الجمعة, مايو 3, 2024
Homeاراءشعرية الموت وقيامة الأسى في ( أجل يا أجان شهدت القيامة) لحسن...

شعرية الموت وقيامة الأسى في ( أجل يا أجان شهدت القيامة) لحسن سليفاني : كمال عبد الرحمن

( الى الايزيدية الناجية زينة اسماعيل خديدا)
ناقد من العراق
يصبو القاص سليفاني في هذا النص إلى مماهاة عنقود من أفعال المضي، استلت من مسألة الوحشة أو فعل الحزن ،بتيسير من فراديس معطلة ، يصرخ من خلالها في رحاب الفضاءات المجروحة ، من أجل ان يكون هذا المفهوم الازلي للصراخ ، مجرد حاسة ملتهبة تنطوي عليها قيامة الاسى :
( كنت أناجيك/ ماتزال تحبو/ كنت أتفنن في تسريح شعري/ وعقد مثلثات في ضفائري/ كنت وأنا استقبل الشمس الضاحكة/ صوت فيروز كان يملأ الافاق لذة/ كنت أخف من فراشة/ كوجو التي زغردت فرحا لمجيئك/ خضراء كالزيتون كانت حياتنا …الخ) ، يستقصد الناص حسن سليفاني من خلال كينونة الافعال ( المتراصة ، المتوثبة ) ، توكيد استعراض ( سيرة زمنية ) لفراديس يابسة ، يخرجها الأسى ، الى معاجمه المشفرة بانماط واُطُر دلالية ، قادرة على إنتاج فضاءات تتسع على تقرير البوح بما هو مألوف أو غير مألوف ، وحين يتقعر الاسى بدلالات الخراب في فراديس القحط ، فان السياق الشعري يخرج من جادته المعجمية المألوفة ليتجذر في مستوى جمالي ينبع من داخل الذات ، هاتكا أزمنة من جدلية ( التمني / الواقع ) في التجارب الشعورية ، وسابرا ابعاد هذا الخراب بترويضه لمفردة الزمن ، ومتأملا في انزياحاتها التي تكسر اعراف اللغة المشاكسة في خضم حركة تهتك حجب الامكنة المطوقة بالمألوف ، وتتجه صوب تأسيسات اولية لفراديس اخرى لا تتقن العطل :
(( يا للسعادة وأنا وانت، اقبلك واضمك اليّ، يا لطاقتي التي لاتنفد في أعمال البيت وتنظيفه ورشّه بالماء أيام الصيف، أتعلم يا أجان كم عطر الأرض عذب ومصدر فرح خفي يسافر في خلايا الجسم خلسة.
يا لليالي كوجو بنجومها الجوالة ونحن نرقد على سطوح بيوتنا البسيطة التي كنا نتفنن في هندسة نظافتها، اتعلم يا أجان، ان النجوم أيضا كانت تغني لنا على انغام الطنبور الشنكالي كل ليلة قبل ان ننام، وديكة القرية وعصافيرها الهائجة بزقزقاتها كانت تتكفل بإيقاظنا قبل ان تتسلق الشمس صفحات السماء وترمي النائمين الكسالى بألسنة شمسها المحببة للقلب.
أجان، كنا نتجه للشمس ونتضرع للرب أن يحفظنا وأن يديم نعمته علينا، كنا شاكرين، طائعين له، كنا سعداء، ملوك أنفسنا)) ــ المجموعة: 15 ــ 16
هذا هو ما يتعتق على غارب الأمل من رؤى استشراقية، يبعث القاص السليفاني فيها دفق الحيوية الجديدة، في محاولة لأفشال نوايا اليأس الاستعمارية التي أكلت ــ أو تكاد تأكل ـــ كبد قرية ( كوجو).
ويمنح التضاد بيئة هذه القصة ، عنفوان احتدامها ، فيتجلى في مستويين :
الأول : عبر عناقيد الأسئلة التي تتشكل من خلال رؤى ملونة ، تدور في الزمن الجميل ، رؤى تحريضية فاعلة لها القدرة على وصف الماضي بآلة التمني التي لاقدرة لها سوى على التصور والتخيل السلبي ولاقدرة لها أيضاً على صنع تكوينات الحاضروتشكيلهِ الواقع بفلسفاته وارهاصاته ومعاجمه التأويلية:
رؤى ملونة:
((كوجو التي زغردت فرحا لمجيئك الجميل، كوجو العاشقة لزنود رجالها العاملين بعزق الارض وزراعتها والمنشدين للحياة التي تمسح وجوههم الطافحة بالحب والحنان وعرق العمل والأمل بغد أكثر اشراقا لهم ولأطفالهم الطيبين الهادئين اللاهين بألعابهم البريئة في ظل سلام يسكن ارضهم المعطاءة)) ــ المجموعة :15
والثاني : فهو يشتغل على تفصيل الجدليات بين ( الأنا ) الضامرة في انسحاقاتها تحت صعق المفاجأة الدموية و ( الآخر ) الغارق في ظلام روحه ، الشاهر جهله على فلسفة التسامح والرحمة والانسانية، السابح في بِرك الدم في مسافة لا تبتعد كثيرا عن الحلم ، ولا تقترب كثيرا من الواقع :
((تعالت الأصوات والصرخات من كل صوب، وعلا التراب والرمل وهالات الغمام الكابي الرهيب، وتوافدت الوجوه الكالحة، الغامقة، الغريبة بملابسها القادمة من قرون غابرة، وأحاطتنا بهتافاتهم الصارخة حد السماء” الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر، الله اكبر” وراياتهم السود التي تسبق سواد قلوبهم ووجوههم الغارقة في اللحى القبيحة الكريهة المنحدرة على صدورهم، كانوا يلتفون حولنا وصراخهم مستمر:
” الله اكبر،” الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ” أهم بشرمن زمان قد مضى وإنقضى قد عادوا ثانية ؟؟ يالهولهم وظمأ الصحراء الصارخ في عيونهم ، يالصراخ حناجرهم الهادرة يحقنا : “إانهم كفار ، ملحدون ، خارجون عن الدين ، عبدة النار والشمس ، حلال لنا مالهم وأرضهم وعرضهم ، فرقوا الرجال عن النساء ، قيدوا ايديهم وأرجلهم ، اياكم يافرسان الخلافة أن يهرب أحدهم منكم . هذا ماوعدكم الرحمن لقاء جهادكم ، حلال عليكم نساؤهم ، هنَ سبايا دولة الإسلام وغنائم حرب ، سنتقاسمها حسب شريعتنا السمحاء ، ياللحق ، ياللحق ، ياللحق ، ياللحق المبين)) ــ القصة: ص:17 .
اما إيقاعات الاسى التي شاكسها القاص حسن سليفاني في ( أجل يا أجان شهدت القيامة ) ، فقد ارتكزت على تفاعلات وتضادات ( داخلية / خارجية ) ذات صدى قوي في تشكيل غالبية القصة ، ويتواشج طرفا هذه الثنائية المتضادة في نسج حركة متصارعة تبقى مهمشة خارج إطار الذات المغتبطة بحبر الأذى ( الأسى ) والاحزان، تتصارع الشخصيات مع نوعين من التصادم يشتغل على حاستي التعالق والصعق:
((ياللرعب الذي دب بين بسطاء الناس ، والسماء كانت صماَء كما هي ، كانَما لاصاحب لها ، لم تنزل ملائكة السماء لتحفظ الأطفال وتهدهدهم ، ولارانت في الأفق طيور أبابيل ، كي ترشق القتلة الغاصبين المعتدين على خلق الله وعباده دون وجه حق .
أجل ياأجان ، إنتهى زمن الحرية والعز والكرامة والكبرياء والإنسانية ، جاء زمن الذل والمهانة والإنكسار النفسي ، زمن السبي والإغتصاب والغرق في بحر دم الحيض ووحوش داعش يلتذون في ممارسة الجنس المغمس بالدم .
أجل ياولدي الصغير ، باعوني عدة مرات في سوق النخاسة الأسلامي ، وبحسب الشريعة السمحاء ، التي في ظلها تنتهك أعراضنا ، وتهدر كرامتنا ، بإسم الدين ونهج جهاد النكاح الذي حللوه لأنفسهم ، وكان النخاس يستلم مال بيعي ويمضي على ورقة مصدقة بأسمي انا السبية – زينة إسماعيل خديدا – التي توالى على جسدي أمراء الخلافة الإسلامية وجندهم القذرون الذين تفوح منهم رائحة البول والغوط والحمير ، يالقذارتهم وتفاهتهم وهم يتفننون في تعذيبي وتمزيقي ويالنزيفي وهو يسيل ويسيل .. من انتم ايها الساقطون الآتون من بطون الصحراء وفيافي الاعراب وأواخر البحار ؟ ؟ياعار البشرية ، من اي جحر خرجتم ؟؟؟)) القصة: ص18
وفوق هذا فالقاص سليفاني يتقمص شخوصه التي تنتشر داخل بقاع النص وعلى مدى الأسى في مدائن قصته ، وذلك يبدو واضحا من القشرة المتطامنة على سطح النص ، وهو في الأعماق يرسم صورته الخفية في سيرة إنسانية صاغها ببراعة عبر لحظة انزياح جهة تلك العوالم التي سكنتهُ فردّها الى فضاءات النص بأسلوبية تتشكل على هيئة أسئلة رائحة غادية بين أزل النص وأبده، قادر هذا السليفاني ان يتقمص هيئة جرح غائر أو دمعة من نار، أو انكسار طفل، أواغتيال براءة، قادر على الغور بعيدا في اعماق الحقيقة، وكأنني أراه يبكي ويكتب، ثم يتوقف قليلا ليمسح دمعة، ويواصل بعد ذلك مشقة السرد :
((لم اكون خادمة وكناسة في بيت داعشي يتاجر بالسبايا علناوأمام الملأ ؟؟ ويبيع بيداء وغزال وهباب وهيام ومنال وليلى ، لم أخدم زوجته السورية ؟؟ ياأبا حمزة الجزراوي السعودي كيف ستواجه ربَك ؟ كيف ستعلل وحشيتك في تعاملي والأخريات ؟؟ ايها الهمجي الآتي من شقوق البادية ، مالك هكذا تتمادى وتجلدني بالسوط وكيبل الكهرباء ؟؟ كم شجاع انت ياجزراوي !! وياأبو مريم الاحقر منه يامن بعتني بعد سنة تامة من الإغتصاب المستمر .. وتبا لك ياأباثابت الجزراوي يافارس فرسان سوق النخاسة والنحاسة والقساوة تبا لكم !! تبا لقيمكم القميئة الغارقة في الوحشية واللاإنسانية ..)) القصة: ص:21
ويرسم السليفاني صرخاته الصامتة بين مسارات الصدى وانكسارات السُدى ، تلك المسارات التي لا تتفق على جهة ما ، بل تبقى دائرة في غيابة الحزن التي تطارد السارد من أسى إلى أسى، كيف لا ، وهو الشاعر القاص الناقد الانسان، وعلى الرغم من عدم معرفتي بعلاقة السارد بالناجية الايزيدية( زينة اسماعيل خديدا)، أقصد هل سمع حسن السليفاني الواقعة المؤلمة المؤسفة انسانيا، فكتب عنها؟، أم انه التقى بالناجية وجها لوجه وأخذ منها الحقيقة الكاملة التي حولها الى نص سردي راق ومائز وانساني ، طبعا هناك فرق بين الحالين، فالمواجهة أضمن للحقيقة، لكنني أحسست ان دموع السليفاني لم تتوقف طوال كتابته القصة،هكذا تتجسد هندسة الألم في سرابيل الكارثة العراقية ، حيث يقف القاص في مهب النيران مقتحما سعيرها ، فاضحا ممالك الرماد التي تضيء خرافات من جمر روحها، واشتعالات كابية تخبو هناك ، لتحيا هنا من جديد .
يعاني النّاص السليفاني على طول القصة من رهاب انسحاق الزمن الجميل والالتجاء إلى الحزن كحلّ غير ودي لكنه واقع لا محالة هذا الحزن الذي لاينتهي الا ليبدأ من جديد ، وعلى الرغم من كل ذلك ، فهو يصرخ في فضاء الجمر مؤملا أو متخيلا ان تصل اخر تموجات صوته إلى من لم يعد يهتم بالأمر ولو كان صراخه نثار غبار من بكاء السنوات :
((ايها العالم الواسع بقومياته وجيوشه وقاذفات الصواريخ عبر القارات ، ايتها المنظمات اللاإنسانية التي تدعي الأنسانية وهي غارقة في وحل البيروقراطية وإحتلاب المال باسمنا ، تبا لكم جميعا ، سحقا لكم جميعا .. أيعقل أن يتنقل الداعشيون ليل نهار بكل حرية وبكامل عتادهم وسلاحهم وانتم لاتعترضونهم ؟؟؟ اي زمن هذا ؟؟ اي كذب على الذقون بإسم الإنسانية والسبايا والمهجرين والمهجرات قسرا ؟؟ تبا لكم ولعمى بصيرتكم يامن تختلقون الزمر والفرق والخلايا خدمة لأهدافكم وأطماعكم …)) ص:21
وتشتغل ايضا قصة سليفاني هذه على بلورة الغائص من التأزم الانساني في فضاءات مغلقة تحت وابل القهر العظيم ، إلى اخرى مشرقة بإعادة التشكيل من أطُر خربة إلى رؤى يمكن إحياؤها واخراجها من دياجير السياسات ( الانسانية / الزمنية ) المقعرة إلى بشائر تتلألأ في جبين الابيض من الايدلوجي الانساني ، هذا الذي خرج توا من محرقة الاسى الى مشاريع الصفاء . لكن هذا الصفاء لايعلن على رؤوس الاشهاد دائما ، بل يظل معلقا على باصرة الامل ( البعيد / القريب ) في استعراض ( امجاد الماضي ايام تلألأت وكانت … )، هي ثورة صامتة بوجه الاستلاب، هي صرخة داخل جسد زلزلت الأعراف المسعورة بالظلم والغدر والاستعلاء :
((لم اكون خادمة وكناسة في بيت داعشي يتاجر بالسبايا علناوأمام الملأ ؟؟ ويبيع بيداء وغزال وهباب وهيام ومنال وليلى ، لم أخدم زوجته السورية ؟؟ ياأبا حمزة الجزراوي السعودي كيف ستواجه ربَك ؟ كيف ستعلل وحشيتك في تعاملي والأخريات ؟؟ ايها الهمجي الآتي من شقوق البادية ، مالك هكذا تتمادى وتجلدني بالسوط وكيبل الكهرباء ؟؟ كم شجاع انت ياجزراوي !! وياأبو مريم الاحقر منه يامن بعتني بعد سنة تامة من الإغتصاب المستمر .. وتبا لك ياأباثابت الجزراوي يافارس فرسان سوق النخاسة والنحاسة والقساوة تبا لكم !! تبا لقيمكم القميئة الغارقة في الوحشية واللاإنسانية ..)) القصة: ص:21
وعلى الرغم من كثرة ألوية الرفض التي تنشرها قصة حسن سليفاني، الا ان تلك الجهود المشرفة لاتستطيع ان ترفع عن ( شنكال كله) شعرية الموت، الموت الذي تفرد في العالم هوية عراقية (عربية/ شبكية / مسيحية/ يزيدية.. الخ)، وحيثما انتشر الموت ، أو نشر شظاياه ومناياه.. فهناك تجد ( شنكال)!:
((من انتم ايها الساقطون الآتون من بطون الصحراء وفيافي الاعراب وأواخر البحار ؟ ؟ياعار البشرية ، من اي جحر خرجتم ؟؟؟
أجان ، يافلذة كبدي ، حينما أبعدك الداعشي الذي اشتراني من سوق النخاسة 25 يوما ، لعدم إمتثالي لأوامره الليلية الحقيرة ووضع المكياج والتبرج بملابس فاضحة ، والضحك في حضرته ، وإحياء ليالي اًنسه السافرة ، جنَ جنوني وماعدت أطيق العيش بعيدا عنك . إمتثلت لأمره ، وحينما جلبك ثانية اليَ، إحتضنتك ياأجاني ونسيت كلَ أوجاعي وعذابات النفس والجسد .. أجان ايها البهيَ ، كم غيَروا هيئتك الطفولية !! حلَقوا رأسك بالموس وشوهوك وأنت الطفل الوديع . آه ياأجان كل يوم يمر وأنت بعيد عني كنت أموت عشرات المرات. من أجلك رضيت بقسوة الداعشي وكلامه البذيء ووحشيته الجنسية وعطشه لإلتهامي ، أجل ياأجان من أجلك قدمت نفسي له على مضض . لقد رأيت القيامة ياأجاني الجميل ..)) القصة: ص: 20
لاشك ان المنهجية السيميائية في رؤيتها الفلسفية((تنطلق من الشكل،في فهم الانسان،ولاتطمح الى أكثر من وصف الوجود)) على النحو الذي يكون بوسعها الكشف عن حيوية هذا الفهم وحراكه وشغله داخل كيان الشكل،ومن ثم وصف فعاليته العلامية التي تصور حساسية ذلك وتنتج معناه من خلال الكيان الوجودي للأنسان،ومن خلال فلسفة التوجّه نحو صوغ النظام الدلالي في الاشياء والرؤى المكونة لهذا الوجود داخل اعماق الدوال ونظم تشكيلاتها، أما لدى بيرس فتكون العلامة وحدة منتظمة داخل صيرورة متجانسة تدعى(semiosis) وفق الترسيمة الآتية:
وقد اخضع بيرس العلامة للتصنيف في هذا على اجزاء العلامة الثلاثة(ماثول،موضوع،مؤول) وهذه خضعت كذلك لتقسيمات ثلاثية،وقد أسلمته نزعته الرياضية الى تقسيمات اخرى للعلامة مما جعلها تصل الى ستة وستين نوعا من العلامات.
تشتغل قصة القاص حسن سليفاني هذه على حاسة انسانية تكاد تشيئن النّص فتحوله من نبض انساني راق رقيق وشفيف الى جمرة غضب لا عقل يحكمها ولاحاسة تسيطر عليها سوى صوت البرم والشعور بالغضب حد الثورة والانتفاض. تتحرك مفردات القصةجيئة وذهابا على ارضية نفسية غير مستقرة،عندما تشتبك مفردة( الموت) بمعجمها الشعري المتميز،مع الأجواء المستنفرة المستفزة للبنية الشعرية للنص،حيث تتكرر مفردة(الموت) مرات عدةفي قصة قصيرة لاتحتمل هذا التكرار،أضف الى ذلك مفردات أخرى تعاضد مفردة( الموت) وتثبت كينونتها في المعجم الشعري كـ ( حز الرقبة)و(الذل) و(الاغتصاب) و(السبي) و(النخاسة)و( التعذيب) وغيرها:
* أنهال عليه بسيفه حازا رقبته .
* جاء زمن الذل والمهانة والإنكسار النفسي
* والإغتصاب والغرق في بحر دم الحيض ووحوش داعش يلتذون في ممارسة الجنس المغمس بالدم
* زمن السبي
* باعوني عدة مرات في سوق النخاسة الأسلامي
* مالك هكذا تتمادى وتجلدني بالسوط وكيبل الكهرباء؟
تبدأ القصة ب(بالقتل) الذي هو شكل من اشكال الموت، وتنتهي ب(الإحباط العظيم) ،ان ظاهرة(الموت) ههنا في النص لاتشتغل على طرح المدلول الأحادي للموت( الفناء او العدم) بل تتسع لتشمل مضادات المعنى،أي(محاكمة الخطأ من أجل أحلال الصواب):
((أيعقل أن يتنقل الداعشيون ليل نهار بكل حرية وبكامل عتادهم وسلاحهم وانتم لاتعترضونهم ؟؟؟ اي زمن هذا ؟؟ اي كذب على الذقون بإسم الإنسانية والسبايا والمهجرين والمهجرات قسرا ؟؟))
فشعرية (الموت) في قصة القاص المبدع حسن سليفاني هذه ، لاتدل على الموت بقدر ما تدل على الاختلاف والتمرد ، والضياع والانهيار، ان الكثافة الشعرية الهائلة التي تتمركز في هذه البؤرة الاستهلالية(( “إانهم كفار ، ملحدون ، خارجون عن الدين ، عبدة النار والشمس ، حلال لنا مالهم وأرضهم وعرضهم ، فرقوا الرجال عن النساء ، قيدوا ايديهم وأرجلهم ، اياكم يافرسان الخلافة أن يهرب أحدهم منكم . هذا ماوعدكم الرحمن لقاء جهادكم ، حلال عليكم نساؤهم ، هنَ سبايا دولة الإسلام وغنائم حرب ، سنتقاسمها حسب شريعتنا السمحاء ، ياللحق ، ياللحق ، ياللحق ، ياللحق المبين .
أجاني الجميل أحتضنتك وضممتك بقوة اليَ ، كم وددت أن اتمكن من إعادتك الى رحمي ثانية درءاَ للخطر المحدق بنا .
أجان ، أيها الجميل ، صرخ آخر بدشداشة قذرة يتقطر السم منها ، يتحزم بعتاد وسلاح وسيف يلمع تحت وهج الشمس اللاهبة :
” قل جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقا ” )) ،هي بؤرة عميقة الدلالة تتكشف عن طاقة رمزية،من خلال المتعاليات التي تشتغل عليها القصة لاحقا والتي تبلغ مدى واسعا ورحبا من اشتباك الذاكرة بالحلم،والواقع بالخيال،والحقيقة بالأسطورة، وقد يكون هذا الاشباع مما يعيق استقبال المتبقي من القصة لفرط غنى الاستهلال وخصبه،وتعود ألأنا الاشكالية غالبا الى ذاتها المستنفرة المستفزة المعذبة من اجل ان تمتحن قوّتها وصلابة محتوياتها على مواجهة هذا المصير الغامض والواضح في آن اشكالي معا،وكلما انطوت الأنا الشعرية على صورة اشكالية معينة كان هذا مدعاة لبعث الغموض في مصيرها،وانعكاس ذلك على لغة السرد ووعي القاص، لتغوص في جوف الدوال وبطاناتها وجيوبها وظلالها،في السبيل الى استظهار حقيقة الشعور العارم الذي يتلبس الحساسية ويحرك حيواتها ويشعرن موضوعها،في المنظور العام لفضاء علاقة ألأنا الاشكالية بشعرية الموت يظل الموت بتمظهراته وتجلياته كافة على الصعيد الانساني اولاً: في مقدمة هواجس الانسان،ويتفاوت هاجسه من انسان الى اخر حسب تركيبه النفسي،ويبدوان هذا الهاجس اكثر حدّة عند القاص سليفاني عموما،واكثر عمقا عند تشكيل ارهاصاته الانسانية على وجه الخصوص،لأنه أكثر تعمقا بالفلسفة التي انصبت على موضوعة الموت،حيث فصلت الفلسفة تفصيلا دقيقا بين حتمية الموت من جهة،وبين أمنيات السارد” العاطفية” بالديمومة،من خلال وعيه لعنصري الزمان والمكان اللذين وضعت الفلسفة لهما حدودا تفرق بينهما،لتزداد مرارة السارد العالم باسرار الحقيقة،وتتجسم هواجسه بالموت(داخليا) أكثر فأكثر.
ان دوال الموت المهيمنة في النص تحتشد احتشادا غير طبيعي في هذه البقع الشعرية المنتخبة من القصيدة:
(( آه ياأجان كل يوم يمر وأنت بعيد عني كنت أموت عشرات المرات. من أجلك رضيت بقسوة الداعشي وكلامه البذيء ووحشيته الجنسية وعطشه لإلتهامي ، أجل ياأجان من أجلك قدمت نفسي له على مضض . لقد رأيت القيامة ياأجاني الجميل ..
أجاني الجميل ، اتدري أن الداعشي الرجيم كان يريدني ان أصلي !! نعم أن اصلي حسب دينه . وحينما أقول له لي ديني أيضا ، يكاد يضرم النار في جسدي الهزيل . داعشي قذر يمارس الجنس معي وأنا في الحيض ، يأمرني بالصلاة ، يالأمرهم الغريب يخالفون تعاليم دينهم إشباعا لشهواتهم ويريد مني الصلاة !!!
أجاني الجميل ، لم غيروا إسمك الى عمر ؟ من منحهم الحق في ذلك ؟؟ ولم فرضوا عليك الأسلام وانت طفل لاتفقأ شيئا ؟؟ .
لم أجبرو عيدان على إرتيادالجامع وإداء الصلاة في أوقاتها ؟؟ لم أخذوه الى معسكر أشبال الخلافة ؟؟ لم غسلوا دماغه ؟؟ لم بدلوا دينه غصبا عنه وهو صاغر ؟؟؟ لم علَموه طرق القتل وحز الرقاب والذبح ؟؟ لم ياصغيري قتلوا فينا الحباة ؟؟؟ السنا بشرا؟؟ ياناس هلاَ يفتيني أحدكم بهذا الموت المجاني اليومي الذي يمارسونه بحقنا في الحياة ؟؟؟ ))
فشبكة الدوال المؤلفة لحساسية هذه المقاطع من(التصدير) الى (الخاتمة) تشتغل على آلية الموت عبر اكثر من وسيلة تعبيرية،فالخطوط السردية المتخيلة وهي تحيل على خطوط سردية سير ذاتية تتألف من مشاهد وصور وحكايات موجزة ومكثفة،تعبر عن فضاء الحيرة والضياع والتيه،وفيض من المشاعر المتناقضة الجوالة التي لايقر لها قرار بفعل غموض التجربة والتباسها ودخولها في منطقة ضيقة وعسيرة على الخلاص،وعلى الرغم من فداحة الحيرة وعمق الالتباس الذي يحيط بالحال ويكتنف الحكاية بمفاصلها كافة،فان الخلاص لايكون الاّ بصرخة:
((اي كذب على الذقون بإسم الإنسانية والسبايا والمهجرين والمهجرات قسرا ؟؟ تبا لكم ولعمى بصيرتكم يامن تختلقون الزمر والفرق والخلايا خدمة لأهدافكم وأطماعكم …))
ان دلالة الموت لدى القاص سليفاني يمكن اختصارها في كثير من المفردات التي تنتثر في ثنايا النص، وبخاصة المعطيات ذات التعالق السيميائي التي طعّمت المسار العام للقصة ، وقد جاءت مكملة لخارطة الموت(المادي/ المعنوي):
((لم أجبرو عيدان على إرتيادالجامع وإداء الصلاة في أوقاتها ؟؟ لم أخذوه الى معسكر أشبال الخلافة ؟؟ لم غسلوا دماغه ؟؟ لم بدلوا دينه غصبا عنه وهو صاغر ؟؟؟ لم علَموه طرق القتل وحز الرقاب والذبح ؟؟ لم ياصغيري قتلوا فينا الحباة ؟؟؟ السنا بشرا؟؟ ياناس هلاَ يفتيني أحدكم بهذا الموت المجاني اليومي الذي يمارسونه بحقنا في الحياة ؟؟؟ ))
فهذه المفردات ذات دلالة سيميائية خطيرة وحساسة بآن:
* اغتصاب+ انسحاق
*فقدان اتجاه+ يأس
* الاحياء الموتى+الموتى الاحياء
*فضاء مكاني ضائع(كوجو الحلم الضائع) + وطن مقتول( قاتله حر يتنقل كيفما يشاء)
هذه بعض ردائف ومرادفات(الموت المعنوي) الذي هو الاشارة الاولى لبداية النهاية،
لكن هذه(النهاية) التي نتحدث عنها،لاتعني اكثر من صرخة ألم يطلقها القاص المتميز حسن سليفاني ،تُجاه مايرى من جرح يمتد من اول العراق الى آخره ( ممثلا بشنكال الجريحة)،الموت ههنا،دلالة على النكوص والفشل والخراب الذي يسكن أنفسنا ،ما لم نتحد كلمة واحدة ووطنا واحدا وانسانا قويا واحدا،فان لم نكن كذلك فلنتبوأ لأنفسنا مكانا في الموت الحقيقي، الى جانب الأمم التي غادرت تاريخها،ومجدها منذ زمن بعيد.
يكثر القول في قصة ( أجل ياأجان شهدت القيامة ) للقاص حسن سليفاني ، ففيها تعدد قراءات ، وفيها تأويلات لغوية ، وفيها جدلية الانسنة والشيئنة ، لكننا نختصر فنقول ان هذه القصة تصطبغ بإحساس المبدع الذي له القدرة على شيئنة فراديس اخرى لاتتقن سوى الاسى ولاتمارس الا العطب ، فراديس مجهضة اسسها الموت المجاني بعد ان عاشرها الحزن الذي تشرنق مسامات جسدها من اول الجمر الى اخر النار ، وتلاقحت مسارات معاجمها بترياق الصدى ، ذلك الهلام الذي ما يزال يركض وراء الصوت منذ الاف السنين ولايجد اليه سبيلا .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
** قصة ( أجل يا أجان شهدت القيامة)، منشورة ضمن مجموعة( خبز محلى بالسكر) للقاص حسن سليفاني، دار نون للطباعة والنشر والتوزيع، دهوك، اقليم كوردستان العراق، ص:14
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular