الخميس, مايو 9, 2024
Homeمقالاتبيار روباري : أسباب إنحراف بوصلة الأحزاب الكردية  

بيار روباري : أسباب إنحراف بوصلة الأحزاب الكردية  

 

إن نظرة متفحصة لتاريخ علاقة الأحزاب الكردية ببعضها البعض، يكتشف المرء بسرعة مذهلة مدى إنحراف بوصلة هذه التنظيمات عن مسارها الطبيعي. والأسوء منذلك هو ثبات تلك البوصلة عند ذاك الإنحراف، وليس لديها إستعداد ولا نية لتعديل بوصلتها. ولا أظن إن تعديل تلك البوصلة أمرآ سهلآ، نظرآ للعطب الذي أصابها منذ سنوات طويلة.

ويأتي في مقدمة هذه الأحزاب الحزب الديمقراطي والإتحاد الوطني الكردستاني، وحزب العمال الكردستاني، والديمقراطي الكردستاني- ايران وكوملا وحزب الحياة الحرة (بزك)، وأخيرآ حركة التغير وحزب الإتحاد الديمقراطي (ب ي د) والأنكسة، إضافة لحركة الجيل الجديد.

 

إن نظرة هذه التنظيمات لبعضها البعض، وتعاملها فيما بينها هي أسوء بكثير من نظرتها لمحتلي كردستان الأربعة للأسف الشديد. هذه الأحزاب لا تنظر لبعضها على أنهم منافسيين سياسيين لبعضهم البعض، وليس أعداء ووجب التلخص منهم بأي شكل كان. وكل طرف من هذه الأطراف يعتبر نفسه هو الصح وعلى حق،والأخرين في ضلال. وإستخدمت ضد بعضها كل ما يمكن إستخدامه، بما فيها السلاح والتعاون مع أعداء شعبهم لتصفية بعضهم البعض. وهذا الإنحراف في بوصلتهم مستمر لهذا اليوم للأسف، وهذا الإنحراف تسبب في العديد من الكوارس للشعب الكردي المغلوب على أمره. سأضرب مثالين لكم يختصران المشهد الكردستاني المرير والمخزي في أن واحد:

المثل الأول: علاقة الحزب الديمقراطي بالإتحاد الوطني الكردستاني:

العداوة والخصومة في تاريخ العلاقة بين هذين الحزبين يحتل مكانة كبيرة جدآ، حيث فاقت في بعض الأحيان العداوة والخصومة بين هذه الأطراف والحكومات العراقية المتعاقبة، ومن ضمنهم حكومة صدام حسين، رغم كل ما إقترفته من فظاعات ومجازر بحق الشعب الكردي في جنوب كردستان.

إن بداية العداوة والخصومة بين هذين الطرفين، يعود إلى منتصف الستينات من القرن الماضي ومستمرة إلى الأن. لقد دخل الطرفان في صراعات سياسية، وحملات إعلامية قاسية وصلت إلى حد التعرض للعرض والشرف. وخاضا مواجهات عسكرية دموية ضد بعضهما البعض، راح ضحيتها عشرات الألاف من المواطنيين الكرد الأبرياء.

ووصل الحال بهم الإستعانة بأعداء شعبهم من محتلي كردستان، والإستقواء بهم على بعضهما البعض. فإستنجد الطالباني بملالي الفرس ليساعدوه في حربه ضد البرزاني وجماعته، والبرزاني إستعان بجلاد الشعب الكردي صدام حسين لطرد قوات الطالباني من مدينة هولير عاصمة الإقليم. وبسبب هذا الخصومة والعداوة والتحارب المجاني، تم تقسيم الإقليم إلى إمارتين، يدير كل طرف منهما واحدة ويتصرف بها كحاكم مطلق.

وهذا الإنقسام تسبب بكوارث حقيقية، عانى الشعب الكردي منها طويلآ، ومازال يعاني إلى اللحظة والخطير في ذلك هو الإنقسامات المجتمعية التي أحدثته بين أفراد الشعب الواحد، وتببت جراحات عميقة بين جماهير الطرفين. وأخر ما تسبب به هذه العداوة والحقد، ضياع مدينة كركوك الكردية، وحقوق الشعب الكردي في العراق. حيث لم يعد هناك قضية كردية في فلسفة وفكر تلك الأطراف.

 

ومن هنا يتضح بشكل واضح، مدى إنحراف بوصلة قادة هذه الأحزاب الفاشلة، ومدى إبتعادهم عن أهداف الشعب الكردي، التي ناضل مئات السنين من أجل تحقيقها، ألا وهي الحرية والعيش بكرامة، بعيدآ عن الإستبداد وحكم العائلة والفرد.

وبدلآ من ذلك أخذوا يتحاربون على المناصب الوزارية، والبقاء في الحكم مدى الحياة، بهدف إستمر مسلسل النهب والسلب للمال العام وبيع الأراضي. والغريب والمضحك في الأمر كلما إشتد الخصام والعداوة بينهما، إرتموا أكثر في أحضان أعداء شعبهم وخاصة تركيا وإيران!!!!!!  

 

الطرفين مستعدين لأن يتنازلوا لعدوهم الحقيقي تركيا وإيران، ولكنهم غير مستعدين أن يتنازلوا لبعضهم البعض بمقدار مليمتر واحد. لاحظوا كيف وقفت تركيا ضد حصول الكرد على الفدرالية في جنوب كردستان، وكما وقفت بجانب تنظيم داعش الإرهابي، ورفضت تقديم يد المساعدة للبرزاني أثناء توجه قوات تنظيم داعش نحو مدينة هولير، ولاحقآ إتفقت مع إيران على محاصرة الكرد بعد إجراء الإستفتاء حول تقرير المصير، وأغلقت أجوائها في وجه الكرد، وهددتهم بإغلاق الحدود البرية وقتلهم من الجوع.

إن الكرد مازالوا يعانون من أمراض نفسية عديدة، منها عدم قبول بعضهم البعض، ولهذا يفضلون حاكم غريب يحكمهم، مكان آخر من بني جلدتهم!! وكل زعيم حزب يعتبر نفسه، الأحق بالقيادة والزعامة القومية، ويبغضون العمل الجماعي. وهذا أحد الأسباب الرئيسية، التي حال دون تمكن الكرد من التوحد ضمن إطار وطني كردستاني، على شكل مؤتمر يجمع جميع الفرقاء، ليمثلهم في العالم.

 

المثل الثاني:

علاقة حزب الإتحاد الديمقراطي بالأنكسة:

رغم حداثة هذين التشكيلين السياسيين، إلا أن العداوة والخصومة التي تحكم العلاقة بينهما، برأي تفوق الخصومة والعداوة التي تحكم بين النظام السوري وجماعة الإخوان المسلمين السورية. حيث كل طرف يرفض وجود الأخر، ولو إستطاع أحد الطرفين، إلغاء الأخر من الوجود لفعل. ولحسن حظ الكرد في غرب كردستان، أن (الأنكسة) لا تملك مليشيات مسلحة، وإلا لشاهدنا مواجهات عسكرية دموية لا نهاية لها بين الطرفين. 

 

إنظروا الى الأنكسة كيف قبلت على نفسها، التعامل مع ألد أعداء الشعب الكردي تركيا والجماعات

الإسلامية السورية المتطرفة، والحرب معهم ضد فريق كردي آخر، والتفاخر بذلك على الملأ دون حياءٍ وخجل. وبل أكثر من ذلك بررت لتركيا إحتلالها لجرابلس، والباب، ومنطقة عفرين وتشريد أهلها ونهب أملاكهم، والقيام بتعريب وتتريك المنطقة برمتها. فهل هناك عداوة بغيضة أكثر من هذا؟ شخصيآ لا أظن ذلك.

 

من حقك أن تختلف أو تتفق مع حزب الإتحاد الغير ديمقراطي (ب ي د)، فرع حزب العمال في غرب كردستان، وتنتقد مواقفه السياسية وتصرفاته، وإستراتيجيته، وأنا واحد من اولئك المنتقدين لأخطاء هذا الحزب وغيره، وهذا من حقي ومن حق كل مواطن كردستاني، ولكن من الغير مقبول أبدآ، جعل هذا الطرف الكردي أو غيره عدوآ، وعلى أساس ذلك تتعامل معه.

 

السؤال: هل حقآ (ب ي د)، عدو للأنكسة، وعميل للنظام السوري كما يدعون؟

 

حسب رأي (ب ي د) ليس عدوآ للأنكسة، ولكنه منافسآ قويآ وخصمآ شرسآ لها دون شك. ولمن يريد منافسة هذا التنظيم، عليه التحضير جيدآ لمواجهته في صناديق الإنتخاب وكسب الرأي العام الكردي، وحشره في الزاوية. وشخصيآ لا أؤمن بنظرية عمالة (ب ي د) للنظام السوري، رغم العلاقة المتوترة بين الجانبين. إن قيادة حزب (ب ي د) لا تقيم في دمشق، مثلما تقيم قادة الأنكسة في عاصمة المحتل التركي بأنقرة، وفتح مقراتهم الحزبية في المربع الأمني التابع للنظام في مدينة قامشلوا.

كما هو معلوم، النظام السوري المجرم دخل في عدة مواجهات عسكرية مع قوات الحماية الشعبية، ولاحقآ مع قوات سوريا الديمقراطية، ويهدد الكرد بإعادتهم بالقوة إلى حظيرته، كما صرح بذلك وزير خارجيته وليد المعلم قبل أيام. في المقابل لم نشهد حتى معركة سياسية بين جماعة الأنكسة وقتلة شعبنا الكردي أي الدولة التركية، في كل من غرب وشمال وجنوب كردستان!!

 

إن جلوس طرف كردي مع النظام السوري مفهوم، وبل مطلوب لحل القضية الكردية في هذا البلد بالتفاوص إن أمكن ذلك، والتباحث مع النظام حول الوضع السوري، بعد مرور ثمانية أعوام على الحرب الأهلية. ولكن من الغير مفهوم أبدآ، أن يجلس طرف كردي سوري، يعتبر نفسه وطنيآ في حضن الدولة التركية، ويقوم بالتطبيل والتزمير لها، ويبرير جرائمها في مدينة عفرين وغيرها من المدن الكردية. ووصل الأمر ببعض الأطراف الكردية المنضوية تحت لواء الأنكسة، الإستهزاء بدماء شهداء الكرد، وتحرض الأطراف الدولية على مقاطعة (ب ي د) ومقاتلته، وضمه إلى قائمة الإرهاب الدولية!!!!!!

 

السؤال: ماذا ترك هؤلاء، لأعداء الشعب الكردي مثل الأتراك والفرس والعنصريين العرب؟؟

 

وفي المقابل، يرفض حزب (ب ي د) أن يكون لأي تنظيم سياسي آخر، أي دور حقيقي بالمشاركة في القرار السياسي، الأمني، العسكري والمالي في غرب كردستان. فهو يتبع سياسة مشابة لسياسة حزب البعث الشمولي الإقصائي، أي التفرد في الحكم وتهميش الأخرين بشكل شبه كاملبالتأكيد هذا مرفوض رفضآ قاطعآ، وقد عانى شعبنا الكردي ومعه الشعب السوري كثيرآ، من حكم الحزب الواحد، والشخص الواحد، والفكر الواحد. وسيفشل هذا التنظيم الشمولي في تطويع الشعب الكردي وقواه السياسية الحية، وفرض هذا النمط المقيت والمدمر من الحكم طويلآ.

 

في الختام، أدعوا جميع الأطراف الكردستانية، إلى مراجعة سياستها الداخلية والخارجية، وتبديل بوصلتها، والتوقف عن هذه السياسة التدميرية المتبعة للأن، التي لم تجلب لشعبنا سوى المأسي والكوارث.

 

29 – 10 – 2018

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular