الأربعاء, ديسمبر 11, 2024
Homeمقالاتأبناء نينوى.. هل تعلّموا الدرس وهل يملكون الحلول؟ : سامان نوح

أبناء نينوى.. هل تعلّموا الدرس وهل يملكون الحلول؟ : سامان نوح

تخبرنا تجارب الشعوب التي مرت بمراحل عنف وصراع داخلي مسلح وتمكنت من تجاوزها وبدء حياة جديدة، أن الخروج من نفق الحرب والعنف الأهلي على نحوٍ كامل أو شبه كامل يتطلب تغيير نمطية التفكير السائدة في المجتمع. وإيمانا بأن التطرف بكل أشكاله والتعصب ورفض الآخر لا يحقق مجتمعا متطورا متجانسا قادرا على خلق تنمية شاملة ومستدامة.

تلك التجارب تؤكد أن محاولة إخضاع شريحة مجتمعية من خلال القوة، وأن تبني فكر أو رؤية متعصبة متشددة واللجوء للصراع الدموي لتحقيق المطالب أو الأهداف، يهدد بإشعال دورات عنف جديدة ولن يحقق الأمن والسلم المجتمعي، وأنه لا سبيل غير الانفتاح وقبول الآخر والحوار العقلاني والعمل المشترك بين جميع الشرائح والأطراف بما فيها التي ارتكبت أخطاء ولدت العنف.

ولتجاوز سنوات الكراهية والانغلاق والعنف الدامية، لا بد من تبني برامج تسامح وتصالح والشروع في برامج تأهيل اجتماعي ترافقها برامج تنمية اقتصادية شاملة، وهذا ما حصل في رواندا مثلا التي وقعت فيها مجازر حصلت بين المكونين الرئيسين فيها، هما: (قبيلتا الهوتو  والتوتسي)، حيث وقع ما بين 800 ألف إلى مليون قتيل قبل أن يركنا إلى التصالح والتسامح والعمل المشترك الباعث على التنمية.

السؤال الأساسي الآن: هل أيقن أهالي الموصل خصوصا ومحافظة نينوى عموما أنهم أخطؤوا في متبنياتهم الفكرية ورؤيتهم وتعاطيهم مع الأحداث الوقائع وأخطؤوا في سلوكياتهم، وأن عليهم تعديل مسار حياتهم بتغيير نمطية التفكير السائدة؛ لكي يتحقق التغيير في المحافظة المهددة بفقدان كل مكوناتها غير المسلمة وبالتالي فقدان جزء من عوامل ومحركات قوتها، كما إنها مهددة بمزيد من التناحر الاجتماعي والصراعات المدمرة بل وحتى العنف داخل المكون الواحد، إلى جانب الفشل في الإعمار، والتنمية، وتطوير الاقتصاد.

هل هناك مراجعة نقدية عقلانية بفكر حر بعيدا عن النظرة المتعالية الفوقية للذات والدونية للآخر، لأسباب الكوارث المتلاحقة التي تحل بنينوى منذ عقد ونصف وهي المحافظة التي تحمل الكثير من مقومات التطور والنهوض السريع وتملك تاريخا طويلا في العيش المشترك الإيجابي، أم سيستمر “نهج” تحميل الآخرين كل المسؤولية في ما آلت إليه نينوى من تدمير للبنى التحتية وتفكك في النسيج الاجتماعي ومن ثم تراجع اقتصادي ومعرفي وثقافي؟.

يقول كتاب وصحفيون تابعوا تجارب الحروب التي خرجت من العنف إن الكوارث التي حلت بهم “أيقظتهم من رقدة أوهام طويلة ونبهتهم إلى خطورة سلوكيات وأفكار ظلوا يتبنونها طوال عقود، وأنهم أمام خياري الاستمرار في تلك السلوكيات وهو ما يهدد وجودهم أو تغييرها والانطلاق نحو حياة جديدة”.

يذكر الدكتور سلمان محمد أحمد سلمان، وهو أكاديمي سوداني وباحث دولي فيالقانون والعدالة والتنمية الاجتماعية، نقلا عن صديق راوندي، في مقال طويل عن التجربة الرواندية في السلم والتنمية، قوله إن “كارثة الإبادة الجماعية أيقظتنا على خياري الفناء أوالبقاء. بعد الكارثة أصبح واضحٌ لنا أن البقاء يتطلب تغييراً جذرياً في تفكيرنا ومعتقداتنا وسلوكنا. ومايرى اليوم في رواندا من تطور (سلم مجتمعي وتطور بنيوي وتحقيق معدلات تنمية هي الأعلى أفريقيا) هونتاج الوعي بتلك الكارثة”.

ويحدد زميل الدكتور سلمان، “الأسس” التي تبنتها رواندا لتثبيت السلام وتحقيق التعايش المجتمعي ومن ثم التنمية والازدهار الاقتصادي:

– اعتماد رؤية سياسية واجتماعية جديدة لإعادة تأسيس (المجتمع والدولة) وخلق التنمية بتبني فكر معتدل منفتح يمهد لإقامة إدارة متقدّمة تحقق التقدّم والتنمية والرخاء، وهو ما يتطلب تقديم برنامج متكامل يتضمن جدولاً زمنياً للتنفيذ.

– إطلاق برنامج مصالحة وطنية متكامل يتم تنفيذه بدقّة.

– تحقيق عدالة تمنع إدخال أحد السجن إلابعد إدانته في المشاركة في الإبادة الجماعية بواسطة محكمة مختصة، وعدم حرمان أحد من وظيفته إلا بعد إدانته.

– تثبيت أسس المواطنة، باعتبارها المصدرالوحيد للواجبات والحقوق، وإلغاء الهويات القومية والقبلية والدينية والمذهبية والجهوية.

– تبني برنامج متكامل وقوانين صارمة لمحاربة الفساد بما فيها الزام كل الوزراء والمسؤولين توضيح ممتلكاتهم العينية والنقدية منذ اليوم الأول لتوليهم المسؤولية.

– التركيز على التعليم باستغلال كل الأموال المتاحة في تطوير التعليم وجعله مجانيا وإلزاميا حتى نهاية المرحلة الثانوية، مع تواصل مجانيته في الجامعات، والاعتراف باللغات السائدة (في رواندا هي: الفرنسية، والإنجليزية، والسواحلية، واللغة الوطنية كينيرواندا).

ويرى باحثون أن تلك النقاط تمثل محاور ارتكاز في أي (دولة – إدارة)، وهي وصفة قابلة للتطبيق في محافظة نينوى مع تعديلها وفق متطلبات طبيعة الصراع وخصوصية البيئة ومتطلبات المحيط؛ لإعادة البناء المجتمعي وتحقيق التنمية الاقتصادية والثقافية والتطور العمراني، مدعومة بإرث طويل من التعايش المشترك وبقدرات اقتصادية جيدة ومساحة وموقع جغرافي مميزة وقدرات بشرية كبيرة وكوادر معرفية قابلة للتطوير.

لكنهم ينبهون في الوقت عينه إلى خصوصية كل مجتمع، وإلى أهمية ضمان الحريات الأساسية بما فيها السياسية، والديمقراطية التعددية ومنع بروز شمولية الدولة والحزب الواحد؛ لضمان استمرار التنمية والتطور الاقتصادي إلى جانب السلم المجتمعي ومنع حصول انتكاسات.

يقول الرئيس الراوندي بولكاغامي: “إذاكانت بلادنا قد أحرزت المكانة الاولى في إفريقيا، ولفتت أنظارالعالم بأسرها اليوم خلال أقل من عقدين عقب الحرب المدمرة، فليس ذلك بوجود الفاتيكان أوالكعبة أوالبيت الأبيض أو تاج محل عندنا، بل لأن أبناء رواندا وبناتها، وخاصة الشباب والنساء سامحوا أنفسهم بشأن الماضي وأخذوا زمام المبادرة لتقريرمصير بلدهم من خلال روح العمل والابتكار والوطنية كمفتاح للرقي والتنمية. إنه ببساطة ثمرة لالتزام أمة بأكملها ونتاج لإرادة سياسية في رواندا نحلم بالمضي بعيدا بفضل وعي هذا الشعب وهؤلاءالشباب”.

لكن الكثير من أبناء رواندا يشيرون الى الدور الحاسم للرئيس الرواندي ولنخبة من مساعديه ووزرائه “النزهاء والوطنيين” في تحقيق السلم والتنمية في البلاد، كون العديد منهم بما فيهم الرئيس، فقدوا العشرات من أفراد عائلاتهم في الحرب لكنهم لم يركنوا للعنف والانتقام والتعصب بل ركزوا على المصالحة والسلم والتنمية.

في نينوى يملك أبناؤها الكثير، فهناك ثروات طبيعية وهناك معالم أثرية عالمية ومعالم دينية، وتاريخ عميق من التعايش الإيجابي، ومصالح مشتركة عميقة، لكن السؤال هل تملك نينوى قادة مؤهلين للقيادة الوطنية النزيهة ضمن الفاعلين حاليا بالمشهد السياسي؟ وهل سيتبنى شباب وبنات نينوى رؤى التسامح والتصالح وهل سيملكون وعي وإرادة الاعتراف بالأخطاء وتصحيح المسار؟ وهل سيأخذون المبادرة لتقرير مصير مناطقهم اعتمادا على أسس المواطنة والعمل المشترك والابتكار لخلق الانطلاقة وتحقيق التنمية؟

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular