الإثنين, مايو 6, 2024
Homeمقالاتبيار روباري : أوجلان وعشرون عامآ من العزلة

بيار روباري : أوجلان وعشرون عامآ من العزلة

 

بحلول مطلع العام الجديد 2019 يكون قد مر عشرين عامآ، على سجن عبدالله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، وأشهر سياسي في العالم بعد الراحل نيلسون مانديلا، زعيم المؤتمر الوطني الأفريقي.

 

هناك عدة عوامل وظروف مكنت مناديلا والمؤتمر الوطني الأفريقي، من كسب كل ذلك التأييد العالمي. حيث برز الراحل مانديلا في مرحلة كانت تقريبآ كل دول العالم الثالث تخوض حرب التحرير الوطني، إضافة للمد اليساري في كل أنحاء العالم، وظهور المعسكر الإشتراكي الذي وقف بكل إمكاناته خلف كفاح الأفارقة الجنوبيين، ضد سياسة التميز العنصري الذي كان يتبعها المستعمرين البيض ضد الأكثرية السوداء سكان البلاد. ولم يقتصر الأمر على دول حلف وارسوا فقط، بل شمل كافة دول عدم الإنحياز، واليسار الأوروبي والأحزاب الشيوعية حول العالم وكوبا

وإعلامهم.

يضاف إلى كل ذلك، أن الأفارقة كانوا موحدين خلف المؤتمر الوطني وقيادة مانديلا، في وجه نظام البيض، ونضالهم كان محصورآ فقط في جنوب أفريقيا بعكس الكرد. وثانيآ العالم كان يمر في تلك الأيام بمرحلة وعي عالية ورافضة للإستعمار والإستعباد المباشر للشعوب، وخاصة في وسط شعوب أوروبا الغربية.

هذا من جهة، ومن الجهة الإخرى، كان الصراع في جنوب أفريقيا واضحآ، يدور بين أقلية بيضاء من المستعمرين وأكثرية سوداء هم سكان البلاد الأصليين، يناضلون من أجل حريتهم وإنهاء نظام الفصل العنصري. أما في شمال كردستان (تركيا) فالصراع لم يكن واضحآ للكثير من القوى حول العالم، ولم تكن تميز بين الكرد والأتراك، بفضل التعتيم الإعلامي الذي كان يفرضه المحتلين على القضية الكردية. والعديد من دول العالم، كانت تعتبر القضية الكردية، شأن داخلي خاص بكل بلد من البلدان المتقاسمة لكردستان.

 

لا شك إن تقسيم كردستان الى أربعة أجزاء، وتعدد الزعامات الكردية، لعبت دورآ سلبيآ مباشرآ، في عدم تمكن اوجلان ومَن سبقوه من الزعماء الكرد، من كسب التأييد والتعاطف الدولي الذي حذا به نيلسون منديلا. هذا إضافة إلى عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، التي كانت سببآ رئيسيآ في وقوف الغرب بقيادة أمريكا، موقفآ معاديآ للقضية الكردية، بقيادة حزب العمال الكردستاني، وزعيمه اوجلان. يضاف إلى ذلك أفكاره اليسارية المتطرفة، والمعادية للغرب المتمثل في أمريكيا وأوروبا الإمبريالية والرأسمالية. لقد خلط اوجلان حرية الشعب الكردي وتحرير كردستان، ببناء نظام شيوعي كان الغرب في صراع حامي الوطيس معه. وهذه غلطة كبيرة إرتكبها اوجلان في بداية مسيرته النضالية، حيث إلتبث عنده القومي- الوطني بالأيدلوجي، بعكس كل من مانديلا وياسر عرفات، الذين حصروا نضالهم في هدف واحد ألا وهو الحرية والتحرير، وترك الباقي ليقره الشعب في المستقبل بحرية.

 

إن إتفقت مع اوجلان أو إختلفت معه، يبقى أكبر زعيم سياسي كردي أنجبته الإمة الكردية على مر التاريخ، وقاد أشمل ثورة إجتماعية، سياسية، نضالية وفكرية، شهدتها كردستان على الإطلاق. ويسجل لهذا الرجل:

 

أولآ، أنقذ نصف الإمة الكردية من الإنصهار الإجباري الكامل في البوتقة التركية الكمالية، وأعاد الثقة لهم، ويفتخروا بأنهم كرد ولا يخجلوا من كرديتهم، بل يتفاخرون بها في كل مكان.

ثانيآ، الذي قام به ونجح فيه، هو قتل الخوف داخل نفوس الكرد مرة وللأبد. وبدليل اليوم نشاهد الكرد يرفعون العلم الكردي وصور اوجلان في شوارع أنقرة وإسطنبول، دون خوفٍ من بطش الدولة التركية العنصرية.

 

ثالثآ، أحدث تغير هائل في بنية المجتمع الكردي ونجح فيه بإمتياز، عندما تمكن من إشراك المرأة الكردية بالمشاركة في مسيرة نضال حركة التحرر الوطني الكردستاني. في البدء، حرر المرأة من سلطة الرجل، وثانيآ، أنهى تغييبها عن ساحة النضال لعقود طويلة من الزمن. اليوم المرأة الكردية تلعب دور مهمآ ورئيسيآ في معركة التحرير التي يخوضها الشعب الكردي في كل مكان. ولا شك أن كل كردي يفتخر بدورها العظيم والمشرف في قتال التنظيمات الإهاربية في شنكال، كوباني، الطبقة، الرقة، عمودا، سريه كانيه، منبج والمحتلين الأتراك وحلفائهم من المرتزقة الإسلاميين في منطقة عفرين.

 

رابعآ، تمكنه من جعل الثورة، قضية لكل الشعب الكردي كله سواءً في الدخل والخارج. ولم يكتفي بالجانب العسكري فقط، وإنما وسع الثورة لتشمل جوانب إخرى كالجانب الفكردي، والإجتماعي والثقافي، أي بمعنى ثورة شاملة. وعبدالله اوجلان شخص صاحب كاريزما قوية، وخطيب مفوه وقارئ نهم، إضافة إلى أنه كاتب ومفكر من الطراز الرفيع، وله مؤلفات عدة في مجالات كثيرة تتناول واقع كردستان وحياة المجتمع الكردي من جوانبها المختلفة، الشخصية الكردية، واقع المرأة، وغيرها العديد من الكتب.

 

والأن لنعود الى صلب الموضوع، ونتسأل:

لماذا هب العالم كله للدفاع عن حرية نيلسون مانديلا، وتلتزم الصمت تجاه سجن عبدالله اوجلان منذ عشرين عامآ؟ وهل هناك من البشر تستحق الحرية، وغيرها لا تستحق الطبيعي والرباني؟

 

بالمختصر إن الثورة التي يخوضها حزب العمال الكردستاني، فريدة من نوعها في تاريخ الثورات الكردية والعالمية بسبب فكرها ورؤيتها، ولهذا خلقت أعداء كثر لنفسها من الكرد وقوى إقليمة وعالمية معروفة. هذا الوضع يذكرني بوضع الثورة الفرنسية عند قيامها، رغم أن الثورة ظلت محصورة في فرنسا، ولم تدعوا إلى سقوط بقية الملكيات الأوروبية. ومع ذلك إتفقت تلك المكليات

فيما بينها على معادات الثورة وإعلان الحرب عليها. لأنها أدركت إن نجاح الثورة يعني مجيئ الدور عليها بالضرورة، نظرآ لموقع فرنسا الكبير في إطار القارة الأوروبية. ونفس الشيئ ينطبق على الثورة المصرية، فالثورة في مصر لم تطالب بثورات مماثلة في البلدان العربية الإخرى، ومع ذلك شنت الأنظمة الإستبدادية في المنطقة والإقليم، حرب شعواء عليها، كالنظام السعودي، والنظام الروسي والإماراتي والسوري وغيرهم من الأنظمة.

ونفس الشيئ حدث مع الثورة الكردية الأكبر بقيادة اوجلان وحزبه عند إنطلاقتها، حيث شعرت بعض الأطراف بأن السيد اوجلان وحزبه يشكلان خطرآ على مصالحها في المنطقة، حاربوه في البدء طويلآ، ومن ثم تكالبوا عليه، إلى أن ألقوا القبض عليه في كينيا، وسلموه للمخابرات التركية في شهر شباط عام 1999،ضمن إطار عملية إستخباراتية قذرة، شارك فيها العديد من الأطراف والدول. ظنآ منهم بهذه الطريقة ستتخلص من الصداع الكردي، وسينهار الحزب، وتنتهي الثورة معه، ولكن الذي حدث على الأرض هو العكس تمامآ.

 

بالطبع لكل طرف من الأطراف المشاركة، كان له أسبابه الخاصة، فالأطراف الكردية المشاركة في تلك العملية، خشيت على زعامتها ومصالحها الحزبية والعائلية، وأما الدول فعلت ذلك بهدف الحفاظ على مصالحها السياسية والإقتصادية والدبلوماسية مع تركيا. وبعض الدول فعلت ذلك لأنها

تعاني من قضايا قومية مماثلة لما تعاني منه تركيا، كبريطانيا وأسبانيا على سبيل المثال.

 

وبعد مضي كل هذه الأعوام، ألم يحن الوقت للإفراج عن الزعيم عبدالله اوجلان، والجلوس معه على الطاولة لحل القضية الكردية في شمال كردستان وغربها؟ نعم حان الوقت منذ زمن بعيد، ولكن العنجهية والغطرسة التي تسيطران على تفكير السياسيين الأتراك، تمنعهم من هذا التوجهويعتقد هؤلاء السياسيين بأنهم بالقوة والشدة قادرين، على إنهاء الكرد وقضيتهم التي تمتد عمرها لمئات السنيين.   

إلا أن التجربة العملية أكدت إستحالة تحقيق ذلك وعلى العكس أدت هذه السياسة العمياء إلى تطور القضية الكردية داخليآ وخارجيآ، وأخذت تحاصر تركيا من كل جهة. ونفس الحماقة إرتكبها قادة اسرائيل عندما رفضوا حل الدولتين، وأصروا على مفهوم دولة واحدة ذات طابع يهودي، ونسوا أن الفلسطنيين بعد عدة سنوات سيكونون أكثر منهم في داخل هذه الدولة. وذات الشيئ يمارسها النظام الأسدي العنصري، ومعه المعارضة السورية الإخوانجية والقومجية، ذات النفس الإقصائي والفاشي بكل معنى الكلمة. ويرفضون مثلما يرفض الطاغية اردوغان ونظام الملالي في طهران، بوجود الشعب الكردي، ومعه مشروع الفدرالية الذي يتبناه الكرد في كافة الدول التي تتقاسمهم، وهو أقل بكثير من حقهم في تقرير المصير، أي دولة مستقلة على تراب كردستان.

 

وفي الختام، أقول للأتراك أنكم واهمون إن كنتم تظنون بهذه السياسة العدائية للشعب الكردي سوف تنتصرون، وتلغون الوجود الكردي من المنطقة. وأجزم جزمآ قاطعآ بهذه السياسة الحمقاء ستدفعون الكرد الى المزيد من التشدد وسيأتي اليوم، الذي فيه يرفضون العيش المشترك. وأعتقد أن الوقت ما زال متاحآ أمامكم لتطلقوا سراح اوجلان وتجلسون معه، لأنه جزء من الحل وليس من المشكلة. لا ترتكبوا حماقة الإسرائليين بأن التخلص من عرفات سيحل القضية، والوقائع أثبتت عكس ذلك فيما بعد.

 

ألا يوجود في كل تركيا زعيم مثل ويليم دي كليرك بجنوب أفريقيا، ليأخذ قرارآ تاريخيآ يقوم بإجراء مصالحة كردية– تركية أساسها المساوة الدستورية بين الشعبين، وبناء دولة فدرالية يحقق فيها الطرفين الكردي والتركي طموحاتهما بشكل سلمي؟

على ما يبدو للأن لا يوجود مثل هكذا زعيم، ولا قرار دولي (روسي- أمريكي- أوروبي) برفع اليد عن تركيا، ودفعها بإتجاه حل القضية الكردية بطريقة سلمية، وفرض الحل عليها. لهذا على الكرد الإستمرار في نضالكم حتى يظهر هكذا زعيم، ويتغير المزاج الدولي، ويرفعون الغطاء عن أنقرة.

 

 

في الختام، الحرية للزعيم عبدالله اوجلان، وجميع أبناء الكرد المعتقلين في سجون تركيا وإيران وسوريا وبعض السجون الأوروبية والكردية.

 

13 – 09 – 2018

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular