الأحد, مايو 5, 2024
Homeمقالاتوثائق أميركية تؤكد سرّ ما أعلنه عن انقلاب 8 شباط / فبراير...

وثائق أميركية تؤكد سرّ ما أعلنه عن انقلاب 8 شباط / فبراير 1963 : أ.د. سيّار الجميل

 

رموز وأشباح  

الحلقة 80 : علي صالح السعدي .. حكم العراق تسعة شهور  فقط ورحل !

وثائق أميركية تؤكد سرّ ما أعلنه عن انقلاب 8 شباط / فبراير 1963

أ.د. سيّار الجميل

مقدمة

لما مضى قرابة 60 عاما على تلك الاحداث الخطيرة ، فقد غدت تاريخا  ينبغي معرفته وكشف اسراره بموضوعية كاملة بعيدا عن التستر والاخفاء او عن التمجيد والتسبيح بحمده  او رميه بالسباب والشتائم المقذعة التي لا طائل منها أبدا ..  دعونا نعالج في هذه الحلقة  تاريخ شخصية وقضية وبلاد مخترقة .. وما جرى فيها منذ 1958 وما تواصل  عنه من تداعيات حتى اليوم ..  ونتوقف قليلا لنحلل معلومات وردت في وثائق أميركية دامغة ..

منذ أن تم إنشاء أول حكومة حديثة للعراق من قبل الانتداب البريطاني في عام 1920 ، جادل المراقبون داخل البلاد وخارجها حول الإرث الإمبريالي والاستعماري البريطاني  وهويته  وقدرته  على البقاء. ، وقد حظي العراق برجال من اقدر الساسة الذين  اتبعوا نهج فيصل الأول  في التعامل مع الإنكليز  بـ ” خذ وطالب ” ، وقد استفاد العراق حقا في بنائه السياسي او الاقتصادي لما تحقق بعد قانون مناصفة الأرباح  عام 1952 ، وكان العراق  في تجاربه مثالا يحتذى به في العالم الى حد كبير وهو ينطلق ليصبح واحدا من النمور نحو نهاية القرن العشرين  -كما قال بيتر مانسفيلد –  ولكن الحرب الباردة التي استعرت في الخمسينيات والستينيات قد اثرت على عموم الشرق الأوسط، والهبت مشاعر العراقيين العدائية ، فأدى ذلك الى تزايد الإكراه للسياسة العراقية ، وبدء تنفيذ مشروعات أميركية تتصل بقلب أنظمة الحكم في الشرق الاوسط، بالعمل على زيادة تدخّل الضباط العسكريين في السياسة. ومنها مشروع ” روزفلت الحفيد ” ، فتناقضت الاضطرابات في اكثر  من بلد عربي  بشكل حاد ، ومنها العراق الذي  تغير تاريخه جذريا بعد 14  تموز / يوليو 1958 . وكانت  عدة حركات سياسية وايديولوجية قد ولدت اثر نهايات الحرب الثانية ، وبدأت تتوسع  ابان الخمسينيات من القرن العشرين  ، ومنها  حركة  البعث العربي  الاشتراكي . ( وسنحلل في الحلقة القادمة تصريحات علي صالح السعدي  وهو ابرز القياديين  البعثيين العراقيين  والذي  حكم العراق  لتسعة شهور  عام 1963) .

الخلفيات السياسية  والتاريخية

نجح العسكريون  الانقلابيون  في انهاء العهد الملكي في العراق  صباح يوم 14  تموز / يوليو 1958  وكانوا قد سموا انفسهم  بالضباط الأحرار ، وقد  اشتركوا  مع  بعض الأحزاب والتكتلات السياسية العراقية وكانت المعارضةا في جبهة  سياسية واحدة  مدعومة من  الرئيس جمال عبد الناصر  واطراف  أخرى ،  فغدا العراق  جمهوريا ووقف على رأسه  قائد الانقلاب الزعيم عبد الكريم قاسم ، ودخل العراق تاريخا جديدا بانقسامه الى خندقين اثنين احدهما للشيوعيين والقاسميين  وثانيهما  للقوميين والبعثيين ،  اذ بدأت منذ اللحظة الأولى جملة خلافات  سياسية وعقائدية وأيضا في اطار الحرب الباردة  التي كانت في ذروتها ، وتناحر الخندقان ووصلت ذروة ذلك في آذار / مارس 1959  حيث كانت مجزرة الموصل وتداعياتها المريرة .. في ديسمبر/ كانون الاول 1961، أصدرت حكومة قاسم القانون العام رقم 80 ، الذي يقيد الامتياز لشركة نفط العراق المملوكة لبريطانيا وأمريكا في تلك المناطق التي كان يتم إنتاج النفط فيها بالفعل ، مما أدى إلى مصادرة 99.5٪ من امتياز شركة نفط العراق. فشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من مصادرة الملكية وكذلك الفيتو السوفيتي الأخير لقرار الأمم المتحدة برعاية مصرية يطالب بقبول الكويت كدولة عضو في الأمم المتحدة ، والتي يعتقدون أنها مرتبطة. وهنا أعرب روبرت كومر ، كبير مستشاري مجلس الأمن القومي ، عن قلقه من أنه إذا توقفت شركة نفط العراق عن الإنتاج رداً على ذلك ، فقد “ينتزع قاسم الكويت” (وبالتالي تحقيق “سيطرة خانقة” على إنتاج النفط في الشرق الأوسط) أو أنه سوف “يلقي بنفسه في أيدي روسيا”. في الوقت نفسه ، أشار كومر إلى شائعات منتشرة مفادها أن الانقلاب البعثي القومي ضد قاسم قد يكون وشيكًا ، ولديه القدرة على “إعادة العراق إلى مستوى أكثر حيادية”.  بعد نصيحة كومر ، في 30 ديسمبر / كانون الأول. أرسل مستشار الأمن القومي ماك جورج بوندي إلى الرئيس  الأميركي  جون كيندي  برقية من السفير الأمريكي في العراق، جون جيرنيغان ، قال فيها إن الولايات المتحدة “في خطر كبير من  الانجرار إلى وضع مكلف وكارثي سياسيًا بشأن الكويت.” كما طلب بوندي إذن الرئيس كيندي لـ “الضغط على الدولة” للنظر في اتخاذ تدابير لحل الوضع في العراق،مضيفًا أن التعاون مع البريطانيين مرغوب فيه “إن أمكن ، لكن مصالحنا الخاصة ، النفط وغيرها ، متورطة بشكل مباشر للغاية”.

في الكواليس السياسية والمخابراتية الأميركية

في أبريل / نيسان 1962 ، أصدرت وزارة الخارجية مبادئ توجيهية جديدة بشأن العراق تهدف إلى زيادة النفوذ الأمريكي في البلاد. في نفس الوقت تقريبًا ، أصدر الرئيس كيندي تعليماته لوكالة المخابرات المركزية (CIA) – بتوجيه من أرشي روزفلت الابن ( مهندس الانقلابات في  الشرق الأوسط )  – لبدء الاستعدادات لانقلاب عسكري ضد عبد الكريم  قاسم. وفي 2 يونيو / حزيران  1962، أمر وزير الخارجية العراقي هاشم جواد جيرنيغان بمغادرة البلاد ، مشيرًا إلى أن العراق يسحب أيضًا سفيره من واشنطن ردًا على قبول الولايات المتحدة أوراق اعتماد سفير كويتي جديد في الأول من يونيو / حزيران ، وهو ما حذر العراق مرارًا من أنه سينتج عنه. أي تخفيض العلاقات الدبلوماسية. على الرغم من التحذيرات العراقية ، أصيب كبار المسؤولين الأمريكيين بالذهول من خفض التصنيف. لم يتم إبلاغ  الرئيس كيندي بالنتائج المحتملة لقبول السفير الكويتي.

ولكن بحلول نهاية عام 1962 ، أدت سلسلة من الهزائم الكبرى على أيدي المتمردين الأكراد إلى إلحاق أضرار جسيمة بمعنويات الجيش العراقي وانخفض الدعم الشعبي لقاسم.  وكانت المرحلة صعبة  بين شهر سبتمبر / أيلول 1962 حتى فبراير/ شباط  1963 ، فقد ألقى عبد الكريم قاسم مرارًا وتكرارًا باللوم على “الأنشطة الإجرامية” للولايات المتحدة في نجاحات الأكراد على ساحة المعركة ، لكن وزارة الخارجية رفضت طلبات من القائم بالأعمال الأمريكي في بغداد ، روي ميلبورن ، للرد علنًا على قاسم. ومزاعمه – على حد تعبيره –   خشية أن يعرض ذلك الوجود الأمريكي المتبقي في العراق للخطر. في 5 شباط (فبراير) 1963 ، أبلغ وزير الخارجية دين راسك السفارة الأمريكية في العراق أن وزارة الخارجية “تدرس بعناية ما إذا كانت المصالح الأمريكية المتوازنة ستتحقق في هذا (المنعطف) بالذات من خلال التخلي عن سياستها في تجنب رد الفعل العام على قاسم”. وذلك بامتصاص الاتهامات ، “مع التردد النابع من الرغبة في تجنب المساومة على” عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية المهمة “لوكالة المخابرات المركزية: في 7 فبراير/ شباط  ، أبلغ السكرتير التنفيذي لوزارة الخارجية ويليام بروبيك بوندي أن العراق أصبح” أحد أكثر المواقع المفيدة للحصول على معلومات تقنية عن المعدات العسكرية والصناعية السوفيتية وحول الأساليب السوفيتية للعمليات في مناطق عدم الانحياز. ” وخصوصا برنامج الصواريخ. مع إمكانية الوصول إلى المعلومات الاستخباراتية المهمة في الميزان ، أظهر المسؤولون الأمريكيون “ترددًا كبيرًا بشأن مفاقمة الرد  على  قاسم.”  وكان ما كان في  صباح 8 شباط / فبراير 1963 .

علي صالح السعدي  : جئنا  الى الحكم بقطار أميركي  !

علي صالح السعدي  ، اسم  كبير في تاريخ حزب البعث العراقي  ، وهو من مواليد 1928 ببغداد ، وتوفي  سنة  1977 سياسي عراقي  له نهج ثوري راديكالي نضالي . شغل منصب الأمين العام للحزب ،  فرع العراق  منذ أواخر الخمسينيات وحتى لأيام قلائل قبل الانقلاب العسكري الذي قادة عبد السلام عارف ضد  البعثيين  في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 1963. وشغل منصب نائب رئيس الوزراء  ووزير الداخلية وقائدا للحرس القومي  منذ  8 فبراير/ شباط 1963 وحتى الانقلاب العسكري في 18 نوفمبر / تشرين الثاني 1963 الذي  يعد  انقلابا ضد  سياساته  هو نفسه مع جماعته  من البعثيين الذين  كانت لهم مناوراتهم الحزبية باستبدال احمد حسن البكر  كرئيس للوزراء  اذ  اطيح به وبالبعث وبسلطة الحزب  في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963 .

علي صالح السعدي : من يكون ؟

ولد في محلة باب الشيخ  ببغداد عام 1928، وكان من أصول كردية في دهوك – كما تحدثت  احدى اخواته -. تخرّج في كلية التجارة ببغداد عام 1955 ، والتحق بحزب البعث الأول منذ 1953 وصار من أوائل البعثيين المؤسسين المشاركين في 14  تموز / يوليو 1958 وهو بعمر الثلاثين، وكان بعثيا جريئا ومتمردا ومبدئيا شديد المراس وراديكالي النزعة  ، حاد الطبع  معتدا بنفسه مزاجيا   . وغدا معارضا شرسا لحكم الزعيم عبد الكريم قاسم والشيوعيين .. وتؤكد المعلومات عنه أيضا انه كان متواضعا وصاحب نكتة ويتّصرف بعفوية وبروح شعبية، وتعرّض عدة مرات للاعتقال والسجن والنفي ، ولكنه بقي ببغداد  أميناً عاماً لحزب البعث فرع العراق، ( وسنحلل في الحلقة القادمة رؤيته السياسية لتاريخ حزبه  وموقفه  من رفاقه من خلال تحليل وثيقة عربية  تضم  تصريحاته التي  أدلى بها في بيروت 1965 ) .

ويعتبر علي صالح السعدي  مهندس حركة  8 شباط / فبراير 1963 للإطاحة بحكم قاسم ، وقاد  الانقلاب وهو رهن الاعتقال ، اذ اعتقل قبل 3 أيام من ساعة الصفر  في دار طالب شبيب، وقد خرج مباشرة بعد نجاح  الحركة ، وتسلم قيادة العراق ومارس السلطة القوية وإصدار الأوامر بالرغم من وجود  عارف رئيسا للجمهورية والبكر رئيسا للوزراء  ، وقد اشيع  عن  السعدي لاحقا انه قال  :  “وصلنا إلى السلطة على متن قطار تابع لوكالة المخابرات المركزية.”  ولما اقصي السعدي عن السلطة بات انسانا من نوع آخر ، اذ رضخ للأمر الواقع ..  وكان قد تزوج من الصحفية هناء العمري التي اذاعت بيانات انقلاب 8 شباط 1963، ورزقا  بكل من علياء وفارس .. وعاشت عائلته الصغيرة معه  حتى رحيله عام 1977 في لندن التي كان يتعالج فيها من مرض في القلب .  مات معزولا وحزبه يحكم العراق  وهو احد مؤسسيه  وكانت تصريحاته نادرة جدا .

تجربة  الشهور التسعة  لحكم البعثيين  الأوائل

بدا واضحا ولأول مرة ان علي صالح السعدي  هو الرجل القوي في نظام 8 شباط / فبراير 1963، فهو الأمين العام  لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ، وقد جاء بعد  فؤاد الركابي الذي اتهم بانحرافه عن الحزب وتعجرفه مذ صار وزيرا  بعد 14 تموز / يوليو 1958 واستقال ليغدو ناصريا ، فابعده  نائبه  السعدي ليحل محله في القيادة ..  وقد اتهم  السعدي  بأنه وراء  مقتل ما بين 300- 5000  شيوعي عراقي  بعد انتصار البعثيين  على قاسم  في 8 شباط / فبراير  1963 ، فهل  تواطأت وكالة المخابرات المركزية في هذه الجريمة ؟  وماذا  تخبرنا  الوثائق الأميركية عن هذا الموضوع  المثير للقرف ؟

قامت وكالة الأمن القومي بتجميع قائمة بالشيوعيين العراقيين ممثلة بتوقيعي كل من جون ماكون ، مسؤولة قسم الشرق الأوسط ، وجيمس هارديستي كريشتفيلد المختص بشؤون النظام العراقي ، ورتبت  بدقة  كقائمة مستهدفة ، ومن خلالها  قُتل ما بين 300 و 5000 من الشيوعيين  العراقيين والمتعاطفين مع قاسم في قتال عنيف بشوارع بغداد.    وكان  هاري روزيتسك ، وهو ضابط وكالة المخابرات المركزية منذ فترة طويلة قد ادعى بأن “المصدر الرئيسي هو وكالة المخابرات المركزية ” التي خصصت  موقعا خاصة  للعراق  ومراقبة  كل أوضاعه  بشكل مثالي ، وقد أبلغ عن الوقت المحدد للانقلاب وقدم قائمة بأعضاء الحكومة الجدد” ، لكن هذا الشيء لم يتم التحقق منه. ( انظر Rositzke ، Harry (1977). العمليات السرية لوكالة المخابرات المركزية.. ص. 109) .

وتنبؤنا وثيقة أخرى انه بعد التوصل إلى اتفاق سري مع ملا مصطفى بارزاني للعمل معًا ضد قاسم في يناير / كانون الثاني 1963، أطاح حزب البعث العراقي المناهض للإمبريالية والشيوعية بحكم قاسم الذي أعدم في انقلاب دموي عنيف  8-9 فبراير/ شباط 1963. بينما كانت هناك شائعات مستمرة بأنها مؤامرة دبرتها وكالة المخابرات المركزية لتنفيذ الانقلاب . ولكن  لما رفعت السرية عن الوثائق وشهادة ضباط المخابرات المركزية السابقين ، فكانت تشير إلى عدم وجود تورط أمريكي (مباشر )، على الرغم من أن وكالة المخابرات المركزية كانت تسعى بنشاط لإيجاد بديل مناسب لعبد الكريم  قاسم داخل الجيش العراقي ، وتم إخطار الولايات المتحدة بإجهاض محاولتين  انقلابيتين  وهما من  طراز Ba  من  المؤامرات الانقلابية ،  اولاهما في  يوليو/ تموز 1962 ، وثانيتهما  في ديسمبر/ كانون الأول  1962. وعلى الرغم من وجود الأدلة والقرائن على أن وكالة المخابرات المركزية كانت تتابع عن كثب التخطيط للانقلاب والمجيئ بحزب البعث منذ -على الأقل –  عام 1961، فقد عمل مسؤول وكالة المخابرات المركزية مع روزفلت (الحفيد )  للتحريض على حدوث انقلاب عسكري ضد قاسم ، والذي أصبح فيما بعد رئيس عمليات وكالة المخابرات المركزية في العراق . وقد نفت سوريا “أي تورط لها في أعمال حزب البعث”، وقالت بدلاً من ذلك إن جهود وكالة المخابرات المركزية ضد قاسم كانت لا تزال في مراحل التخطيط في ذلك الوقت. على النقيض من ذلك ، ذكر براندون وولف-هونيكوت أن “العلماء ما زالوا منقسمين في تفسيراتهم للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه انقلاب فبراير 1963 في العراق” ، لكنهم يستشهدون بـ “أدلة دامغة على دور أمريكي في الانقلاب” !!

حكم البعثيين  الأوائل

يقول  برايان غبسون  :  بعد نجاح البعثيين ، حصل نائب عبد الكريم قاسم السابق وخصمه اللاحق العقيد عبد السلام عارف (الذي لم يكن بعثيًا) على لقب شرفي إلى حد كبير هو الرئيس الجديد  للعراق ومنحه البعثيون  مرتبة ” المشير ” ( أي : الفيلد ماريشال ) ، بينما عُيِّن الجنرال البعثي أحمد حسن البكر رئيسًا للوزراء. ولكن السلطة الحقيقية كانت بيد أقوى زعيم في الحكومة الجديدة هو أمين سر حزب البعث العراقي المدعو علي صالح السعدي ( ولم يكن هو والبكر  بمعروفين لدى العراقيين )  ، ووقف السعدي  على رأس الحرس القومي ونظم مذابح ضد المئات – إن لم يكن الآلاف – من الشيوعيين أو المشتبه بهم وغيرهم من المعارضين انتقاما  لما فعله الشيوعيون والقاسميون على عهد قاسم من مجازر ..  وفي الأيام التي أعقبت الانقلاب، نظرت إدارة كنيدي إلى احتمالية حدوث تحول عراقي في الحرب الباردة بتفاؤل حذر. ومع ذلك ، كان المسؤولون الأمريكيون قلقين من أن تجدد الصراع مع الأكراد قد يهدد بقاء الحكومة العراقية. بينما أطلق ملا مصطفى بارزاني سراح 1500 أسير حرب عربي كبادرة حسن نية ، وأخبر ملبورن  وزير الخارجية العراقي طالب شبيب في 3 مارس / آذار 1963 أن الحكومة لم تكن راغبة في النظر بأية تنازلات تتجاوز الاستقلال الثقافي ، وأنها مستعدة لاستخدام الأكراد المناهضين لملا مصطفى بارزاني فضلا عن القبائل العربية في شمال العراق لاستمالة أساليب حرب العصابات التي يستخدمها الأكراد.  ( انتهى كلام غبسون )  .

المناورات السياسية الحزبية

في أكتوبر/ تشرين الأول  1963 ، عمل السعدي في المؤتمر القومي السادس لحزب البعث العربي الاشتراكي للتصويت لصالح الآباء المؤسسين ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار. في 11 تشرين الثاني /نوفمبر 1963  ، دعا السعدي وأنصاره إلى “مؤتمر حزبي قطري استثنائي” لطرد رئيس الوزراء أحمد حسن البكر ومنافسين آخرين من الحزب ووصفهم باليمينيين ،  ولكن اعتقلهم ضباط حزب البعث الموالون للبكر ، وعلى إثر ذلك قام الطيار البعثي منذر  الونداوي ، المقرّب من السعدي، رئيس الحرس القومي المخلوع (لكن لم يستقل)، وقصف أهدافًا في بغداد التي عاشت فاقدة للأمن والحكومة  لمدة خمسة أيام ، اذ  طرد  السعدي واعوانه الصقور من الحزب والسلطة وسفّروا الى خارج العراق ، وأيضا تمّ طرد  جناح آخر يتزعمه حازم جواد بوجود  ميشيل عفلق  والقيادة القومية في بغداد ، وبدأ  عفلق  يصدر الأوامر  كحاكم على العراق  على مدى 3 أيام  . وقد وجد عبد السلام عارف ان الفرصة ذهبية مؤاتية  للسيطرة  والاستحواذ على السلطة  ، وطرد  عفلق  وحزبه  ، فاتفق  مع  رئيس الوزراء أحمد حسن البكر واعوانهما في الجيش ان يعيدا السلام والنظام من خلال انقلاب  عسكري  في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 1963.  وتم الانقلاب وانتهى عهد البعث الأول بانشقاقه الى جناحين كالذي  حدث في سوريا  ،  وكان “عهدا بغيضا ” – كما تؤكد  المصادر  التاريخية –  اذ ارتكبت فيه  جملة من الموبقات  والتجاوزات  والانتقام من الشيوعيين  شر انتقام  ، فضلا عن  حصول اعتداءات بالجملة  من قبل افراد الحرس القومي  كما تؤكد  المصادر والوثائق المستخدمة  بتفاصيل بشعة  ، واذا  كان  المسؤول  الأول هو  علي صالح السعدي ، فان  النظام  السياسي  كله كان مسؤولا  حقيقيا عن كل ما جرى  من احداث  ومآس  واشترك في صنعها  كل التيارات القومية  ضد  الشيوعيين  من طرف  وضد الرجعيين  من طرف آخر !  .. المهم، اليوم لابد من الاعتراف بالأخطاء من قبل كل من مارس السياسة  في العراق عبر القرن العشرين  من دون التستر  عليها  وتمجيد تلك العهود التعيسة  التي كانت سببا  في خراب العراق بانتقام كل عهد يأتي من عهد سبقه  شر انتقام ، وقد رحل  الجناة ولكنهم انجبوا جناة جدد على العراق والعراقيين  . ان لتلك العهود  آثارها وتداعياتها ، وهي التي  أوصلت  تاريخنا  الى هذا المآل  الصعب  اليوم  ..  وكما قال علي صالح السعدي : ” كل من يعمل في السياسة العراقية  يتخلى عن الاخلاق ”  !!

الوثائق والمراجع المعتمدة

-“Memorandum From Robert W. Komer of the National Security Council Staff to the President’s Special Assistant for National Security Affairs (Bundy)”. Foreign Relations of the United States, 1961–1963, Volume XVII, Near East, 1961–1962. 1961-12-29. Archived from the original on 2016-04-06. 

-“Telegram From the Embassy in Iraq to the Department of State”. Foreign Relations of the United States, 1961–1963, Volume XVII, Near East, 1961–1962. 1962-06-02. Archived from the original on 2016-04-06. 

-cf. “Telegram From the Department of State to the Embassy in Iraq”. Foreign Relations of the United States, 1961–1963, Volume XVIII, Near East, 1962–1963. 1963-02-05. Archived from the original on 2016-04-06. 

-Hahn, Peter . Missions Accomplished?: The United States and Iraq Since World War I. (Oxford University Press. 2011),  pp. 47–48.

-Gibson, Bryan R. . Sold Out? US Foreign Policy, Iraq, the Kurds, and the Cold War. )Palgrave Macmillan,  2015), pp. xxi, 19-34,  45, 49, 57–58, 121, 200..

-Harry Rositzke, Cia’s Secret Operations: Espionage, Counterespionage, and Covert Action ( Readers Digest; 1st edition ,  1977), p. 109. 

تنشر  يوم  الاثنين  25  أكتوبر /  تشرين الأول 2021  على الموقع الرسمي  للدكتور سيار الجميل 

ملاحظة :  ترقبوا الحلقة القادمة 81  من رموز وأشباح  :  تحليل  وثيقة  عربية  :  علي صالح السعدي  : الرؤية السياسية

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular