صباح يوم السابع من أيار 1914، تسير الأميرة ميان خاتون برجل روسيا القيصرية ومرافقيه كل من الشيخ إسكندر الحايك والمترجم في جولة لتريهم معبد لالش. ويقوم الشيخ إسكندر بوصف المعبد، ويكتب: “هو شبيه بكنيس اليهود وقد قام في وسطه مذبح منار بالزيت. أما الجدران فقد تلونت أشكالاً. وقد رسموا على الحائطين الأيمن والأيسر حية كبيرة من حولها حيات صغيرة مختلفة الألوان والأجناس وفي وسطها طير الطاؤوس بألوانه الطبيعية الجميلة. والى جانب المذبح قاعدة من الرخام الموصلي عليها تمثال الطاؤوس وقد صنع من نحاس أصفر وحجمه حجم الطاؤوس الحقيقي. والى شمال التمثال مقعد للرئيس الديني مغطى ببساط رسمت عليه صورة الطاؤوس والى جوانبه صور الحيات والأفاعي المتنوعة.” (ص148)
* إذا كان الشيخ إسكندر الحايك قد رأى تلك الرموز عام 1914، أي قبل 99 عاماً، على جدران معبد لالش، فإنه في الوقت الحالي لم يبق غير رمز الحية السوداء الكبيرة على الجدار الأيمن، وقد اختفت رموز الحيّات الصغيرة وطير الطاؤوس سواء على الجدران أو بساط الرئيس الديني (يقصد بسجاد البابا شيخ). علماً أن الكاتب (A. Nazir Seat) قد صور عام 1849 وبعدها (Athelstan Riley) عام 1886 الواجهة الأمامية للمعبد، عليه صور رموز عديدة كل واحدة منه يرمز الى طقس أو ظاهرة معينة من العقيدة الايزيدية القديمة. سوف الحق بالمقال صور تلك الرموز من أرشيفي الخاص. ومن تلك الرموز: النجمة الخماسية ورمز الزهرة، الصولجان، العكاز، المشط، حيوانات وطيور.. كما يلاحظ في أعلى الباب الرئيسي صورة منقوشة على حجر المرمر، تمثل راية الطاووس يرفعهما أسدان، أو حيوانان آخران، وعلى جانبيه من الأعلى طير طاووسان” من دون أن يشير اليها الشيخ إسكندر. وهذه الراية (راية الطاؤوس) تتطابق مع راية مملكة ميتاني (كتابي: الرمزيات في الدين الايزيدي، ص 187)
أثناء التجوال في المعبد يسأل السائح الروسي الأميرة ميان خاتون عن عدد نفوس الايزيدية في العالم. فكانت إجابة الأميرة أن عدد الايزيديين “يناهز الستين ألف نسمة، وهم يقطنون جبل سنجار وحوالي الموصل والشيخ عدي، وفي بلاد روسية أيضاً جماعة من اليزيديين ليسوا بقليلين، لكني لا أستطيع أن أعرف عددهم تماماً.” (ص 148) يطرح السائح سؤالاً آخراً على الأميرة: وكيف هي عبادتكم، ومن هو الإله المعبود؟
تجيب الأميرة: عبادتنا اكرام الطاووس ممثلاً جمال المعبود. والإله المعبود هو القوة غير المنظورة التي يسعها أن تؤذي إذا كانت لا تحترم. (ص 148) وعندما أراد السائح معرفة المزيد من العقيدة الايزيدية، استنجدت الأميرة بالشيخ الأكبر المعمم بعمامة سوداء، حيث أجاب هو الآخر بأننا “نعبد قوة غير منظورة تمثلها بالطاؤوس. وأن الطاؤوس يمثل جمال المعبود والحية حكمته، لأن المعبود جميل وحكيم.” (ص 149). وفهم الوفد الزائر من ذلك الشيخ المعمم أن الايزيديين يعبدون الشمس، فيسجدون لها عند بزوغها ويقبلون أعلى حجر أمامهم تنيره الشمس صباحاً، ولاحظوا الحجر في المعبد تشرق الشمس عليهمن نافذة بنيت لهذه الغاية حال بزوغها. والشمس عندهم الإله الأول. (ص 149) بعدها تحدث لهم الشيخ المعمم عن القوانين والوظائف الخاصة بالدين الايزيدي، وعن الطبقات الدينية الموجودة ووظيفة كل واحدة منها.
ينقل الشيخ إسكندر الحايك رأي الأستاذ والمؤرخ الشهير عيسى إسكندر معلوف، حول ايزيدية جبل شنكال، بالنص: ” فاليزيديون أكراد أشداء معظمهم في جهات الموصل وبعض أنحاء روسيا، والمعروف منهم عندنا الذين نزلوا في جبل سنجار، وهو في الشمال الشرقي من بلاد بين النهرين، طوله خمسين ميلاً من الشمال الغربي الى الجنوب الشرقي، وعلوه عن السهل المحيط به نحو ألفي قدم، وهو مكلل بالاشجار المختلفة منها السنديان والبطم واللوز وغيرها، وأعلى قمته الجرداء باسم (سن كلوب) وعلى جوانبه من كل جهة قرى الأكراد اليزيديين وهم قبائل وعشائر مختلفة، وأهم عشائرهم (بيت خالتي) والهبابات، والهسكان، والفقراء أو الرهبان وسواهم، ويسكن بين هذه العشائر بعض المسلمين.” (ص 151) وعاصمة سنجار قرية اسمها (بلد) كانت قديماً مدينة كبيرة عامرة فهدمها تيمورلنك في غزوته سنة 1400 م.، وقد ذكرها المؤرخون مثل ياقوت الحموي والقزويني وابن مسكويه ووصفها الرحالة، كما وصفوا سكانها وموقعها بديع مشرف على سهل لا نهاية له إلاّ الأفق ومياهها عذبة وحدائقها كثيرة حتى شبهت بغوطة دمشق، فبنى فيها ملوك الشام ومصر قصوراً للنزهة والراحة، ولا تزال بعض الآثار فيها أطلالاً دارسة منها قصر عباس بن عمر الغزنوي حاكم مصر، ومنارة شيدها مدبر الدين بن زلكي اقسنقر سنة (598هـ-1241م.)على جامع بديع وهي من الآجر بهندسة فخمة، ومزار السيدة (زينب) زوجة هارون الرشيد، وهو بديع النقوش والزخارف والخطوط الكوفية، وحول أبوابه ونوافذه ومجاريه أحجار مرمرية من الموصل، وفي داخله قبر بتاريخ سنة 700 ه-1300م.) الى غير ذلك؟ (ص 152). ويضيف: ” شكل اليزيدية رجالاً ونساءً جميل وجمالاً مفرطاً يشبه شكل البابليين الأقدمين والذين تسللوا من اليهود المهاجرين الذين أتوا من فلسطين، عيون نسائهم سوداً ووجوههن بيضاء يميل الى الاحمرار البرتقالي، الشعر مجعد واللون العمومي أبيض ميال للاحمرار، صحتهم بوجه الاجمال جيدة، وأجسامهم قوية، والمناخ يساعدهم كثيراً لأن مناخ جبل سنجار الذي يقطنونه جيد، ومياهه عذبة وكلها ينابيع صغيرة متفجرة من الصخور وباردة جداً، وعموم اليزيديين يقضون الصيف في تلك البقعة وكل يزيدي يبني فيها مسكناً ولو صغيراً لأجل الصيف. (ص 156)
الكِتاب يتطرق الى العديد من عقائد وعادات الايزيدية وينقل آراء الكتاب والمؤرخين حول ذلك، إلاّ أني لا أرى فيه الجديد، عليه أكتفي بهذا القدر وبهذا السرد، متمنيا أن تمكنت من تقديم ما يشوق القراء لقراءته ومعرفته.
Göttingen, May 11, 2023