الإثنين, مايو 6, 2024
Homeمقالاتحالة الفرد النفسية والتأقلم : حسين سينو

حالة الفرد النفسية والتأقلم : حسين سينو

مع إتنقالنا من البيئة الشرقية وما حملناه معنا من عادات وتقاليد وأعراف اجتماعية وثقافية وسياسية ودينية ، ومع كل السلبيات والإيجابيات إلى البيئة الأوروبية ، هذه البيئة التي تختلف عن تلك البيئة كل الإختلاف من حيث الكم والنوع . ومن خلال هذا الإختلاف الجوهري بين البيئتين . البيئة التي ولدنا وترعرعنا فيها والبيئة الجديدة التي وجدنا أنفسنا فيها مجبرين ، وجب علينا أن نعمل بقصارى جهدنا وبكل مااتيح لنا من امكانيات أن نتلائم ونتكيف مع هذا الواقع الجديد ، ونتيجة هذا التكيف أصبح عند بعض الأشخاص حالة من الإختلاف وعدم التوازن ، فنراهم يقومون ببعض سلوكيات الغريبة عن واقعنا .

فكل إنسان له حاجات وسلوكيات ، ولونظرنا إلى سلوك أي إنسان ودققنا فيه لوجدنا أن خلف كل سلوك يقوم به هناك غاية تحرضه ، وحاجات الإنسان قد تكون بيولوجية ! كالغذاء و الجنس وقد تكون نفسية أجتماعية : الحاجة للأمن والسلامة والحاجة إلى ا لمعرفة. وهناك قيم كثيرة أكتسبها الإنسان من خلال عيشه في المجتمع قد تحرضه على بعض السلوكيات والقيم التي أحياناً ما تكون قيم شخصية ( النظافة ، الصدق) وقد تكون قيم أجتماعية ( التعاون ، الشعور الإنساني ) ويجب على الإنسان أن يتفاعل مع المحيط الذي يتوا جد فيه ويحاول أن يتكيف معه (تعلم لغة البلد مثلاً) وربما يوفر هذا المحيط للإنسان بعض الحاجات ببعض الوسائل اللازمة لتحقيق أهدافه ، وقد يعين وصول الإنسان إلى بعض حاجاته ، وأحياناً كثيرة وبسبب إختلاف المجتمع الجديد لاينجح من حيث قيمه وأخلاقياته مع قيم الفرد وأخلاقه التي جلبها من موطنه الأصلي ، وكثير من الأشخاص يتوافقون مع المحيط الأجتماعي الجديد ويندمجون فيه وتتولد لديهم قناعة بأنهم على خير ما يرام . والكثير منهم لايتوصلون إلى الأندماج والأستقرار المناسبين في هذا الجو الجديد فتزداد حالة التوتر لديهم ، فنرى بعضهم يقومون بسلوكيات غير ملائمة لتنفيس غاياتهم وحاجاتهم ويسلكون طرق غير شرعية . والعوائق مختلفة بين الإنسان وأهدافه وحاجاته ، فقد يكون العائق إجتماعياً ( كالنبت التي تحاول أن تسلك سلوكاً متمرد اً في مجتمع متزامت بعض الشيء ) وقد يكون العائق ذاتياً ( كالإنسان الذي يريد أن يتعلم لغة البلد وهو لايعرف الأحرف ) وهناك ما يزيد من تعقد مشكلة استقرار الشخص مع محيطه ، حيث هذا المحيط لايستقر على حال ( منع الإقامات مثلاً …) إذ أن الإنسان لديه كثير من الحاجات وكل هذه الحاجات يجب أن تحقق ، فتراها كثيراً ما تتصارع فيما بينها في بعض الحالات ، وكثيراً ما يقع الإنسان في حالة الصراع مع ذاته( فمثلاً يريد أن يشتري كتاباً مترجماً ليتعلم اللغة أم تراه يشتري لعبة لأبنه لأنه لايملك المال الكافي لشراء تلك الحاجتين معاً ) . وقد يكون الصراع بين الحاجات والقيم ، ( في أحدى الحروب كان أحد الجند يشكومن خلل عضوي ، فأ حيل إلى طبيب نفساني وبعد التحليل ظهر بأنه يشكو من صراع داخلي بين قيم ه الدينية التي تحرم عليه القتل وبين حبه لوطنه الذي يفرض عليه الإنتصار في الحرب وقتل الأعداء ) وهنا قام اللاشعور بدوره فتخلص من هذا الصراع وقدمت اليد المشلولة حلاً . الحال ، أن الصحة النفسية لاتعني أنعدام المرض ، إنما هي علاقة مناسبة بين الفرد بوصفه ميدان حاجات متناقضة وأهداف مختلفة من جهة ، و بين محيطه من جهة أخرى ، وأن يستقر عالمه الداخلي كما يستقر عالمه الخارجي مع البيئة بشكل يتكيف معها ويكافح من أجل الحفاظ على تكيفه مع الواقع عن طريق تغير شروط التكيف نفسها . فالصحة النفسية هي حالة ديناميكية تتكون من ثلاثة أمور :

ــ العلاقة بين جوانب الشخصية ذاتها
ــ علاقة الشخصية مع المحيط
ــ حالة متغيرة وبحاجة إلى إعادة تكيف مستمر

إن مصطلح التكيف يعود إلى مدرسة داروين ، حيث رأى أن القابلية والقدرة على التكيف مع المحيط ه و الس ر في أستمرار الكائنات الحية في الوجود وأن الكائنات الحية التي لاتملك القدرة على التكيف تتعرض إلى الإنقراض . إن البيئة ليست حالة ثابتة ( تقلبات الحرارة ــ الجو …الخ ) أو زيادة كميات الغذاء أو نقصها ونوعيتها ، الإنسان يتميز عن بقية الكائنات الحية بقدرته الكبيرة على التكيف وربما هذه القدرة الفائقة هي التي دفعت بعض العلماء إلى إ عتبار الذكاء هو القدرة على التكيف . إن الدلالة اللغوية لمصطلح ” التكيف ” تعني التوافق بين بنيتين أو نس ق ين غير متماثلين تماماً . فالتكيف هو ذلك السلوك القادر على التوفيق بين حاجات الشخصية ومطالبها من جهة وبين مق ت ض ي ات البيئة الطبيعية والإجتماعية من جهة أخرى . ويعني التكيف أيضاً التوفيق بين حاجات الإنسان المختلفة وبين الحاجات والقيم وبين القيم نفسها . ولايعني التكيف دائماً سلوكاً فعالاً بحيث يصل هذا السلوك إلى الأهداف ، بل قد يتخذ هذا السلوك أساليب أخرى عن طريق سلوك غير مناسب . وهناك كثير من العوامل والمؤثرة في التكيف : منها حاجات الإنسان ودوافعه ، تركيب الإنسان الفيزيولوجي ( ضعف البصر ــ مظهر الجسد ــ عيوب خلقية… ) .

العادات والتقاليد

أن هذه العادات التي أكتسبها الفرد سابقاً قد لاتكون مناسبة في المحيط الجديد الأوامر والنواهي ما هو مسموح وما هو ممنوع ) ، وكذلك قدرات الإنسان لها تأثير كبير على تكيفه مع المحيط الجديد ، والتصور الذي يملكه الفرد ح ول علاقته مع الأخرين ( قد يشعر بأن الأخرين يتأمرون عليه ويحسدونه على ما لديه من إمكانيات ) وهذا أيضاً يؤثر على تكيفه مع الأخرين . التغيرات الثقافية ، فالتقدم التكنولوجي فرض على الأفراد في هذه المجتمعات ا لإ نتقال إلى أعمال وأنماط من العيش غير م ألوفة لديهم ( الكومبيوتر ــ الأنترنيت ) إن لكل مجتمع مجموعة من الأفكار والعادات والقيم الخاصة به وهذه القيم والعادات تميز المجتمعات عن بعضها البعض وتحددهويتها . وفي كل الأحوال أن هذه الحالات من الثقافات قد تطلب من الفرد أن يكون على صورة قد لايراها هو مناسبة وبذلك يسوء تكيفه وتكون هناك صورة أسوء ، وأعقد عندما تتناقض ثقافة الجماعة التي يتنمي إليها الفرد مع ثقافة المجتمع الجديد ، في هذه الحالة يضطر الإنسان القيام بعمليات معقدة من أجل تحقيق التكيف . ومن جهة أخرى فأن حسن التكيف وسوءه يرتبط ان بوضع الطبقة الإجتماعي والأقتصادي . فقد قرر ( كاكل ) أن معظم التقارير الكلينيكية تدل على وجود أرتباط واضح بين الجنوح وبين المركز الإجتماعي . فالجنوح والقلق والصراع بشكل عام يزداد في الفئات الدنيا من المجتمع وسبب ذلك أن عوامل الفقر والحرمان وزيادة عوائق البيئة الإجتماعية تحول دون إشباع كثير من الحاجات . ويمكن الأستدلا ل على التكيف من خلال سلوك الظاهر للإنسان ، وإن التكيف السوي وهو سلوك سوي والتكيف الشاذ هو سلوك شاذ . إن الخلل من خلال السلوك المتكرر ينعكس على مجمل البيئة النفسية فالبنية النفسية تتفاعل مكوناتها مع بعض ها البعض . إن الصحة النفسية كالصحة الجسدية فالخلل في أحد أجهزة الجسم ( الجهاز العصبي …) يؤثر على الجسد ككل  في النهاية.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular