بعد تقلبه وتلاعبه.. انشقاقات داخل التيار الصدري

.

مضت أكثر من 4 أشهر على بدء الاحتجاجات الشعبية الواسعة في العراق والتي كانت قد بدأت في الأول من تشرين أول/ أكتوبر الماضي.

احتجاجات خرجت للتنديد بالحكومة والطبقة السياسية الحاكمة وشهدت قمعا وعنفا تجاه المتظاهرين لم يسبق له مثيل مع تسجيل أكثر من 600 قتيل وقرابة الـ 21 ألف جريح.

وعلى الرغم من وقوف غالبية الكتل السياسية بوجه المتظاهرين، إلا أن التيار الصدري الذي يتزعمه رجل الدين “مقتدى الصدر” حاول ركوب موجة التظاهرات واستطاع ذلك في غير ذي مرة من خلال الزج بأنصاره في ساحات الاعتصام، لكن ما لبث الصدر أن انقلب على التظاهرات بعد التوصل لاتفاق سياسي بتكليف “محمد توفيق علاوي” برئاسة الوزراء الأمر الذي نجم عنه انشقاقات داخل التيار.

تأييد التظاهرات والانقلاب عليها

منذ اليوم الأول للتظاهرات خرج الصدر وفي غير ذي مرة للتأكيد على أحقية العراقيين في تظاهراتهم السلمية المنددة بالفساد والكتل السياسية الحاكمة، الباحث السياسي “مؤيد العمر” وفي حديثه لوكالة “يقين” أكد على أن الصدر ومنذ اليوم الاول دعم المتظاهرين بالتغريدات المباشرة له أو من خلال تغريدات المقرب منه المدعو “محمد صالح العراقي”.

“بعد موجة العنف الكبيرة التي شهدتها ساحات الاعتصام في بغداد والناصرية، زج الصدر بمزيد من أنصاره في الساحات تحت ما يسمى بأصحاب (القبعات الزرقاء)”

ويشير العمر إلى أنه وبعد موجة العنف الكبيرة التي شهدتها ساحات الاعتصام في بغداد والناصرية، زج الصدر بمزيد من أنصاره في الساحات تحت ما يسمى بأصحاب (القبعات الزرقاء) الذين كانوا يرتدون قبعات ذات لون أزرق وكانوا متوزعين على مداخل ساحات الاعتصام والمطعم التركي.

ويعلل العمر تأييد الصدر للتظاهرات السلمية للعراقيين بأنها محاولة لاستحصال مزيد من المكاسب السياسية، لافتا إلى أن الصدر لو كان جاد في دعم التظاهرات لأمر أتباعه ونواب كتلته (سائرون) بالاستقالة من عضوية مجلس النواب فور انطلاق التظاهرات، لكنه لم يقدم على هذا الفعل، مشيرا إلى أن سائرون لديها 56 نائبا في البرلمان الذي يبلغ مجموع أعضاءه 329 نائبا.

المحلل السياسي “رياض الزبيدي” وفي حديثه لوكالة “يقين” أشار إلى أن الصدر وبركوبه موجة التظاهرات، فإنه عوّل على عدد أنصاره الكبير في العاصمة بغداد، لافتا إلى أن الصدر حاول إزاحة الكتل السياسية الشيعية المنافسة له خاصة كتلة الفتح التي يتزعمها “هادي العامري”.

وأشار الزبيدي إلى أن الصدر وبركوبه موجة التظاهرات لفت نظر إيران في محاولة لتأكيد حضوره لدى ملالي طهران بأنه قوة فاعلة في الشارع العراقي وخاصة في المناطق الجنوبية، بحسبه.

وعن الانقلاب الذي حصل في موقف الصدر فجأة، أكد الزبيدي على أن “مقتدى الصدر” معروف لدى العراقيين بأنه متقلب وأن مواقفه لا يعول عليها، مؤكدا على أن الصدر استطاع إرضاء طهران التي عملت على عقد اتفاق سياسي بين كتلته وكتلة الفتح والذي تمخض عنه التوصل إلى التوافق على ترشيح “محمد توفيق علاوي” لرئاسة الوزراء.

ويختتم الزبيدي حديثه لوكالتنا بالإشارة إلى أنه وفور تكليف علاوي بالمنصب، انقلب الصدر على ساحات الاعتصام ليباشر أنصاره بقمع التظاهرات بصورة أشد مما كان عليه الحال خلال الـ 4 أشهر الماضية، ما ساعد في كشف جميع الأوراق على الساحة السياسية في البلاد.

بوادر انشقاق أنصار الصدر

مع تصاعد حدة القمع الذي تمارسه مجموعات القبعات الزرقاء التابعة للتيار الصدري ضد المتظاهرين، ظهرت خلال اليومين الماضيين بوادر انشقاق واضحة بين أتباع التيار بسبب انقلاب الأخير على التظاهرات السلمية.

يقول الناشط من ساحة التحرير في بغداد “سامر علي” في حديثه لوكالة “يقين” إن مجموعات شبابية من التيار الصدري اعتصمت مع المتظاهرين السلميين طيلة الأشهر الماضية، وتشكلت علاقات ود وتلاحم بينهم وبين المتظاهرين غير المتحزبين.

 

ويكشف علي عن أنه وبعد انقلاب الصدر على التظاهرات، فإن هناك الكثير من أتباع التيار الصدري وخاصة من سكان “مدينة الثورة” انقلبوا على التيار وصاروا مناهضين للتيار وسياسيه، لافتا إلى أن هناك العديد من قتلى التظاهرات من سكان المدينة، وبالتالي وجد الكثير من المتظاهرين – الذين كانوا مناصرين للصدر – انقلاب الصدر على المتظاهرين بأنه خيانة للثورة وتلاعب بمصير الشباب بغية تحقيق منافع سياسية للتيار وكتلته السياسية.

“انقلاب الصدر على التظاهرات السلمية الوطنية جاءت لتكشف الوجه الحقيقي للصدر”

متظاهر آخر من ساحة الحبوبي في الناصرية ويدعى “غزوان شاكر” أكد في حديثه لوكالة “يقين” على أن انقلاب الصدر على التظاهرات السلمية الوطنية جاءت لتكشف الوجه الحقيقي للصدر، مشيرا إلى أن الصدر وبفعلته هذه خسر عشرات آلاف المناصرين له من الذين كانوا مناصرين لهذا التيار طيلة السنوات الماضية.

وعن أبرز الأسباب التي أدت بهؤلاء إلى الانشقاق عن التيار، يضيف شاكر (كان مقربا من التيار) أن الصدر خان المتظاهرين ولم يستمر بدعمه للتظاهرات، وكان من الأولى به أن يدع المتظاهرين وشأنهم لا أن ينقلب عليهم، إذ أن من خرجوا في التظاهرات طيلة الأشهر الماضية كانت مطالبهم هي إرجاع الوطن لأبناءه لا الزج به مجددا في حضن إيران وأحزابها الحاكمة منذ 17 عاما مضت، بحسبه.

ويشير شاكر في ختام حديثه لوكالتنا إلى أن الناصرية وبعد أن كانت محسوبة على التيار الصدري، بسبب العدد الكبير لأنصاره فيها، باتت اليوم من أشد الناقمين عليه، مستدلا باشتقاق العديد من أعضاء التيار الصدري من القيادات ومن بينهم “أسعد الناصري” الذي خرج علانية على وسائل التواصل الاجتماعي وتبرأ من أفعال التيار، بحسب شاكر.

من جهته وفي صعيد ذي صلة، يؤكد الخبير الأمني “خليل ابراهيم” في حديثه لوكالة “يقين” على أن رُبَّ ضارة نافعة، وأن التيار الصدري وبانقلابه على التظاهرات فإنه ساعد في انكشاف موقفه الحقيقي أمام الشعب العراقي والمتظاهرين، لافتا إلى أن التظاهرات الحالية باتت وطنية خالصة دون أي شوائب.

وعن الانشقاقات الحاصلة والمتوقعة في التيار الصدري، كشف إبراهيم عن أن التيار الصدري فقد كثيرا من أنصاره إلى الحد الذي بات فيه المتظاهرون يمزقون ويحرقون صوره في الشوارع وحتى داخل “مدينة الثورة”، لافتا إلى أن كثيرا من الشباب انقلبوا على التيار وباتوا من أشد الناقمين عليه.

ويعتقد إبراهيم أن الصدر سيفقد في الأيام القادمة مزيدا من أنصاره مرجحا أن القيادات الميدانية السياسية في التيار وخاصة الشبابية منها ستشهد موجة انشقاقات غير مسبوقة، خاصة بعد أن عمل التيار على الزج بسرايا السلام في قمع المتظاهرين في مشهد لم يكن أنصار الصدر يتوقعونه منه.

ويختتم إبراهيم حديثه لوكالتنا بالتأكيد على أن موجة الغضب الشعبي الحالي ستطيح بالصدر وبرمزيته حتى لدى مناصريه الأوائل خاصة أن القمع الممنهج تجاه المتظاهرين بات في تصاعد مع مرور الساعات والأيام.

“تحركات التيار الصدري تشي بما هو أفضع من تحريكه لأصحاب القبعات الزرقاء”

في السياق، يشير الخبير الأمني “سعيد سالم” في حديثه لوكالة “يقين” إلى أن تحركات التيار الصدري تشي بما هو أفضع من تحريكه لأصحاب القبعات الزرقاء، إذ أن التيار الصدري وميليشياته معروفة منذ عام 2006 بفرق الموت.

ويشير سالم إلى أنه من غير المستبعد أن يلجأ الصدر وميليشياته إلى استخدام ذات الاسلوب الذي قتلت من خلاله ميليشياته أهالي السنة في بغداد والمحافظات بين عامي 2006 و2008، مرجحا أن تشهد بغداد والمحافظات الجنوبية مزيدا من التصعيد وعمليات الاغتيال والتفجيرات بما ينذر باشتعال موجة عنف غير مسبوقة في المحافظات الجنوبية وهو ما قد يؤدي إلى حرب أهلية لن تبقي ولن تذر، بحسب سالم.

مع انقلاب الصدر على التظاهرات السلمية ومباشرة ميليشياته بقمعها، يبدو أن الصدر فقد الكثير من أنصاره، في ظل ترجيحات بأن تشهد الأيام القادمة مزيدا من الانشقاقات.