الأحد, مايو 19, 2024
Homeالشاشة المتحركةليس رثاءً ولا وداعاً يا بابا فقير حجي!

ليس رثاءً ولا وداعاً يا بابا فقير حجي!

دكتور خليل جندي

لن نرثيكم بابا فقير حجي، لأنكم أكبر من أن يرثى!.
ولن نقول برحيلكم بابا فقير، لأن الخالدون باقون لن يرحلوا!.

جسدكم هو الذي فارقنا يا بابا فقير حجي، أما روحكم فهو باق بيننا، بين قومكم وأتباع ديانتكم وجميع من عرفكم عن قرب أو من خلال ذخيرتكم الدينية. روحكم بابا فقير خالدة ترفرف في كل بقعة من أرض ايزيدخان بدءاً من معبد لالش التي خدمتها بدون كلل أو ملل أكثر من سبعون عاماً، وإلى جميع قرى وقصبات (ولات شيخ و باسك) وبعشيقة وبحزاني، و (بنكند) و (ختارا و براف) و (لحف القائدية) و زاخو إلى ذرى جبال سنجار/شنكال. وصولاً إلى ايزيدية الحسكة ورأس العين وعفرين في جبل الأكراد بسوريا. روحكم الطاهرة التي لا تعرف الحدود يا باباب فقير حجي تحوم حول مناطق ايزيدية ماردين، ويرانشهر، دياربكر وسرحد إلى أن تلامس وجدان ايزيدية جورجيا وأرمينيا وألمانيا وجميع بلدان المهجر!.
بابا فقير حجي كان أكبر عالم دين ايزيدي خلال قرون من تاريخ الايزيدية، وبرحيل جسده تفقد الديانة الايزيدية أحد أهم أعمدتها الأساسيين، حيث كان ذخراً وخزيناً لا ينضب للعشرات من النصوص الدينية والقصص والأساطير والتفاسير مع معرفة ميلوديات كافة الأقوال والأبيات والقصائد و “الخزيموك والبايزوك” ات وترتيلها بصوت عذب وراقي ومؤثر. بابا فقير حجي كان مدرسة دينية ايزيدية متكاملة.
بابا فقير حجي عاش كل حياته في “الجنّة” جنّة معبد لالش فهو الخالد أبداً لما قدمه لأتباع ديانته.
الخالد بابا فقير حجي ولد عام 1928 في قرية كابارا الواقعة على بعد حوالي كيلومترين غرب باعذره التابعة لقضاء الشيخان. ترك والده قرية كابارا في بداية الثلاثينات من القرن العشرين لتستقر العائلة في قصبة باعذه مركز الإمارة، ويصبح والده فقير شمو سادن (مجيور) معبد لالش آنذاك. وفي أربعينات القرن العشرين، وحينما كان بابا فقير حجي في الثلاثين من عمره، يختيار لنفسه طريق الزهد والنسك ويترك ملذات الدنيا، ويلبس لباس التصوف “الخرقة” المقدسة. و يتوجه نحو تعلم علوم الدين الايزيدي على أيدي علماء ذلك الوقت وفي مقدمتهم البابا جاويش (بير جروت بير الياس) و (كوجك صادق) من سكنة بعشيقة وبحزاني.
منذ ذلك الحين والى سنين قريبة، أي على إمتداد سبعة عقود تقريباً، خدم بابا فقير حجي الديانة الايزيدية، وشارك في أداء طقوس الديانة وإحياء مراسيمها وعاداتها سواء في معبد لالش أو مع جولات (الطاووس) في القرى الايزيدية.
بداية خمسينات القرن الماضي، تولى فقير حجي نفسه إدارة معبد لالش وأصبح سادن البيت، واستثمر تلك المهمة وذاك التواجد لكسب المزيد من العلم الديني والتضلع في شرحه وتفسيره. سمعت منه شخيصاً أنه كان يحفظ عن ظهر قلب ما بين (80-100) نص ديني من: (أقوال، أبيات، أدعية، قصائد، أحاديث، خزيموك، بايزوك، أغاني الغربية وخاصة “لافز”). وقد أجاد هذا العالم الكبير ميلوديا جميع النصوص الدينية وكان يؤديها بشكل رائع بصوته العذب الذي كان يحمل أجمل الأحاسيس والمشاعر. هذا إضافة إلى أن بابا فقير كان يحفظ العشرات من الأساطير والحكايات وقصص الأنبياء وأولياء الايزيدية بشكل خاص.
كان الخالد بابا فقير حجي من المتضلعين في علم الدين الايزيدي ويأتي في مقدمة العلماء وأولهم. وكان يعود لسماحته الفضل الأول برفع الحظر عن النصوص الدينية، وكان من المؤيدين الأوائل لتوثيق وحفظ هذا التراث، وبالتالي تزويد الكتاب الايزيديين بما كان يحفظه منذ بداية السبعينات ليقوموا بنشر تلك النصوص وتحليلها وأرشفتها داخل العراق وخارجه.
يشهد التاريخ على الموقف النبيل للخالد بابا فقير حجي تزويده السيد (عادل قوال حجي) لأول مرة بالعديد من النصوص الدينية عام 1979 لثقته العالية به. وكان السيد عادل قوال حجي آنذاك أحد طلبة الجامعة المتحمسين والمهتمين بجمع التراث الديني وأرشفته.
كان سماحة فقير حجي من أوائل المدعوين، كعالم دين متميز، إلى المؤتمر العلمي العالمي الأول في تاريخ الايزيدية الذي أقامه مركز الايزيدية خارج الوطن (EZIA) عام 2000 بمدينة هانوفر الالمانية.
من الجدير بالذكر أن العديد من الرحالة والباحثين الذين زاروا لالش وكتبوا عن الايزيدية باللغات العربية والانكليزية والالمانية وغيرها، تطرقوا إلى فقير حجي ونشروا صوره في المجلات والدوريات والكتب، أول صورة له نشر عام 1942، تلك الصورة المرسومة من قبل الفنان المعروف (عطا صبري)، تلك الصورة ما زالت محفوظة في (متحف الفن الحديث).
أعظم إنجاز، وأعظم عمل يسجله التاريخ للخالد عالم الدين الايزيدي بابا فقير حجي بفخر ومدد من ذهب، هو وضع غالبية ما يمتلكه، إذا لم نقل جله، من النصوص الدينية والشروحات والتفاسير بين يدي نجله (بدل فقير حجي) الذي بذل بدوره جهداً كبيراً في حفظ وأرشفة ونشر خزين والده من علم الصدر، كما أصدر كتاباً بعنوان (باوه رى و ميثولوجيا ايزيديان= معتقد و ميثولوجيا الايزيدية).
بابا فقير حجي، العالم الديني الكبير الذي فارق جسده عنا يستحق كل التبجيل. ونتيجة غزارة علمه وسعة إطلاعه وفصاحة خطابه، كان يستحق أيضا أن يتربع على عرش “أختيارى مركه هى” أي أن يكون بابا شيخ الايزيدية كما تربع “كوجك بريم” من طبقة المريد عليها فيما مضى نتيجة علمه وكراماته!.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular