السبت, مايو 4, 2024
Homeاراءمرور (105) عام على إبادة قبيلة باسان الإيزيدية (14-5-1916) :داود مراد ختاري

مرور (105) عام على إبادة قبيلة باسان الإيزيدية (14-5-1916) :داود مراد ختاري

 

 

داود مراد ختاري/ باحث في مركز دراسات الجينوسايد/ جامعة دهوك

المقدمة :

للايزيدية تاريخ حافل بالظلم والمجازر وحملات الإبادة عبر تاريخه الممتد الى أعماق الاف السنين، لقد كنا مصدر طموح الاقوام المتأخمة على حدودنا ومن يتعايشون معنا نتيجة خصوبة الأرض والأجواء المعتدلة في كافة فصول السنة، لذا كنا في صراع وحروب مستمرة مع الأعداء والطامعين، لقد تعرضوا الى مئات الجينوسايد، بالرغم من قوة العدو عدداً وعدة كانت هناك مقاومة باسلة من قبل ابطال الايزيدية من اجل الحفاظ على جغرافيتهم وديانتهم وكينونتهم، نتيجة هذه المثابرة العالية وقابليتهم على الدافع وصبرهم على تحمل المسؤولية التاريخية  .

جاءت اكثر الفرمانات في العهد العثماني وقبلها في العهود الإسلامية وخاصة العباسيين واستمرت هذه الحملات العنجهية الى هذا القرن مع استمرار ه الى هذا القرن، وجرت التنكيل بهم وتهجيرهم وقتلهم بالابادات الجماعية وانهاء وجودهم وتغيير جغرافيتهم بشتى الطرق الممكنة والمخالفة للاعراف والقوانين الدولية .

جميع الابادات متشابهة بعضها بالاخر من حيث القتل الجماعي، السبي وبيع السبايا والأطفال في سوق النخاسة، هدم المدن والقرى، هدر الاقتصاد والثروات، التهجير القسري، تغيير الدين عنوة .

القبيلة تقطن تركيا في مناطق (سيرت) شرقاً، لكن نتيجة حملات الابادة قتل العديد من ابناءها وتقلص جغرافيتهم شيئاً فشيئاً الا أنهم تعرضوا الى ابشع عملية إبادة حقيقية في يوم 14-5-1916 من قبل الدولة العثمانية الظالمة، ولم ينجوا منهم الا (30) فرداً فقط ولحين الوصول الى المنطقة الآمنة مات (5) منهم من الجوع والعطش وبقى (25) شخصا من كلا الجنسين، يقال ان عدد الشهداء 380  

وقد عرفت هذه الحملة بربط الجدائل بين النساء والفتيات ورمي انفسهن في النهر حفاظاً على عفافتهن..

 

أصل الباسيين :

 

كانت باسيان قبيلة مغامرة يصل عدد أبنائها إلى حوالي ألف أسرة في سنة 1353م هاجر جميع أبنائها بقيادة زعيمها شهرزور إلى بايزيد و كانوا يعتنقون الديانة الإيزيدية، ويذكر ابو الفداء في كتابه (المختصر في اخبار البشر) : قبيلة من بلاد شهرزور كانت معروفة في القرن الرابعللهجرة/ العاشر الميلادي وتختفي اخبارها في القرون اللاحقة وذكر المسعودي بالبارسان ، اما معاصره الرحالة مسمر بن مهلهل الذي زار شهرزور في حدود عام 341 للهجرة / 952 ميلادي فقال في كتابه (السلوك 4/417، 419) بالباسيان تنحدر أصول الباسيان من منطقة بازيان الواقعة ما بين كركوك وسليمانية، اضطروا إلى الهجرة  منها إلى منطقة شهرزور من جراء حملات الإبادة والاضطهاد التي شُنَّتْ ضدهم من قبل العرب، كانت ثلاث قبائل رئيسية تقطن في شهرزور، لكن قبيلة باسيان كانت أكثرها عدداً بمن ينتمون إليها و يرأسهم (شهروز)،  ومع مرور السنين هاجرت القبيلة إلى منطقة فارقين واستطاعت أن تؤسس إمارة باسم (فارقين) اتخذت ( قولب)عاصمة لها ويرأسها (علي الباسي) ، تتكون الإمارة  من أربعين عشيرة يدين أبناؤها الديانة الإيزيدية، وعندما سقطت الإمارة هاجر معظم أبناء العشائر الإيزيدية المنضوية تحت رايتها إلى منطقة (كلس) وبقي بعضها الآخر تحت اسم الباسيين، و توزع جلهم  بين بقية العشائر الإيزيدية هناك حيث اندمجوا معهم و انصهروا بهم

ذكرت الدكتورة (Xanna omerxala)  أن الباسيون كانوا يقطنون حول سيرت واروحا، ولهم قرى داخل ولاية سيرت في إقليم قضاء ارووحا وجبال (كفرىَ) إلى نهر سهل بؤتان .

وذكر الدكتور عسكر بويك  أنه كانت هنالك (801) قرية للإيزيدية في تركيا وقرى مشتركة بين الأرمن و الإيزيدية وكذلك بين الكورد المسلمين والإيزيدية  حتى عام  1920م،  حيث وبسبب حملات الإبادة والملاحقة لم تُبق سوى القليل من القرى الآهلة بأهلها ممن نجت أرواحهم من مقصلة الحروب والهجمات ، هذا بالإضافة إلى رحيل وهجرة الكثيرين من بيوتهم بعد سقوط  الكثير من الضحايا والأبرياء.

بينما يذكر الكاتب كمال تولأن في كتابه (هه بون ونه بوونا ئيَزديان) كانت هناك العديد من قرى الباسان في الجزيرة (باسا الإيزيدية وباسا سلؤ فرحؤ ، بوتارا )، وذلك قبل حملة الإبادة التي تمت في 14-5-1916 ، التي راح ضحيتها 400 شهيد، وأضاف تولأن:  أنه أيضاً كانت هناك قرى لهم في قضاء (دهى) التابعة لولاية سيرت من جبال كفر إلى نهر إمارة بوتان، وقد انتقل أجدادهم  من منطقة إمارة خالتا –نقيبا- إلى بوتان و قسم منهم أصبح  دخيلاً عند الخالتية  .

 

الموقع الجغرافي :

 

تقع قرية زفنكا باسا في سيرتى، بالقرب جبل كفر جنوباً، في سهل بوتان . يحدها من جهة  الشرق (ديوك، عينك وجَلتوك) ومن الغرب (فالا – سؤسكى – تانزى وسورك)، ومن الشمال  ((شمال قرية زفنكا باسا يقع جبل  اومر داغي  ومزار شيخ عمر مراد وله مناسبة (تواف) وخلفه هناك منحدر باسم كفر، طريق جبلي واحد تسمى (قرزىَ) تتسع بشخص واحد للعبور ومن آثار القرية (حنيركا باسيا) وخمسة عيون للماء (كوفل- زينى – بركا باسا- البلافا – بركة المدور (مالا) وبركة بَستا بالقرب من العين لقلة المياه في العين وعين كوفل  … 

تقع على نهر بوتان  في محافظة سيرت / قضاء دهى / ناحية عيتى، ومن طرف خالتا جاؤوا إلى عائلة زورو، تحت تأثير عوامل خاصة تركوا ديارهم و لجؤوا إلى منطقة (سيرت)، حيث استجاروا بعائلة (محمد آغا رسول)  وكانوا ثلاث عوائل ، وكان  لمحمد آغا قرى عديدة ، فأسكنهم في قرية (زفيك) هذه القرية التي تحتوي في طبيعتها العديد من المغارات،  وهناك مكثوا طويلاً حيث حظوا بالأمان واستقرار العيش وزرعوا الأرض القريبة منهم. حتى ازداد عدد العوائل تدريجياً . 

كان (سلو محو) يقود قبيلة الباسيان قبل أسلفرمان وتعدادهم (150) عائلة

في سنة 2000 تعداد الباسان  680  في العراق و100 في تركيا أما سنة  2016 حوالي الف فرد .

 

مشكلة المسيحيين الأرمن .

 

يعيش (60) ألف مسيحي في قضاء سيرت منهم (25)ألف أرمني – (20) ألف يعقوبي (15) ألف من الأقوام الأخرى الآثورية والكلدانية، وفي داخل المدينة سكانها (7442) نسمة ومنهم (4200) مسيحي، وفي القضاء (20) ألف إيزيدي، يسكن المسيحيون في (36) قرية  حيث تم تشييد كنيستين في القضاء، بالإضافة إلى  كنائس القرى، لكن الكرد المسلمين كانوا مرتزقة للقوات العثمانية وكانت التجاوزات عليهم من قبل جندرمة الترك والعشائر الكردية المسلمة ، إلا أن  المطران آدي شير كان يسعى جاهداً لأن  يتصرف بحكمة و يحول دون إراقة الدماء.

يقول صديق الباسي/  وهو من مواليد 1963:  شن حلمي بك والي سيرت عملية مجزرة بحق الأبرياء غير المسلمين في سيرت في سنة 1914، والمرتزقة يهاجمون سيرت من أجل النهب .

 كان المطران آدي شير الدومنكاني من مواليد الموصل، معنياً بولاية سيرت آنذاك، وقد أهدى الوالي حلمي بك (500) قطعة ذهبية للحفاظ على المسيحيين وممتلكاتهم في الولاية،  كان قد جمعها من أهالي المسيحيين في القضاء .

أصدر حلمي بك والي سيرت  أمراً بإعفاء عبد الرزاق رئيس البلدية من منصبه، كان صديقاً للمسيحيين وأنقذ الأرمن لغاية أيار  1915 .

أما فهو جوزت بك فقد قاد عملية حزيران  1915 من ديار بكر إلى سيرت وقام  بمحاصرتها لمدة شهر، كان مجرماً طلب من آدي شير فدية قدرها (500) قطعة ذهبية،  وكان المطران قد أكد له بأنه قد سلم كل ما كان يمتلكه إلى الوالي حلمي بك، لكنه لم يتقبل كلامه ولم يقتنع  و نهره قائلاً :

  • قلت لك أريد منك فدية للجيش كي نحميكم، ما سلمته إلى الوالي لا علاقة لي به .

وأجبر آدي شير على أن  يتصل بعثمان العمر الذي كانت تربطه صلة صداقة . 

هاجم جوزت بك القرى الأرمنية في وادي القصابين في سيرتى وقتل فيها (742) فرداً أرمنياً في يوم واحد وبعدها بشهر قتل في الوادي نفسه (4032) أرمني، و احتلت العشائر الكردية في هذه المنطقة كافة القرى الأرمنية وصادرت ممتلكاتها وسبت نساءها و وقتلت وشردت الأطفال وهدمت الكنائس وقتلت الرهبان.

 

تقدم قوات العثمانيين والمرتزقة نحو الباسيين :

مشكلة المطران آدي شير :

 

   داهمت قوة من الجندرمة التركية موقع تواجد آدي شير في كهوف (زيواج) في الجبل، وقد جاءت هذه القوة عبر القرى ( قلعة التل – هه ر كولى – شةر كول   – سه ر بنتكا – سه ر بنا – ديرى –  ديوكى ) دافع عنه شمو مسطو الإيزيدي إلى حين استشهاده ،  ألقي القبض عليه  وكان (آدي شير) قد تنكر بملابس كردية فجلبوه إلى قرية العينة، لكن بعدها علم أنه لا مفر منهم فاعترف وطلب منهم أن يلبس الصليب ويقيم الصلاة، وبعدها تم نحره بالساطور وأرسل رأسه إلى والي سيرت، لكن السيد صديق باسي يقول: بعد مقتل حمايته الإيزيدي (شمو مسطو) ألقي القبض على المطران وهو متنكر بالزي الكردي (شال وشبك)، وبعدها اعترف فأخذوه إلى قرية زيوة وطلب منهم أن يلبس  ملابسه الدينية وصليبه وبعدها أعدم من قبل عشرة أشخاص، ونُزع منه (المحبس الذهبي) وقطع رأسه وأرسل إلى والي سيرت وقائد الجيش هناك .

 بعد مقتل آدي شير حاول المسيحيون العبور سراً إلى سوريا ، استطاع سمو بابير إنقاذ مجموعة كبيرة منهم على سبع مراحل و سار بهم  إلى بر الأمان حيث وجد منطقة آمنة في سوريا.

 

وقبل الإبادة بشهر أو أكثر رحلت ثلاث عوائل من الباسيين (حسو باسي، حسين مسطو – عمو) مع عائلة شيخهم (شيخ علي – من شيوخ آمادين) إلى قرى الخالتية (دوشايى)  لأن عمته كانت متزوجة من (بركات مامند) أدركوا أن مصيبة ما ستحدث للباسيين .

جاءت قوة عثمانية والألوية الحميدية بعد ثلاثة أشهر بقيادة والي سيرت للهجوم على العوائل الأرمنية في قرية باسا وهنا ناشدوا أوصمان باشا لكنه لم يكن بمقدوره تحدي قوات والي سيرت والألوية الحميدية فتخلى عنهم وأصبحوا صيداً سهلاً وفريسة سائغة  أمام الجيش العثماني، حاول الأرمنيون الاستسلام وطالبوه بعدم إيذائهم و قتلهم .

  • قال عمو قاسو : يا أوصمان آغا لنحارب الجيش العثماني والمرتزقة ها هم قادمون إلينا؟ باستطاعتنا دحر قوتهم نحن نمتلك البنادق كما يمتلكونها ، لكنهم مرتزقة مُسيَّرة لأجل المال والجنس ونحن ندافع عن الشرف، والله لن يستطيعوا أن يأخذوا شبراً من أرضٍ.  
  • أوصمان آغا : علينا تجنب القتال مع رجال الدولة .  
  • لكن هؤلاء قادمون لمحاربتنا فكيف لا نحاربهم ؟
  • سنخسر في حالة محاربتهم .
  •  سيبيدوننا في حالة استسلامنا !.
  • لقد حاربت الدولة العثمانية سابقاً وتم إعفائي وفي حالة تكراري لعدائهم سينالون مني ومن قومي .
  • ألم تعلم أنه في حال جمعت سبع قرى مسيحية في هذه المنطقة وأتيتَ بالمطران، ستكون النتيجة محاربتكم من قبل الدولة العثمانية ؟
  • قلت لربما لفترة تنتهي مشكلة الإبادة ويتم الصلح أو إيجاد وسيلة لنقلهم إلى منطقة أخرى آمنة فيتجنبوا عمليات القتل والغدر .
  • (بعصبية) رمى عمو قاسو سلاحه أرضاً وقال : لقد هدمت بيوت الباسيين ستتم إبادتنا لا محال .
  • أوصمان آغا: على أهالي الباسان إنقاذ أنفسهم

 

خروج الباسيين من القرية :

 

أدرك عمر قاسو الباسكي المصيبة حينما تخلى أوصمان باشا عن رعيته المسيحية، طلب من أهل قرية باسان الإيزيدية ترك القرية والتوجه إلى البساتين (خارج القرية) في (بانى جإلى) . 

كانت قبيلة الباسان على علاقة حميمة مع عشيرة المشارية سابقاً، لكن نتيجة خلاف بسيط في تلك الآونة تغيرت الأمور بينهما و تضاءلت العلاقات، توجه أبناء القرية إليهم أيضاً.

طلبنا منهم البقاء في ضاحية القرية في تلك الليلة إلى حين الفجر. 

قال عمر قاسو : عندما رأينا شخصين متجهين نحونا، حذرتُ الرجال وطلبت منهم الاختباء بين الأشجار والتهيؤ لأية حالة طارئة لا سمح الله  .

عند مجيئهم قال الرجلان للعوائل : جئنا نبلغكم رسالة رئيس عشيرتنا عمر المشاري (حالياً في السجن)، فقد أكد لابنيه (رسول آغا وعكيد آغا)  ضرورة توفيرهما لقبيلة الباسان في احدى قرانا وحمايتهم والمحافظة عليهم، هذا ما أبلغنا به.

بعد التشاور بين أبناء الباسان، توصلوا إلى نتيجة أن هذه القرى لا تستطيع المحافظة علينا من الجيش العثماني والمرتزقة و لا سيما أن العديد من هذه العشيرة كانوا مرتزقة أيضاً، وكان الإيزيديون مع أوصمان باشا المعادي لعمر المشاري .

شكر الأهالي موقف عمر المشاري، وتوجهوا فجراً نحو معبد لالش .

تم حرق القرية من قبل الجيش فلم يستطع الأهالي العودة إليها، وتوجهوا إلى منطقة أخرى حاملين سلاحهم يوم 15-5-1916، وحينما وصلت القافلة الهاربة إلى (فندكى) قالت غريبة:

  • لا تخافوا لقد وصلنا إلى قرية ابني – فندي – وأصبحنا في أمان .

لكن اعترضتهم قوة عثمانية عند عبورهم قرية (فندك) منطقة سلوبيا جردتهم من المال والأسلحة بحجة عدم جواز حيازة السلاح إلا لدى العساكر ، في البداية حاولوا قتلهم جميعاً لكن عندما تأكدوا من أجسامهم بأنهم قد ختنوا وتبين فعلاً أنهم إيزيدية .

وصلوا على دفعتين الكبار والنسوة في السهل والرجال والشباب ناحية الجبل وتوجهوا نحو قرى العشائر الرحالة ( موسى رش – باتوا- عمر دلا – ميران) 

 

حدوث المجزرة :

 

     في اليوم الثاني 16-5-1916 و عند شروق الشمس، كان رجال القرى في فندك والقرى المجاوره قد تشاوروا فيما بينهم لكون هؤلاء الإيزيديون محسوبين على (أوصمان عمر) وهو منافسهم لغرض الانتقام منهم، هنا توجه إليهم قوة كبيرة بقيادة أحمد شاهين/ رئيس عشيرة الميران – قد ترعرع لدى الإيزيدية- وفندي قولي محمدي رئيس عشيرة باتوا كان من قادة ألوية الحميدية، عندما أدركوا أن الإيزيدية مجردون من الأسلحة، نصبوا لهم كميناً على نهر هيزل ، طوقوهم وكان عددهم (580) فرداً، وقالوا لهم :

  • أنتم محسوبون على أوصمان عمر وهو قاتل ابراهيم باشا لذا ستكونون ضحية لأعمال هذا الشخص .
  • نحن الإيزيدية ما علاقتنا بثأركم العشائري، أم أنكم تلتمسون الحجج والمبررات لإبادتنا ؟.
  • إذاً عليكم اعتناق الإسلام وإلا ستواجهون الموت ؟

جاء فندي كول محمد فتوجهت إليه غريبة – أمه بالرضاعة- لكنه رفض أن تقبله 

غريبة : يا بني  لقد أرضعتك من صدري إلى حين كبرت ولولاي لما كنت حياً !.

فندي : لا تتحدثي عن الماضي لقد ولى ذاك الزمن 

غريبة : واآسفاه يا بني ! حينما وصلنا إلى مشارف قريتكم قلت للرجال لقد وصلنا إلى منطقة آمنة رئيسها ابني بالرضاعة، كنت أرضعك من صدري مع ابنتي (كلي) .

فندي:  سوف آخذ – كلي – كسبية لي 

غريبة : كيف ترضى نفسُك أن تأخذ أختك بالرضاعة سبيةً لك.

فندي : أنتم أهل الكفر والضلالة .

غريبة: وآسفاه على الزمن والعقول المتحجرة.

فندي : أنتم أعداؤنا 

غريبة: هل قاتلك أحد منا؟ كي تُسبى نساؤنا !

غضبت غريبة وصدمت بما سمعته منه وما يشعل خيبة مريرة في داخلها عندما سمعت حديثه وتقبله لأن يأخذ أخته بالرضاعة سبية له، فرمته مع رجاله بالحجارة وعلى أثر ذلك أصاب أحد رجاله ويقال توفي على أثرها.

 ضرب فندي والدته بالرضاعة بالمدية –الخنجر – على بطنها وكانت حامل فقتل الجنين في الحال ووقعت هي على الأرض وماتت، هنا بادرت سيدة أخرى اسمها (غريبة مراد) مع بناتها (كلي – تركو – فاتو(  بنات مهمد محو – وهو شقيق سلو محو رئيس القبيلة ) إلى القفز  في النهر انتحاراً بعد أن ربطن جدائلهن بعضها ببعض .

 رفض الجميع ترك ديانتهم .

تعالت أصوات التكبير … الله أكبر …. الله أكبر .، قاموا بقتلهم جميعاً و سقط  (27) شخصاً من الجرحى  وجثثٌ توزعت بين ( 19 رجل 6 نساء 3 أطفال). 

كانت النسوة تضعن أطفالهن على رؤوسهن وتسرن في النهر كيلا يرين موت أطفالهن بعد موتهم، و أطفالهم الأبرياء، فلذات قلوبهن التي تحيا أرواحهن بهم وليس هنالك ما هو أغلى منهم لديهن .. 

كانت تقول ريحان : حينما أرى شخصاً ما (يطبطب) على عجينة الخبز أتذكر هؤلاء الأطفال الذين كانوا يقعون  من على رؤوس أمهاتهم بعد غرق الأم في النهر، يتخبطون بأياديهم في مياه النهر قبل غرقهم، منظر لا يرحل عن مخيلتي ..

كانت هناك مجموعة من النساء والفتيات ربطن جدائلهن وقفزن إلى نهر الهيزل، تم العثور على جثث سبع فتيات منهن في نهر دجلة في الجهة المقابلة من قرية جكانة، وتم دفنهن في مقبرة معروفة ولكن نتيجة بناء سد الموصل  غمرت مياهه المقبرة.

حسب قول سمو بابير: كنت في طريق العودة من شيخان رأيت ابني وإحدى بناتي قد نجيا من المذبحة أيضاً، لكن العدو لم يرحم البقية و أخذ مجموعة كبيرة من الفتيات والأطفال .

عندما وصل الناجون إلى قرية (كور آفا – ساكنيها من عشيرة الكوجر ) في منطقة زوما عشيرة الهويرية، طلب منهم مبلغ (30) روبية لضمان عبورهم والحفاظ  على سلامتهم ، بحثوا عن المال، فوجدوه في ملابس هذه الطفلة الرضيعة (قتي – جدة – جدة السيد نجيب جوقي) التي كانت معهم وتبين أن والدتها كانت قد وضعت أموال العائلة في ثيابها ، وتم تسليمهم المبلغ المذكور .

توجه الناجون من المذبحة إلى القرى الهويرية واستقبلهم هسن الهويري وشيوخهم (شيخ نعمو) وأوصلهم إلى مقر إمارة الإيزيدية في باعذرة، بعد سبع سنوات في باعذرة كنا نخدم العائلة الأميرية

بعد ثلاثة أشهر عندما أراد هؤلاء الأشخاص الذين عددهم (18) الرحيل من قرية (كفرزى)  سمح لهم مسطو أحمد الرميني بالتوجه نحو القرى الإيزيدية في منطقة لالش لكن عندما علم عمه سعيد بك أحمد الرميني –الرماني- اتهمه بالخيانة، وبعث رجاله لمقاتلة هؤلاء الإيزيدية غير المسلحين وتم قتلهم جميعاً في منطقة (سلوبي) كان شيخ علي من شيوخ آمادين يحمل خنجراً في خاصرته،و استطاع  استطاع أن يصيب ثلاثة منهم، لكنه استشهد أيضاً.

عندما علم مسطو أحمد أمين بذلك، طلب من عمه سعيد أن يذهبا إلى الصيد في البراري، ولما ترافقا سوية وصلا إلى تلك المنطقة التي حدثت فيها مجزرة الإيزيدية، وهنا ناشد مسطو عمه قائلاً : 

  • أنا من أذنت لهؤلاء الإيزيدية المساكين الذين نجوا من قرية كاملة بالتوجه إلى قرى لالش عند أقربائهم، ولكنك أرسلت رجالك وتم قتلهم جميعاً دون ذنب، و بعد مشاحنة كلامية قتل عمه على تراب المجزرة .

وهناك أغنية عن مقتل سعيد بيد ابن أخيه يغنيها الكثير من المغنين ومنهم المغني خليل.

     بعد أن توجه الناجون نحو بيت الإمارة في باعذرة، سمو بابير وجماعته أرادوا أن يستقروا في قرية إيزيدية بدلاً من باعدرة، هنا بادر (مام سلو – رئيس عشيرة القائدية) بإيوائهم في قراهم واستقرت مجموعة  في قرية شيخدري القريبة من قرية سينا مقر رئيس العشيرة، وكان رئيس العشيرة سمو بابير قد رحل إلى موطنه في تركيا مع آخرين .

في نهاية العشرينات رحل قسم من رجال الباسان إلى قرية جلعان (كر عين) بالقرب من صولاغ شرق مركز قضاء شنكال بمسافة 11 كم، عادوا بعد فترة ، في سنة 1939 رحلوا إلى (كلى به درى – قلعة بدرية) كانت قرية البكوات ، وأما الذين كانوا في شنكال فقد عادوا إلى أقربائهم في قرية كلبدري، وتم شراء القرية وأرضها من المالك – البك الإقطاعي –  سنة 1970.

كان أبناء قبيلة القائيدية يكنون احتراماً لهؤلاء الناجين من تلك المجزرة الرهيبة ومدوا يد العون لهم.

 

عودة المختطفات :

 

        أراد سمو بابير الأخذ بثأر الشهداء وإنقاذ المختطفات، فتوجه إلى معبد لالش النوراني للقاء سماحة بابا شيخ (شيخ علي إبراهيم اوصمان) والأمير سعيد بك بن علي بك، مطالباً إياهم بقبول عودة المختطفات والمختطفين. 

قال سعيد بك بن علي بك : بما أنهم مختطفون لابد من عودتهم إلى مجتمعهم إن أرادوا ذلك ولكن يجب أخذ موافقة بابا شيخ فهو الأب الروحي للديانة .

سمو بابير : شكراً سيادة الأمير سأذهب حالاً إلى مجلس الأب الروحي للحصول على موافقته أيضاً .

ذهب سمو إلى المجلس في المعبد وانحنى بقامته إلى بابا شيخ وركع أمامه وقَبَل يديه، وطلب منه الموافقة على طلبه .

بابا شيخ : خيراً إن شاء الله !! من أنت يا بني ؟

سمو : جئت متقدماً بطلبٍ من سماحتكم 

بابا شيخ : إذ كان الأمر مستحقاً سنوافق على طلبك حتماً 

سمو : كما تعلم سماحتكم أننا تعرضنا في قبيلة الباسان إلى أبشع هجوم من قبل أعداء الإنسانية ولم يبقً منا إلا القليل من الأفراد ، ولكن هنالك بعض الفتيات المختطفات والأطفال أيضاً سنحاول جاهدين إعادتهم  إلى أحضان القبيلة و الإيزيدياتي، ونود موافقتك في هذا الأمر.

بابا شيخ : هل تستطيعون إنقاذهن من براثن الأعداء ؟

سمو : هذا الأمر متروك لنا، سنبذل جهودنا للحصول على المعلومات عن أماكن تواجدهن في القرى ومن ثم سنحاول بشتى الطرق الممكنة إنقاذهن .

بابا شيخ : بالتأكيد سأوافق على عودة الإيزيديين إلى  أرضهم وديانتهم في حال كانوا قد دخلوا ديانة أخرى مجبرين تحت الضغوط أو التهديد .

سمو : نشكر سماحتكم على الموافقة .

قبل الخروج من المعبد ، شكر الرب لحصوله على الموافقة، وانحنى مرة أخرى لقدسية المعبد، توجه إلى فرسه فامتطاها وعاد مسرعاً إلى أقربائه ليبشرهم بحصوله على موافقة إعادة المختطفات والأطفال إلى الديانة الإيزيدية.

فهو مهموم بما حصل لهم من حملة إبادة وفقدان قبيلة كاملة وبين الابتهاج لحصوله على موافقة عودة المختطفات، وشغل فكره بالعديد من المخططات حول كيفية الحصول على المعلومات الاستخباراتية ومن ثم كيفية عملية الإنقاذ .

عند العودة استقبله الأقرباء مستفسرين عن زيارته المباركة إلى معبد لالش النوراني 

سمو : عند وصولي إلى المعبد، طلبت من الرب أن يحافظ على المتبقين من أهالينا، وحصلت الموافقة على عودة المختطفات .

أهالي القرية: نشكر مجلس المحفل على هذه الالتفاتة المباركة إلينا 

سمو : علينا الآن أن نخطط وبذكاء من أجل الإنقاذ دون خسائر بشرية .

توجه سمو إلى القرى المسلمة متنكراً، وفي إحدى القرى رأى طفلتين مختطفتين من الإيزيدية (باران – والثانية ريحان التي توفيت عام 1984) عند رجلٍ صوفي، تشاجر معه واستطاع نزع سلاحه الشخصي، وبعدها استسلم الصوفي وقال له :

  •  أرجوك ألا تقتلني وخذ مني ما تريد.
  • لن أقتلك ولكن لو أعلمتَ  أحداً بي سآتيك  يوماً ما وأقتلك أينما كنت. 
  • أقسم بمقدساتي سأحافظ على كتمان السر إلى الأبد .
  • أريد منك ملابسك وحصانين أحمل على أحدهما الطفلتين والثاني أمتطيه ، وسأترك لك حماري.
  • خذ الحصانين ولدي أيضاً ملابس احتياطية  لعملي الصوفي، ولكني مازلت خائفاً على حياتي .
  • أعاهد الله لن أمسك بأذى، شريطة ألا تُعلم  أحداً يي  

جلب سمو الطفلتين إلى أهلهما وقد استقبلهم الأهالي بالزغاريد والمسرة ، 

ذات يوم و بينما هو يبحث عن المختطفات متنكراً بالملابس الصوفية، دخل داراً بعد أن جاع، جلب له صاحبه كأساً من اللبن الخاثر (ماء اللبن)، لكن أحد أبناء القرية أدرك أنه رجل متنكر، قال لرجال القرية :

  • والله إني أشك بهذا الرجل فهو يلتفت يميناً ويساراً وبعد أن جمع عليه رجال القرية عرفوا أنه (سمو بابير) ويخطط للثأر، وإنقاذ المختطفات، قائلين له : 
  • هذه الوجبة الأخيرة من الطعام ستتناولها، فلن نقتلك إلا بعد الانتهاء منه.
  • سمو : لقد جلبتم لي رغيف خبز واحد، أرجو أن تجلبوا رغيفاً آخر، كي أشبع ومن ثم قرروا مصيري .

بعد تناول الرغيفين، اتفق رجال القرية على قتله بعيداً عن القرية وعلى الشاطىء كي تُرمى جثته في النهر .

قيدوه وجاء معه أربعة رجال مدججين بالأسلحة، وحينما اقترب من الشاطىء في منطقة الأدغال طلب منهم السماح له بقضاء الحاجة قبل أن يقتلوه، وبعد أن ابتعد عنهم عدة أمتار، قفز قفزات وهو مقيد، أطلقوا النار عليه لكن لعلو الأدغال لم يُصَب بطلقاتهم، وهنا كان يسمعهم وهم يتشاجرون فيما بينهم كيف سمحوا له بقضاء الحاجة، في اللحظات الأولى انسحب اثنان من الموقع مؤكدين لزملائهم أنهما كانا يودان أن يهرب سمو و ما كانا يودان قتله، أما الاثنان الآخران فقد بحثا عنه في الأدغال دون جدوى، بعدها تمكن من فك قيوده والعودة إلى أهله.

اشترى حماراً وحمله بعض الحاجات المنزلية والنسائية البسيطة وزار تلك القرى التي تأوي الفتيات المختطفات ولبس ملابس ذلك الصوفي … 

ينادي لوازم …وحاجيات وبأرخص الأثمان .

كان يبيع بسعر أقل من سعر الشراء، لذا تتجمع النساء حوله و يشترين جوائجهن منه، يصغي إلى الأسماء وإلى  أحاديثهن، حينها رأى شقيقته (مؤمنة) في قرية (مندكرا) طلب منها أن تحضر له لقمة طعام يتناوله في دارها، عندما دخل دارها نزع العمامة من رأسه،  عرفت مؤمنة أنه شقيقها (سمو)  منذ رأته متنكراً باللباس الصوفي.

تملكها شعور غريب من الخوف والفرح

وكاد يغمى عليها

  • لم غامرت يا أخي؟
  • إني أخاف عليك..

طلب منها أن تتهيأ للنجاة من هذه الحالة :

  • لقد جئت من أجلك .
  •  من الصعب أن تأخذني إلى الإيزيدية.
  • لماذا ؟
  • ها أنا قد ولدت بطفل من مسلم ومضى فترة على تواجدي في هذه الدار .
  • لكنه اختطفك رغماً عنك بعدما قتل كافة أفراد عائلتك وأهل القرية .
  • هل المجتمع الإيزيدي يقبل بعودتي إلى أحضانه، لأني ولدت طفلاً من رجل مسلم ؟
  • نعم … حصلت  على موافقة المراجع الدينية في لالش النوراني .
  • إنها خطوة مباركة من قبلهم .
  • كل إيزيدي يجبره الآخرون على التخلي عن دينه…. باستطاعته العودة إلى دينه .
  • ماذا أفعل بطفلي الرضيع .
  • سنأخذه معنا .
  • ماذا نستفيد منه … والده مسلم ؟
  • حينما نخرج … سيبكي في مهده طفلك  فوالده سيسأل عنكِ وسيشك في هروبك، فيتعقبنا .
  • اذاً ماذا أفعل …؟
  • سأخرج من الدار وأنتظرك خلف التل، احملي طفلك الرضيع، ضميه إلى صدرك وتعالي .

خرجت (مؤمنة) مع طفلها من ابن عمها الإيزيدي وهو في الثالث من عمره وطفلها الرضيع من الرجل المسلم وعندما وصلت إلى خلف التل عند شقيقها، سارا في الطريق ثم اختبأا في الوادي خوفاً من اللحاق بهم والقبض عليهم.

عندما عاد أحمد شاهين إلى الدار علم أن سبيته (مومنة) غير موجودة مع طفلها الرضيع، ذهب إلى الجيران يسأل عنها، هرع رجال القرية للبحث عنها بواسطة البغال والأحصنة .

قالت مومنة لأخيها سمو : إننا نراهم وهم يبحثون ويسيرون في الطريق ونحن في الوادي .

في الليل خرجنا واتجهنا نحو القرى الإيزيدية وفي الطريق توفي الطفل الرضيع، ومن ثم عبرنا النهر ووصل مستوى الماء إلى فمي لم يبقَ إلا أن أختنق وأغرق وابني فوق رأسي.

بعد مرور شهر، جاء أحمد شاهين إلى قرية (شيخدر) بمنطقة القائدية جنوب جبل دهوك، لوحده دون أن يعير أحداً أي اهتمام، ودون أن يحسب لأحد  حساباً ..

قال متحدياً : جئت لآخذ مومنة بعد أن هربت من الدار.

  • رجال القرية : لقد قتلتم رجال القرية كلهم وسبيتم النساء وارتكبتم مجزرة رهيبة بحق الإيزيدية.
  • أحمد شاهين : لقد تعاونتم مع أعدائنا الأرمن وتم ايواء سبع قرى أرمنية في قريتكم .
  • قمنا بعمل إنساني والأرمن أناس مسالمون ولم يكونوا أعداء لكم …( هل قتلوا فأراً من فئرانكم ؟)
  • أحمد شاهين : الأرمن يدينون بديانة المسيحية وهي ديانة الضلالة … فقتلهم حلال إن لم يعتنقوا الإسلام .
  • رجال القرية : هذا ليس مبرراً منكم ومن (فندي قولي محمدي) قيامكم بمجزرة ضد أهلنا .
  • أحمد شاهين : في البداية طلبنا منهم ترك الضلالة والدخول إلى عالم النور واعتناق ديانة الاسلام ، لكن جميعكم رفضتم حينها قررنا مع فندي محمدي قتل الرجال وسبي النساء .
  • يعني أنك تعترف بلسانك بأنك من قتل رجالنا.
  • لا يجوز للكفار أن يعيشوا في أرض فتحها الإسلام .
  • لكن الأرض أرضنا نعيش عليها قبل الإسلام بآلاف السنين .
  • نعلم ذلك، لكن تركيا دولة إسلامية فتحها المسلمون منذ زمن الخلفاء الراشدين، ولذلك تعتبر أرض الإسلام، ولا يجوز لبقية الأديان العيش فيها حتى يعتنقوا الإسلام.
  • ماذا تريد الآن ؟
  • جئت لآخذ  مومنة، وسأحاسب الذي أخذها من داري، كيف تجرأ على ذلك، ألم يعلم أنها زوجة أحمد شاهين ؟!

قرر رجال الباسيين قتله، لكن تلقوا اعتراضاً من بعض رجال قرية (شيخدر) خوفاً من عواقب وتبعات ذلك، لكن السيد (أ) قال لجميع أهل قريته: بما أنه جاء من تركيا متحدياً جميع  الإيزيدية فإننا سنسمح لأخوتنا الباسية بقتله ولتكن عواقبها !!

تم قتل أحمد شاهين خارج القرية .

عندما علم رجال عشيرته بمقتله، قالوا : لقد قلنا لأحمد أنك اقترفت جرماً بارتكابك المجزرة ضد الإيزيدية وسبيت نساءهم وأنت كنت قد ترعرعت على خيراتهم، وبما أن (مومنة) قد عادت إلى أهلها برضاها، فلا يجوز أن تذهب إلى دار أخيها في منطقة بعيدة … لذلك لم يخرج أحد من المنطقة معه، لكنه كان عنيداً وتحدى جميع الإيزيدية وكنا نعلم بأنه سيلقى مصرعه لا محال

وحول نجاة المختطفة (مومنة) بهمة شقيقها سمو بابير كتب السيد حسو هرمي :

لقد فكر السيد سمو بابير منذ الايام الاولى لوصوله مع مجموعة من الناجين بحدود 30 شخصا الى باعذرة في كيفية البحث عن اقاربه واهله وابلغ اولاد عمومته بالامر وعليه قرر ان يبذل كل ما في وسعه من اجل هذه المهمة الصعبة وكان لديه معرفة تامة بجغرافية وانثوغرافية الحياة لعشائر المناطق التي ارتكبت بحقهم الجريمة. 

كان سمو بابير رجلا اشقر الشعر، ازرق العينين، طويل القامه مفتول العضلات وفي ذات الوقت كان رجلا جسورا ومجازفا وبارعا في لعب دوره التمثيلي لشخصيات دينية ومجتمعية كصوفي زاهد يتنقل بين القرى ويدعو بالخير للناس وكثيرا ما كان يتنكر في شخصية العطّار حيث كان يجوب بحمارهِ القرى المسلمة بالمنطقة يحمل معه أواني الفخار والبلاستيك والحناء والبسة واقمشة نسائية وغيرها من الأشياء البسيطة على ظهر دابته ،فتشتري النساء ما يحتاجونه من لوازم منزلية وشخصية فهي فرصة لهن لقضاء أغراضهن كما كان يُدّون العطّار احتياجات النسوة لجلبها في السفرة التالية ، كل ما تحتاجه الأسرة وأدوات الزينة والستائر واحتياجات المطبخ والتنظيف حسب ما يتمكن من توفيرها وبهذا يوطد العلاقات ويعزز الثقة مع اهالي تلك القرى.

كان ينتحل مهنة العطار المتجول كون هذه المهنة توفر له الغطاء والفرصة في اللقاء بالاطفال وبنساء القرى و يتعامل مباشرة معهن على امل ان يعرف اخبار المختطفين والمختطفات والسبايا او يلتقي باحداههن وكان يعرفهم ويحاول بطريقته الوصول اليهن ومن ثم يقوم بانقاذ المختطفين والمختطفات دون ترك اي اثر خلفه .

استطاع سمو بابير خلال 13 سنة من البحث والتحري عن المختطفات في انقاذ مجموعة من السبايا وهن كل من( ريحان محمود ،حنا مراد ، مؤمن بابير، حبسىَ، عيشي مراد، خجي ليلا، هسبي ، عيشي جانكير، بيزار الياس وابنها الرضيع ، ريحان علو بالاضافة الى انقاذ ابنته عمرها ثلاث سنوات وابنه عمره سنة ونصف).

قدم سمو بابير الذي ولد في عام 1886 م حياته لقاء هذه المهمة المقدسة وضحى بأغلى ما يملك فداءً لاهله حيث استشهد في عام 1929 م وهو يحاول انقاذ ناجية إيزيدية ولاشك انه قد انتقم طوال هذه الفترة من بعض القاتلين لاهله .

مؤمن بابير أول ناجية إيزيدية في القرن العشرين

كانت مؤمن بابير امرأة إيزيدية تولد عام 1896، متزوجة من السيد ناصر ولديها ابن بأسم عبدو وعمره ثلاث سنوات واثناء جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكتبت ضد إيزيديي منطقة باسان، كان عمرها 20 سنة يوم اختطافها وقتل زوجها ومن ثم تم سبيها مع ابنها الطفل.

امرأة جميلة وذكية بقيت في السبي لبداية عام 1918 حين انقذها شقيقها سمو بابير الذي كان يكبرها بعشرة سنوات وجاء بها من قرية (مندكرا) الى معبد لالش المقدس وضمن مراسيم دينية تم سكب مياهاً على رأسها من عين الماء المقدّسة “كانيا سبي” (العين البيضاء) في معبد لالش، كي لا تشعر بالإحباط ولتصفو نفسها من خلال تعميدها بحضور ومباركة الباباشيخ ” شيخ علي ابراهيم اوصمان ” والذي قال “ان الاخت الفاضلة مؤمن بابير وجميع الناجين والناجيات اطهر من الطهارة ولا غبار على إيمانهم ومكانتهم في المجتمع محفوظة ” وهي دعوة واضحة لأبناء المجتمع الإيزيدي إلى ضم واحتضان جميع الناجيات من ذلك الفرمان وتوفير الدعم لهن .

ثم تزوجت الناجية مؤمن بابير بعد نجاتها من ” علو قاسو ” ولها منه ولدان شمو وقاسو وبعد ذلك بوقت قصير عادت مع زوجها الى قرية باسان وعاشت هناك لغاية 1973 وبعد ذلك رحلوا الى قرية قورخ التابع لقضاء بيشرية محافظة باطمان وبقت هناك الى توفت في عام 1975 عن عمر ناهز 79 سنة وقبرها موجود في مقبرة قورخ .

مؤمن بابير كانت شاهدة عيان على هذه الجريمة وعاشت فترة السبي والاسترقاق وتغيير الدين والتشريد وقتل زوجها والكثير من اهلها وكانت تعتبر ذاكرة قوية نقلت وقائع الإبادة الى الجيل ولد بعد الابادة وبهذا وثقت شفهيا خزين من السرديات والتي ستبقى في الذاكرة مورثة من جيل الى جيل.

قبول المجتمع الإيزيدي في بداية القرن العشرين للناجيات العائدات من السبي اللواتي تعرضن الى الاسلمة الاجبارية والزواج القسري ليس بالأمر اليسير بل كان قرارا جريئا ونافذ البصيرة. 

وبهذا الإيزيديون الباسيون وبالرغم من العادات والتقاليد الدينية والمجتمعية السائدة انذاك “قبل اكثر من عام ” الا انهم ضربوا أروع الأمثلة في التعايش والسلام والعفو واللين والإحسان والتسامح.

سنة 1939-1940  بنى الباسيون (قرية كلبدرى) شرق قرية (شيخدرى) ومكثوا فيها حتى سنة 1976م عندما بنوا مجمع (شاريا) 

 

مجزرة  قرية باسا (14/5/1916). 

 

شن العثمانيون حملات عديدة على القرى الإيزيدية في تركيا الحالية وخاصة عندما استلم السلطان عبد الحميد الثاني (1876- 1909م) ومن أكثر الحملات دموية هي الحملة على قرية (باسا) في 14/5/1916 .

يقول السيد (كلش حجي الباسي) إن من مجموع (380) شخص في قرية واحدة لم يبقَ إلا (45) شخصاً وقد ذكر أسماءهم،  وقاد الحملة قادة من قوات أزلام السلطة وهم (أحمد شاهين وفندي كول محمدي).

 في البداية تم تطويقهم وطلب منهم إلقاء السلاح وإشهار إسلامهم، لكن الأهالي رفضوا، فبدؤوا بقتل الإيزيدية، وبدأت النساء بربط جدائلهن بعضها ببعض و إلقاء أنفسهن في نهر دجلة، لئلا تُدنس أعراضهن ولكيلا تُنتهك من قبل أعداء الله.

   

انتشال الجثث    

تم العثور على سبع جثث في قرية جكانة في بقعة مائية عميقة، من قبل الغواص (رشو سالو مراد الخالتي) كان مختار جكان، عرف بمهارته وبكونه سباحاً مشهوراً في نهر دجلة  فقد كان يغطس إلى أعماق النهر.

ذات يوم أراد السباحة والوصول إلى عمق تلك البقعة العميقة،  وعندما غاص في المياه فوجئ بمجموعة جثث للنساء مكومة في أسفل البقعة ومكدسة فوق بعضها البعض، صدمه المشهد ولم يستطع فعل شيء،  وعلى الفور صعد إلى الأعلى وخرج من النهر، وصل الخبر إلى مسامع الأهالي، حينها كثرت التساؤلات عن العدد وملابس تلك النساء، وهوياتهن ، البعض لم يصدقوا.

  • هل كانت لديك معلومات بوجود جثث في القرية وغصت إلى العمق ؟
  • لا … كما تعلمون أنا من المغامرين في سباحة النهر، بين فترة وأخرى أنزل إلى أعماق النهر .
  • هل  كان هناك من بين الجثث رجال أم أن جميعهن  نساء كما تذكر الآن ؟
  • ما شاهدته أربع جثث لنساء وهناك جثث أخرى تحت هذه الجثث الأربع لا أعلم للرجال أم للنساء .
  • كيف عرفت أن هذه الجثث للنساء الإيزيديات ؟
  • لم أقل أنهن إيزيديات، قد يكن أرمنيات ..
  • قال جميع الرجال بصوت واحد: بالتأكيد إنهن نساء أرمنيات، لأن حملة الإبادة مستمرة عليهم من قبل الجيش العثماني .
  • لماذا لم تكن الجثث  متناثرة في قاع حفرة النهر؟
  • يبدو أن العثمانيين قد قاموا بربطهن ثم قتلهن ورمي الجثث في النهر .
  • هكذا هي حملات الإبادة، مساكين هؤلاء الأرمن أيضاً.
  • لكن من خلال نظرتي إلى ملابسهن، إنهن لسن من الأرمن بل إن أغلب الظن أنهن إيزيديات .
  • أنت متوهم، نحن نعلم ماذا يحدث لأخوتنا الأرمن .

 قرر أهالي قرية (جكان) إرسال مجموعة من الرجال ومعهم الحبال إلى تلك البقعة العميقة لانتشال الجثث ومعرفة هويات صاحباتها.

طلب من مجيور القرية أن يوجه نداء إلى الأهالي للحضور غداً إلى جلسة طارئة، صعد المجيور إلى سطح بناية عالية منادياً بالتجمع يوم غد صباحاً لعمل جماعي خدمةً للإنسانية لوجود جثث في النهر لابد من انتشالها.

خرج رجال القرية في الصباح الباكر إلى النهر، غاص (رشو سالو) مع ثلاثة آخرين باتجاه قاع النهر ، وتبين أن عدد الجثث سبع جثث، تشكل مجموعتين:

كانت عملية الانتشال صعبة لكون الجثث  على دفعتين .الأولى أربع نساء تم ربطهن بجدائل بعضهن بعضاً، والمجموعة الثانية تتكون من ثلاث فتيات مربوطات الجدائل بعضها ببعض، أيضاً.

صعد الرجال  إلى حافة النهر ليتشاوروا مع بقية الرجال .

قال أحد الحكماء:

  • يا رجال القرية، عدد الجثث سبع موزعة على مجموعتين،  تأكدنا من أنهن إيزيديات من خلال (الكريفان – طوق دائري للباس في منطقة العنق)  .
  • رجال القرية : ما الصعوبة في انتشالهن ؟
  • قال رجال الانتشال : إنهن مربوطات بعضهن ببعض في مجموعتين، ويشكلن كتلتين ثقيلتين. 
  • رجال القرية : بالإمكان فك الحبال وانتشال كل جثة على حدا، لتسهيل الأمر .
  • تم ربط جدائلهن بعضها ببعض ويبدو أنهن رمين بأنفسهن في النهر حفاظاً على شرفهن.
  • رجال القرية : ما دام الأمر هكذا لِتبقَ الجثث مترابطة، دلالة الحفاظ على عفتهن  .
  • بالتأكيد الموضوع هكذا .
  • رجال القرية : هل تعرضت الجثث إلى التآكل من قبل الحيوانات ؟
  • الجثث سالمة تماماً .
  • رجال القرية : عليهن آثار العيارات النارية ؟
  • لا …. يبدو أنهن رمين بأنفسهن قبل وصول العدو إليهن .
  • رجال القرية : بالفعل عفيفات، ما الذي يجري لنا ولأخوتنا الأرمن من مذابح !
  • لنتخذ أمراً بالمسارعة في عملية الانتشال الجماعي .
  • رجال القرية : لنقرب صخرة كبيرة إلى حافة النهر ونربط بها الحبل، ونربط رأس الحبل بالجثث ربطاً محكماً، وأنتم الأربعة اربطوا الجثث ثم ارفعوها ونحن الرجال الموجودون على الشاطئ سنجر الحبل إلى الأعلى، وبهذه العملية سنتمكن من الانتشال .

تم الانتشال،  وعانى الرجال ما عانوه في تلك العملية المرهقة التي استغرقت منهم الجهد والوقت واستنزفت أعصابهم و مشاعرهم. ودفنت الجثث في مقبرة جماعية بالقرب من مقبرة قرية جكانة، وقرأ العالم الديني (بير حمزو الهاجيالي الختاري) قول (سه ره مة رك – ألفاتحة) على أرواحهن، وكان معه  ابنه بير عبو مواليد 1902م ،

وتم الدفن  عبر مراسيم تليق بمكانتهن، ثم بعد أيام أُعلمنا بأنهن من قبيلة الباسان . 

ويقول شيخ ميرزا الختاري: لقد حكى لنا المرحوم بير عبو حمزو الهاجيالي الختاري، كنت صغيراً وطلب مني والدي حضور مراسيم دفن الجثث السبعة، ذهبت  مع الوالد، ورأيت الجثث:

كل ثلاث أو أربع من تلك النساء جدائلهن مربوطة بعضها ببعض.

وبعدها سألت المرحوم بير عبو عن الحادثة أيضاً.

Kan vara en bild av 1 person

الكاتب مع بير عبو حمزو الختاري والحديث عن الإيزدياتي وحملات الإبادة .

 

وذكر اسم قبيلة الباسان في مشور بير خطيب بسي، مما يعطي دلالة بأنهم كانوا متواجدين في عهد الشيخ آدي الثاني وكانوا قوماً عظيماً ، لذلك ذكرهم في المشور (جملة باسان) ويمتلكون المراعي والمزارع وعيون المياه منها (طؤظةل، رزينىَ، بركا بةسا، بالاظا، بركا ملا ) .

عاش الباسيون في منطقتهم عيشة حسنة وأقاموا علاقات طيبة مع العشائر المجاورة لهم  (شؤفا – هفيركا) العشيرة الأولى ترأسها (خلف شؤفي) وكان له دور مشرف في تنمية العلاقات .

وفي السنوات الأخيرة من حكم العثمانيين ونتيجة ضعف دولتهم، حدثت صراعات داخلية ونشوء حركات وجمعيات، وبرز دور الحركات الدينية المتطرفة والشخصيات الإقطاعية وهؤلاء أرادوا السطو على القرى الأخرى بحجة الدين والكفر وبالأخص القرى الإيزيدية والأرمنية، وكان للحكومة التركية دور في هذا المجال . في سنة 1915م اندلعت الحملات لإبادة الأرمن، كان هنالك أناس أخياراً أرادوا إنقاذ الأرمن، لكن العديد من رؤساء العشائر الكورد والترك شاركوا في الإبادة .

عند إبادة الأرمن قام (عثمان عمر) بجمع مسيحي سبع قرى أرمنية من” سيرت” ومعهم مطرانهم أيضاً، للحفاظ عليهم من الحملات العثمانية مقابل مبالغ مالية، وأتى بهم إلى قرية الباسية للإيزيدية، فاضطر الأهالي إلى ترك القرية والنزوح إلى البساتين حفاظاً على أرواحهم . كان رجاله يحرسون جبال المنطقة خوفاً من تعرضهم إلى هجوم .

قاد الجيش العثماني هجوماً على قرية باسا، التجأ عثمان عمر إلى الجبل، وصلت قوة العسكر والمرتزقة إلى جنوب القرية من جهة (الحبوات) .

حينما رأى عثمان تقدم القوات الحربية صوب المكان، قال : لو سعينا لقتالهم لتمكنا من إبادتهم، لكنه لم يطلق طلقة واحدة وتجنب القتال معهم،  وحقيقة، فإنه لو قاتلهم، لما استطاعت تلك القوة المهاجمة من الوصول إلى الجبل ، لوجود مسلك واحد للصعود إلى القرية في الجبل.

طوقت القرية من كافة الجهات وتم إضرام النيران فيها واحترق البشر والحيوانات الموجودة، و استطاع بعضهم التخلص و الانفلات فهربوا مشياً على الأقدام، وحينما دخلت القوات التركية والمرتزقة القرية قتلوا بقية الأفراد من القرى السبعة وأبادوهم جميعاً.

ونقلاً عن أهالي باسان المتواجدين في البساتين، كان صراخ الناس وعويلهم يصلان ذرا السماء.

أُشعلت نيران محرقة أليمة في القرية، التهمت فيها ألسنة النار الأخضر و اليابس : النساء والرجال. الشيوخ والأطفال. الدواجن والإبل والمواشي. كلهم على حد سواء.

اضطرت  بعض العوائل الإيزيدية إلى الرحيل من المنطقة والتوجه نحو المركه هـ (شيخان) مشياً على الأقدام لثلاثة أيام . إذ كانوا يسيرون ليلاً ويختبئون نهاراً، إلى أن تم وصولهم إلى قرية (فنديكى) وقبل المغيب وصلوا إلى (معسكر فندك) ، ظن العسكر أن هذه القافلة هي للأرمن وأنها هاربة من عمليات الإبادة التي تتم بحقهم،  وأن هؤلاء الأرمن يريدون النجاة من القوات التركية. بعد الاستفسار قال لهم المختار: 

  • نحن إيزيديون ونود الذهاب إلى منطقة شيخان .
  • قال قائد المعسكر : نطلب منكم نزع الأسلحة التي بحوزتكم .
  • رد المختار: نحن نحمل الأسلحة خوفاً من اللصوص وعديمي الأخلاق من استغلال فرصة  الغدر بنا وقتلنا.
  • قانون الدولة لا يسمح للمدنيين بحمل السلاح .
  • كيف نصل إلى شيخان ونحن لا نحمل سلاحاً للدفاع عن أنفسنا؟
  • بإمكاننا إيصالكم إلى مبتغاكم .
  • كيف ؟
  • بعض من العسكر سيرافقونكم إلى تلك المنطقة .
  • أعتقد أنكم على يقين بأننا لا نتعرض لأي شخص كان لأن العوائل معنا، لكن بإمكان بعض الإرهابيين التعرض لنا ونحن عزل، مجردون من السلاح.

في البداية اعترض بعض الأهالي على نزع أسلحتهم، لأنهم لا يستطيعون الحفاظ على شرفهم  وهم عزل أمام أسلحتهم، لكنهم انصاعوا إلى العسكر بعد جدل طويل، لأنهم أدركوا أنهم بهذا سيلحقون الأذى بالنساء والأطفال .

وطلب منهم البقاء بالقرب من المعسكر إلى الصباح الباكر، وسيتم اختيار مجموعة من العساكر لترافقهم إلى منطقة شيخان .

لكنهم خططوا لعملية إبادتهم في الليل، واتفقوا مع القرى المسلمة المجاورة للمعسكر بتنفيذ خطة تقتضي عدم نجاة أي شخص منهم .

وفي صباح يوم الأحد 14-5- 2016 ، انطلق موكبهم وعبروا قرية (فندك)  حتى وصلوا إلى نهر دجلة، وهناك شاهدوا بعض المرتزقة العثمانيين بقيادة (أحمد شاهين و فندي كول محمد) من قرى (فندك – كورافا – جديد – مسيريك)، قد نصبوا كميناً لهم.

ولكون الإيزيدية منزوعي الأسلحة، لم يستطيعوا محاربتهم، في البداية طلب منهم الدخول في ديانة الإسلام، لكنهم رفضوا .

تم إطلاق النار عليهم مع ظهور أول إشعاعات الشمس، في هذه الفترة كان  من المفترض أن يقوم الناس بفعل الخير، إلا أن  المجرمين أقدموا على قتل هؤلاء الأبرياء، وحدثت مجزرة رهيبة، لكن أكثر النساء الفتيات ربطن جدائلهن وألقين بأنفسهن في نهر دجلة كي يحافظن على شرفهن، وكانت الأمهات يضعن الأطفال على رؤوسهن ويسرن في وسط النهر إلى أن يغرقن، كيلا يرين موت أبنائهن.

كانوا يبقرون بطون الحوامل بالخناجر وتخرج الأجنة منها.

منظر مقزز لا يمكن وصفه، نجا القليل منهم، مجزرة رهيبة، أشلاء الأطفال داخل المهود والعجائز على عكاكيزهم..

أما الذين نجوا عبروا إلى منطقة الهويرية ولم يمكثوا فيها  توجهوا نحو شيخان وبعد فترة عاد البعض مرة أخرى إلى قرية (باسان) وهم (عمو قاسو ، علو قاسو، عمو كورو، نعمو سمو بابير، خلات، مراد ناصر، حجي برحي، ميرزا برحي) البعض منهم سكنوا القرية وآخرون منهم فقد سكنوا قرى (شمىَ ، كلهوكي، حنيري، قؤراغ، فقيرا) .

وفي سنة 1940 تمكنوا من بناء قرية (قلعة بدرية) .

كانت القرية تشتمل على أكثر من (45) عائلة ومجموعهم من (370- 380) فرداً، أما الذين نجوا فكان تعدادهم (35) فرداً.

  • عمو ميرزا 
  • سليمان مراد
  • رشو حسو
  • محمود عمر
  • علو الياس
  • أوصمان علو
  • حسو علو
  • محو سلو
  • محما محو
  • أوصمان مهمد
  • أوصمان علي
  • جهور علي
  • سمو بابير
  • خلات
  • حجي بحي
  •  مرزا برحي
  • حمد جلو
  • علي حميد
  • عمو قاسو
  • علو قاسو
  • سلو حسن
  • حسن جعفر
  • توزو محمد
  • محو موسى
  • محمود يوسف
  • فرمان درويش
  • مهمد درويش
  • حمو ليلا
  • عموك رو مهمد
  • مراد ناصر
  • فارس نعمو
  • رشو بكرا
  • مراد مرمن

أما النساء

  • سيفي محمود
  • قتي حسو

فقد استطاع سمو بابير (1886 م – 1929 م) إنقاذ المختطفات وهن كل من (ريحان محمود  (1906-  1984) وهي جدة السيد كريت نمر – و حنا مراد جدة المرحوم مراد ، حنى مراد، مؤمن بابير، حبسىَ، عيشي مراد، خجى، بيزار الياس، خجي ليلا، عيشي جانكير، (بيزار الياس وابنها ستة اشهر ثم توفي الابن ) ، ريحان علو – هه سبي –) بعد ستة أشهر عثر سمو بابير على ابنته البالغة من العمر ثلاث سنوات كانت لا تزال حية تحت الجثث وابنه ذا السنة ونصف،  الذي كان لا يزال في ملابسه المدمية والرثة)). لكنهما توفيا بعد حين .

   

الذين عادوا سبعة أشخاص / سمو بابير – خلات مراد – حجي بدي – حمو فاتو –علو فتو – خوارزى جمو )

سمو اسم والدته (مرؤ)  تعهد لخاله بألا يتزوج إلا بعد أخذ الثأر، كان كريفه (سعيد مالا دلي وحجي ابراهيم) طلبا منه الزواج، بعدها طلب منه (جميل جتو) الزواج لذا تزوج  من فتاة من قرية (حمدون) الخالتية، وبعدها أدركت الحكومة أن (سمو بابير) متواجد في المنطقة فألقي القبض عليه ومن ثم قتله في سنة 1929. 

كانت الفتاة (ريحان) مختطفة في قرية باكرتىَ … من منطقة مندكرا .

ذات يوم كان سمو يبحث عن المختطفة (ريحان محمود) بملابس الدراويش فقال أحد رجال القرية :

  • لقد سمعنا أن (سمو بابير) يبحث في القرى عن المختطفات …. فرد رجل آخر :
  •  أنا على علم اليقين بان (سمو) قتل منذ اليوم الأول ولم يبقَ منه إلا العظام في المقبرة الجماعية للكفار  
  • رد عليهم سمو وهو متنكر بالملابس الصوفية : أنا مع كلام الرجل الأول سمو مازال حياً وهو في أوج قوته .

أقوال الناجية مؤمنة بابير (1895 م – 1975 م) عند الخطف : 

 

ولمعرفة المزيد من المعلومات الكاملة حول هذه الحملة الشرسة أجرينا لقاءات (بالفيديو) مع العم (شمو علو قاسو الباسي) الذي ناهز التسعين من العمر، حيث يمتلك معلومات كاملة عن حملة الإبادة لأنه رافق والده ووالدته (مؤمن بابير تولد 1896) كانت متزوجة من رجل اسمه (ناصر) أصبحت سبية بعد أن اختطفها أصحاب الأفكار الصحراوية، وبعد نجاتها تزوجها والده (علو قاسو) وتوفيت عام 1975 .  الصورة/ الكاتب مع السيد شمو قاسو والكاتب صديق باسي .

قال شمو  قاسو ابن مؤمنة حسب قول والدته : عند حدوث المجزرة رمت النساء والفتيات أنفسهن في النهر، و وضعت النساء أولادهن على رؤوسهن لعبور النهر و كنت أنا من ضمنهن وضعت ابنتي فوق رأسي، كنت مرتبكة، خائفة، هلعة، وفجأة سقطت ابنتي من على رأسي في الماء. بحثت عنها، ورحت أصرخ، وعندما انتشلتها، كانت في اللحظات الأخيرة من الحياة:

 لا أعلم كيف أعبر أو أغرق؟. سحبني رجال أحمد شاهين الباتويي ( قبيلة الباتوية تتكون من سبع عشائر/  كجا – مرادى – باتوي – موسى رش)  مع أربع نساء أخريات من النهر، حاول أحدهم قتل ابني بالخنجر لكني هجمت عليه ومنعته .

وفي لقاء مع زوجة شمو قاسو قالت : كانت حماتي تتحدث لنا دائماً عن هذه الحملة البربرية الشرسة ومأساتها عند الخطف وكيف ألقين بأنفسهن هي ومن معها من النساء في النهر حفاظاً على الشرف .ومعاناة المختطفات وبيعهن إلى الرجال المسلمين والتعامل معنا معاملة السبايا، وكذلك كيف استطاع شقيقها (سمو بابير) إنقاذها مع نساء أخريات من براثن العدو.

واللقاء الثالث مع الكاتب (صديق خالد سمو بابير الباسي) لأن جده كان رئيس القبيلة وقد نجا من الحملة بعد أن فقد كافة أفراد عائلته، ولسمو بابير مواقف بطولية عديدة تُذكر حيث أنه استطاع  أن ينقذ الفتيات المخطوفات بعد مرور سنة وسنتين، وقتل العديد من أعدائه ومن ثم نال الشهادة في سبيل الأخذ بثأر الكثيرين  من أبناء قبيلته.

قتل علو والد شمو وزوج مؤمنة من قبل مسلمي قريته ويقول شمو  باني كنت حينها في الثالث من عمري وادع مختار القرية بان الدبة هي من قتله وحينما سألت العم مسطو قال : بان هناك آثار ضرب الحجارة على رأسه وفقد الحياة نتيجة تلك الضربات فهل يعقل بان الدبة استطاعت ان تمسكه ويضربه بالحجارة حتى يتحطم جمجمة رأسه .

 

الباسان في مشور ختيب بسي 

 

 قبيلة باسا من القبائل الإيزيدية المعروفة وجاء ذكرها في مشورة (ختيب بسي بن بوتار) التي كتبت في القرن الثاني عشر الميلادي/ عهد شيخ حسن بن شيخ آدي الثاني.

يذكر في المشور جملة باسان (باسا سلو – بوتار ) جميعهم من البيارية 

 

منشورات (منشورة ختيب بسي بن بير بوتار)

أختام بير بوب بارزاني

 

بير بوتار هم بيرانية قبيلة باسان لكنهم كانوا في جولة بين القرى الإيزيدية إبان  المجزرة لذا لم يتعرضوا إلى الإبادة .

1000عدد  القبيلة لغاية 2017   -230 دار    96 في الخارج

شيخ حجي من شيوخ امادين  كان رجلاً فقيراً يعيش بين الإيزيدية في مناطق الباسية وكان يقوم بواجب التعزية لذا يمنح زكاة، والباسيون هم مريدو شيوخ آمادين . 

…………………………………………………………………………………….

 

 

المصادر

الكتب :

  •  ن . محب الله ، موقع الاكراد وكوردستان تاريخياً وجغرافياً وحضارياً ، 1991
  •  د زرار صديق توفيق، القبائل والزعامات القبليةالكردية في العصر الوسيط، دار التفسير، اربيل 2016
  • Stembol 2007 ezdiyati avesta Xanna omerxala،

 

  •  Dr،eskerê boyik êzidiyati، fermanên reş، dengê êzidiyan، oldenborg 2002 

  • كمال تولان في كتابه (هه بون ونه بوونا ئيَزديان)، 

 

  • داود مراد ختاري، معبد لالش والمراسيم الدينية الايزيدية ، بغداد 2011

  • الأب بولس بيرو  بشهادته مذكرات الأب جاك ريتوري الدونمنيكي، ترجمة جوزيف اليشوران  ص 367 _ 370


  • إدمون لاسو، المطران الشهيد أدي شير (1867-1915م) ، نينوى 2015

الصحف والمجلات :

  • كلش حجي الباسي ، فرمانا باسيا ،كؤفارا لالش ، 16 ، دهوك 1996
  • صالح جاسم ،جريدة صوت لالش، العدد 441 في 14-6-2017)
  • حسو هرمي، اول ناجية ايزيدية، على صفحته في التواصل الاجتماعي (فيسبووك)

 

المقابلات :

  • (مقابلة مع شمو قاسو علو يوم 7-9-2016  – ومقابلة في 10-7-2018 )

(حسب كتاب وقائع سيرت باللغة التركية نقلاً عن لسان صديق باسي)

  • مقابلة  مع صديق باسي يوم 1-5-2016 في مدينة اولدنبورك ،
  • محاضرة في البيت الايزيدي في اولدنبورك  يوم 16-5-2016 بمناسبة مرور 100 عام على المجزرة مع السادة الافاضل (دكتور عسكر بويك رئيس مركز الدراسات في البيت الايزيدي، صديق باسي ، كريت باسي، شفان شيخ علو) المحاضرات بادارة بير خدر سليمان الباحث في الشأن الايزيدي.

لقاء مع شمو قاسو وكريت نمر الباسي يوم 16-5-2016 .

 

الهوامش : 

  • فندي كول محمد : كان والده رئيسا لعشيرته لكن نتيجة الصراع بين العائلة الحاكمة من اجل السلطة قتل مع كافة افراد عائلته من قبل شقيقه من أجل رئاسة العشيرة والقرى التابعة لها، ولم يبقَ منهم الا طفل رضيع حيث استطاعت عمته انقاذه منهم وهو في المهد وجلبته الى دار كريفه الايزيدي (كريف الدم) في باسان، وقامت كريفته (غه ريبا بابير) بارضاعه وأصبح أخ بالرضاعة لأطفالها وبقى هناك إلى أن  كبر وغدا شاباً.
  • كانت الأم (غريبة بابير) ترضع ابنتها – كلي – من أحد ثدييها وترضعه بالثاني هذا الطفل – فندي – 
  •                بعد مرور فترة طويلة توفي عمه وتشاورت العشيرة حول من يخلفه في الرئاسة فالأكثرية كانوا مع رأي أن يخلف –فندي- للرئاسة    لأنه الطفل الوحيد الباقي من عائلة أبيه، وأبيدت العائلة  دون ذنب مجرد الصراع على رئاسة العشيرة ، جاء بعض الاشخاص وأخذوا هذا الطفل بعد ان كبر لكي يصبح رئيس العشيرة، قال لهم سلو محو : الطفل هو ابنكم وما لنا منه الا مسألة انسانية وصلة الكرافة لقد كبر والحمد الله وبمساعدة والدته الثانية (من ناحية الرضاعة غريبة بابير) 


  • كان عثمان عمر الشرواني (أغا قرية طنزي) مطلوباً للسلطات العثمانية في قضية معينة عام 1913، فلجأ الى المطران أدي شير أن يساعده، فسعى المطران لدى الاباء البواتر (الدومنيكان) ليختبأ عثمان عندهم، ثم يتوسطوا له عند القنصلية الفرنسية في استنبول لينال العفو . 

 

  • السيد حنا جلو ينحدر من قرية ميدن القابعة في طور عبدين. نزح إلى سوريا وانضم إلى الجيش الفرنسي، وترقى إلى رتبة كرديموبيل لدى المستشار الفرنسي في منطقة عين ديوار، والواقعة في أقصى شمال شرق سوريا، على المثلث الحدودي بين سوريا وتركيا والعراق عند نهر دجلة.

الشهود :

شهادات كل من :؛

  • القس اسحق أرملة  1954 القصارى في نكبات النصارى(حريصا لبنان 1920)،
  1. الشماس نوري ايشوع، مجلة بين النهرين العدد 141-142 بغداد 2008 
  2.  بول بيرو 1951 4
  3. – الخوري فليبس شوريز 1938
  4.  5- عبدو حنا بزر الارمني رواها للمطران شموئيل شوريز 1981)

Kan vara en bild av natur, himmel och väg

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular