تطرح الروائية ( عالية ممدوح ) مسائل بالغة الحساسية , في المسائل الوطنية وخراب الوطن وتحطيمه بروح الانهزام والانكسار . في اسلوب سردي مغاير عن المألوف , في منصات التناول والطرح والمناقشة . فقد ركز المتن السردي على الاخفاق السياسي والايديولوجي , في العقلية التي تدير شؤون العراق . والخلط بين الفعل السياسي والفعل الجنسي الايروسي . بهذا الطرح الذي يغور في اعماق الواقع في كل جرأة . في تناول الافعال الخاطئة , التي قادت الى الفشل والانهزام للوطن والمواطن , في السلطة الحاكمة , التي تحاول اشباع شهوتها السياسية والايروسية معاً , على اكتاف كيان الوطن . ولهذا فأن النص الروائي يخرق التابوهات والمحرمات , في ربط العلاقة السياسية بالفعل الايروسي , ليس في المعاني الشكلية للفعل الايروسي , وانما جعله يمتلك دلالات رمزية بالغة التعبير والاشارة الايحائية , والعلاقة الثنائية بين السياسة والجنس , والرابط الذي يجمعهما في وعاء واحد , في التشهي والشهوة في الامتلاك والاغتصاب . وربط هذه العلاقة الثنائية , في العواصف الصفراء التي اجتاحت العراق , في الناحية الاولى اغتصاب السلطة , من قبل البعث , ومارس نهج البطش والارهاب , حتى اغتصب الوطن والمواطن . والمتن الروائي يحاول ان يضع القارئ في دائرة الضوء الكاشف , للحقبة البعثية الباطشة , والتي قادت في فعلها السياسي الى هزيمة الوطن بالمأساة التراجيدية , من خلال الطرح الايروتيكي في تفاصيله الدقيقة والعميقة والبليغة , في التأكيد المشدد على البراهين والوقائع والحقائق , بأن السلطة الحاكمة انهزمت بالهزيمة المنكرة , بعدما كانت تلوح في سوط فحولتها , امام المواطن بقسوة البطش والتنكيل . لكن فحولتها انضمرت وذكرها الجنسي ( القضيب ) اختفاء نهائياً امام الزحف الغربي , وسقوط العراق في قبضة الاحتلال الامريكي , يعني بكل شناعة بالعار والخزي , انضمر العضو التناسلي البعثي , واصابه الضمور والعجز والسقوط والانهزام . هذه هي دلالات الرمزية البليغة في النص الروائي . من خلال الشخوص المحورية لنص الروائي , وكل شخصية تحمل دلالة رمزية معينة , تعود الى مصدريتها او مرجعها السياسي والايديولوجي , على خارطة العراق السياسية بألاحزاب المعروفة .. مثلاً شخصية ( سرمد ) المثقف الشيوعي يعمل في الترجمة . يتباهى بعشق الفتاة الجامعية ( ألف ) التي هام بها حباً وعشقا ً , ولم تغب عن باله ليلاً نهاراً . اضطر تحت ضغوط شقيقه ( مهند ) الذي اجبره قسراً وبالاكراه , ان يأخذ طريق المنفى والهجرة خارج العراق , قبل أن يختفي من الحياة والوجود . ورمزية شقيقه ( مهند ) الذي هو مسؤول المخابرات والامن , يمثل رمزية السلطة البعثية الباطشة , التي تمارس القمع والارهاب . بوحشية وتوحش , في البطش والتنكيل , بالقتل والاغتيال , حتى ممارسة زرق المعتقلين بمصل مخدر , الذي يقود الضحية , أما الى الجنون , واما ان يتعاون مع السلطة , كمخبر وجاسوس , يتصيد المواطنين الابرياء . وشخصية ( ألف ) الفتاة الجامعية عشيقة ( سرمد ) . ماهي إلا رمزية للوطن المغتصب من قبل البعث الحاكم . الذي مارس الارهاب بكل انواعه الوحشية , واجبر المواطنين والشيوعيين ان يأخذوا طريق التشرد والهجرة في شتات بلدان العالم , وبعد طرد ( سرمد ) الى المنفى , استغل ( مهند ) ضعف ( ألف ) بعدما اغتيال افراد عائلتها فرداً فرداً , اجبرها بالقوة والاكراه على الاغتصاب والزواج . ومن جانب اخر يتناول النص الروائي . حال معاناة المنفى عند العراقيين والشيوعيين , في محاولة تعويض اخفاقهم السياسي والايديولوجي , في التعويض هذا النقص في مجالات شتى . التجارة . السمسرة , ابواق انتهازية . بروز الجشع الاناني الفاحش , في الانغمار في الفعل الايروسي , ويستغل البعض تواجده في بلدان المنضومة الاشتراكية , في علاقات جنسية ايروسية , ليظهروا فحولتهم على فتيات هذه البلدان , وهي تعويض للنقص في الاخفاق السياسي بالانهزام . هذا الطرح الروائي الذي يملك الجرأة في كشف الحقائق المرة . بأن يكون الجنس الايروسي يشغل العقل والذهن , لتخفيف المعاناة الوجدان , وفراق الوطن . ولكن من جانب اخر , من جانب السلطة البعثية , التي فرغت لها الساحة السياسية , فأصابهم مرض الغطرسة والغرور والصلافة بالتشفي , مثلاً ( مهند )و يهاتف شقيقه ( سرمد ) بغرور بأنه امتلك حصان السلطة بالتشهي الايروسي ( لك عيني سرمد لو تجيء فدوة أروح لعيونك , والله كل شيء على حسابنا , أقسم لك الكحبات هنا أوقح كحبات من اي مكان بالعالم . لك عيني حللنا الامور على مهل وأرجعنا الاوضاع الى الماركسية اللينينية ) ويضيف وهو يطلق ضحكات مجلجلة ( وينك ؟ . وين رحت ؟ سرمد أسمع . أي قابل سبينا العنب الاسود . أي تعال وشوف بعينك , والله ما أدري شنو السبب , ها , بلكت تعرفه انت بأعتبارك صاحب المزاج اليساري لو الماركسي . يمكن الكحبة هنا تريد أن تتفوق بهذا الجزء من جسمها , تريد أستعماله كما تشاء هي , مو النظام . لا أدري . فبقدر ما ترتعب من أجهزة الدولة والمخابرات , بقدر ما يكون فحشها صاعقاً , فتبدو شهوتها تدميرية , كأنها تضاجع ضد النظام ) ص90 . ويختم مخابرته الهاتفية ( أي , خلينا نشرب في صحة الخراء الوطني والمرحلة الاستية ) ص91 . لكنه يعترف بالحقيقة المرة , بأن ( ألف ) تتشوق الى احضانه ومازالت متعلقة به , بأنه ممسك بها بالاكراه والقوة والارهاب , يعني ان الوطن ينتمي الى من يحترمه ويصون كرامته , وهذه حقيقة بأن الشيوعيين عزفوا على الانغام واصبحت صفة مميزة لهم , في احترام الوطن , بالحب والشوق والاشتياق , عبر نضالهم الطويل , لذلك يصرح ( مهند ) ( أسمع خراء عليك وعلى ( ألف ) التي كانت تضاجعني , وهي تحلم بك فوقها , وأنا اعرف ذلك , ولا يحتاج لا هيَ , ولا أنا الى أثبات , ولكن أبقى داخلاً فيها , ليس بقوة الرغبة واللذة , وانما بشروط العداوة والبغض الذي يركبني وأنا اركبها ) ص91 . ولكن من جانب اخر نضالات الشيوعيين , وهياج كفاحهم الكبير , وتحشيد قوى الشعب , ولكن لم يتجاوز الى فعل التمرد والثورة , مما يشكل الاخفاق والاحباط السياسي , أي يبقى النضال في عتبات التحريض لاغيرذلك . لذلك تبعث ( ألف ) رسالة تكشف فيه حقيقة الحب الى عشيقها ( سرمد ) ( آه سرمد . الجنس معك يشبه التحريض ضد كل شيء . كلا ليس هو الثورة والتمرد , كما يقولون في السياسة ) ص220 . ولكن اين العلة والاخفاق في نضال الشيوعيين العرب عامة , والعراقيين خاصة , هو الخطأ في تطبيق النظرية , الاساءة في ترجمة البيان الشيوعي , بالترجمة المشوهة , بالسوء الفهم في استلهام النظرية , مما يقود الى الاخفاق المدمر . لو كانت الترجمة سليمة وامينة , لانقلب الحال الى الافضل في مستقبلهم السياسي ( لو ترجم البيان الشيوعي . ترجمة سليمة وامينة وجميلة , لتحولت شعوب هذه المنطقة الى الشيوعية ) ص 142 , لكن حدث العكس ( أن الترجمة قتلت الشيوعية , قبل التطبيقات العاهرة , قتلتها في بلادنا ) ص 142 . مما خلقت روحت الانهزام والاحباط والتشاؤم واليأس والغربة الثقيلة ( أريد أن اموت فوق أمرأة , أو تحتها , أو بين أمرأتين , أوأن أمرأة أو مجموعة نساء يبتلعنني فأطمر داخلهن فلا أعود ) ص172 . فأن البعض يسقط همومه على التشهي الايروسي , في الاعتزال السياسي . مثل ( سرمد ) الذي يعاني من ضمور واختفاء عضوه التناسلي ( ذكره ) واصبح يداري همومه في المعالجة الطبية , لهذا الاختفاء والضمور , ويقابله صديقه الطبيب الباكستاني , بالضحك والسخرية عن ذكره المختفي كلياً , ويشرح له حالته المأساوية ( يضمر العضو في بعض الاحيان , ولا يعود الى سابق عهده , ولا يستطيع الامساك به , احد الاسباب , ما أنت عليه من شحوم ولحوم . بالطبع هناك أسباب وظروف أجتماعية ونفسية , ومن المؤكد ستوجهنا الى طرقات السياسية الوعرة , فنستطيع الاشارة الى الفظاعات التي تقترف في كل وقت ومكان ) ص6 .
هذه منصات النص الروائي بدلالاته الرمزية في اشاراتها البليغة
× رواية : التشهي . الروائية المبدعة عالية ممدوح
× الطبعة الاولى : عام 2007
× أصدار : دار الادب للنشر والتوزيع . بيروت / لبنان
× عدد الصفحات : 271 صفحة
جمعة عبدالله