الإثنين, مايو 6, 2024
Homeمقالاتمعاناة المهجر في رواية ( زيزفون البحر ) للكاتب قصي الشيخ عسكر...

معاناة المهجر في رواية ( زيزفون البحر ) للكاتب قصي الشيخ عسكر :جمعة عبدالله

 
تميزت الأعمال  الروائية التي تصوغها  قريحة مخيلة خيال  الكاتب ( قصي الشيخ عكر ) بأنها تحمل ميزة المعاناة الغربة والاغتراب في المخاطرة والمجازفة  المهاجر في الوصول الى بلد الهجرة . يعتمد على ثنائية الترابط في المعاناة بين الوطن الام الحاضر بكل قوامه في الأحداث السردية للنص الروائي , وبين هموم   التكيف والاندماج في المجتمع الغربي ,  بالتجربة  والمعايشة الحقيقية التي اكتوى بنيرانها وجراحها النازفة في المجتمع الجديد , فيبدأ من  الهجرة القسرية من وطن الأم .الذي يحكم  طوق الحصار والخناق , لذلك يجد نافذة الهجرة والرحيل عن الوطن كطوق نجاة لحياته , بغية إيجاد ظروف إنسانية أفضل  في بلدان المهجر , وهذا الحلم والامل يتكسر ويتمزق منذ الخطوات الاولى . حين تطئ قدميه بلد الهجرة , رغم الرحلة الطويلة , تتزاحم فيه المخاطر والمفاجآت  , وهي رحلة يلعب بها الحظ والصدفة , لكنها في كل الأحوال رحلة  مجازفة مغامرة غير محسوبة العواقب  , ربما يكون طعماً لحيتان البحر بقوارب الموت . أو يموت اختناقاً  في شاحنات اللحوم لتهريب اللاجئين في حشرهم كما تحشر اللحوم  . أو يقع تحت رحمة المهربين في قلوبهم الخشنة في الكسب غير الشرعي   , وربما يدفع رشوة مالية الى خفر الحدود من أجل السماح للعبور الى الدول الاسكندنافية ومنها السويد , وربما يصاب بصرعات الاحباط والازمة  العقلية قد تؤدي به الى الانهزام النفسي , لأنه يجد عادات وتقاليد صعبة وغريبة عليه , تجعله في حالة الانطواء بعدم التكييف والتأقلم والاندماج في المجتمع الغربي , أو ربما بعض الاحيان يتحول الى مهرب او تاجر بالسوق السوداء يتهرب  من دفع  الضرائب . ان المحنة والصعوبة الحياتية   تبدأ  حين يحشر في معسكرات اللاجئين , ويجد اصناف او مخلوقات  بشرية هجينة ومغلقة في عقليتها الإسلامية السلفية , يجد سلوكيات شاذة من طائفة المهاجرين واللاجئين . تؤدي به الى الاحباط الشديد ويصاب بنكسة أو أزمة نفسية وسايكولوجية , تجعله مشتت الهوية . بين وطنه الأم . الذي عانى منه الإرهاب  والقمع من النظام الطاغي . الذي يجعل حياة الانسان زهيدة وبخسة  او يجعلها حطب الوقود للحروب العبثية .  كأن البشر خرفان تساق الى الموت في جبهات الحرب . ويتناول المتن الروائي معاناة المهاجر بالاتساع في الأحداث المتسارعة والمتلاحقة التي تلهث وراء المهاجر . يعطي الصورة الحقيقية لمشاهد حياة اللاجئين الى الدول الاسكندنافية ومنها السويد , يتوغل النص الروائي في المخاطر والمفاجآت في صعوبة التأقلم والاندماج . ولكن ايضاً المهاجرين ينقلون عادات وثقافات شرقية لم يتعود عليها السكان المحلين الغربيين , تختلط عليهم المفاهيم الجديدة المستوردة من  الشرق  ( هؤلاء الشقر ظلوا قابعين دهوراً في ممالكهم الاسكندنافية , اختلطت عليهم المفاهيم حتى جئنا نحن الشرقيين فدخلت قاموسهم مصطلحات جديدة .. الشرف .. غسل العار .. السنة . . الشيعة . . الفلافل ) ويسلط الضوء على رحلة السارد أو بطل الرواية بضمير المتكلم , يبدأ احداث الرد من وصوله الى السويد بعد  أن  قطع رحلة طويلة  محفوفة بالمخاطر , هرباً من النظام الطاغي , أن يأخذ طريق الهجرة القسرية . حتى وصوله وحشره في معسكر اللاجئين , مع مخلوقات هجينة تحاول أن تفرض سطوتها الإسلامية السلفية على معسكر اللاجئين . حتى انتقاله الى المستشفى للعلاج من حالته النفسية المحبطة . بالوصف والتصوير المدهش , في اتجاه الواقعية الجديدة في التداعيات الحرة في تناول  أحداث السرد الروائي , يسكبها بالتدفق المتزاحم وبلغة مشوقة برافة , لكي يسلط الضوء على ظاهرة الهجرة, وكذلك حالة الاغتراب الروحي بين الوطن الأم , وبلاد الهجرة السويد  , رغم البعد الجغرافي البعيد , لكننا نجد صورة الوطن حاضرة بكل عنفوانها في المفاجات  المؤلمة . نجده  مشطوراً الى نصفين بين ما يحمل من عقلية  وعادات وتقاليد , وما يجد من عادات وتقاليد  جديدة تكون عسيرة الهضم    . منها  ما وجد  مأزق المعارضة الموقعة في شرنقة ذاتها متصارعة في ذاتها , ويسميها معارضة ( المضاريط ) إسلامية  ويسارية معاً . وكذلك في مسألة التكيف والاندماج , وخاصة في حرية المرأة في حق الاختيار  في الحب والعلاقات والزواج . يقع في مطبات خطيرة يعتبرها اهل البلاد المحليين جرائم خطيرة . كما حدث له حين راى خطيبته تضع يدها في يد شخص غريب , وقام بصفعها في الشارع وسط المارة الذين تجمعوا عليه في دهشة واستغراب وتتعالى صرخاتهم ( وحش . مجرم . غبي . خنزير ) حتى جاءت الشرطة ورمته في السجن , لأنه ارتكب جريمة كبرى , وعند الاستفسار عن سبب الصفعة الى خطيبته .
( – لم ضربتها ؟
– رأيتها مع شخص آخر .
– أفسخ الخطبة , طلقها من دون أن تستخدم يدك ! )
وتدخل  والد خطيبته عمه التاجر المهرب الذي يتفنن في الهروب من دفع الضرائب , الذي هاجر من العراق عام 1968 . وبرز في أعمال تجارية في الغش والتهريب واللعب على تناقضات الدول الشرقية . ونجح في إخراجه من السجن ,  والعمل معه في محلاته التجارية , وأن يتسامح مع خطيبته لأنها متعودة على العلاقات الاجتماعية الحرة . وان يقبل بواقع الامر , يتعرض الى نكسات نفسية ويدخل في استمرارية  العلاج النفسي . يسأله الطبيب  المختص في العلاج النفسي , هل يشعر بالخوف .
( – هل تتذكر آخر لحظة فارقت بها الخوف !
كنت أحدق في السقف الأبيض :
 – دخلت حقل الالغام وكان الرصاص يتناثر من حولي والقذائف , وانتشلت الجثة دون أن أشعر بخوف حتى أني كدت أنسى أصابة تناولت رأسي .
– هل كنت مجبرا  على ذلك ؟  ) .
حقاً الطبيب لا يعرف ولم يعش أرهاب النظام الطاغي . ودفع الشباب الى محرقة الحرب , وهناك في جبهات الحرب  تصبح الحياة لعبة الحظ والموت , وامام القذائف الصاروخية وسقوط الضحايا , يتبدد الرعب تجاه وحشية الموت , لا  يعرفون معنى الخراب والدمار في الحروب العبثية , التي تشكل صورة المأساة الحقيقية للحياة . ولا يعرفون معنى المصير المجهول المحفوف بالمخاطر  . ويتطرق المتن الروائي ايضاً ,  الى الممارسات الشاذة واللاخلاقية التي يمارسها المهاجرين من أجل الحصول على المال بكل الطرق اللاشرعية , أو الحصول على الامتيازات والمكاسب المالية المضاعفة , في  التحجج  بالمرض والكآبة حتى الخلل العقلي  . وكذلك الرغبة في السكن في الشمال السويد المتجمد بالصقيع وكثافة الثلج هناك  , كل شيء أبيض , حتى أهل البلاد السويد ,  يرفضون الاقامة بها خشية من الكآبة  والانتحار  ( كان هدفي  الحصول على الإقامة ثم ليكن ما  يكون , لا يهمني أحداث لم أرها قط , يرويها الشرقيون عن قسوة الشمال , أنها   حوافز  كثيرة توفرها السويد للشرقيين القادمين من المناطق الحارة , غرض أن يقبلوا العيش في الشمال , السويديون أنفسهم ينتحرون هناك )
ويكون تحت اشراف العلاج النفسي , حتى يضطر الى  الهروب من المستشفى .
ان الكاتب ( قصي الشيخ عسكر ) الذي يعتبره بعض النقاد , عميد الأدب  الروائي في المهجر , من خلال رواياته الكثيرة حول المهجر والغربة والاغتراب  , والشيء الملفت في المتن الروائي لرواية ( زيزفون البحر ) في تسمية شخوص النص  الروائي بالألقاب البحرية  في الرمزية والدلالة في المعنى . مثل زيزفون البحر على خطيبته الثانية بنت عمه في السويد , لان خطيبته الاولى في العراق خطفها تاجر عراقي ورحل معها الى الامارات , وهو في جبهات الحرب . كوسج البحر أو حوت البحر على عمه التاجر الذي يمارس الشيطنة والاحتيال في كسب  المال ,  ولا يهمه في الحياة سوى الكسب المالي ,  بكل الطرق اللاشرعية . زنبقة البحر . حبار البحر . موج البحر ……..  الخ
  جمعة عبدالله
RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular