هناك عديد المستويات لعمل قوى النظام الطائفي الكليبتوقراطي الفاشي، ومن ذلك محاولات التسلل عبر ادعاءات ومزاعم تشكيل بدائل بأسماء مدنية وواجهات العلمنة المزيفة ومنظومة قيم تتسر بها وتضلل بأباطيل ليس لها من صدقية سوى الشكل أو الرداء الذي ترتديه تقيةً! ولكن دراسة الوقائع ومنها معنى وجود مليشيا الذي يفضح أنها السبب الأساس والنهائي للجريم، إنما يمكننا من اتخاذ جملة قرارات وصياغة مفهومية واعية لا تسقط بهفوات التعبير في مطبات كارثية تبيح إدامة تلك القوى المرضية واختراقاتها.. فلنتنبَّه ونقرأ بإمعان ونتخذ القرار بخلافه فإننا نمضي بشعب إلى ما يخدم أعدائه وتلكم هي الأخرى جريمة بميدانها وتوصيف نتائجها
المسؤولية القانونية والسياسية لدور الميليشيا في الجرائم المرتكبة؟
كيف نقرأ المسؤولية القانونية والسياسية لتشخيص دور الميليشيا في الجرائم المرتكبة؟ وما الفعل المطلوب لإنهاء ذلك الدور الإرهابي؟ كيف نتجنب الوقوع في هفوات تجرنا إلى منزلقات إعادة إنتاج النظام وأركانه؟ |
على الرغم من المواقف الفقهية المتعددة عند القضاء بشأن بعض جوانب جريمة القتل العمد إلا أنها تبقى محددة التعريف قانوناً بركنيها المادي والمعنوي.. فأما الركن المادي فيختص بحدوث و\أو اكتمال فعل القتل وإماتة الضحية المجني عليها؛ حيث السلوك أو الفعل الذي يرتكبه الجاني بعناصره الثلاثة: بدءاً بأدائه إيجاباً أو سلباً و\أو امتناعاً المؤدي إلى النتيجة ثم النتيجة نفسها وأثرها بتحقق إزهاق الروح وإماتة المجني عليه وأخيراً، العلاقة أو الرابطة السببية بين الفعل والنتيجة… ولكن تشخيص الجريمة يظل بحاجة لامتدادات تتمحص فيها قبل إنزال الحكم والعقاب بالجاني. إذ أنّ الركن المعنوي الذي يبحث في توافر القصد يحتاج إلى وجود نية (العلم والإرادة) وإلى ظرف أو سمة سبق الإصرار.. فالجاني يصر على توجهه بعلم منه بأن فعله سيتسبب بالقتل وبإرادة على إحداث تلك النتيجة أي إزهاق روح بقصد وسبق إصرار…
ولعل من أخطر تلك التوجهات الإجرامية في القتل، ما تمت تسميته: الاغتيال بكل دوافعه سواء كانت سياسية، دينية معنوية أم اقتصادية مادية أم ثقافية… على أنَّ ما يهمنا تثبيته هنا، يتجسد في دور المحرك الدافع لجرائم التصفية الجسدية أو المعنوية من تلك القائمة على دور تفشي انتشار أدوات الجريمة وظروف وقوعها أو ارتكابها.
إن ظواهر الغدر في جريمة الاغتيال تبدأ بإعداد سوسيو سايكولوجي وفكري سياسي قائم على غرس (اعتقاد) عند فرد\ أفراد معاً أو بتشكيلات مؤسسية تستغل نشر الفوضى والانفلات من أية ضوابط مجتمعية إنسانية من أعراف و\أو قوانين وإضعاف سلطتها بما يوفر فرصاً أوسع لارتكاب الجرائم التصفوية التي تمنحهم فرض نزعاتهم بالخصوص سطوة البلطجة والتملّك للأمور المادية أو لاستعباد البشر وتوجيههم وهو ديدن وجود الميليشيا وأنشطتها التي ستبقى بالضرورة أفعالا إجرامية إرهابية على الرغم من محاولات التمويه بادعاء القدسية والتستر بالتدين وبمزاعم الدفاع عن أتباع مذهب أو فئة بعينها..!
فقوى التطرف الإرهابية بكل تمظهرات ادعاءاتها الدينية وتمترساتها الطائفية، لا تملك في البدء سوى إعداد المجرمين القتلة بطريقتين: تلبي الأولى إشكالية إيمان عقائدية مضللة والأخرى بناء شخصية عدوانية وحشية انتحارية…
إنّ هذا النهج وقف دائما ضد أية فرصة لاعتماد الحوار والتعايش مع الآخر وقبول حال الاختلاف، كما لجأ إلى التجهيل وإشاعة التخلف ومنطق الخرافة وأسباب التعصب، مثلما أفشى خطاب الكراهية والاحتقان والتوتر بما أفشى روح العداء وانتهاك الآخر بغرس بعبع يفترض باستمرار زوال وجوده الهمجي، إذا ما استكان للحظة! حيث احتفظ بوضعه مستفزاً يحيا على تعطيل التفكير واعتماد الانفعال العدواني والتبريرات التي تقرأ كل نأمة أو موقف للآخر على أنه تهديد يجب المبادرة لسحقه؛ وتلك هي حقيقة وجود الميليشيا وتهديدها السلم الأهلي والأمن والأمان وأي استقرار مجتمعي..
هنا، وجب اتخاذ قراءة قانونية مخصوصة بجرائم القتل أو جرائم الاغتيال منها حصراً، على أنها لا ينبغي أن تكتفي بمقاضاة المنفّذ الفرد أو مجموعة الأفراد؛ لأن ذلك غضّ طرف عن المسؤولية الجنائية لوجود السبب الحقيقي الذي انطلقت منه الجريمة، جريمة الاغتيال أو القتل والتصفية سواء الجسدية أم المعنوية..
إن حكم القانون وأداته القضائية على تلك الجريمة يتطلب محددات موصوفة في ضوء الجريمة. بمعنى أن مَن يريد سيادة القانون لا ينتظر وقوع جريمة (القتل) إياها ليحدّد ركنيها واكتمال شروطها كما في أي مقاضاة للمجرم الجاني بحدود القراءات القانونية المعتادة! فيما يتغافل عن سبب تفشي الجريمة وفوضاها المفتعلة بوجود الميليشيات سبباً قطعياً ونهائياً لاستمرار تلك الجريمة وتكررها…..
إنّ استمرار إنفاذ القانون بتوصيف القتل العمد لجرائم الاغتيال والانتهاء عند المنفذ\ المنفذين، أمرٌ لا ينتهي بإعفاء الجاني الحقيقي، الأكبر والأبرز في الجريمة بل يكرّس وجوده ويسمح بالتعايش مع الجاني، القائم بوجوده على اختراق القوانين والأعراف وانتهاك منظومة القيم التي تضمن الأنسنة والسلام والسلامة..
وحتى في إطار المعالجة، التي توصي باعتماد الحوار ثقافة وقبول الآخر ومبدأ التعايش في إطار التنوع والتعددية فإنها تكون خطابا مخترقا ينفي نفسه بمجرد عدّ القوى الدافعة على الجريمة جزءاً مكونا من أطراف الحوار! أي عدّ تلك القوى المتطرفة والتعامل معها على أنها وجوداً مجتمعيا يتساوى مع الآخرين مثلا قبول أحزاب عنصرية طائفية تحمل خطاب الكراهية واختلاق أسباب الاحتراب عبر التخندقات التي تحملها مع أن الدساتير تحمل ضمنا رفضا لوجود تلك التشكيلات في إطار رفض الجماعات المسلحة بأدوات العنف وأسلحته مثلما هنا الميليشيات حتماً وبالتأكيد..
والنموذج العراقي اليوم، مثلما أظهر قبولا وإقرارا لتمثيلية تحويل بعض المجموعات المسلحة إلى أحزاب سياسية أو استيلاد أحزاب بمسميات وأردية أو أغطية (مدنية) للتمكن من السلطة وإدامة وجود سطوتها، دفع ويدفع اليوم بتمظهرات لا تعكس حقيقة أيّ تحول جوهري في هذا الميدان بقدر ما تجسد تلاعبا يمرر وجود الميليشيات ويشرعنه بمختلف الوسائل التي تعد هي الأخرى لا مجرد خرق دستوري وإنما جريمة مع سبق إصرار باتجاه إبادة في مجموع أبناء الشعب بالاستناد إلى ما تعنيه فلسفة المجموعات المسلحة ورديفها أجنحتها السياسية من أداة توفر ظرف الجريمة ركناً جوهريا لكل جرائم القتل المتسعة حد مسمى جرائم الإبادة…
عليه لا نرى في مطالبات القوى السياسية الإيجابية بإشاعة لغة الحوار لحل الخلافات ولا محاولات إنعاش خطاب السلام مجتمعيا بكافية وسديدة لأنها عندما تُطلق بهذا السياق الهلامي غير محدد المعالم، ستمنح ثغرات واسعة للاختراق من قوى التطرف وأدوات بلطجتها المافيوية الميليشياوية، بخاصة وهي تراها مكوّنا مجتمعيا وتمنحها حق العمل وحريته.. والشعب برمته يدرك أن عملها الأساس [أي الميليشيات] ومقاصد ذاك العمل وأدواته هي الجريمة التصفوية جسديا ومعنويا روحيا، فكيف يمكن التوقف عند نداءات حل الخلافات بمنطق الحوار من دون وضوح اشتراطاته النوعية البديلة التي ينبغي ان تُنتج التغيير!؟
عن أي حوار يتحدث قانون أو قضاء للمجني عليه ومعه المرشح للتصفية من ذويه، وهنا الشعب برمته هو المستهدف بالجناية، أي حوار يتحدث عنه، عندما يقول له: اذهب وحاور القاتل!!؟
الصائب هنا لا حوار بين المجني عليه والجاني ولا حوار من دون فضاء سليم يحميه؛ بمعنى أن تتوافر سلطة القانون واستقلالية القضاء وحريته وقدرته في منع إفلات الجناة من العقاب، بخلافه لا حوار سوى نضالات قوى السلام في سيطرتها على الشارع حتى تسترد السلطة والنظام وتتمكن من وضع من يمثلها في إدارة السلطة بأقسامها التشريعية الرقابية والتنفيذية والقضائية ومعها السلطة الرابعة وسلطة المجتمع المدني أيضاً…
إن وجود الوعي لا الجهل ومنطق العقل العلمي لا الخرافة وإنّ فرض قوانين السيادتين الداخلية والخارجية وسلطتهما لا الانفلات الأمني بمعانيه ودلالاته، هي من أسس الحياة التي تؤنسن وجودنا وتعيده إلى سلامة المسار..
خلاف ذلك يسود الانهيار القيمي الأخلاقي والقانوني وتسود مناهج (حارة كلمن إيدو إلو!) حيث البلطجي صاحب السلاح والمرجعية النافذة كما مليشيات الوحشية الهمجية الوكيلة عن ملالي الشؤم نراها وقد تسللت بمنطق الولائية وحماية المذهب بينما أتباع المذهب هم أول ضحاياها وإن وقع بعضهم أسرى أوهام التضليل وأباطيله…
إن بديلا يعتمد صرامة القوانين بمرحلة انتقالية، تهيِّئ للضبط والربط هو الأساس المؤمل في أيِّ حلٍّ وهو ذاته الذي يعني حماية قانونية شاملة لا استثناء فيها لكل الناشطات والنشطاء في مجالات الفكر والسياسة والثقافة والأدب والمجتمع، بأوسع بوابات وجوده.. وهو ذاته الذي يعني حظر (كل) أحزاب سلطة، كرست وجود المافيا والميليشيا طوال زمن الانفلات من القانون وعقابه منذ 2003 حتى يومنا، لأن الجريمة المرتكبة لم تكن من أفراد وبدوافع فردية خاصة ضيقة بل كانت من فلسفة تلك (الأحزاب) وأجنحة حربها ضد المجتمع وعموم الشعب بنهج عدواني وحشي لن يتغير بتغيير الأسماء وتبديل التمظهرات وإعلانات البرامج التي لا تعدو عن كونها تمظهرات تتستر بها…
إن حظر تلك التشكيلات ومنع أفرادها وزعاماتها من العمل العام لمدة لا تقل عن عشر سنوات هي فلسفة القانون البديل بخلافه يقع الشعب مجددا أسير اللعبة القذرة لألاعيب نظام الطائفية الكلييبتوقراطي الميليشياوي الفاشي..
والقضية قضية تعريف الجريمة، جريمة القتل والاغتيال بأوسع مجرياتها كونها من جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة التصفوية بشكليها الدموي الجسدي والمعنوي القيمي..
فقتل عشرات آلاف العراقيات والعراقيين جريمة موصوفة لا تقع جنائيا على عاتق الفرد إلا عند تزويقات تزوِّر القانون وفهم روحه أما إبادة التنوع العراقي والتعرض لمنظومات قيمية لكل أتباع الديانات والمذاهب ولأحرار العقل فهي إبادة جماعية مسؤول عنها زعامات النظام وتشكيلاته التي تتستر تقيةً بتسمية أحزاب وكتل سياسة هي الجريمة بعينها…
أتطلع لحوار قانوني المرجعية بخلفية فكرية سياسية تقرأ بموضوعية المواقف التي ينبغي أن تتخذها حركة التنوير والتغيير ونحصنها من أي تورط في التعامل مع استراتيجية سلطة نظام كليبتوقراطي فاشي وأركانه المراوغة المضللة بادعاءات التوجه لتكون هي حامل منظومة التغيير بمجرد تغيير أسماء وتمظهرات وبإدامة وجود الميليشيا التي يلزم أن يكون هناك حزم وحسم بحلها والانتهاء من بلطجتها المجتمع وسطوتها على المسار كليا… شكرا مقدما لكل تداخل