الأربعاء, مايو 15, 2024
Homeاراءرحلة في البادية الحلقة الثانية : الدكتور خليل جندي

رحلة في البادية الحلقة الثانية : الدكتور خليل جندي

يصل رجل روسيا القيصرية (باسيل كورباه) برفقة صاحب المذكرات الشيخ إسكندر الحايك مع مترجم الى معبد لالش عند الساعة السابعة مساء السادس من أيار (ص145) دون ذكر السنة، لكن من خلال سياق الكتاب، يبدو انه كان سنة 1914 قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى بحوالي ثلاثة أشهر (1). يفتح أحد رجال الحرس لهم الباب ويأخذهم الى القاعة ينتظرون قدوم الأمير. يعود الحارس ويدعوهم الى الطابق الأعلى، وعند السلم “التقاهم شاب لا يتجاوز العشرين من عمره فرحب بنا ذاهباً الى قاعة عظيمة معدة لاستقبال الزائرين…ومرت هنيهة على جلوسنا والشاب، فأقبلت علينا سيدة رصينة في عقدها الرابع وقد ارتدت ملابس تشبه الملكات الشرقيات في العصور الخالية، وكانت والدة ذلك الشاب جليسنا، فشرعت تلاطفنا وتحدثنا حديثاً دلنا على قوة ذكائها ورقيها وكانت جميلة الطامة رشيقة القوام” (ص 146) ولما سألها الترجمان ما إذا كانوا مسرورين بإقامتهم في ذلك المكان المنفرد؟ أجابت: “ان الحياة هذه شقاء واكدار. وليست السعادة من وراء العيش في الدور والقصور، فان الموت يتهدد ساكنيها على ممر الساعات والدقائق.”
يقول الشيخ إسكندر يوسف، استدللنا من قولها انها حزينة كئيبة واستبحنا لنفسنا زيادة الاستفهام، فأدركنا ان نائبة نزلت بها. فقلنا كل نفس حية معرضة في هذه الدنيا للعذاب والتألم، وللحياة مشاكلها ومصاعبها واحزانها واكدارها، فكان جوابها الصمت مشفوعاً بسيل من الدموع.
وبعد أن أخذت الأميرة ضيوفها بجولة داخل المعبد بقاعاته وغرفه والساكنين فيه، عادوا لتناول العشاء الذي كان عبارة عن “خروفاً صغيراً على صدر كبير وثلاثة أرانب برية على صدر آخر، وعلى صدرين آخرين خضرة متنوعة منها نيء ومنها مسلوق. وكان النقل تيناً مجففاً وزبيباً وعسلاً فاخراً.” وما هو غير قليل حتى طلب السائح من الأميرة ان تعلمه ما إذا كان زوجها الأمير خارجاً عن الدار، أم مريضاً؟
يقول الشيخ إسكندر، تنهدت الأميرة وقالت: “ليس الأمير هنا، فانه مات منذ أربعة أشهر بعد أن شرب القهوة في داخل المعبد، وقد تحققنا أنه مات مسموماً، ولا يزال واضع السم في القهوة مجهولاً انما هو من عائلة المشايخ.” (ص155) وكانت ملابس الأميرة حينذاك من الحرير المزركش المحلل بقماش أسود علامة الحداد وما كان موت زوجها ليمنعها من التزين بحلاها وجواهرها، فكانت وضعة الذهب والفضة فوق جبينها وقد جعلتها على شكل التاج. وقد رأينا فوق اذنيها نوعاً من الاقراط معلقة بالتاج، وكان عنقها مزداناً بعقد شبيه بالعقود الشرقية القديمة التي تشاهد في المتحف الأثري المصري، ولم تكن الحجارة التي رصعت ذلك العقد بأقل من عشرين حجراً مختلفة الألوان” (ص156)
قلنا: ولماذا تنسبون عمل الاغتيال الى المشايخ؟ اهم أعداء لكم؟ أليسوا من جنود الأمير؟
قالت الأميرة: “ان قانون الطائفة يصرح بانه إذا انقرضت عائلة الشيخ عدي تعود الامارة الى من تنتخبه الجمعية العمومية (2) وهذا ما يدعو الى اليقين بان قاتل زوجي أحد الشيوخ لان نفوسهم تحدثهم بانتقال الامارة الى عائلتهم.” (ص156)
في هذه الحلقة أتوقف عند هذه الجزئية، مقتل الأمير من قبل أحد شيوخ الايزيدية.
رغم ان كاتب المذكرات الشيخ إسكندر الحايك لم يذكر اسم الأميرة، ولا اسم ابنها الشاب العشريني، ولا اسم زوجها القتيل، إلا أن المقصود من الشخصيات هم كالتالي: الأميرة هي ميان خاتون بنت عبدي بك بن علي بك بن حسن بك (1873-1957م). الشاب العشريني هو سعيد بك بن علي بك. والأمير المقتول هو علي بك بن حسين بك، ابن عم وزوج الأميرة ميان خاتون. الأمير الذي نفي الى سيواس مصطحباً معه زوجته عام 1894 بعد أن رفض دعوة الفريق عمر وهبي باشا باعتناق الإسلام، قائلاً: “لو قتلتموني لا أحيد عن ديني قيد شعرة”.
تذكر بعض المصادر ان الأمير علي بك اغتيل عام 1913، إلاّ أن الأميرة ميان خاتون في لقائها مع السائح الروسي والشيخ إسكندر في الخامس من شهر أيار/1914 تقول إن زوجها مات مسموماً قبل أربعة أشهر. إذن موت الأمير علي بك، سواء عن طريق الاغتيال أو التسمم، هو بداية عام 1914 أو أواخر عام 1913، ولا فرق بين تاريخ الاغتيال غير شهر أو شهرين. وتوجه أصابع الاتهام بمقتل الأمير علي بك الى (فتاح وعلي من أبناء جولو بك). الأميرة ميان خاتون حسب هذا المصدر تحسم الأمر بان زوجها مات مسموماً وليس اغتيالاً، فهل ان (فتاح وعلي جولو بك) هما اللذان دسا السم في قهوة الأمير علي بك، أم هنالك أشخاص آخرين وراء عملية التسمم؟
إذا كان الأمير سعيد بك من مواليد 1901 حسب العديد من المصادر التي تحدث عنه، فان عمره كان بين (12-13) عاماً عند اغتيال والدة الأمير علي بك، وليس عشرين عاماً حسب تقدير الشيخ إسكندر في أول لقائهم به في معبد لالش. وكانت والدته الأميرة ميان خاتون وصية عليه الى ان بلغ سن الرشد، بل الى مماته عام 1944.
الهوامش
(1) اندلعت الحرب العالمية الأولى شهر آب 1914).
(2) ربما القصد من الجمعية هو المجلس الروحاني الايزيدي الأعلى، علماً لم يكن هذا المجلس موجوداً حينذاك، بل تشكل عام 1928)
* تتبع الحلقة الثالثة: أسرار تكشفها الأميرة ميان خاتون للسائح ومرافقه
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular