الأحد, أبريل 28, 2024
Homeابحاثجعفر بن يحيى البرمكي، هل هو مير جعفر الداسني ح 1؟! :...

جعفر بن يحيى البرمكي، هل هو مير جعفر الداسني ح 1؟! : د.خليل جندي

 

في خمس حلقات (1-5)

قرأت فيما مضى من الزمن مقالات منشورة على صفحات التواصل الاجتماعي وصحف ورقية لأيزيديين كتبوا عن (الأمير جعفر الداسني) الذي قاتل جيوش الخليفة العباسي المعتصم بالله، فمن عدّ (الأمير جعفر الداسني) من سلالة ابيار الايزيدية، ومن عدّه من عائلة (البرامكة) وكونها عائلة ايزيدية ومن إمارة الدنبلي والمحمودي. هذا ما استوقفني وجلب انتباهي بغض النظر عن بساطة وسطحية تلك المقالات. اليوم وبعد أن سنح لي الوقت، بدأت أبحث في المتوفر لدي من المصادر الرصينة وأمهات المراجع (شرفنامه، خلاصة تاريخ الكرد وكردستان، وفيات الأعيان، الكامل في التاريخ لابن الأثير، تاريخ الطبري، مروج الذهب،..الخ.)، هل من علاقة بين جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي وبين الأمير جعفر بن حسن الداسني؟ وهل العائلة البرمكية التي لعبت دوراً بارزاً في تأسيس الخلافة العباسية، من الكرد ومن أبيار الايزيدية؟ وهل فعلاً تنتمي تلك العائلة إلى العشيرة الدنبلية/الدوملية/ الزازاكية؟. هذا ما أود التوقف عنده وتناوله ونشره في حلقات.

من هم البرامكة ومن هو جعفر بن يحيى البرمكي؟

البرامكة أو كما يسمون بالفارسية (برمكيان) هم أسرة من أشراف إيران وترجع أصولها حسب المصادر إلى برمك المجوسي، وينتسبون إلى جدّهم (بَرْمَك/أو بَرْموك) وهو لقب السادن الأكبر لمعبد الـ (نوبهار) بمدينة بلخ، ومن ينسبوهم إلى رجال دين بوذيون سابقون في معبد (ناڤ ڤيهارا). و(النوبهار) تأتي بمعنى الربيع الجديد، معبد كان ملوك الهند والصين وكابل يقصدونه ويحجون اليه. وكانت الفرس تعظمه وتحج وتهدي إليه. وقد اختلف في كونه معبداً بوذياً أو معبداً للنار. (موقع المعرفة). ويقول نفس المصدر بأن (أبو خالد برمك) أول من أسلم على يد هشام بن عبد الملك عام (105-125هجرية) وكان قد نشأ في الهند وتعلم علم الطب والنجوم. أما ابنه (خالد برمك) (ولد عام 90 هجرية) فكان من أشراف خراسان البارزين وانضم إلى الدعوة العباسية وصار من أكبر دعاتها هناك. وكان خالد على درجة عالية من المقدرة السياسية والعسكرية والإدارية بحيث جعلت الخليفة أبو جعفر المنصور الاستعانة به في تهدئة الأوضاع في الموصل والجزيرة الفراتية بعد أن نقضتا العهد، ووكل إليه ولايتهما. وأثبت مقدرة فائقة في ضبط الموصل. كما ولى فارس ثم الرّي وطبرستان. توفي عام 165هجرية/781-782ميلادية، وخلفه بعده ابنه يحيى ليسلم ولاية أذربيجان للخليفة المنصور.

وقد جاء ذكر أسرة البرامكة عند شرفخان البدليسي في كتابه شرفنامه ضمن الفصل الثامن في ذكر أمراء (السويدي) ويقول ان نسبهم ينتهي إلى بني برمك، كما أن عشائرهم ترجع إلى شخص يدعى (أسود). وأن مسقط رأس طائفة السويدي هي قرية (سويد) التي تقع على منزلين من المدينة المنورة من ناحية الشام. إلاّ إن محمد علي العوني/مترجم شرفنامه يصحح المعلومة ويكتب في الحاشية رقم 1، ص 247، أن هذه الطائفة الكردية القديمة نزحت من ملجئها ومعتصمها قلعة (السويداء) أي سوره ك= سيوه رك الحالية الواقعة بين آمد والرها، حين استيلاء الروم والأرمن عليها أيام حكم الصليبيين لسواحل الشام وجزء من الجزيرة. فلا علاقة لقرية السويد التي بجوار المدينة المنورة، ولا في غيرها من البلاد والأقاليم.

وأما عن (آل برمك) يقول شرفخان “أنهم يصلون بنسبهم إلى ملوك الفرس حيث يقولون: انهم كانوا قديماً في ولاية (بلخ) يعبدون النار. ثم هداهم الله تعالى بغتة إلى نور الإسلام (كذا). (ص 247). وقد هاجر جعفر في عهد عبد الملك ابن مروان، وفي رواية في عهد سليمان ابن عبد الملك إلى دار ملك الشام. أما تسميتهم بـ (برمك- برمكي) فان شرفخان ينسبها إلى الكلمة الفارسية (برمكيدن) بمعنى المص. تقول الرواية عندما هاجر جعفر بن يحيى بن خالد إلى الشام وحضر مجلس عبد الملك بن مروان كان قد وضع السم تحت فص خاتمه، فعندما علم عبد الملك بذلك وسألو جعفراً عن سرّ حمله للسم، أجاب بقوله: إني وضعت السم تحت فص خاتمي حتى إذا ما وقعت في مأزق بادرت إلى مص الخاتم لأخلص من الشدة. فلهذا سماه الناس (برمكي)! يقال بان موقف الغيرة والانفة الذي أبداه جعفر بن يحيى بإخفاء السم تحت فص خاتمه، لاقى القبول والاعجاب من لدن عبد الملك بن مروان أو أخيه (سليمان)، فأولاه ثقته وعطف عليه عطفاً كبيراً واسند إليه منصب وزارته العظمى. (شرفنامه، ص 248).

إذن جعفر هو الملقب بأبو الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي ولد عام (767م) ولادة مدينة بلخ الإيرانية، وقتل عام (803م) في مدينة العُمَر في الأنبار، وهو ابن الوزير الفارسي يحيى بن خالد في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد المولود عام (766م) في مدينة الري الإيرانية، والمتوفي عام (809م) في مدينة الطوس (مشهد اليوم). ويحيى هو الذي ورث لابنه جعفر هذا المنصب.

البرامكة والخلافة العباسية:

لما جاءت الدعوة العباسية إلى خراسان، كان خالد بن برمك من أكبر دعاتها فجعله أبو العباس السفاح وزيرا، وبقي يتقلب في المناصب بحسن السيرة وكان ممدوح الولاية حتى مات سنة 163هجرية. وكان ابنه يحيى بن خالد بن برمك من أرفع الناس أدبًا وفضلاً ونبلاً، تولى المناصب منذ عام 158هـجرية، وكان محبوبًا وهو الذي ربى هارون الرشيد، الذي بدوره كان لا يناديه إلا بـ (يا أبي)، (وكانت أم جعفر والفضل أمه من الرضاعة فحصل لهم من الرفعة في الدنيا وكثرة المال بسبب ذلك شيء كثير لم يحصل لمن قبلهم من الوزراء ولا لمن بعدهم من الأكابر والرؤساء). ويحيى هو الذي مكّن هارون من الخلافة على غير رغبة الهادي. فلما تولى الرشيد الخلافة أمّر يحيى وزارته فكانت وزارة تفويض وقال له: (قلدتك أمر الرعية وأخرجته من حقي إليك، فاحكم في ذلك بما ترى من الصواب، واستعمل من رأيت، وأعزل من رأيت..). في سنة 184هـ بايع الرشيد لابنه عبد الله المأمون بولاية العهد بعد أخيه محمد الأمين وضمه إلى جعفر بن يحيى. لقد كانت هذه الأسرة مقربة إلى الرشيد، تساعده في القيام بمهام الدولة خير قيام. وقد كان جعفر يدخل على الرشيد بغير إذن حتى كان ربما دخل عليه وهو في الفراش مع حظاياه، وهذه وجاهة عظيمة ومنزلة عالية. سمى المؤرخون البرامكة (زهرة الدولة العباسية كلها).. قادوا الجيوش، وسدوا الثغور، ودافعوا عن حياض الدولة.

كان للبرامكة منزلة عالية واستحواذ على الكثير من المناصب في الدولة العباسية وكان لهم حضور كبير في بلاط الخليفة العباسي هارون الرشيد، الذي ارضعته زوجة يحيى بن خالد البرمكي الذي حفظ لهارون الرشيد ولاية العهد بعد أن أراد الخليفة الهادي خلع هارون الرشيد. وفي زمن هارون الرشيد قوي ساعد البرامكة وهم أصلاً من الفرس ويعودون الى جدهم برمك المجوسي. وقامت زوجة يحيى البرمكي بارضاع هارون الرشيد طفلاً، فأصبح أخاً (بالرضاعة) لإبنها الفضل بن يحيى البرمكي الذي حظي بمكانة خاصة عند الرشيد، ويقال بأنه كان الحاكم الفعلي لبعض أمور الدولة العباسية. وبسبب تقوية شوكة البرامكة وخوف الرشيد من أن يسيطروا على الخلافة، فقد قرر فجأة في أحد أيام عام (803 هجرية) القبض على جميع أفراد العائلة البرمكية؛ قتل البعض منهم، ودخل كثيرون السجون، وشرد الباقين وصودرت أملاكهم وأموالهم وبذلك انتهت اسطورة البرامكة وانتهت سلطتهم داخل الدولة العباسية، وسميت معركة الرشيد ضدهم بـ “نكبة البرامكة”

وجاء في كتاب شرفنامه هكذا: بانه بعد مدة من الزمن قام ابنه خلد، وابن خالد جعفر بوزارة أبي العباس السفاح، وأخيه أبي جعفر الدوانيقي، وفي عهد هارون الرشيد كان الوزير ابن جعفر. لكن الصحيح كما جاء في إبن خلكان وغيره من المصادر العربية القديمة، هو يحيى بن خالد أما جعفر فحفيده. (ابن خلكان، ابي العباس شمس الدين احمد بن محمد بن ابي بكر (608-681هـ/1211-1282م)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، المجلد الأول، تحقيق الدكتور احسان عباس، منشورات الشريف الرضي/قم، 1968، ص 342). كما أن أولاده الفضل، وجعفر، وموسى أيضاً وصلوا إلى أعلى المراتب والمناصب الوزارية السامية، الأمر الذي حمل الوشاة والساعين في الشر على ايغار صدر (هارون الرشيد) على وزيره يحيى فقتل ابنه جعفر وألقى يحيى، والفضل مدى الحياة في غياهب السجن حتى قضيا فيها نحبهما. (شرفنامه، ص249). سوف نأتي في الحلقات القادمة على أسباب نكبة البرامكة وقتل جعفر وبقية أفراد عائلته.

وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان: “أبو الفضل جعفر بن يحيى بن خال بن برمك بن جامامس (أو ماجاس) بن بشتاسف البرمكي وزير هارون الرشيد؛ كان من علو القدر ونفاذ الأمر وبعد الهمة وعظم المحل وجلالة المنزلة عند هارون الرشيد بحالة انفرد بها، ولم يشارك فيها، وكان جاز الأخلاق طلق الوجه ظاهر البشر، وأما جوده وسخاؤه وبذله وعطاؤه فكان أشهر من ان يذكر، وكان من ذوي الفصاحة والمشهورين باللسن والبلاغة.

وأول من وزر من آل برمك خالد بن برمك لأبي العباس عبد الله السفاح بعد اغتال أبي سلمة حفص الخلال، ولم يزل خالد على وزارته حتى توفي السفاح سنة ست وثلاثين ومائة، وتولي أخوه أبو جعفر عبد الله المنصور الخلافة في اليوم المذكور، فأقر خالداً على وزارته، فبقي سنة وشهوراً. وكان أبو أيوب المرياني قد غلب على المنصور فاحتال على خالد بأن ذكر للمنصور تغلب الأكراد على فارس، وان لا يكفيه أمرها سوى خالد فندبه إليها، فلما بعد خالد عن الحضرة استبد أبو أيوب بالأمر. (وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان/ابي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن ابي بكر، المجلد الأول، تحقيق الدكتور احسان عباس، منشورات الشريف الرضي/قم 1968، ص328- 334).

ويقول ابن خلكان أيضاً: حتى إذا الرشيد اتخذ ثوباً له زيقان، فكان يلبسه هو وجعفر جملة، ولم يكن للرشيد صبر عنه. وكان الرشيد أيضاً شديد المحبة لأخته ابنة المهدي، وهي من أعز النساء عليه، ولا يقدر على مفارقتها، فكان متى غاب أحد من جعفر والعباسة لا يتم له سرور، فنطق: يا جعفر، إنه لا يتم لي سرور إلا بك وبالعباسة، وإني سأزوجها منك ليحل لكما حتى تجتمعا، ولكن إياكما حتى تجتمعا وأنا دونكما، فتزوجها على هذا الشرط، أي الزواج من دون الوطئ بها.

تتبع الحلقة الثانية
هارون الرشيد والبرامكة:

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular