الجمعة, مايو 17, 2024
Homeاراءسعد سلوم : الايزيديون في خريطة الإبادة الجماعية في العصرالحديث

سعد سلوم : الايزيديون في خريطة الإبادة الجماعية في العصرالحديث

تحدث الإبادة الجماعية منذ أقدم التواريخ المسجلة، وغالبا ما كانت هناك ابادات تبرر على اساس ديني لكننا لا نجد لها صلة بما يحدث اليوم، اذ غالبا ما يصاب المسيحيون بصدمة لقراءة أن الرب إله إسرائيل، أمر بالتدمير الكامل (القضاء على جميع الرجال والنساء والأطفال) من جماعة عرقية تعرف باسم الكنعانيين. 

ويبدوأن هذا يتعارض مع أمر يسوع في العهد الجديد إلى ان يحب الناس اعداءهم ويحسنوا إلى جميع الناس، كيف يمكن ان يأمر الاله بارتكاب ابادات؟!.

وفي الواقع لا يحتاج الناس الى دوافع دينية لارتكاب الابادة، سواء تحدثنا عن ابادة الكنعانيين التي يصورها سفر يشوع، مرورا بالابادة الرومانية بقرطاج، وبعدها حالات ليس لها حصر للتطهير العرقي وابادة السكان. 

لكن منذ إبادة الارمن أصبحت عمليات الإبادة الجماعية أكثر اتساعا، أكثر انتظاما، وأكثر دقة. وهي تمثل تتويجا للعنف الواسع النطاق الذي ميز القرن العشرين. تكشف الإبادة الجماعية عن عمق الأزمة الثقافية التي تنخر عالمنا المعاصر، وتثير مخاوفا عميقة عن عالم مرعب نعيش فيه يقع فيه المدنيون ضحايا لحسابات ضيقة وتصنف فيه الشعوب الى مراتب.

لم يستثني هذا التصنيف شعبا من الشعوب على اسس قومية، دينية، مذهبية، فكرية الخ كما جميع انواع الانظمة ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية. الاوربيون منذ القرن الخامس عشر إلى التاسع عشر عملوا على إبادة السكان الأصليين في أستراليا وأمريكا الشمالية. وفي العقد الأول من القرن العشرين قامت الدولة الالمانية بإرتكاب الإبادة الجماعية للهيريروز في جنوب غرب أفريقيا. والقائمة تطول المانيا النازية والاتحاد السوفيتي لا سيما عمليات التطهير العرقية والقومية التي بدأت في عهد ستالين، وكمبوديا تحت حكم الخمير الحمر، ويوغوسلافيا السابقة وراوندا ودارفور وانتهاء بإبادة الايزيديين في سنجار شمال العراق.2

وقد أثبتت الأحداث الأخيرة في العراق بعد اجتياح داعش لمحافظة نينوى 2014 وقبلها في يوغوسلافيا ورواندا وتيمور الشرقية ودارفور كيف ان تهديد الإبادة الجماعية لا يزال قضية رئيسية في السياسة العالمية، ومع توفر كم جديد من التفسيرات المختلفة للإبادة الجماعية من علم النفس وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والعلوم السياسية تم تحليل تأثير العنصر أوالعرق أوالقومية والجنس على جرائم الإبادة الجماعية. 

لذا، اعتقد اننا وبعد مرور مائة عام، لا يمكن ان نضيف شيئا الى ما كتب من قبل، لكن من المهم لنا ان نتحدث في سياق أكثر عملية وراهنية. فأن يكون أكثر من ستين مليون شخصا ضحايا الإبادة الجماعية في القرن العشرين وحده، بما في ذلك الخسائر الأخيرة في البوسنة ورواندا، وبمعزل عن ضحايا دارفور والعراق، فذلك يستحق منا وقفة لمنع تكرار هذا العنف عن طريق رفض اية سياسة لتأويل الماضي تفتح الطريق امام التصنيف والتمييز، ومن ثم المناخ الملائم لارتكاب الإبادة .3

من إبادة الارمن الى إبادة الأيزيديين 

هذا الكتاب هومحاولة لأثارة الانتباه الى اخر أبادة فظيعة شهدها العالم، وهي تشكل في التاريخ الأيزيديحلقة اضافية لتاريخ متصل من الأبادات، إذ يؤرخ الأيزيديون لـ»72 »أبادة جماعية في ذاكرتهم، يطلقون عليهم تسمية »الفرمانات« ويضيفون الرقم 73 لوصف الإبادة على يد تنظيم داعش.

وقد شكل سبي النساء الأيزيديات واغتصابهن من قبل مقاتلي داعش نوعا خاصا من الهجوم، استخدم كوسيلة للتطهير العرقي لتحقيق اهداف تتعدى مجرد الاعتداء على النساء واستخدامهن كسلعة في سوق نخاسة القرن الحادي والعشرين.

فقد كان استخداما للنساء في الحرب بهدف الترويع والاذلال الجماعي لأقلية ّ دينية وحط لكرامتها، وايضا بهدف التأثير على التكوين العرقي لهذه الاقلية الدينية، وبذا ينتمي هذا الفعل الى سلسلة (الفرمانات) التي حاولت استئصال الأيزيديين وتغيير عقيدتهم والتأثير على تكوينهم العرقي والديني المتميز. والافعال التي تكون اركان هذه الجريمة مماثلة لما فعله الاتراك بالاارمنيات، ولما فعله الصرب بالبوسنيات، والهوتوبالتوتسيات إذا اردنا الحديث عن سياق مقارن .4

اما الارقام الباردة، فتستطيع ان تمنحنا تصورا عن معاناة الأيزيديين ونكبتهم الكبرى، فبحسب الارقام التي اعلنتها (مديرية اوقاف الأيزيديين في حكومة اقليم كردستان)، فإنه بعد عام من اجتياح تنظيم داعش لمناطقهم في سنجار كان %75 من الأيزيديين مازالونازحين، فمن اصل 550000 ايزيدي في العراق، بلغ عدد النازحين منهم، بحدود(400000 ) شخص، أما عدد اللاجئين فهوبحدود (65000 ) لاجئ، وبلغ عدد المخطوفين على أيدي داعش 5838 ،بينما وصل عدد المفقودين 841 شخصا، فيما عدد القتلى الموثق هو1280 قتيل. أما عدد الذين توفوا جراء اجتياح سنجار فهو280 شخصا، والجرحى 890 ّ جريحا. وفجر تنظيم داعش 18 مزارا الإيزيديين في سنجار، وبعشيقة، وبحزاني وتم الكشف عن 12 مقبرة جماعية في الاجزاء الشمالية المحررة من سنجار، ومن المتوقع الكشف عن أكثر من ذلك في القسم الجنوبي، الذي ما زال بقبضة داعش .5

ترتبط معظم الأبادات الجماعية بالاجراءات العنيفة التي تتخذتها الدول القومية ضد احدى اقلياتها، وقد واجه المجتمع الدولي صعوبات في مساعيه لوقف الإبادة الجماعية، لاسيما بعد عام 1948 ،اي بعد ابرام منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها .6

إبادة الهيرورز 1904 1907-  Herreros

لعل اول مثال سبق الإبادة الجماعية التركية لألرمن في العام 1915 ،هوما حصل في جنوب غرب أفريقيا الالمانية 1904-1907 ،إذ كان الهيرورز من الرعاة الاصليين في افريقيا، المهاجرين إلى ما يعرف بالوقت الحاضر بناميبيا في القرن السابع عشر، وبعد أن دخلت ألمانيا القارة الافريقية كقوة استعمارية في تلك المنطقة من افريقيا في القرن التاسع عشر ضمت أراضي الهيرورز في عام 1885 كجزء من ممتلكات جنوب غرب أفريقيا الالمانية، وبعد سلسلة من الانتفاضات ضد المزارعين الاستعماريين الالمان، قام الجيش الالماني ما بين عامي 1904 و1907 بإبادة أربعة أخماس سكان الهيرورز، ولم تستثني سياسة الإبادة النساء والأطفال على الرغم من أن المجتمع الدولي قد ادرك تلك الإبادة ، فإنه لم يفعل أي شيء لمنعها، بعد مرور مائة عام اعتذرت الحكومة الألمانية عن ذلك.  

 

الإبادة التركية للأرمن 1915-1923

حظيت الإبادة التركية للإرمن بتناول واسع في الادبيات الخاصة ب الإبادة ، وتصدر سنويا مجلدات تتناول هذه الإبادة وتدعو لإعتراف تركيا بها، فضلا عن ورودها في مقدمة الامثلة عن الإبادة الجماعية في الموسوعات التي تتناول اهم الامثلة عن الأبادات في القرن العشرين. نفذت هذه الإبادة على الاقلية الارمنية المسيحية التي تعد اخر جماعة عرقية رئيسية في الإمبراطورية العثمانية، فقد غادر اراضي الحكم العثماني في العقود المتاخرة اليونانيون والرومانيون والبلغار والصرب. 

وكانت قيادة تركية جديدة قد قامت في عام 1908 بتقليص صالحيات السلطان بشكل كبير، وفي العام 1913 استولى ثلاثة شبان من حزب تركيا الفتاة على الحكومة، وأصبحوا حكاما مستبدين، تحدوهم خطة إلنشاء امبراطورية تركية ً جديدة من خلال توسيع حدود دولتهم شرقا، وكانت خطة الدولة مؤسسة على هوية آحادية (دين واحد/عرق واحد/لغة واحدة)، ومن ثم فإنها كانت تواجه عقبة التنوع الاثني الديني في الإمبراطورية. وما إن بدأت الحرب العالمية الأولى حتى اغتنمت الحكومة التركية الجديدة الفرصة لحل »المشكلة الارمنية « عبر اتباع سياسة الإبادة التي استهدفت السكان الارمن، وخاصة أولئك الذين عاشوا في الأقسام الشرقية من الإمبراطورية. 

في أبريل/نيسان 1915 بدأ الحل النهائي عبر قتل النخب الارمنية من المفكرين والمثقفين والمسؤولين الحكوميين المحليين، ثم جاءت حملة اعتقال جميع الرجال الارمن الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15-70 في مختلف أنحاء البالد، وتمت إبادتهم من قبل العسكريين والسكان المحليين، اما الخطوة الاخيرة فتمثلت بترحيل مليون ً ارمني من النساء والشيوخ والاطفال، طردوا جنوبا عبر الجبال باتجاه الصحراء السورية. والنتيجة كانت قتل ما يقارب مليوني أرمني خلال حقبة الإبادة التي استمرت ثماني سنوات.

الأبادة السوفياتية لأوكرانيا 1932-1933  

ما ان اصبح »جوزيف ستالين« الزعيم الديكتاتوري للاتحاد السوفيتي في العام 1924 حتى تبنى سياسات قاسية تجاه أي اتجاه استقلالي عن امبراطوريته حصل مع النخب الارمنية على يد الاتراك، فقد اعتقلت قوات ستالين ابتداء من عام 1929أكثر من خمسة الاف من الاساتذة الأوكرانيين، فضلا عن القادة في المجالات السياسية الثقافية والاقتصادية والدينية، ثم تم قتلهم. في العام 1932 امر ستالين بتبني نظام قاس لإدارة الأراضي تم من خلاله الاستحواذ على جميع الأراضي الزراعية المملوكة للقطاع الخاص والماشية في اوكرانيا من قبل الحكومة السوفيتية. كذلك تم إبادة فئة المزارعين الميسورين »الكولاك«، إذ اعتقد ستالين بانهم سيصبحون المجموعة التالية من الانقالبيين، لذا أعلن بانهم »أعداء الشعب« وجردهم من كل ما لديهم ممتلكات، ويقدر ان عشرة ملايين من الكوالك تم نقلهم إلى سيبيريا، وأن أكثر من ثلاثة ملايين منهم لقوا حتفهم في هذه العملية. وفي ربيع عام 1933 كان يتوفى من الجوع حوالي 25 الف شخص في أوكرانيا يوميا. في النهاية، فإن ما يقارب 7 ملايين )من بينهم 3 ملايين طفل)توفي بسبب المجاعة المفروضة من قبل الاتحاد السوفيتي.

الإبادة اليابانية في الصين 1937 

في ديسمبر/كانون الاول من عام 1937ذبح اليابانيون بطريقة بشعة ابرياء من الرجال والنساء والأطفال عندما غزا الجيش الإمبراطوري الياباني عاصمة الصين »نانجينغ«، وقد أمرت تلك القوات بقتل جميع الرهائن في ستة أسابيع متتالية، فقتل نصف عدد سكان المدينة (من أصل 600 الف شخص، بضمنهم 90 ً الفا من الجنود الصينيين الذين استسلموا) عبر اطلاق النار والحرق والطعن والإغراق. ومن 20 الف الى 80 الف من النساء الصينيات تعرضن للاغتصاب، ثم تم قتلهن على يد القوات اليابانية. اما بقية السكان (300 الف) فقد تمكنوا من النجاة بعد ان تمكن الدبلوماسيون الأجانب من خلق منطقة آمنة تتكون من 25 فدانا، أنقذت بقية السكان من الإبادة.

الإبادة النازية لليهود والقوميات الاخرى

شكلت الاقلية اليهودية نسبة %1 من اصل 55 مليون الماني قبيل الحرب العالمية الثانية، وحين وصل »أدولف هتلر« إلى السلطة في عام 1933 بدأت معاناة اليهود بالبروز. في العام 1935 على سبيل المثال تم إلغاء جنسيتهم الالمانية، وفي عام 1938 كانت ليلة الكريستال (ليلة الزجاج المكسور) التي دمر خلالها أكثر من 500  معبد ومئات من الشركات اليهودية. وفي العام 1942 بدأت عمليات الإعدام في معسكرات الاعتقال النازية، وبحلول عام 1945 كان نحو ستة ملايين يهودي قد تم إبادتهم من قبل الحكومة النازية ضمن اطار ما سمي بـ« الحل النهائي للمشكلة اليهودية«.7

على الرغم من أن اليهود كانوا الهدف الرئيسي من عمليات القتل التي قام بها النازيون في جميع أنحاء القارة، لكن كان هناك ضحايا آخرين: عشرات الالاف من الغجر قتلوا على أيدي النازيين، والملايين من الروس والبولنديين أبيدوا من خلال التجويع والتعذيب والقتل، واستخدم الملايين كعمال عبيد في المصانع الحربية النازية، وتوفي اغلبهم بسبب فقر وشحة الوجبات الغذائية، ونقص العلاج الطبي، والتعذيب. وكانت كذلك الجماعات السياسية والدينية هدفا للتدمير من قبل النظام النازي بما في ذلك الشيوعيين والاشتراكيين والنقابيين.

الإبادة في اوغندا 1971-1979

استحوذ »عيدي امين« على السلطة في اوغندا منذ عام 1971 حتى عام 1979 . وسرعان ما تدهور الوضع الاقتصادي نتيجة السياسات التي اتبعها امين، لاسيما فيما يتعلق بطرد الهنود وتأميم الصناعة وتوسيع القطاع العام، وتم تخفيض رواتب الموظفين بنسبة %90 خلال اقل من عقد من الزمن. في الواقع ليس هناك احصائية دقيقة عن عدد ضحايا 

 

نظام عيدي أمين، لكن عددا من المراقبين الدوليين ومنظمات حقوق الانسان يقدرون ذلك العدد بـ( 100000 الى 500000).

كان لدى امين شرطة سرية مهمتها كشف الاعداء في الدولة، والذين غالبا ما يكونون وهميين، وقاد ارهاب الدولة الى تصفية العديد من المعارضين، لاسيما الجماعات المسيحية التي ابيدت بقسوة كبيرة. على الرغم من ان الجرائم واجهت إستنكارا دوليا، لكن عدا الحظر الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على اوغندا في عام 1978 ،فإن المجتمع الدولي لم يقرن إدانته بعمل واقعي لمنع الإبادة ، وذلك حتى العام 1979 عندما قامت جماعة من المتمردين الاوغنديين المدعومين من قبل الجنود التنزانيين بإزاحة امين من السلطة .  

الإبادة في كمبوديا 1975-1979 

بين 1975 حتى 1979 تمكن »بول بوت« من حكم كمبوديا بعد اسقاط الحكومة الكمبودية. اتسمت فترة حكمه بالرعب والعنف والاعدامات التي طالت مليونيين من اعداءه المحليين، كان بوت يسعى الى بناء مجتمع شيوعي فلاحي على غرار القفزة الصينية الكبيرة، لذا امر بتدمير المراكز الحضرية وتقليص عدد الذي يعيشون فيها. وكان الهدف من ذلك تصفية الثقافة الغربية في كمبوديا، بما في ذلك الاقليات الاثنية ورجال الدين البوذيين والمثقفين واعداء الحكومة السابقة. نفذت تلك الاعمال تحت شعار (ما هوفاسد ينبغي ان يزال) في النهاية اكثر من %25 من سكان كمبوديا، اي ما يقارب مليونيين تم ابادتهم. بعد ان قامت فيتنام باحتلال كمبوديا في عام 1978 اسقط نظام بول بوت، ويسدل الستار عن مأساة الإبادة .

إبادة الاكراد في العراق 1987-1991

تنتمي الى سجل صدام حسين الاسود مجموعة من الجرائم ضد الانسانية، ومنها ما حصل بعد حرب الخليج الثانية 1991 مباشرة، ضد الشيعة، ولكن القضية التي حظيت بإهتمام دولي هي ما اقدم على ارتكابه ضد الاكراد اثناء الحرب مع ايران في ثمانينيات القرن الماضي، وبعد ان وضعت الحرب اوزارها.

تطلق تسمية الانفال على العملية العسكرية المنظمة التي قام بها نظام البعث في فترة حكم صدام حسين لإزالة الكرد الذين يعيشون في شمال العراق، تضمنت العملية استخدام الاسلحة الكيميائية ومعسكرات الاعتقال، واتسمت بعمليات الاعدام الجماعي واختفاء مئات الالافمن العزل بما في ذلك النساء والاطفال.

قادت العملية الى تصفية سكان بعض القرى بشكل تام، تم تدمير 2000 قرية، بما في ذلك المدارس والمنازل والجوامع ونهب الممتلكات للسكان المدنيين والاعتقالات العشوائية وتهجير عدة الاف من الاكراد وتدمير البنى التحتية، لذا اتسمت العملية بطابع الإبادة.8 

الإبادة في راوندا 1994  

على الرغم من وجود ما يقارب 3 الاف من قوات الامم المتحدة لحفظ السالم في راوندا عندما حدثت عمليات الإبادة ، لكنها لم تستطع التدخل لمنعها، وكان هذا دليال جديدا على فشل المجتمع الدولي في منع الإبادة الجماعية أووقفها. تتكون راوندا من سبعة ملايين نسمة، وخلال العهد الاستعماري )عندما كانت راوندا مستعمرة بلجيكية( كانت تتكون من إثنتين من الجماعات الاثنية هما: الهوتو: الذين يشكلون الاغلبية، ويعمل اغلبهم بالزراعة. والتوتسي: الذين يعدون اقلية، وقد تم اختيارهم من قبل الاحتالل البلجيكي الشغال الوظائف الحكومية، فكانوا الاقلية الاثنية المفضلة من قبل المستعمرين الاوربيين. بعد نيل الاستقالل في عام 1962 تمكن الهوتومن الاستحواذ على السلطة، ما ادى الى هروب اكثر من 200000 توتسي الى الدول المجاورة، بعد ذلك شكلوا ميليشياتهم التي اطلق عليها (الجبهة الوطنيةالراوندية).

وقد حدثت مواجهات عسكرية مستمرة بين الهوتووالتوتسي حتى عام 1990 حيث توصلا الى اتفاقية للمشاركة في السلطة بشكل عادل. لكن في العام 1994 بدأت عملية الإبادة على يد ميليشيات الهوتو، استعمل خلالها ادوات زراعية بما في ذلك المناجل كوسائل لقتل افراد اقلية التوتسي فضلا عن المعتدلين من الهوتو، استمرت عمليات القتل لمدة 100 يوم. وأسفرت عن ما يقرب من 800 الف قتيل، ونزوح مئات الاف الى الدول المجاورة وسط صمت المجتمع الدولي. انتهت الإبادة بقيام ميليشيات التوتسي بشن هجمات من الدول المجاورة ضد الهوتو، ما ادى الى هزيمة الاخيرة في تموز1994. 9

الإبادة في البوسنة 1992-1995 

بعد وفاة الزعيم اليوغسالفي تيتوفي عام 1980 بدأت يوغسالفيا بالتفتت تدريجيا الى وحدات دينية واثنية. وقد حاولت صربيا التي تعد احدى المكونات اليوغسالفية الاساسية ان تبني مع بداية عام (1990 )دولة صربيا الكبرى. 

في عام (1991 )اعلنت كرواتيا وسلوفينيا استقلالها، ما قاد الى حرب قصيرة استمرت لمدة عشرة ايام بين صربيا وسلوفينيا، وفي العام ذاته هاجمت صربيا كرواتيا )التي على خالف سلوفينيا يشكل الصرب الارثوذكس %12 من سكانها). وفي عام 1992 )) ما إن اعلنت البوسنة استقلالها والتي يشكل الصرب الارثوذكس (%32 )من سكانها حتى اندفع الجيش الصربي والميليشيات الصربية الى الهجوم على البوسنة كمحاولة لتصفية المسلمين بحجة حماية الاقلية الصربية التي تعيش في البوسنة .

وقد حاولت صربيا بقيادة »سلوبودون ميلوسوفيتش« إزالة الكروات والمسلمين والحاق البوسنة بصربيا. وعلى غرار الأبادات الاخرى في اوربا وتركيا قام الصرب بقتل النخب البوسنية من القادة المسلمين بما في ذلك المسؤولين الحكوميين، والقادة الدينيين؟ والاساتذة، والمثقفين، واستخدم الاغتصاب كسلاح في حرب التطهير العرقي للمسلمين في البوسنة .

في نهاية عام 1995 اوقف القتال بعد ضغوطات بعد التدخل الدولي من قبل دول اوربا الغربية والولايات المتحدة. لكن بعد قتل اكثر من (200000 )بوسني مسلم على يد الصرب، تشرد اكثر من مليوني مسلم بوسني . 

الإبادة في دارفور 

قامت ميليشيات الجنجويد المدعومة من قبل الحكومة السودانية منذ العام 2003 بعمليات ابادة واغتصاب ومجاعة وكذلك قامت بعمليات تهجير واسعة في اقليم دارفور غرب السودان. والنتيجة ان حوالي 400000 شخص لقوا حتفهم نتيجة اعمال الحكومة وميليشياتها، وما يقارب من ثالثة ملايين اجبروا على مغادرة قراهم، واكثر من 200000 غادروا البالد باتجاه دولة تشاد المجاورة. ظل النازحون يعيشون اوضاعا مزرية، سواء في دارفور اوتشاد، وتعرضوا لهجمات الجنجويد، بجانب عمليات القتل هناك العديد من الضحايا توفوا بسبب المجاعة وشحة المواد الطبية، ومثل العديد من امثلة الإبادة ، فشل المجتمع الدولي في وقفها اوكان ما يقدمه مثيرا لإلحباط، وذلك على الرغم من وصف العديد من الدول اعمال الحكومة السودانية بالإبادة ، وإصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير.

تحالف الضحايا العالمي (تحالف من اجل عدالةدائمة (

اطلقنا بمناسبة الذكرى المئوية لألبادة الارمنية ، فكرة (تحالف الضحايا العالمي)، واوضحنا ان التحالف سوف يكون غير رسمي، ويقوده مثقفون وناشطون مدنيون ورجال دين، كي يتبلور في مواجهة المصالح الدولية ونخب البزنس الاثنوطائفي، إنه تحالف يقوم على خطوات عملية تمكن اعضاءه من العمل على ثلاث مخرجات مهمة هي:

اولا: تمكين المجتمع الدولي من اتخاذ خطوات عملية لتحسين رد الفعل على الإبادة الجماعية المقبلة.

ثانيا: توفير محاكمات دولية رمزية للجناة سواء كانوا افرادا اوحكومات . 

ثالثا: فضح طبيعة وآليات استثمار الضحايا لتغذية مصالح النخب السياسية التي تتاجر بالكراهية. 10

ورغبة منا في سد فراغ المكتبة العربية التي تفتقر الى ادبيات عن الإبادة اطلقنا اول سلسلة بالعربية عن الإبادة (من إبادة الارمن الى إبادة الأيزيديين – مائة عام من الإبادة الجماعية)، يحتل الكتاب الذي اعده الزميل »حسوهورمي« الترتيب الثاني في السلسلة. وها نحن نؤكد في تقديمنا لهذا الكتاب ايضا، من جديد وبمناسبة توثيق الإبادة التي حاقت بالأيزيديين على ان احياء الذكرى وتوثيق الإبادة ينبغي ان يكون مناسبة لحراك ثقافي وفكري من اجل نفهم كيفية تفجر نوبات التطهير العرقي والقتل الجماعي، وبالتالي نكون قادرين على منع وقوعها في المستقبل. الامر الذي يتطلب منا مراجعات واصلاحات في طرق تفكيرنا كما في اصلاح مناهجنا التعليمية.

وفي هذا السياق، هناك رسالة مهمة في هذه المناسبة توجه الى المجتمع الدولي، اوبعبارة ادق دعوة اصالحية حول تطوير الهياكل والاطر المؤسسية الدولية لمنع الإبادة المقبلة. وقد قدم المجتمع الدولي أكثر من وعد رسمي للتصدي لالبادة، لكن الإبادة ما تزال تحدث، وستحدث الان وبعد حين وسط صمت دولي، وسياسات انتهازية، واحيانا بمشاركة وتواطؤ الدول الكبرى. 

علينا ان نضع ذكرى الضحايا وقصصهم في اطارها الانساني المناسب للتصدي لهذا الفشل، وعلى ان تدفعنا هذه الرغبة السامية والملحة في تجاوز اخفاقات فشل القادة الدوليين لوقف الإبادة الجماعية المروعة في البوسنة ورواندا ودارفور وسنجار.   

تجاوز يرتسم في محاولة اصلاح فشل المجتمع الدولي لمنع وقمع ومعاقبة الإبادة الجماعية المعاصرة بتوفيرتحليل متعدد المستويات عن تأثير الإبادة الجماعية في بناء النظام العالمي، والعلاقة بين السياسة والاخلاق، ودور القوة العسكرية في وقف الإبادة الجماعية، ودعم المجتمع المدني العالمي الناشئ. 

والاهم من كل ذلك ان تتحول المناسبة الى فرصة لإطلاق تحالف عالمي »تحالف الضحايا« في مواجهة المصالح الدولية ونخب البزنس الاثنوطائفي عبر العالم، تحالف يقوم على خطوات عملية يمكن للمجتمع الدولي اتخاذها لتحسين رد الفعل على الإبادة الجماعية المقبلة. واعتقد ان هذا جزء من رسالة هذا الكتاب.

ملاحظة: قام الاستاذ سعد سلوم مشكورا بتقديم ومراجعة كتاب” الفرمان الاخير ” من اعدادي حسو هورمي ،بتاريخ 2015.12.21 ، بواقع 184 صفحة ومن إصدارات :مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والاعلامية – بغداد،دار الرافدين – بيروت ، اوبوس – اوناريو ، الطبعة الأولى:لبنان/العراق / كندا 2016 .

لاهمية الموضوع وبهدف اطلاع القراء الذين لم يتسنوا قرأة الكتاب لاي سبب كان ،ارتأينا اعادة نشره – حسو هورمي ).

الهوامش: 

1:رئيس وحدة البحوث والدراسات،كلية العلوم السياسية – الجامعة المستنصرية،رئيس مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والاعلامية ،عضو المجلس العراقي لحوار الاديان.

2: سعد سلوم، نهاية الصمت والنسيان ( قوة التذكر الخلاّق في إحياء الذكرى المئوية لإبادة الارمن)، صحيفة المدى، العدد 3344 بتاريخ 22/04/2015 .

3: سعد سلوم، الإخلاص وعدم النسيان في الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية، صحيفة المدى، العدد 3373 بتاريخ 31 ايار 2015

4: سعد سلوم، سبايا القرن الحادي والعشرين (الأيزيديات كسالح في حرب التطهير العرقي(  صحيفة المدى، العدد 3352 بتاريخ 2015-5-2.

 

5: سعد سلوم، الأيزيديون في العراق – الذاكرة، الهوية،  الإبادة  الجماعية، بغداد، 2015 ،ص2.

6: هناك ادبيات الا حصر لها تتناول  الإبادة  الجماعية وتناقش اسباب فشل المجتمع الدولي في منعها اووقفها،

7:  هناك الاف العناوين من الكتب والاصدارات التي تتصدى للهولوكوست منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويصدر سنويا المئات من العناوين في مختلف اللغات،

8:  في الواقع تنفرد إبادة الاكراد في كردستان بتوفر أدبيات مكتوبة باللغتين العربية والكردية سواء كتبت بهذه اللغات اوكانت مترجمة عن الانكليزية، ومن اهمها كتاب، كنعان مكية: القسوة والصمت: الحرب والطغيان والانتفاضة في العالم العربي، منشورات الجمل، كولونيا- المانيا، 2005 .

9: هناك العديد من المصادر التي تناقش اسباب فشل المجتمع الدولي في وقف  الإبادة  الجماعية في راوندا، والكتاب التالي يكشف عن اسباب فشل ترجمة التحذيرات المبكرة عن  الإبادة  الجماعية الناشئة إلى إجراءات وقائية، وقد تم توثيق هذه التحذيرات بشكل جيد من قبل أهم مصدر موثوق، قائد حفظ السالم لألمم المتحدة الجنرال الكندي روميودالير، وهذا الكتاب يوضح بما ال مجال للشك فيه، أن هذه  الإبادة  الجماعية كان يمكن منعها.

10:سلوم يطلق عبر (العالم الجديد) تحالفا عالميا للضحايا، صحيفة العالم الجديد، بتاريخ 12 ايار 2015

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular