السبت, أبريل 27, 2024
Homeالاخبار والاحداثمعاناة التهميش وخطر الإبادة.. كيف يعيش الأيزيديون في سوريا؟

معاناة التهميش وخطر الإبادة.. كيف يعيش الأيزيديون في سوريا؟

أيزيدية سورية بلباسها التقليدي خلال مشاركتها في تظاهرة في بلدة عامودا شمال شرق سوريا، في 3 أغسطس 2018، إحياءً للذكرى الخامسة لهجوم تنظيم داعش على جبال سنجار، المعقل الرئيسي للأيزيديين، في العراق.
أيزيدية سورية بلباسها التقليدي خلال مشاركتها في تظاهرة في بلدة عامودا شمال شرق سوريا، في 3 أغسطس 2018، إحياءً للذكرى الخامسة لهجوم تنظيم داعش على جبال سنجار، المعقل الرئيسي للأيزيديين، في العراق.

واجه الأيزيديون في سوريا الكثير من التهديدات في السنوات القليلة الماضية. عانى أبناء هذا الدين من التهميش والإنكار من قِبل السلطات الحاكمة على مر العقود، كما أنهم واجهوا بعد اندلاع الثورة في البلاد سنة 2011 ويلات الحرب والإبادة الجماعية. من هم أيزيديو سوريا؟ وكيف همشتهم الدولة؟ ولماذا أصبحوا واحدة من الأقليات الدينية المهددة بالانقراض؟

من هم الأيزيديون؟

يعتقد الأيزيديون أن دينهم ظهر منذ فترة موغلة في القدم، وأن عمره يزيد عن أربعة آلاف سنة. ينتشر الأيزيديون الآن -بنسب متفاوتة- في كل من سوريا ولبنان وتركيا وإيران. ويوجد اختلاف حول سبب تسمية الدين الأيزيدي بهذا الاسم. يرى البعض، دون تقديم دليل، أن التسمية اُشتقت من اسم الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أو من شخص آخر اسمه يزيد!. ويرى آخرون، دون دليل أيضا، أنها جاءت من اسم مدينة يزد الإيرانية. يرفض الأيزيديون تلك الآراء ويقولون إن اسم دينهم مُشتق من الكلمة الفارسية “أيزيد” والتي تعني الملاك أو الإله.

“تورن”.. فيلم عن جرائم إبادة الأيزيديين يحصد المزيد من الجوائز

يقع معبد الأيزيديين الأهم (معبد لالش) بالقرب من مدينة الموصل، في محافظة نينوى بالعراق. ويؤمن الأيزيديون بإله واحد، ويعتقدون بوجود سبعة ملائكة، أهمهم الملك طاووس. وينقسم المجتمع الأيزيدي إلى ثلاث طبقات متمايزة، وهي الشيوخ، والدعاة، والمريدون. ومن المعروف أن الدين الإيزيدي دين منغلق، وغير تبشيري. من جهة أخرى، يربط الكثيرون بين الديانة الأيزيدية وبعض الديانات الفارسية القديمة مثل الزرادشتية والمانوية. ويرى العديد من الباحثين أن الأيزيدية تأثرت بالديانات الأخرى المعروفة في سوريا والعراق، ومنها الإسلام والمسيحية والمندائية.

في سوريا، يتوزع الأيزيديون في الشمال والشرق في عفرين في ريف حلب الشمالي، ومحافظة الحسكة في قرى ومناطق رأس العين، عامودا، الدرباسية والقحطانية.

استبعاد وتهميش

حافظ الأيزيديون السوريون على قدر من الاستقلال السياسي في بعض فترات الحكم العثماني للمنطقة. وتوافق ذلك مع السياسة العثمانية التقليدية التي كانت تمنح بعض الطوائف الكردية نوعاً من الاستقلالية مقابل التحالف معها ضد الصفويين في إيران. رغم ذلك تعرض الأيزيديون السوريون للملاحقة بسبب بعض الفتاوى الدينية التي عدّتهم كفارا ومرتدين. في هذا السياق، يذكر عضو الهيئة الإدارية لاتحاد أيزيديي سوريا مصطفى نبو أن الحكومات المتعاقبة على سوريا، لم تعترف بالأيزيدية كديانة قائمة بحد ذاتها، بل عدّتها طائفة إسلامية. وأشار إلى قيام الأجهزة الإدارية الحكومية في الكثير من الأحيان بتغيير بيانات الديانة الخاصة بالمواطنين الأيزيديين -من دون علمهم- إلى الديانة الإسلامية ما نتجت عنه مشكلات في الإرث والزواج لدي الأيزيديين.

يقول نبو: “تم تغيير أكثر من نصف العائلات الأيزيدية إلى الإسلام. ومنذ ذلك الوقت يواجهون مشكلةً، كون أحد طرفي الزواج مسلماً، والآخر لا. وحسب الشريعة الإسلامية، المسلم الذي يريد الارتباط بأيزيدية، يُعدّ مرتداً. نتيجة لذلك، ومع مرور الوقت، ازداد عدد العائلات التي تغيرت ديانتها الأساسية”.

يلتف جوهر حمات (46 عاما) مع عائلته المكونة من أربعة أفراد حول مائدة الطعام. يدعون الله أن يعمّ السلام على أبناء الطائفة الأيزيدية الذي هجروا أو فرّوا من مناطقهم في العراق.

رفضت الدولة السورية في العقود السابقة الاعتراف بالأيزيدية كدين مستقل. وعملت على تهميش الأيزيديين بشتى السبل. على سبيل المثال، حاول بعض الأيزيديين في سنة 2002م إنشاء البيت الأيزيدي في سوريا ليكون بمثابة دار للشعب الأيزيدي لممارسة شعائره وطقوسه الدينية إلا أنه تم رفض الطلب من قِبل السلطات السورية دون إبداء أي أسباب، وذلك بحسب ما ورد في تقرير “الأيزيديون في سوريا: عقود من الإنكار والتهميش” الصادر في سبتمبر سنة 2022م، عن عدد من المنظمات غير الحكومية.

في السياق نفسه، لم تعترف المدونة القانونية السورية بحق الأيزيديين السوريين في إدارة أمورهم الشخصية وفقاً لشرائعهم وأعرافهم الدينية. نصت المادة 306 من القانون السوري على “إخضاع السوريين جميعهم لقانون الأحوال الشخصية، على اختلاف ديانتهم ومذاهبهم، سوى ما تستثنيه المادة 307 المتعلقة بالطائفة الدرزية… والمادة 308 المتعلقة بالطوائف المسيحية واليهودية”.

في فبراير سنة 2021، أصدرت السلطات السورية “التعميم رقم 7” بخصوص مطالبات الأيزيديين بالاحتكام إلى شرائعهم الخاصة. جاء في هذا التعميم “…أن المواطنين السوريين من الطائفة الأيزيدية يخضعون فيما يتعلق بقضاياهم الشرعية -ومنها الزواج- إلى قانون الأحوال الشخصية الذي لم يُخضِعهم إلى تشريعات خاصة أسوة بباقي الطوائف المشار إليها فيما سلف… بذلك يغدو قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953 هو الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية لأبناء الطائفة اليزيدية من المواطنين السوريين، والمحكمة الشرعية هي صاحبة الاختصاص في رؤية القضايا الشرعية للطائفة اليزيدية من المواطنين السوريين”.

أبدى الأيزيديون السوريون رفضهم لهذا التعميم بوصفه خطوة جديدة على طريق تهميشهم وإنكار حقوقهم القانونية. على سبيل المثال جاء في رد مجلس أيزيديي سوريا على هذا التعميم “إن الوجود الأيزيدي كجزء من تراث الحضاري السوري وجزء من هويته التاريخية مهدد بموجب تعميم الصادر من قبل النظام والذي يوازي التهجير الممنهج من قِبل الفصائل الاسلامية المسلحة في عفرين والتي أدت لهجرة معظم الأيزيديين”.

واقترح المجلس “استبدال وزارة الأوقاف وكافة المحاكم الشرعية التابعة لها وتبديلها بوزارة شؤون الأديان بحيث يكون لكل ديانة ممثل ضمن هذه الوزارة. أما ما يتعلق بالأحوال الشخصية فمن الضروري إخضاعها للمحاكم المدنية. أو تشريع مادة قانونية جديدة للأيزيديين بما يخص الأحوال الشخصية المتعلقة بهم، على غرار المادة رقم 307 المتعلقة بالطائفة الدرزية والمادة 308 المتعلقة بالطوائف المسيحية السورية”.

بين داعش والميليشيات التركية

يتعرض الأيزيديون في السنوات الأخيرة -ولا سيما بعد اندلاع أحداث الثورة السورية في سنة 2011- لخطر الإبادة الجماعية لسببين رئيسيين، أولهما اختلاف ديانة الأيزيديين عن الديانات المنتشرة في سوريا، مما تسبب في استهداف الأيزيديين السوريين من قِبل الجماعات الإسلامية المتطرفة. أما السبب الثاني فيتمثل في انتماء الأيزيديين للعرق الكردي. الأمر الذي جعلهم عرضة للاستهداف من قِبل الميليشيات التابعة لتركيا التي تسيطر على مساحات واسعة في شمال وشرق سوريا، والتي تخوض حرباً مفتوحة ضد المسلحين الأكراد في جنوب تركيا والمناطق القريبة في سوريا والعراق.

يقول مدير مؤسسة أيزدينا، علي عيسو موضحاً: “الأيزيديون يتعرضون لانتهاكات مضاعفة، فهم أكراد القومية وبالتالي تراهم الفصائل عدواً لها وبالتالي تحارب لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم وتمنع عنهم أبسط حقوق ممارسة طقوسهم القومية. ومن ناحية أخرى فالأيزيديون ديانة غير مُعترف بها في سوريا وبالتالي يرى المتطرفون بأن معتنقي هذه الديانة ليسوا من الأديان السماوية ولا يحق لهم التمتع بخصوصيتهم الدينية”.

نشرت لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة، والمعنية بسوريا، في يونيو 2016م تقريراً تناول المذابح الدموية التي تعرض لها الأيزيديون السوريون على يد تنظيم داعش. جاء في هذا التقرير أن التنظيم المتطرف سعى لمحو الأيزيديين “من خلال القتل والعبودية الجنسية والاستعباد والتعذيب والمعاملة المهينة واللاإنسانية وكذلك عبر الترحيل القسري والذي تسبب بأضرار نفسية وبدنية. أضف إلى ذلك فرض الظروف المعيشية السيئة والتي جلبت الموت البطيء واستخدام وسائل أعاقت ولادة أطفال أيزيديين بما في ذلك إجبار الأيزيديين البالغين على تغيير دينهم، والصدمات النفسية والفصل ما بين النساء والرجال الأيزيديين وإبعاد الأطفال الأيزيديين عن عائلاتهم ووضعهم مع مقاتلي داعش، وبالتالي فصلهم عن معتقدات مجتمعهم وممارساتهم الدينية”.

الإسماعيلية هي الجماعة الشيعية الأكبر بعد الاثني عشرية، ويمتد وجودها إلى أكثر من 25 دولة، كما يقدر أتباعها بحوالي 12 مليونا، ينتشرون في آسيا الوسطى وجنوب آسيا والصين وإيران وكينيا وسوريا واليمن، وبعض دول القارة الأوروبية، كما يوجدون في أميركا أيضا.

أشار التقرير كذلك إلى بيع الآلاف من النساء والفتيات، بعضهن لم يتجاوز التاسعة من العمر، في أسواق للعبيد أو سوق السبايا كما أُطلِق عليه، في محافظات الرقة وحلب وحمص والحسكة ودير الزور السورية. وأشار التقرير إلى أن تنظيم داعش والذي اعتبر الأيزيديين “كفارا” صرّحت علناً بأن الديانة الزيزيدية هي سبب الهجوم على الأيزيديين في أغسطس سنة 2014م وما تبع ذلك من انتهاكات. وصفت داعش الأيزيديين بأنهم “أقلية وثنية وأن بقاءهم أمر يجب أن يكون موضع تساؤل من قِبل المسلمين” وأضافت بأنه “يمكن استعباد نسائهم واعتبارهن غنائم حرب”.

على الجانب المقابل، بدأت الانتهاكات التركية ضد الأيزيديين في مدينة عفرين، منذ بدء العملية العسكرية التركية في شمالي سوريا في الثامن عشر من مارس سنة 2018م. ذكرت بعض المصادر الأيزيدية أن العملية العسكرية هددت الوجود الأيزيدي في المنطقة، وأن عفرين شهدت انخفاضاً كبيراً في أعداد الأيزيديين. فمن أصل 25 ألف أيزيدي كانوا يعيشون في 22 قرية في عفرين قبل عام 2018م، لم يبق اليوم سوى 5 آلاف فقط. في السياق نفسه، قال الصحفي الأيزيدي زنار جعفر في ديسمبر 2022م إن الجيش التركي والميليشيات التابعة له تقوم بأعمال إبادة وتطهير عرقي ضد الأيزيديين في منطقة عفرين. وأوضح أن الاستهداف يطول كل مظاهر الثقافة الأيزيدية في المنطقة.

يقول: “يتواجد في عفرين أكثر من 15 مزاراً للأيزيديين. دمر الاحتلال التركي معظمها ونبش محتوياتها، مثل مزار بارسه خاتون، عبد الرحمن، شيخ حميد، شيخ ركاب، شيخ بركات، ملك آدي، جل جانه، شيخ غريب، يد علي، مزار حنان، كما أقدم المرتزقة على حرق شجرة “مباركة” في قرية كفرجنة بجانب مزار قره جورنه “مزار هوكر”، إضافة إلى سرقة ونبش قبر أيزيدي تراثي في مزار شيخ جنيد في قرية فقيرا وتدميره، بالإضافة لاقتلاع العديد من الأشجار التي تعتبر مباركة للأيزديين. ودمر الاحتلال التركي مقر اتحاد الأيزيديين في مركز مقاطعة عفرين، وتم تدمير تمثال زرادشت وقبة لالش الموضوعين فيه”. يهدد كل ذلك بانقراض الأيزيديين في سوريا خصوصا مع زيادة وتيرة هجرتهم إلى الدول الأوروبية في السنوات القليلة الماضية.

محمد يسري

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular