قبل عقود ، قال المفكر الراحل احمد امين ان كل مانراه في الأمة من فساد وارتباك وفوضى وتدهور نشأ من عدم شعور الفرد بالواجب تجاه بلده.

لكن تعاقب الحكومات واختلافها اظهر حقيقة جديدة في السنوات الاخيرة تقول ان الفرد ليس المسؤول الاول عن الفساد ، بل ان انعدام السلطة هو الذي يحدث الفساد .

وفي السنوات الاخيرة ايضا ، اصبح الفساد سمة بارزة في العراق لدرجة بلوغه اعلى المستويات من بين الدول التي تعاني من الفساد بكل اشكاله ، فهل سيتمكن من مكافحة الفساد وتعزيز مبدأ النزاهة الوطنية وماهي السبل الكفيلة بتحقيق ذلك ؟..

يعرف الباحث والاعلامي الدكتور قاسم بلشان التميمي الفساد بانه اي عمل او اجراء يقوم به شخص ويترتب عليه ضرر يصيب المجتمع ، لانه يسبب انتشار الفقر والجهل في المجتمعات ، مشيرا الى :” ان للفساد انواعا عديدة من ابرزها الفساد السياسي ويتمثل في اساءة استخدام السلطة من قبل النخب الحاكمة ، وهنالك الفساد الامني والاجتماعي والاداري الذي يتمثل في تحقيق منافع ذاتية بطرق غير شرعية ، فضلا عن الفساد الاخلاقي المتمثل في انحلال القيم والمبادئ ، والفساد الاقتصادي الذي يؤدي الى ضعف الاسستثمار وتسرب الاموال الى خارج البلد ومايتبع ذلك من قلة فرص العمل وزيادة البطالة والفقر . اما اهم مظاهر الفساد ، حسب التميمي ، فهي الرشوة والمحسوبية والمحاباة والواسطة ونهب المال العام والابتزاز وغسيل الاموال ..

اما الباحث في الشأن العراقي الدكتور حيدر سلمان فيرى ان عملية الفساد في العراق تراكمية ، وان اغلب المسؤولين يحاولون تبرئة ساحتهم محاولين العودة مجددا للسلطة ، لكن هنالك تفاوت في مستوى الاداء بالتأكيد ، وهنالك صحوة لدى المواطن الذي مارس التظاهر لكشف الفساد وعمل ايضا على مقاطعة الانتخابات في الدورة السابقة ليعبر عن رفضه لما تفعله الطبقة السياسية..

من جهته ، يرى الكاتب والاعلامي مازن صاحب انه يجب الفصل بين حواضن الفساد واللجان الاقتصادية في الاحزاب ، وبين مؤسسات الدولة ، لان مهمة الدولة هي تجفيف منابع الفساد ، وتداخل الالوان جعل الدولة ترعى مفاسد اللجان الاقتصادية ، وهنا تكمن الازدواجية في عدم وضوح الرؤية للشعب ، لذا يجري الحديث عن فساد ومؤسسات الدولة ، بينما الحقيقة الواضحة والراسخة هي فساد النخب السياسية في الاغلب ، مؤكدا :” ان الحلول تكمن في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي التزم بها العراق دوليا في قانون شرعه مجلس النواب العراقي لكنها لم تدخل حيز التنفيذ “.

ويعتبر سعيد ياسين موسى ، الخبير في مجال ادارة الحكم ومكافحة الفساد:” ان غياب الارادة السياسية يؤدي الى زيادة الفساد فضلا عن حماية المفسدين والتسامح مع الفساد وبالتالي الافلات من العقاب “، مشيرا الى :” ان اغلب المجتمع لايتمتع بالوعي الذي يجعله يدرك ان المال العام يعود له وان عليه ان يحافظ عليه ، كما ان على الدولة ان يكون لها اكثر من جهاز لتنفيذ القانون وبسط العدالة مع وجود سلطة قضائية رادعة واشاعة ثقافة النزاهة وتعزيزها في المناهج التربوية وخلق مزاج مجتمعي مناهض للفساد ، فضلا عن الحاجة الى التعاون مع المنظمات الدولية لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة ..

ويرى الخبير القانوني والمحلل السياسي فيصل ريكان :” ان الحل الامثل للقضاء على الفساد في العراق هو العمل بالحكومه الالكترونية التي ترتبط بها جميع دوائر ومؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية وتجري من خلالها كافة المراسلات وتنجز من خلالها كافة المعاملات ، وكل مواطن ستكون لديه صفحه ضمن هذه الحكومة الالكترونية ، وتلقائيا ستؤشر فيها كل التصرفات والمعاملات والتغييرات التي تطرأ على المواطن .. وباستخدام الحكومة الالكترونية سيصبح كل شيء شفافا ومرئيا للجميع . وقد يتم القضاء على الفساد بنسبة تتجاوز ٩٠ بالمائة وسيتم القضاء على حالات التزوير اذا ما اريد لهذه الخطوه النجاح ، داعيا الحكومة الى تبني هذا الموضوع اذا اريد للبلد ان يتجاوز محنته ، علما ان الكثير من الدول تبنت هذا الاسلوب ونجح نجاحا باهرا.

واذا كان الاصلاح مستحيلا في ظل وجود السلاح المنفلت والمجاميع المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة .. فان دولة الفساد العميقة التي بنتها احزاب السلطة الفاسدة خلال السبعة عشر عاما المنصرمة , هي الاخرى تشكلّ عائقا جدّيا امام اي اصلاح سياسي ، كما يرى الكاتب اياد السماوي ، ومعركة انهاء وجود دولة الفساد العميقة , لا تقلّ اهمية عن معركة حصر السلاح بيد الدولة وانهاء الوجود المسلّح غير الخاضع لسلطة الدولة .. فدولة الفساد العميقة والسلاح المنفلت هما الحجر الأساس لفساد النظام السياسي القائم.

واكد السماوي :” ان الحديث عن اي اصلاح سياسي او اقتصادي لن يأخذ طريقه الى التنفيذ ما لم يتمّ انهاء دولة الفساد العميقة واعادة بناء مؤسسات الدولة وفق مبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب الذي كان معمولا به في العراق الملكي وشطر من العراق الجمهوري وكلّ بلدان العالم المتقدّم ..

من جهته ، يرى الخبير الستراتيجي الدكتور هاتف الركابي :” ان المشكلة لاتكمن في التشريعات ، بالنسبة لدول الفساد ، بل في الذمم . فكل فاسد كبير يستمد قوته وفساده من مفت فاسد يبرر له فساده ورئيس وزراء ضعيف يسكت عن فساده وبرلمان عاجز عن مراقبة فساده وقاض يقضي بعدالة فساده وميليشيا وعصابات تحمي فساده وخطيب يصد الناس عن فساده وجيش من المصفقين والمرتزقة تهتف لفساده ، واخيرا ، شعب جاهل ساكت عن فساده …

ويعود الدكتور قاسم بلشان التميمي الى الحديث عن الوسيلة الافضل لمحاربة الفساد وهي ان تكون هنالك خطة ستراتيجية شاملة لاعادة العدل بمختلف صوره في المجتمع وانهاء الظلم واشكال الاستغلال في كل المجتمعات من خلال ربط المسؤولية بالمحاسبة والعقاب.