الأحد, مايو 5, 2024
Homeاراءالبحث العلمي مقوماته، سماته، وخصائص الباحث العلمي : د. خليل جندي

البحث العلمي مقوماته، سماته، وخصائص الباحث العلمي : د. خليل جندي

يُجمع أغلب الكتاب على تعريف البحث العلمي بأنه الدراسات التي يقوم بها العلماء من خلال التخطيط المنهجي بجمع البيانات وتحليلها وتفسيرها وتقييمها بشكل علمي ومنهجي من جميع جوانبه للوصول إلى حلول واقعية للمشكلات العلمية والمجتمعية، ومن أجل إكتشاف معلومات جديدة لحل مُعضلة عجز الآخرون عن حلها عن طريق الوصول إلى قرائن بالاعتماد على العلاقة السببية فيما بين مجموعة من المتغيرات التي تمثل الظاهرة محل الدراسة. معتمداً في ذلك على إيجاد أساليب تقنيات مراقبة جديدة، وطُرق جديدة لإدارة وجمع البيانات وتحليلها.

ويؤسس البحث العلمي على عدة مقومات من أهمها: تحديد مشكلة البحث: وحصرها بفكرة ما، أو تحديد سؤال مشكلة البحث وإيجاد حلول مناسبة له. وبعد إيجاد سؤال البحث وبيان الغرض منه، تُكتب خُطة مُفصلة حول البحث العلمي مع تطوير لأساليب البحث المتبعة سابقاً. يبدأ الباحث بعدها بجمع وتحليل البيانات ذات الصلة بالموضوع ثم يقوم بترتيبها وتنظيمها، وفهم فيما إذا كانت هذه البيانات تحل مشكلة البحث أم لا، وإذا كانت تدعم الفرضية أم لا. وأخيرا تأتي مرحلة توثيق العمل ونشر البحث. (لمزيد من المعلومات يمكن مراجعة: https://mawdoo3.com/%D9%85%D9%82%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA_%D…).

أما عن مناهج البحث فتتمحور حول أربعة رئيسية وهي: المنهج الوصفي ويعد من أشهر أساليب البحث العلمي ويعتمد عليه الباحثون في المجالات ذات الصبغة الاجتماعية على وجه الخصوص. المنهج التاريخي ويهدف إلى جمع معلومات وبيانات عن مشكلة أو ظاهرة في فترة زمنية سابقة، ومقارنة ذلك بالوضع الحالي، ومن ثم الوصول إلى نتائج شبه مؤكدة حول وضع أو حالة تلك الظاهرة في المستقبل. المنهج الاستقرائي وهو من أساليب البحث العلمي غير النمطية، ويعتمد على العقل والتدبر والتفكير. وأخيراً المنهج التجريبي.

قبل التوقف عند سمات وخصائص الباحث، أود الإشارة إلى الفرق بين البحث والدراسة، هنالك عدة آراء حول ذلك، يقول البعض أنَ البحث هو الدراسة، ويقول البعض الآخر بأنَّ هناك فرقٌ بينهما. فالبحث يجمع فيه الباحث عملاً ميدانياً، تُجمع عناصره وبياناته من أفراد البحث مباشرة، من خلال السؤال والاستقصاء، وبذل الجهد، فهو نشاطٌ علّميّ عمليّ، لإظهار المخفيّ من العلوم، وهناك من يعرفه بانّه: استخراج الحقيقة العلميّة من مواضعها المتضمنة لها. والدراسة تقوم على جمع البيانات البحثيَّة من الكتب، والمراجع والدوريات، والنشرات الخاصّة والرسميّة.
(https://mawdoo3.com/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%82_%D8%A8%D… 9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9) ومن أجل
أن يكون البحث أو الدراسة مجدياً، وذا قيمةٍ علميَّةٍ يعتدُّ بها، فلا بدَّ من: اتباع المنهج العلميّ الصحيح في البحث، بذكر المراجع والمصادر، وسلامة إيعازها إلى أصحابها بدقّة، والأمانة العلميّة، بأن يكون الهدف هو الوصول إلى الحقيقة، وإن خالفت هوى الباحث ورغبته، واجتهاده. أن يُبرز الباحث أو الدارس شخصيَّته العلميَّة في البحث، في إظهار رأيه الشخصيّ واجتهاده قدر الإمكان، والحرص على تحقق آداب الخلاف العلميّ، والحياديّة المطلقة، ونبذ التعصُّب الفكريّ والمذهبيّ. والحرص على إيراد الأدلّة العلميَّة، متى دعت الضرورة لذلك. التزام أخلاقيّات البحث العلميّ بشكلٍ عام، بعدم نسبة ما ليس له إليه.(البحث العلمي – مفهومه – أدواته – أساليبه . ذوقان عبيدات/عبدالرحمن عدس/كايد عبدالحق- دار الفكر – 1987م، الطبعة 1 ، ص 36- 38 )

سمات وخصائص الباحث العلمي الجيد

الباحث، حسب رأي الكثير من الكتاب، هو الشخص الذي تتوفر فيه الاستعدادات الفطرية، والنفسية، والكفاءة العلمية المكتسبة والفضول العلمي التي تؤهله جميعاً القيام ببحث علمي. يبدأ بحثه من حيث انتهى السابقون، لا يعيد ويكرر ما كتبه الآخرون من قبله، بل يتمكن من الخروج بالجديد من الأفكار باحثاً عن المصادر الرصينة، وقادراً على فرز وغربلة المعلومات وتنظيمها بشكل منطقي وإسلوب علمي محكم بعيداً عن الغموض والكلام غير المجدي. هذا فضلاً عن التقيد بالأمانة العلمية وتقدير جهود الآخرين ونقل آرائهم بكل أمانة ومن دون تحيز أو تحامل على هذا أو ذاك حتى وان خالفوه الرأي، فهو إلى جانب ذلك يطرح رأيه من خلال التحليل والاتيان بالدلائل والقرائن. (كتابة البحث العلمي ومصادر الدراسات العربية والتاريخية-عبدالوهاب إبراهيم أبوسليمان-دارالشروق/جده، ط1،ص 37/38).

الباحث إذاً هو الذي ينتج أو يُوّلد الأفكار ويقدم علماً جديداً. من خلال إستخدامه لأدوات التحليل، ومن دون تلك الأدوات ليس هناك بحث، وليس هناك علم، بل هناك رأي أو سرد لموضوع ما. و”إذا أراد المرء تقييم بحث ما فعليه أولاً أن ينظر في أدوات التحليل التي يرتكز إليها، فإن لم تكن ذات جدارة، فعليه أن يترك البحث ويغادره، لأنه لا قيمة لكل ما سيأتي لاحقا”. إذن الفكرة هي أن البحث العلمي هو عملية توليد للعلم وليس جمعاً للمعلومات. (عبدالجليل زيد المرهون، من هو الباحث؟ ماهو دور الباحث؟ وما الفرق بينه وبين المحلل أو كاتب الرأي؟)

وهناك من يضيف إلى سمات الباحث العلمي الجيد؛ الصبر والتأني، نظراً لأن عملية البحث عملية شاقة ذهنياً وجسدياً ومادياً أولاً، وثانياً ليتمكن الباحث من تكوين الانطباع السليم وتأسيس أحكام وتقديرات صحيحة. وعدم التشهير العلمي بالآخرين أو السخرية من منجزاتهم. (مقدمة في منهج البحث العلمي- رحيم يونس كرو العزاوي –دار دجلة –عمان-ط1-1427هـ-ص.29/30).

التواضع العلمي: يجب على الباحث أن يسلم بنسبية ما يتوصل إليه من نتائج، وأن عليه العدول عن رأيه إذا ما توافرت آراء قيمة مختلفة. الموضوعية والأمانة والابتعاد عن الذاتية فلا يخفي رأيه ولا يتحيز ولا يسمح لعاداته وتقاليده وعاطفته وأهوائه أن تتداخل في البحث فيجب أن يكون همه هو تحري الحقيقة. (مقدمة في منهج البحث العلمي، رحيم يونس كرو العزاوي، دار دجلة، الطبعة1، عمان1427هـ،ص.29/30)

ويذكر بعض الكتاب ان أهم السمات المميزة للباحث هو تمسكه بالاتجاهات العلمية، وأن الباحث لا يستطيع استخدام الطريقة العلمية إلا إذا كانت اتجاهاته العلمية قوية، والتي تحدد في الاتجاهات التالية:

الثقة بالعلم والبحث العلمي كوسيلة الإنسان للوصول إلى الحقائق في المجال النظري، وتحسين أساليب الحياة في المجال العملي. الإيمان بقيمة التعلم المستمر الذي يتماشى مع التطور والتغير في الحياة. الانفتاح العقلي، فالباحث يجب أن يحرر ذهنه تماماً من جميع أفكاره المسبقة ويعطي لنفسه الحرية التامة في البحث والدراسة واكتشاف الحقائق حتى لو كانت مخالفة لمعتقداته السابقة. البعد عن الجدل، ويجب أن يميل الباحث العلمي إلى الاعتماد على البرهان والملاحظة والقياس. تقبل الحقائق التي اكتشفها الآخرون، ويشير إليها دون أن ينسبها إلى نفسه. الأمانة والدقة، التأني والابتعاد عن التسرع والادعاء، وأخيراً الاعتقاد بقانون العلية، بمعنى أن يربط الباحث الظواهر بأسبابها المباشرة، كما لا يؤمن بالصدفة ولا يعتمد عليها في تفسير الظواهر.( ذوقان عبيدات/عبدالرحمن عدس/كايد عبدالحق: البحث العلمي، مفهومه، أدواته ، أساليبه، دار الفكر، الطبعة1، 1987 م، ص 36- 38 )

إضافة إلى ما ذكر من سمات وسلوك وخصائص الباحث الجيد، يمكن التركيز على الذكاء: في أن يكون الباحث ذكيّاً ومُتمكّناً بما فيه الكفاية من أجل التعبير عن أفكاره، ويمتلك مهارة الكتابة، حيث إنّ الباحث الجيّد يجب أن يكون ماهراً في اللغة، كي يُقدّم وجهات نظره للناس بالشكل الصحيح الذي يمكّنهم من استيعاب أفكاره، كما أنّ القدرة على التعبير بالكتابة خاصيّة يتميز بها الأفراد الموهوبون.(www.mustard (8-4-2014), “TOP 10 QUALITIES REQUIRED TO BE A GOOD RESEARCHER”) العقل التحليلي: أن يكون ذو كفاءة علمية وملماً بالعديد من العلوم، له القدرة على تنظيم المعلومات تنظيماً منطقياً حسب المعنى والمدلول، يحلل ما وراء الكلام، ويصل إلى المعنى العميق لما يُقال وليس المعنى السطحي له. معرفة مناهج البحث: معرفة الباحث بالطرق العلميّة والقدرة على تحليل النتائج، ومعرفته بطرق اختيار العيّنات البحثيّة، وكيفيّة الوصول إليها، ومعرفته بكيفيّة اختبار الفرضيّات، والتأكد من صحّتها، وأن يُقدّم أبحاثاً حول مواضيع بحثيّة جديدة.( : https://mawdoo3.com/%D8%B5%D9%81%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D…). ويجب أن يتصف الباحث بالمرونة الفكرية، يقدر وينصف أعمال الآخرين من دون تحيز. يكون صبوراً على متاعب البحث ومشكلاته، ويعتمد على المصادر الأصلية والرصينة ولا ضير من الاطلاع على المصادر الثانوية. يتحلى بالأمانة العلمية والتأني في إصدار الأحكام وذلك وفق النتائج التي يتوصل إليها.

الفرق بين البحث العلمي والبحث العادي

البحث العلمي يستخدم فيه جمع البيانات والمعلومات وتدوين الملاحظات على أسس وطرق علمية، يمكن خلالها اكتشاف حقائق جديدة، أما بالبحث العادي لا يتبع أساليب ومناهج وطرق علمية متقدمة للوصول لظاهرة أو هدف معين، ولا يشترط فيه أن يكون تحت ظواهر علمية منهجية. البحث العلمي والبحث العادي يتركان كل منهما بظلالهما على سمات وسلوك الباحث العلمي والباحث العادي.

في أعلاه تمت الإشارة بشئ من التفصيل إلى سلوك وسمات الباحث العلمي، أدناه سنذكر فقط بعضاً من سلوك الباحث العادي: الذي يبدأ دائما من مرحلة الصفر، ويكتفي بانطباعاته الذاتية عن الموضوع. ويحكم على الأحداث أنها سبب ونتيجة. ويميل دائما إلى الأدلة المؤيدة والداعمة لموقفه، وغالبا ما ينسب النتائج إلى أسباب غير مرتبطة. ويحصر نفسه ضمن إطار من الأفكار المسبقة ويحاول دائماً إثباتها حتى ولو كانت جميع الدلائل ضدها.

بقي من الضروري أن نشير إلى الفرق بين المؤرخ والباحث. المؤرخ هو الذي يقوم بدراسة الأحداث التأريخية للتاريخ الانساني، وليس بدراسة تاريخ أمة معينة أو دراسة فترة تاريخية معينة، وتدوينها وتحليلها بطريقة محايدة بعيدة عن المواقف السياسية أو الفكرية أو الدينية أو العقائدية، ويعمل على تسليط الضوء على كل التفاصيل التي وقعت في الماضي. ويعمل على فهم واستيعاب واستنباط كل الأحداث من المصدر التاريخي، وعمل مقارنات بين بعض الأحداث التي حدث في الماضي ونظيرتها الحاضر، ولا يتوقف مهمة المؤرخ في سرد الأحداث الماضية فقط بل أن يهتم بتفسير الأحداث ويأخذ القارئ باسلوبه الابداعي إلى الزمن التاريخي الذي يكتب عنه. (إيمان محمود، الفرق بين المؤرخ والباحث، موقع المرسال Almrsal.com، بتاريخ 1.3.2018)

أما الباحث هو الذي يقوم بكتابة بحث لدراسة حدث معين أو ظاهرة معينة، ويعمل على تطوير الجوانب العلمية التي تخدم تطور المجتمع. ومهنة الباحث العلمي من المهن المنتشرة في الجامعات ومراكز البحث العلمي.

بناءً على ما تقدم، ورغم أن كل من الباحث والمؤرخ يتخذان نفس اسلوب البحث والتدوين، إلاّ أن هناك إختلافاً كبيراً بين الاثنين؛ فالمؤرخ يهتم فقط في دراسة كل الأحداث التأريخية. كما أن المؤرخ لا يأتي بعلم جديد، انه يقدم أحداث تأريخية ويقوم بتدوينها باسلوبه. بينما الباحث يهتم بدارسة مجال علمي معين، وعمل دراسة جديدة أو يؤكد نظرية أو ينفي أخرى. (إيمان محمود، مصدر سابق.)

خليل جندي
مانيلا في 12/10/2019

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular