التعليم في العراق.. أرقام مفزعة ومستقبل مجهول

يستغرب كثير من العراقيين حين يقارنون بين النظام التعليمي الذي عرفت به بلادهم في سبعينات وثمانيات القرن الماضي، وبين ما وصلت إليه العملية التربوية والتعليمية في مختلف المناطق اليوم، في وقت يشهد فيه العراق انهياراً واسعا للعديد من المؤسسات في المجالات الخدمية والبنى التحتية.

ولعل مكمن الاستغراب أن العراق الذي كان يتميز بأحد أقوى الأنظمة التعليمية في الشرق الأوسط خلال القرن الماضي حتى وصلت نسبة الأمية فيه إلى ما يقارب الصفر بالمائة؛ بات اليوم مرتعا للجهل والتسيب من المدارس، وقلة وجود هذه المؤسسات التربوية، واضطرار كثير من الأطفال إلى تركها للعمل في السوق، أو لعدم قناعة أهاليهم بجدوى التعليم وفوائده لمستقبل أبنائهم.

وعلاوة على النقص الكبير في أعداد المدارس في محافظات العراق المختلفة؛ فإن المدارس الموجودة تعاني كثيرا من نقص المستلزمات الدراسية من مقاعد وسبورات ومراوح وأجهزة تكييف، مما يجعل الكثير منها أشبه بمخازن كبيرة يتكدس فيها عشرات الطلبة من الجنسين.

“العملية التربوية والتعليمية ظلت في ذيل الأولويات الحكومية، فيما أنفقت المليارات على مجالات أخرى”

كما يشتكي الكثير من الأهالي من كثرة تغيير المناهج الدراسية وصعوبتها، وقلة الكتب المدرسية التي توزع الطلاب، مما يضطر ذويهم لشرائها من الاسواق بأسعار مرتفعة.

ورغم أن الحكومات العراقية منذ عام 2003 كانت تعلن باستمرار أن تطوير التعليم هو في مقدمة اهتماماتها؛ فإن العملية التربوية والتعليمية ظلت في ذيل الأولويات الحكومية، فيما أنفقت المليارات على مجالات أخرى، كالتسليح والعسكرة وبيع المناصب الحكومية وشراءها بين الكتل السياسية المختلفة.

أمراض ونقص خدمات

ومما يثير الاستغراب أن كثيراً من المدارس التي تقع داخل حدود محافظة بغداد الإدارية تعاني الكثير من الإشكالات والأزمات، رغم كونها تابعة للعاصمة، ويفترض أن تكون الأوضاع فيها أفضل من غيرها.

ففي منطقة الحسينية التي تقع شمال شرقي العاصمة، تعاني مدارس المنطقة التي يبلغ عددها نحو سبعين مدرسة العديد من المشاكل، وعلى رأسها انقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب، وغياب المرافق الصحية، مما يزيد من معاناة آلاف الطلاب على مدار العام الدراسي.

ويقول علي سعدون (46 عاماً) لـ”وكالة يقين”، إن أبناءه ظلوا يعانون طيلة سنوات التحاقهم بالمدارس الحكومية، قبل أن يقرر نقلهم إلى مدارس خاصة، بعدما انتقلت مشاكل المدرسة إلى داخل بيته، كما يقول.

“مما يثير الاستغراب أن كثيراً من المدارس التي تقع داخل حدود محافظة بغداد الإدارية تعاني الكثير من الإشكالات والأزمات”

ويؤكد على أن أطفاله الثلاثة عانوا من تكدسهم مع زملائهم في فصول دراسة مزدحمة بالطلاب، مما أدى إلى قلة استيعابهم وتراجع مستواهم الدراسي، حيث كانوا في كثير من الأحيان يجلسون على الأرض لاكتظاظ الصف بنحو 100 طالب.

ويضيف، أن الطلبة في هذه المدارس يعانون العديد من الأمراض، حيث تساهم أعدادهم الكبيرة في سهولة انتقال الأمراض، كالإنفلونزا والجرب والقمل، وغيرها من الأمراض، فيما تغيب الرعاية الصحية بشكل شبه كامل عنها.

أما اسماعيل المكصوصي فيتحدث لـ”وكالة يقين”، عن إصابة بنته ذات السبعة أعوام بالقمل بشكل مستمر، رغم لجوئه إلى علاجها لدى الأطباء، إلا أن الطبيب نصحه في نهاية المطاف بنقل ابنته إلى مدرسة أخرى، حفاظاً على صحتها.

ولا تبدو هذه الحالة فريدة عن المدارس الأخرى في المنطقة بل وفي بقية محافظات العراق، وخاصة في المناطق النائية والبعيدة.

شبح التسرب من المدارس

وقد أسهمت الأحداث والأزمات التي مر بها العراق خلال العقود الأخيرة في تدهور أوضاع التعليم في البلاد، وحدوث طفرات في معدلات تسرب الطلاب من المدارس إلى الشوارع، فيما تعطلت القوانين التي كانت تلزم الأسر بإدخال أبنائها إلى المدارس، وتعاقبهم على انقطاعهم عن الدراسة.

وفي منطقة الشيخ عمر الصناعية ببغداد تمتلئ الشوارع بأطفال لا تتجاوز أعمار أغلبهم 15 عاماً، يعملون في ورش تصليح السيارات، ومعظم هؤلاء يعانون من أمية كاملة أو شبه كاملة.

“أسهمت الأحداث والأزمات التي مر بها العراق خلال العقود الأخيرة في تدهور أوضاع التعليم في البلاد”

كرار درعم واحد من هؤلاء يبلغ عمره 14 عاماً، إلا أن ملامحه توحي بأنه أكبر من عمره الحقيقي، حيث يعمل في تصليح السيارات منذ نحو 6 سنوات، كما يؤكد.

يقول كرار لـ”وكالة يقين”، إن والدته اضطرت لجعله ينقطع عن الدراسة منذ الصف الثالث الابتدائي، وجاءت به إلى هذه المنطقة الصناعية للعمل عند أحد أقربائها، وبدأ في تعلم أصول المهنة شيئا فشيئاً، حتى بات يتقن الكثير منها.

لكن كرار بالكاد يجيد القراءة، ولا تبدو له الكتابة في الصحف أو الكتب أكثر من مجموعة رموز تتراص بجانب بعضها البعض، إلا أنه تعلم بحكم عمله الطويل في الشارع؛ قراءة اللافتات المرورية وأسماء المحال التجارية، فيما يعجز عن قراءة ما سوى ذلك.

وتتشابه قصة كرار مع قصص عشرات آلاف الأطفال العراقيين الذين يعملون في سوق العمل بمختلف مدن البلاد، حيث باتت هذه الشريحة العمرية تمثل عصب العمل في العديد من المعامل والاسواق، بحكم انخفاض أجورهم وقدرتهم السريعة على التعلم، خلافاً لكبار السن.

لكن وجودهم في هذه الأماكن عرّضهم للكثير من المشاكل التي لا يجري الحديث عنها علنا في العادة، كالتحرش الجنسي والعنف وأكل حقوقهم من قبل بعض أصحاب المحال والمعامل.

وعادة ما تحاط قصص التحرش الجنسي في هذه الأماكن بسور من السرية والكتمان، مخافة تطورها إلى مشاكل كبيرة ربما تسال فيها الدماء من قبل ذوي هؤلاء الصبية، وهو ما يجعلها أمراً سهلاً ومأمون العواقب لدى الكثير من المنحرفين وأصحاب النوايا المريضة، كما يؤكد الكثير من مرتادي هذه الأماكن.

الأمية تهدد المجتمع

وتتضارب الأرقام حول أعداد الأميين في البلاد، فبينما تشير بعض الأرقام إلى أن نسبة الأمية وصلت إلى 22% من عدد السكان، تؤكد إحصاءات لمنظمات إنسانية محلية ودولية على أن النسبة ربما تصل إلى 40% من عدد السكان، الذي تقدره وزارة التخطيط بأكثر من 38 مليون نسمة.

إلا أن الجهاز المركزي لمحو الأمية يؤكد على أن نسبة الأمية بين الشباب وصلت إلى 8.3%، مما يعني أن ملايين الشباب لا يجيدون القراءة والكتابة، فيما تشير أرقام منظمة “هيومن رايتس ووتش” إلى أن 6 ملايين عراقي يعانون الأمية المطلقة، أي ما يعادل أكثر من 15% من سكان العراق البالغ عددهم 38 مليون نسمة.

“نسبة الأمية بين الشباب وصلت إلى 8.3%، مما يعني أن ملايين الشباب لا يجيدون القراءة والكتابة”

هذا التضارب في الأرقام والإحصاءات يشير إلى غياب أرقام حقيقية حول الظاهرة، التي يتفق الجميع على أنها باتت تثير الخوف، خاصة في ظل تدهور الحالة الاقتصادية للبلاد، وقيام بعض الجهات المسلحة باستغلال أعداد كبيرة من الأميين لصالح مشاريعها الميليشياوية، ودفعهم للقتال في جبهاتها بسوريا، أو تنفيذ عمليات خارجة عن القانون داخل المدن العراقية.

ورغم تأكيدات الحكومات المتعاقبة على أنها افتتحت أكثر من 3500 مركز لمحو الأمية؛ إلا أن الكثير من مرتاديها يشتكون مما يعتبرونه “تسيباً” في الدوام، وضعفاً في تجهيز هذه المراكز، كما يقول علي السراي، البالغ من العمر 33 عاما.

ويضيف لـ”وكالة يقين” أنه التحق قبل بضعة أشهر بمركز لمحو الأمية في مدينة الصدر، إلا أن الأساتذة كانوا كثيري التغيب عن الدروس، كما أن قاعات المركز كانت غير مجهزة بالكراسي والطاولات، مما جعل بعض الملتحقين بهذه المراكز يجلبون كراسيهم معهم، ويشترون القرطاسية على حسابهم الخاص، رغم تأكيدات المركز بتحمل تكاليف عملية تعليمهم بأكملها.

ويضيف السراي أن هذه الأوضاع دفعته للانقطاع عن حضور الدروس، وهو ما فعله عدد آخر من زملائه، الذين كانوا متحمسين في البداية، قبل أن يواجهوا بهذا الواقع الصعب، على حد تعبيره.

وزارة التربية تبرر

وبحسب أرقام وزارة التربية العراقية؛ فإن أكثر من 10 ملايين طالب في مختلف محافظات العراق يتوزعون على نحو 16 ألف مدرسة، وهو رقم يصفه مراقبون بالكارثي، بسبب حاجة البلاد إلى حوالي ضعفي هذا العدد من المدارس، كي تستطيع استيعاب هؤلاء الطلبة.

ويؤكد المتحدث باسم وزارة التربية فراس محمد لـ”وكالة يقين”، على أن الحكومة تتجه لإنشاء 3 آلاف مدرسة إضافية، كي تخفف الضغط على المدارس، التي تضطر الكثير منها لاستقبال وجبتين من الطلاب في اليوم، في دوامين صباحي ومسائي.

ويضيف محمد، أن الحكومة قامت خلال النصف الأول من عام 2019 الفائت بإنشاء 35 مدرسة جديدة، وهي مستمرة في جهودها لتعويض النقص الحاصل في هذا القطاع الحيوي والمهم.

وحول المدارس التي تعرضت للتدمير في المحافظات المنكوبة، يشير المتحدث باسم الوزارة إلى أن الحكومة تسعى بجهود مكثفة لترميم نحو ألفي مدرسة في نينوى وبقية المحافظات، والتي تعرضت لأضرار جزئية أو شاملة.

“هيكل العملية التربوية في العراق يعاني الكثير من المشاكل، وعلى رأسها ضعف تجهيز المدارس”

أما عن جهود محو الأمية يقول فراس محمد لـ”وكالة يقين”، إن الوزارة استطاعت من خلال دعمها لهذه المراكز تخريج أكثر من مليون و600 ألف مواطن، منذ عام 2012، من مختلف الفئات العمرية، وخاصة من شريحة الشباب، وهي تواصل جهودها للقضاء على ما تبقى من أمية في البلاد، بحسب قوله.

ورغم أن أرقاماً لمنظمات محلية ودولية تؤكد على وجود أكثر من 2000 مدرسة طينية في البلاد، وخاصة في الأرياف والنواحي البعيدة عن مراكز المدن، إلا أن الوزارة تؤكد على أنها وضعت خطة لبنائها جميعاً بشكل عصري، وتزويد طلبتها بكافة المستلزمات الدراسة، “خلال الأعوام القليلة المقبلة”.

ويقول باحثون في الشأن التعليمي، أن هيكل العملية التربوية في العراق يعاني الكثير من المشاكل، وعلى رأسها ضعف تجهيز المدارس، وانعدام بناها التحتية وتهدم الكثير من المدارس، وحرمان ملايين الطلبة من مختبرات وملاعب حديثة، فضلاً عن الانقطاع المستمر للكهرباء والمياه عنها.

السموم البيضاء

ويبدو أن الأزمات الأخلاقية التي باتت تعاني منها الكثير من قطاعات واسعة، وخاصة بعد الاحتلال الأمريكي قد انعكست بشكل سلبي على المدارس أيضاً، فالبلاد التي كانت خالية من المخدرات بشكل كامل قبل 2003 أصبحت مرتعاً لهذه السموم القاتلة، القادمة من عدة وجهات، في مقدمتها الجارة الشرقية إيران.

وأصبحت الكثير من إدارات المدارس تبذل جهوداً مضاعفة للحيلولة دون انتشار هذه الآفة بين طلابها، إلا أن تأثير الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي، وضعف الوازع التربوي قد جعل انتشارها أمراً حتمياً، خاصة في ظل التساهل الحكومي وغض الطرف عنها، بسبب ارتباط بعض صفقاتها بأحزاب وميليشيات متنفذة.

ولعل البصرة هي في مقدمة المحافظات التي تعاني من انتشار هذه السموم، وخاصة في المدارس والكليات، بسبب قربها الجغرافي من الحدود الإيرانية، وسيطرة فصائل مسلحة موالية للولي الفقيه عليها.

“أكبر المشاكل التي تواجهها الكوادر التدريسية في المحافظة هي محاولتهم منع الطلاب من تعاطي المخدرات”

ويقول المدرس البصري (ث. غ) لـ”وكالة يقين”، إن من أكبر المشاكل التي تواجهها الكوادر التدريسية في المحافظة هي محاولتهم منع الطلاب من تعاطي المخدرات بمختلف أنواعها، وخاصة مادة “الكريستال” التي باتت تثير هلع الأهالي في المحافظة.

ويضيف، أنهم اضطروا لفصل عدد من الطلاب من المدرسة بسبب ثبوت ترويجهم للعقارات المخدرة بين زملائهم، لكن تهديدات أسرهم وعشائرهم اضطرتهم لإعادتهم، مع تعهدات شكلية بعدم تكرار ذلك، لكن الجرم تكرر مراراً من دون أي حلول، مما اضطرهم في النهاية إلى السكوت.

وبحسب المدرس فإن ابن عم أحد الطلبة كان قيادياً في ميليشيا النجباء، وقد حضر بنفسه إلى المدرسة وهدد المدير بإغلاقها وتعريضه إلى “عقاب شديد” إذا ما أصر على طرد ابن عمه و3 من زملائه قبل توزيعهم للمخدرات في المدرسة، مما اضطر إدارة المدرسة للرضوخ في النهاية، على حد قوله.

أرقام مخيفة

ويقول مواطنون بصريون إن الغرام الواحد من مادة الكريستال المخدرة يباع في الأسواق المحلية بنحو 25 ألف دينار، مع تفاوت أسعار المواد الأخرى كالحشيش والماريغوانا والأفيون وجوزة الطيب والمورفين وغيرها، مما يجعلها تجارة مربحة للكثيرين، وخاصة أولئك الذين يأمنون ملاحقة الأجهزة الأمنية لهم.

وتقول السلطات المحلية في البصرة إنها تبذل جهوداً حثيثة لموقف انتشار المخدرات في المؤسسات التعليمية، وأنها قامت بفصل وسجن العديد من مروجيها، إلا أن الأهالي يؤكدون على أن تجار المخدرات أصبحت لهم سلطات تفوق حتى بعض الأجهزة الأمنية.

القوانين الحالية بحاجة إلى تعديلات تضمن عقوبات أشد صرامة بحق مروجي هذه المواد في المدارس والجامعات”

ويؤكد عضو مجلس البصرة نشأت المنصوري على أن سطوة تجار المخدرات دفعت العديد من المواطنين للسكوت وعدم التبليغ عنهم، خوفاً من تعرضهم للملاحقة، وهو ما أدى إلى استشراء هذه الآفة أكثر من ذي قبل.

ويلفت المنصوري إلى أن كثيراً من تجار المخدرات الذين يعتقلون يتم الإفراج عنهم خلال أيام، بعد دفعهم لمبالغ طائلة، وتدخل بعض مسؤوليهم الحزبيين، مما يجعل عملية اعتقالهم غير ذات جدوى، إضافة إلى صعوبة السيطرة على الحدود لوقف تدفق هذه المواد، بحسب تعبيره.

ووفقا لعضو مجلس المحافظة؛ خلال حديثه لـ”وكالة يقين”، فإن القوانين الحالية بحاجة إلى تعديلات تضمن عقوبات أشد صرامة بحق مروجي هذه المواد في المدارس والجامعات، خاصة وأن نسبة عالية من المتعاطين هم من الطلبة، الذين يعاني الكثير منهم الفقر والتفكك الأسري، مما يجعلهم فريسة سهلة لمروجيها.

وقد سبق لإدارة جامعة البصرة أن قامت بفصل طلبة ثبت قيامهم بترويج هذه المواد المخدرة؛ إلا أن معظمهم عادوا إلى مقاعد الدراسة، بفعل الضغوط التي مورست على الإدارة وعمداء الكليات، بل ووصل الأمر إلى محاسبة بعض الأساتذة عشائرياً بزعم أنهم قاموا باتهام الطلاب المروجين للمخدرات زوراً وتشويه سمعتهم.

مليارات لطباعة الكتب

وتتناقل وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات أخبار الفساد في وزارة التربية، خاصة بما يتعلق بصفقات طباعة المناهج الدراسية، والتي باتت تحتكرها شخصيات متنفذة في الدولة، مما يكلف الدولة عشرات المليارات كل عام.

وقد نشرت بعض المواقع الإلكترونية وثائق ومكالمات هاتفية تثبت تورط وزير التربية السابق محمد إقبال بصفقات فساد تتعلق بطباعة الكتب مع النائب الحالي مثنى السامرائي وأطراف أخرى، احتكرت طباعة المناهج الدراسية عدة سنوات في مطابع بالأردن ولبنان، وهو ما كلف خزينة الدولة مبالغ طائلة، وأدى إلى حرمان مئات المدارس من الحصول على حصتها من المناهج الدراسية، مما جعل أسر التلاميذ يشترونها من الأسواق بأسعار تقترب من 25 ألف دينار للكتاب الواحد.

“رغم وجود مطابع تابعة لوزارة التربية؛ إلا أن الجهات المتنفذة داخل الوزارة كانت تحيل مناقصات الطباعة إلى السامرائي حصراً”

وتشير أصابع الاتهام إلى محمد السامرائي شقيق النائب مثنى السامرائي، والذي أشرف خلال عدة سنوات على طباعة الكتب المدرسية بمبلغ تجاوز 200 مليار دينار، في مطابع تابعة له أو بالاتفاق معه مقابل نسب مالية معينة، فيما لا تتجاوز كلفة طباعتها الحقيقية مبلغ 65 مليار.

ورغم وجود مطابع تابعة لوزارة التربية؛ إلا أن الجهات المتنفذة داخل الوزارة كانت تحيل مناقصات الطباعة إلى السامرائي حصراً، بموجب الاتفاق مع الوزير السابق، والذي بدا أنه اتفاق سياسي فضلاً عن كونه تجارياً.

ورغم محاولات جهات رقابية عدة، من بينها النزاهة البرلمانية وهيئة النزاهة إدانة الوزير والمتعاونين معه؛ إلا أن جهودهم باءت بالفشل بسبب التوافقات السياسية، التي ضمنت لكل جهة الحصول على حصتها من الصفقات الفاسدة والعمولات في مؤسسات الدولة.

وهكذا، فإن العراق الذي تسلم في نهاية السبعينات من القرن الماضي 5 جوائز من منظمة اليونسكو لقضائه شبه الكامل على الأمية وجودة التعليم في مؤسساته التربوية؛ بات اليوم يتذيل قائمة الدول في هذا المجال، وهو ما أدى إلى انهيار العملية التعليمية فيه، مما ينذر بمزيد من التخلف العلمي والتقني للبلاد، وزعزعة القيم الأخلاقية التي عرف بها العراق عبر العصور.