باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
معركة طوفان الأقصى المعركة الثانية التي تبدأها المقاومة، وتحدد ساعة انطلاقها، بينما كانت معركة سيف القدس 10 -21 أيار/ مايو2021، المعركة الأولى التي تبدأها فصائل المقاومة الفلسطينية رداً على اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، والمخططات الإسرائيلية لترحيل سكان حي الشيخ جراح في القدس، أعطت فصائل المقاومة الجنود والمستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى ساعة كمهلة للخروج من المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وإلا ستقوم الحرب، ومع انتهاء المهلة في الساعة السادسة مساءً بدأت المقاومة الفلسطينية بإطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، وبهذا حققت «سيف القدس» الترابط بين غزة و الضفة، وتقدم الهم الوطني الشامل على الهم المحلي برفع الحصار عن قطاع غزة إلى الدفاع عن الأقصى والقدس، وانتصرت المقاومة للعائلات الفلسطينية من سكان حي الشيخ جراح المهددين بإخلاء منازلهم لصالح إسكان مستوطنين إسرائيليين.
بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في خريف العام 2005، وإجلاء المستوطنين ونسف المستوطنات وتحويلها إلى ركام من الدمار، ثار جدل حول الدور الذي يمكن أن يلعبه قطاع غزة الخالي من الاحتلال المباشر، في دعم المقاومة في الضفة الفلسطينية، حيث مكنت الظروف الجديدة في القطاع أن يتحول إلى ميدان تقوم فيه المقاومة المسلحة بدور نشط دون معيقات داخلية تتمثل في مداهمات تقوم بها قوات الاحتلال، وجودها داخل القطاع يسمح لها بحملات تفتيش واعتقال واغتيال مباغتة، كما يحدث الآن في الضفة الفلسطينية، مما دفع الإسرائيليين إلى إعادة النظر في الموقع الذي يحتله القطاع في حساباتهم السياسية والأمنية والعسكرية، ربطاً ليس بالعلاقة مع الضفة الفلسطينية ، بل أيضاً بالصراع الإقليمي حول البرنامج النووي الإيراني، وخاصة وقد أصبح القطاع في العام 2007 تحت سيطرة فصيل من فصائل المقاومة، ونحى سلطة محمود عباس جانباً لتقتصر سلطته على الضفة، ويسهّل على إسرائيل الحصار الذي فرضته على القطاع تحت ذريعة أنه تحول إلى بؤرة للإرهاب.
هذا التطور في الموقع الفلسطيني والإقليمي لقطاع غزة جعل منه قضية فلسطينية قائمة بذاتها، منفصلة في سياقها اليومي عن الضفة الفلسطينية، إن في الحملة الدولية لفك الحصار عنه، أو في دوره في الاشتباك العسكري مع العدو الإسرائيلي، أو في موقعه شبه الموازي للسلطة الفلسطينية في رام الله، مما عكس نفسه حتى على آليات عمل بعض المؤسسات وصولاً إلى شلها، كالمجلس التشريعي، والاستحقاقات الدورية للانتخابات على تنوع عناوينها ( محلية- تشريعية- رئاسية…الخ)، مما أثار المخاوف حول قدرة حماس على المواءمة بين متطلبات السلطة في القطاع، وبين متطلبات المقاومة، التي تقتضي العمل مع باقي الفصائل الفلسطينية، على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، عبر تبني استراتيجية سياسية وعسكرية للمواجهة، تتكامل فيها العناصر المختلفة من أجل بناء مجتمع مقاوم في القطاع.
سيف القدس وغيرها من المعارك التي خاضتها غزة ضد العدوان الإسرائيلي، أتثبتت وقائعها ونتائجها وحدة الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وأكدت التفافه حول مقاومته،ومكانة القدس في إطار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، باعتبارها جوهر القضية الفلسطينية، وفرضت المقاومة الفلسطينية في ذلك الوقت أيار/ مايو2021 «معادلة غزة- القدس» لوقف عملية التهويد الجارية على قدم وساق في المدينة المقدسة، والتقاسم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، لكن ما لبث المستوطنون أن عادوا إلى اقتحام المسجد الأقصى، وبالغت شرطة الاحتلال في التضييق على سكان حي الشيخ جراح وقمع احتجاجاتهم.
مما دعا إلى طرح التساؤل التالي: هل نشهد قريباً «سيف القدس الثانية»؟ رداً علىالانتهاكات الإسرائيلية في باحات المسجدالأقصى المبارك واعتداء المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة والداخل المحتل.
أعتقد أن معركة «طوفان الأقصى» بعد سنتين وأربعة شهور ونصف الشهر من تاريخ معركة «سيف القدس» قد أجابت على ذلك، لقد كانت معادلة «غزة- القدس» بديهية صراحة أو ضمناً في أي معركة وقعت أو ستقع مع العدو، لأن معركة الشعب الفلسطيني معركة واحدة، انتصار غزة هو انتصار للقدس، ونصرها هو خطوة مهمة على طريق تخليص القدس من براثن الاحتلال، ولو طرحت غزة وقاتلت من أجل مطالب تنحصر بالقطاع، مثل: فك الحصار وإعادة الإعمار، أي حركة تحرر في العالم تهزم الاستعمار في مكان ما، انجاز لتخليص الإنسانية كلها من الاستعمار وربيبته إسرائيل، فكيف يكون الأمر بالنسبة للحالة الفلسطينية إذا تحقق نصر على أيادي أبطال غزة.
الواقع الموضوعي للشعب الفلسطيني يقول بترابط حقوق هذا الشعب وقضاياه، في مناطق انتشاره كافة، بين الداخل والخارج، بين المناطق المحتلة عام 1967 والمناطق المحتلة عام 1948، بين الضفة والقطاع، بين هذه المناطق كلها، على تنوع ظروفها وخصوصيتها، وإذا كان الانقسام قد أنشأ سلطتين، إلا أن الواقع يقول إن الاحتلال في الضفة على تباين شروط تجلياته، تمتد تفعيلاته إلى غزة، وأن النضال في غزة لا يمكن فصم عراه عن النضال في الضفة، وبالتالي لا يمكن لأي عقل سياسي أن يتصور أن تلتهب الأمور هنا ويبقى الوضع هناك هادئاً، والعكس صحيح، فضلاً على أن المشروع الصهيوني واحد، والخطر واحد، وبالتالي ثمة قضايا لا يمكن القفز عنها: حصار غزة مسألة وطنية، الأسرى مسألة وطنية، إعادة إعمار قطاع غزة مسألة وطنية، البطالة والفقر والجوع في غزة مسألة وطنية، ما يعني أن قضايا غزة هي قضايا الضفة، والعكس صحيح، والنضال بين الإقليمين يفترض أن يتكامل، بعض العناوين والتفاصيل المتعلقة بالمقاومة تختلف عن عناوينها وتفاصيلها هناك، ويلتقي بعضها الآخر، كالأسرى مثلاً، لكنها كلها عناوين وطنية تهم الشعب الفلسطيني بأسره، فالحديث عن مقاومة وصولاً إلى انتفاضة ليس حديثاً عن تجمعات سكنية هنا أو هناك.
وإذا كان الأمر كذلك فإن استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام والتي هي مسألة وطنية مهمة، يمكن أن تتحقق بطريقة غير مباشرة من خلال رفع وتيرة النضال ضد الاحتلال، عندها سنجد واقعياً أن مساحة الانقسام آخذة بالتقلص ومساحة الوحدة الحقيقية لشعب فلسطين في مقاومة الاحتلال آخذة في الاتساع، من خلال النضال ضد الاحتلال تحت سقف برنامج العمل المشترك بعيداً عن المناكفات والمصالح الفئوية الضيقة.