعٌ، أوْ مزيّفٌ، أوْ معدّلٌ، أوْ مركّبٌ، أوْ عنصرٌ منْ عناصرِ الْكونِ.
لهذا، كانَتِ الْبوّابةُ الْخضراءُ شامخةً شاهدةً على وصولِ أهلِ الْخيرِ… كانَتْ في انتظارٍ.

-13-
يمكنُكَ، وأنتَ تنظرُ إلى الْبوّابةِ الْحمراءِ، أنْ تبصرَ، تيجانًا معلّقةً على الْأركانِ الْأربعةِ، وزوايا مزخرفةً، وجدرانًا تفصلُ بينَ الْبركانِ والْيابسةِ، وعلى قمّةِ التّيجانِ، ملايينُ الْجماجمِ بدقّةٍ وإتقانٍ ومهارةٍ، منَ الْفنِّ والطّقوسِ والسّحرِ معلّقةٌ. كلُّ جمجمةِ معلّقةٌ في قمّةِ التّيجانِ.
عبارةٌ عنْ مليونِ جمجمةٍ. “رأسُ راعي الْقطيعِ
نيابة عنْ قبائلِ الْمراعي” وكلُّ جمجمةٍ عاصرَتْ “دورًا” وكلُّ دورٍ ألفُ سنةٍ.
الْجماجمُ معلّقةٌ على الْجهةِ الشّرقيّةِ للبوّابةِ ويفصلُ بينها وبينَ الْخطِّ الْواضحِ، بحرٌ منَ الْأفقِ المْحترقِ، السّاقطِ تمامًا عندَ بدايةِ الْبوّابةِ.

على الْجهةِ الْغربيّةِ، معلّقٌ ميزانٌ منَ الذّهبِ الْخالصِ حينَ تقفُ أمامَ الْميزانِ “إذا ارتفعَتْ كفّةُ الْخيرِ، مقابلَ كفّةِ الشّرِّ” تُفتحُ لكَ الْبوّابةُ “وإذا ارتفعَتْ كفّةُ الشّرِّ” يسحبُكَ حديدُ الْبوّابةِ الزّرقاءِ ويأخذُكَ إلى الْجهةِ الْأخرى…
ربّما قذفَكَ بركانُ الْبوّابةِ الْحمراءِ إلى هنا، ربّما حديدُ الْبوّابةِ الزّرقاءِ، أوِ النّوايا الْخبيثةُ، والْأعمالُ الشّريرةُ.
تأخذُني لغتي… تُبعثرُ أوقاتي… تُدخلني في غياهبِ النّسيانِ أمامَ روعةِ وجمالِ سحرِ الْمكانِ.

• (الْجنّةُ) مسرحةُ الْقصيدةِ الْعربيّةِ / التّرجمة إلى اللّغة الإنجليزيّة / حسن حجازي حسن / الْمراجعة والتّدقيق / د. صفا فرحات / الغلاف: يمنة حسن حجازي / الإصدار دار الربيع المصرية 2023.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular