الخميس, مايو 9, 2024
Homeاخبار عامةكيف أثّر حزب العمال الكردستاني تاريخياً على العلاقات العراقية التركية؟

كيف أثّر حزب العمال الكردستاني تاريخياً على العلاقات العراقية التركية؟

مقاتل من حزب العمال الكردستاني- صورة أرشيفية
مقاتل من حزب العمال الكردستاني- صورة أرشيفية

خلال شهر مارس الماضي، صنّفت الحكومة العراقية حزب العمّال الكردستاني منظّمة محظورة. وبدت الخطوة كأنها مقدّمة لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق التي حدثت قبل أيام وحملت جدول أعمال حافلاً وملفات معقدة بحثها أردوغان مع المسؤولين العراقيين في بغداد وأربيل.

خلال زيارته، صرّح أردوغان بأنه يأمل رؤية “نتائج ملموسة” لهذا التصنيف، مضيفاً أنه يتطلّع إلى “المساعدة العراقية في هذه المعركة”.

هذا التصنيف يعتبر “تطوراً نوعياً في موقف العراق الرسمي تجاه طلبات تركیا في هذا الملف”، بحسب قراءة الصحافي الكردي فرمان رشاد.

لكن حتى الآن “لم يوافق العراق على طلب تركیا الدخول العسكري المباشر في مواجهة حزب العمال”، يضيف رشاد.

ويستبعد الصحافي الكردي أن يدخل العراق في حرب مع حزب العمال، لكنه يعتبر أن العراق قد يغض النظر أكثر إذا فاقمت تركيا من عملياتها العسكرية.

وملف حزب العمال الكردستاني يعتبر ملفاً حيوياً واستراتيجياً بالنسبة إلى تركيا في علاقتها مع العراق، كما يشرح رشاد. يقول “في الثمانينات، تم التوصل إلى اتفاق بين البلدين يسمح للجيش التركي بالدخول بعمق خمسة كيلومترات داخل الأراضي العراقية للقيام بعمليات عسكرية فقط دون تأسيس معسكرات کما نشهد الآن. ومع ذلك، ترکیا تعتبر أن الحكومة العراقية لا تقوم بواجباتها تجاه الحدود، وأن من حقها استخدام هذا الاتفاق كتبرير لدخول الجيش التركي بعمق 40 كم داخل الأراضي العراقية وإنشاء عشرات القواعد العسکریة في مناطق الحدودیة في محافظتي دهوك و أربیل”.

لكن ما يحدث اليوم تضرب جذوره عميقاً في التاريخ. فالمشكله الكردية في تركيا عمرها من عمر الجمهورية نفسها، أي منذ العام 1923، كما يشرح الخبير في الشؤون التركية محمد نور الدين لـ”ارفع صوتك”.

وعلى الرغم من مرور قرن بكامله، على هذه المشكلة، فهي لم تجد حلاً لها والسبب الأساسي والمباشر لذلك، بحسب نور الدين هو ان “النخبة الحاكمة في تركيا سواء كانت علمانية أو عسكرية أو إسلامية لم تنظر إلى المشكلة الكردية إلا من زاوية أمنية، ولم تر في هذه المشكلة أن هناك شعباً له مطالب محقة تتعلق بالتعبير عن هويته اللغوية والثقافية، ولما لا السياسية، إذا سنحت الظروف والتوازنات بذلك”.

هذا جعل التعاطي الأمني مع هذه المشكلة، يطبع العلاقة بين المركز أنقرة والمجموعات الكردية التي تتواجد بشكل مركّز في جنوب شرق البلاد على حدود سوريا وعلى حدود العراق وعلى حدود إيران.

وبحسب نور الدين، فإن “المشكلة في الأساس هي مشكلة تركية داخلية وحتى تتجنب النخبة الحاكمة في تركيا إعطاء الأكراد مطالبهم المحقة في جميع الأحوال فإنها دفعتهم في أوقات متعددة إلى أن يتركوا الداخل التركي ويتجهوا إلى دول الجوار في سوريا والعراق. وبذلك اتخذت هذه المشكلة لاحقاً أبعاداً إقليمية ودولية يتدخل فيها عدد كبير من القوى والدول الإقليمية والدولية”.

في العام 1974، تأسس اتحاد “طلبة الدراسات العليا في أنقرة”، وسعى لتجنيد الطلاب الأكراد في صفوفه، وتزّعمه عبد الله أوجلان الذي لُقِّب بـ”آبو”. من هذا الاتحاد تكوّنت المجموعة القتالية “جيش التحرير القومي”، وبات أعضاؤها يُعرفون بِاسم “أتباع آبو”.

وخلال عامٍ واحد، انتقل أفراد هذه الجماعة من أنقرة إلى المناطق الكردية حيث بدأوا في شن عمليات عسكرية من هناك. لم يكن “العمال” أول حزب كردي ينتهج العنف لتنفيذ أجندته السياسية، إنما نشبت أول حركة كردية مسلحة سنة 1925 أعقبتها حركة “آرارات” (1927- 1931) ثم حركة “درسيم” (1937-1938)، وجميعها قُوبلت بقمعٍ عنيف من الحكومات التركية.

قبل الاستقرار على الاسم النهائي للحزب الكردستاني ظهر بأكثر من تسمية مختلفة؛ فمرة بِاسم “مؤتمر الحرية والديمقراطية الكردستاني” (KADEK)، كما حملت بعض أفرعه اسم “الجيش الشعبي لتحرير كردستان” (ARGK) وأيضًا ظهر فرع آخر حمل اسم “قوات الدفاع الشعبية” (HPG).

نفذت هذه المجموعات عمليات عسكرية محدودة مثل إرهاب المدنيين الأتراك أو التعدّي على بعض المسؤولين الحكوميين لذا لم تُصنّفهم تركيا بأكثر من أنهم مجرد “قُطاع طُرق”.

لكن في 1979 حدث التطوّر العملياتي الأكبر حينما أُعلن دمج جميع هذه الفروع تحت مظلّة عسكرية واحدة هي “حزب العمال الكردستاني” (PKK)، وعُين عبد الله أوجلان سكرتيرًا عامًا لها.

إذاً، بشكل أساسي، حزب العمال الكردستاني هو وليد هذا التاريخ من الصراع التركي مع الأكراد، وقد وجد هذا الحزب من الطبيعة الجغرافية الوعرة لجبال قنديل على الحدود مع إيران وتركيا ملجأ وحماية “طبيعية” للمسلحين التابعين له. ومن هناك بدأت الهجمات العسكرية تنطلق باتجاه الداخل التركي.

هذا الأمر ولّد ردود فعل تركية على مواقع حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وتوسعت العمليات العسكرية التركية إلى مناطق أخرى من شمال العراق.

والمشكلة، كما يشرحها نور الدين، هي في اعتبار تركيا أن جبال قنديل تقع تحت السيادة العراقية وهي تحمّل الحكومة المركزية في بغداد مسؤولية ضبط الأمن في تلك المنطقة، مع أن الحكومة المركزية في بغداد، كما يعتقد نور الدين، “غير قادرة على معالجة هذه المشكلة بشكل مباشر، لأن الإقليم الكردي يتمتع بحكم ذاتي والحكومة الكردية لديها صلاحيات واسعة”.

وبحسب نور الدين ورشاد معا، فإن عناصر “العمال الكردستاني” احتموا بالمحيط الكردي الذي يعيشون فيه، ويحظون بنوع من الحصانة الكردية. وهذا يفسّر بحسب رشاد امتعاض جزء كبير من الشارع الكردي من زيارة أردوغان، الذي يعتبر تركيا “سبباً رئيسياً لعدم استقرار المناطق الحدودية مع كردستان وقتل المدنيين الأكراد تحت ذريعة الحرب على حزب العمال”.

في المقابل، يشرح نور الدين أنه “على الرغم من أن العلاقات بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني كانت سيئة تاريخياً، إلا أن تهديد داعش للمناطق الكردية خلق نوعاً من التفاهم الضمني بين جميع المكونات الكردية بأن لا يراق الدم الكردي على يد كردية، وهذا ساعد حزب العمال أكثر على البقاء في أماكنه”.

واليوم، يضيف رشاد، “يرفض شعب كردستان بشكل العام دخول قوات عراقية أو البیشمركة في حرب ضد حزب العمال، بسبب الهویة القومیة التي تجمع الأكراد على اختلافهم، وأي عملية عسكرية من هذا النوع ستؤدي إلى عدم الاستقرار لفترات طويلة داخل الإقليم”.

هدف الضغوط التركية على العراق أن تكون مكافحة حزب العمال الكردستاني من جوانب مختلفة، الجيش التركي يهاجم من الشمال، ويساعده الجيش العراقي من الجنوب، وتشترك في العملية قوات البشمركة، إن لم يكن بالقتال المباشر، فعبر قطع طرق الإمداد والمواصلات على حزب العمال دون الدخول في مواجهة عسكرية معه.

وتسعى تركيا أيضا إلى الحصول على دعم عسكري من فصائل الحشد الشعبي أيضاً. وتعتقد أنقرة أن هذه الخطة قد تنجح في القضاء على حزب العمال الكردستاني في حال موافقة جميع الأطراف على مساعدتها. ومن هنا، كانت الزيارات المتكررة لوزيري الدفاع والخارجية التركيين إلى بغداد، وكان هناك نوع من التفاهم على إمكانية التعاون لمكافحة حزب العمال. وكانت الإشارات الأولى لهذا التعاون، إعلان بغداد حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة.

لكن أردوغان يبدو، بحسب نور الدين، كأنه “يرشي الحكومة العراقية لدفعها إلى الانخراط في جدول أعماله الأمني، عبر طرح مسألة المياه في مقابل التعاون لضرب حزب العمال الكردستاني”، كما يحاول “رشوة” الحكومة العراقية من خلال مشاريع اقتصادية كاتفاقيات النفط والغاز.

ويأتي في رأس هذه المشاريع  كذلك طريق التنمية الذي يمتد من ميناء الفاو إلى ميناء مرسين مروراً بالبصرة والموصل وبغداد.

وبرأي نور الدين، فإن هذا المشروع يصعب أن يتحقق، إذا شهد معارضة إيرانية، لأن ما قد ينتج عنه هو تحجيم الدور الاقتصادي الإيراني في العراق.

ويأتي ضرب حزب العمال الكردستاني في هذا السياق أيضاً، يتابع نور الدين، إذ إن “قضاء تركيا على حزب العمال الكردستاني سينعكس على النفوذ الإيراني الذي قد يتراجع في العراق لصالح تركيا، وهو ما لن تقبل به إيران”.

ارفع صوتك

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular