الأحد, مايو 19, 2024
Homeمقالاتكورونا تُحي دور الدولة ولو مؤقتآ : بيار روباري

كورونا تُحي دور الدولة ولو مؤقتآ : بيار روباري

 

إن وباء كورونا، لم يأتي فقط وبالآ على صحة الإنسان، وإنما شل إقتصادات أكبر الدول، وتسبب في وضع الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة على حافة الإفلاس، لو لا تدخل الحكومات لإنقاذها من المصير المحتوم. هذه الحكومات التي كانت حتى قبل شهرين ترفض رفضآ قاطعآ التدخل في عمل السوق، وتركت للشركات الكبرى التحكم بالإقتصاد العالمي ومصائر إممٍ بأكملها.

 

واليوم عتاة الليبراليين في الدول الغربية، ينادون بدور أكبر للدولة في الحياة الإقتصادية، ويطالبون بإنقاذ الشركات الخاصة على حساب دافعي الضرائب!! ليس هذا فقط، وإنما ينادون بزيادة دور الحكومات في القطاع الصحي، الذي حولوه إلى سوق تجاري، كان الهدف الأول والأخير منه، هوالربح ثم الربح الزائد. وعند حدوث أول هزة عنيفة كاد هذا القطاع الحيوي أن ينهار كليآ، لو التدخل السريع للحكومات في إنقاذه، في كل من هولندا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا والقائمة تطول.

 

وفي بلاد العم سام، استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قوانين استثنائية تعود تاريخها إلى سنوات الحرب العالمية الثانية، بهدف إجبار الشركات الصناعية مثل «جنرال موتورز» على إنتاج أجهزة التنفس الصناعي، وشركة «3ام» على إنتاج الأقنعة الواقية للوجه، وتوفير المعدات والمستلزمات الطبية اللازمة لعلاج المصابين وحماية أطقم الرعاية الصحية. 

جميع هذه الدول إضافة لغيرها من الدول الأوروبية، إعتمدت برامج اقتصادية مستعجلة، وضخة أموال هائلة للحد من التداعيات الكارثية للشلل الإقتصادي الحالي، وإنقاذ الذين فقدوا وظائفهم وباتوا عاطلين عن العمل، وإنقاذ الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. بل تتداول أغلبية الحكومات الغربية اليوم لتمرير برامج اقتصادية ومالية إضافية، للحيلولة دون تحول هذا الشلل والركود إلى كساد طويل الأمد. والبيت الأبيض الأمريكي، إعتمد قبل أيام ثلاثة تريليونات دولار لدعم الإقتصاد الأمريكي، وفي المقابل الإتحاد الأوروبي يناقش تشكيل صندق خاص لدعم دوله، بهدف إنقاذ إقتصادته والخروج من هذه الأزمة الحادة والفاجئة، بأقل الأضرار.

 

بعد سرد كل ما تقدم، ما الذي يمكن أن نستنج منه؟

هل هذا يعني فشل نظرية عتاة الليبراليين القائمة على فكرة: “عدم تدخل للدولة في اليات السوق وعمله”.

هل إنتهى عصر هيمنة الشركات على حياة الناس ومصائرهم، وعودة دور الدولة الذي إختفى لفترة طويلة عن المسرح الإقتصادي؟

هل أزمة كورونا ستغير من طرية تفكيرنا إلى الأفضل؟

هذه الأسئلة وغيرها تطرح نفسها اليوم، والكثيرين منا يبحثون عن الإجابة لها.

 

سأوحاول الإجابة على التساؤلات على شكل أربعة نقاط:

 

النقطة الأولى، من وجهة نظري الشخصية كدارس للعلوم الإقتصادية، ومن معرفتي بأليات عمل إقتصاد السوق، وكيفية تفكير الليبراليين ومدى نفوذهم، لا أظنهم سيستسلمون بهذه السرعة، وأنا واثق سوف يقاومون بشراسة للحفاظ على هذا النظام المتوحش، الذي لا يقر بشئ سوى بالربح والربح فقط. ولا يهمهم شيئٌ أخر، لا حياة الناس، ولا البيئة ولا خراب مالطة. لذلك، أدعوا اولئك الذين يمنون أنفسهم بإقتراب نهاية هذا النظام، أن يتمهلوا ولا يتسرعوا في حكمهم، وإلا أصيبوا بخيبة أمل كبيرة للغاية.

 

النقطة الثانية، لا شك أن تلك الصورة الوردية والبراقة، التي رسمها لنا دعاة الليبرالية الإقتصادية المنفلة من عقالها، أصيبت بكثير من العطب والخدوش، وتبين مدى زيف إدعاءتهم وكذبهم حول قدرة السوق على تقويم نفسه بنفسه، وهذا ما لاحظناه أثناء الأزمة المالية (أزمة العقارات الأمريكية) عام 2008، واليوم نشاهدها من جديد مع أزمة وباء كورونا، وشاهدناه في ثلاثينات القرن الماضي في كل من أمريكا وأوروبا.

وأكدة التجربة العملية عبر العالم، مدى أهمية دور الدولة في الحياة الإقتصادية، وعدم إمكان الإستغناء عن هذا الدور الفعال والحيوي. وبرأي يجب دعم هذا الدور بإمتلاك الدولة لحصة مؤثرة من الإقتصاد مثلآ إمتلاك بنك حكومي وشركة تأمين صحي خاصة بها، وإمتلاك حصة وازنة في قطاعات مهمة كقطاع الموصلات والإتصالات والكهرباء وصناعة الأدوية وقطاعات أخرى، وعدم ترك الساحة نهائيآ للقطاع الخاص. إن كانت لا تريد أن تتفاجئ بمثل هذه الأزمات الحادة والخانقة، وتحقيق نوع من العدالة الإجتماعية وإستقرار في المجتمع.

 

أرى أن هدف النجاح الإقتصادي يجب أن يكون تحقيق السعادة لجموع المواطنيين، وليس حصر رأس الرأسمال في يد قلة قليلة من الناس، الذين مع الزمن تحولوا إلى أناس عديمي الضمير وفقدوا أي إحساس بالمسؤولية تجاه الأخرين ومجتماعاتهم. فإن أرادت أي حكومة تحقيق تلك السعادة والإستقرار، يجب عليها أن تلعب دورآ إقتصاديآ نشطآ، وليس متفرجآ. أعلم أن رأي هذا لن يرضي الكثيرين، وسيستفزهم كثيرآ، ولكن هذا ليس مهمآ.

 

النقطة الثالثة، لا شك أن هذه الأزمة الصحية والتي لها أثار إقتصادية وإجتماعية كبيرة على مستوى العالم بأسره، سينتج عنها جدال فكري وسياسي داخل النخب الفكرية الأوروبية وغيرها في العالم، وسيخرج هذا الجدال بإستنتاجات فكرية وأراء معينة تتناول الجانب الإقتصادي والسياسي والأخلاقي ودور الدولة في كل ذلك، ولكن هذا سيأخذ وقتآ حتى تتبلور هذه الرؤى والأفكار.

 

النقطة الرابعة، هناك تخوف في أن يقوم بعض قادة الدول بسوء إستخدام السلطة، بسبب الشلل الذي تعاني منه البرلمانات في العديد من الدول، كون يتعذر عليها الإجتماع وممارسة عملها التشريعي والرقابي. وخير مثال على ذلك هو الرئيس المجري الغوغائي “فيكتور أوربان” الذي مرر تشريعآ في البرلمان، يمكنه من إدارة الشأن العام عبر إصدار قرارات فورية دون الرجوع إلى البرلمان. ويبدو أن السيد “اوربان” لديه نزعة سلطوية بالغة الخطورة، ولا تقل خطورة عن رؤوساء حكومات مثل الصين وروسيا وغيرها من حكومات الراغبين في استغلال وباء كورونا لدعيم صلاحياتهم وفرض المزيد من القيود على المجتمعات المدنية والمواطنين في لحظة خوف شعبي عارم.

 

الخلاصة، برأي على المجتمعات البشرية في جميع دول العالم أن تعمل لتحقيق توازن معقول، بين دور الدولة كراعي للجميع وخاصة الضعفاء منهم، ودور الشركات الكبرى، لكي لا تتحول الحياة إلى كابوس ويصبح الناس عبيدآ وفق المنظور الحديث للعبودية، لدى أصحاب هذه الشركات، وبالنهاية تدمير البيئة

والقيم الإنسانية.

 

“الحياة من منظوري الفكري، تنقسم إلى جزئين: جزء المادي وجزء روحي. وأتسأل: ما قيمة الحياة المادية، من دون جانبها الروحي؟ وما قيمة الحياة الروحية من دون جانبها المادي؟ في الحقيقة لا قيمة لهما على الإطلاق”.

 

مع تمنياتي بالسلامة للجميع.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular