زعم المسؤولون الأتراك أنهم احتلوا منطقة عفرين الكوردية ليطردوا منها التنظيم (الإرهابي!) (قسد) الذي سجّل العالم كله له بأنه قدّم أكثر من 10000 فتى وفتاة من الكورد في الحرب على الإرهاب، ولكن ما جرى ولا زال يجري في هذه المنطقة من اعتداءاتٍ وانتهاكاتٍ وجرائم ضد الإنسانية يفوق ما تفعله كل القوى الدكتاتورية والدول المحتلة في شتى أنحاء العالم، بل إن سكان المنطقة الأصليين (كانت نسية الكورد قبل الاحتلال أعلى من 95%) بدأوا يتحسّر ون على عهد النظام الأسدي والكانتون القسدي ويقولون: “لو كانت قسد أو حكومة الأسد في سلطة المنطقة حتى الآن، لما تم قطع عشرات الألوف من أشجارنا المثمرة ولما استولى الغرباء على منازلنا ومزارعنا ولما تم التغيير الديموغرافي في المنطقة على الأقل). وفي الحقيقة، إن معظم الجرائم ضد الشعب الكوردي ككل وكأفرادٍ مواطنين تجري بأيدي من يسمون أنفسهم بالمعارضة السورية والجيش اللاوطني السوري في ظل العلم التركي وتحت إشراف المخابرات التركية وضباط جيشهم المحتل.
إلاّ أن من حقنا السؤال عن مرحلة ما قبل الاحتلال التركي مثلما لنا الحق في مساءلة المحتلين عما يرتكبونه في عفرين، أم أن على الشعب الكوردي نسيان تلك المرحلة كلياً لأن الحديث عما فات “يضر بالوحدة الوطنية!” وحتى لا تسوء صفحة الذين أجرموا بحقه وقاموا بشتى أنواع الانتهاكات اللا إنسانية في المنطقة، من إقامة (محاكمات الشعب) على غرار ما كان الشيوعيون يفعلونه في كامبوديا والفييتنام ولاوس، ومن فرض ضرائب وأتاوات كبيرة مرهقة على الشعب الفقير، واختطاف أولاد قاصرين وفتيات قاصرات لزجهم في الحرب في مناطق أخرى أو لإرسالهم إلى جبل قنديل لتجنيدهم وتدريبهم وتنشئتهم على فلسفة السيد أوجلان المليئة بالتناقضات التي لا يقبلها عقل أو منطق، ومن فرض سلطاتٍ غير واعية ليتصرفوا تصرفاتٍ خارقة لكل القوانين والأعراف، وليحكموا في مناطق سيطرتهم كالأوصياء الذين كانت تعيّنهم السلطة العسكرية التركية في سجن (آمد- ديار بكر) أثناء حكم الجنرال كنعان إيفرين الدموي. ومن منعٍ وكبتٍ للحريات وابداء الرأي المخالف جملةً وتفصيلا.
لذا نقولها بصراحة: إن ممارسات حزب الاتحاد الديموقراطي وما يتبعه من (قسد) وأسايش (أمن) في منطقة جبل الكورد كانت مقدمة واضحة للاحتلال التركي، ففي كل التظاهرات النسائية وما أكثرها كانت ترفع صور “رئيس الرؤساء” الذي لا حياة للأمة الكوردية من دونه (!)ـ بل كان الثوار يرفعونها كواجهات المحلات التجارية في وجه حرس الحدود التركي، وكأنهم كانوا يتحدون بها الجيش الثاني من حيث القدرات والامكانات في حلف النيتو، ولا ننسى أن أحد زعماء قنديلستان (مراد قره يلان) كان يشتم الأتراك بشكلٍ بذيء ويهددهم بحرق أنقرة في حال إقدامهم على أي هجومٍ عسكري على “ولاية عفرين” مثلما هدد من قبل بحرق بغداد إن هاجم العراقيون على كركوك الكوردستانية.
بالتأكيد سيقول البعض بأن الأتراك كانوا سيهاجمون في كل الأحوال، ولكن أليس من الحماقة إعطاء العدو ذرائع وحجج إضافية لما يمتلكه منها؟
وقد يقول بعضهم: “إن قوات قسد كانت تحمي شرف وكرامة الكورد وغير الكورد.” طبعاً هذا مؤّثر حقاً، ولكن هل زج آلاف العوائل الكوردية في المخيمات وانتشار ألاف أخرى على حدود الدول الأوربية لايؤذي شرف وكرامة الكورد؟ بل لماذا يُمنَع الكورد عن الخروج من تلك المخيمات وعودتهم إلى ديارهم، أفلا يضر هذا السلوك شرف الكورد وكرامتهم؟
لقد أدت سياسة “الخط الثالث” واليوم سياسة “الخطوط المتداخلة” بين حلفاء (قسد ومسد) من روس وأمريكان وأسديين، ولربما أتراكٍ في الخفاء، إلى تدمير الثقة بالأحرار الكورد الذين كانوا يعتبرون أنفسهم طلائع الكفاح الشعبي السلمي ضد نظام العائلة الأسدية في يومٍ من الأيام. وإن أي محاولة لكبت ومنع الذين يتطرّقون إلى مهزلة “ما قبل الاحتلال وما بعده” عن الحديث بصددها وشرح ملابساتها وفضح جرائمها لن يخدم شعبنا، وإنما يخدم أعداءه الظاهرين والباطنيين معا.
